الحوار مع الاخر اصبح متاحا لكل الفئات في عصرنا الراهن وبدأت تستجد له وسائل لم تكن موجودة من قبل فمذ انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي ونحن نرى الصفحات والمجموعات في ازدياد وهي تحمل مسميات مختلفة من حيث الاعتقاد والمذاهب والثقافات المتنوعة.
وبحكم طبيعة الانسان فانه يميل لمعرفة ما خفي عليه وما تحويه المجتمعات الاخرى من باب زيادة الثقافة والتطلع على حياتهم وعاداتهم وطقوسهم فينظم الى تلك الصفحات ويبدأ بالتحاور مع من يختلفون معه في المذهب و يحاول ايصال فكره ومعتقده واقناع الاخرين بما يسلك من مبادئ.
ان حياتنا الراهنة تكتنفها مظاهر مختلفة من التعصب والتطرف والعنف والاختلاف بالآراء فإضافة إلى العنف المدمر الذي يحصد الأرواح ويسفك الدماء في العديد من الدول، هناك العنف المبطن الذي يمارسه المجتمع على أفراده حين يتخذ أشكالاً رمزية مهذبة في الظاهر لكنها عنيفة في الباطن.
فمحاولات الفرد منا في ان يغير في المقابل او ان يقنعه بوجهة نظره يتداخل فيها شيء من التعصب للذات الانسانية وذلك لسببين:
أولهما: هو اعتقاد المرء بأن الفئة التي ينتمي إليها، سواء كانت قبيلة أو وطنا أو مذهبا فكريا أو دينيا أسمى وأرفع من بقية الفئات.
وثانيا: هو اعتقاده بأن تلك الفئات هي بالنتيجة أحط من تلك التي ينتمي إليها هو.
الشيء الذي لا بد من الاشارة اليه هو ان وجود أكثر من وجهة نظر أو رأي حول موضوع واحد لا يمكن تفسيره على أنه حالة سلبية، بل العكس من ذلك فإنها حالة إيجابية مفيدة لابد منها في أي نقاش يجري بين مجموعة من الأفراد وخصوصا عندما يكون الافراد من مذاهب مختلفة، لما في ذلك من فوائد كثيرة وكبيرة فأعقل الناس من جمع إلى عقله عقول الناس، فيستفيد المرء من تلك الآراء والمناقشات التي تدعم رأيه وتكون دافعاً له للاعتداد برأيه وعدم الحياد عنه، أو قد تكون متضاربة ومختلفة مع رأيه ومخالفة لوجهة نظره، وفي هذه الحالة يستفيد أيضاً من تلك الآراء في تصحيح بعض آرائه وأفكاره الخاطئة إذا كانت آراء الآخرين وأفكارهم أشمل وأعمق وأدق من آرائه ووجهة نظره، وذلك بعد اقتناعه واعتقاده شخصياً بها، ففي نهاية المطاف لابد من أن يصل كلٌ من طرفي النقاش إلى محصلة نهائية يتفقون بها ومحطة نهائية يقفون عندها.
وبعيدا عن التعصب ضد من يختلف معنا لابد من الدعوة إلى التسامح والاعتدال وتقبل الاخر والاستماع له وهذه ليست مجرد دعوة أخلاقية في ظرفنا الراهن بل واجب وضرورة على عاتق الجميع مهما تعددت تلاوينهم الفكرية، لمواجهة الهاوية التي يندفع إليها البلد في الوقت الراهن حيث تتفكك الوحدة ويتشرذم الشعب إلى أقوام وملل وجماعات تنزلق بجنون إلى سراديب وأنفاق العنف المظلمة والمسدودة.
فاذا كنت تريد المشاركة في مثل هكذا صفحات عليك التسلح بالعلم وبكل انواع الثقافة بالرغم من ان العلم بحر لا قرار له مع مراعاة الامور المهمة ومنها احترام الاخر والاستماع له وتقبله مهما كان انتمائه واجعل لك هدف واضح عندما تنضم او تشارك.
فهل تريد ان تقول الحقيقة التي تعرفها ولا يعرفها المخالف؟
او تريد ان تقنعه بها؟
هل تريد ان ترفع عن المخالف الغشاوة التي على عينه؟
الكل منا يرى الحقيقة! ونقصد هنا حقيقة الاعتقاد بالمذهب, ولكن من يستطيع ان يوصلها للاخر
ومن يستطيع ان يقنع المخالف بالحقيقة, المخالف الذي طالما عاش حياته على افكار واعتقاد موقن بصحتها ومؤمن بها في طفولته وشبابه.
اذاً لابد من الحوار والنقاش حتى تتسنى لك ولي ان نقنع الاخر بالحقيقة التي نؤمن بها ولا بد للحوار ان يكون فكريا بعيدا عن السب واللعن الذي يأخذ بالحوار نحو الهاوية والنهاية ويقفل باب الحوار بدون اي نتيجة سوى تفريغ للغضب والانفعال وتأكد وانت تشارك انك تأمل في هداية الاخر ولكن ايضا تأكد انك لن تهدي من احببت وان الله يهدي من يشاء والحجة لا تكون بلغيه الا بالبعد عن السب واللعن.
وكما قال الامام علي عليه السلام : ((كَرِهْتُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا : لَعَّانِينَ ، شَتَّامِينَ تَشْتِمُونَ ، وَتَتَبْرَءُونَ ، وَلَكِنْ لَوْ وَصَفْتُمْ مَسَاوِئَ أَعْمَالِهِمْ فَقُلْتُمْ مِنْ سِيرَتِهِمْ كَذَا وَكَذَا ، وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ كَذَا وَكَذَا ، كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْر))ِ واذا كنا نتحاور مع اصحاب الديانات الاخرى بعقلانية فلابد ايضا ومن الواجب ان نتحاور بيننا كمسلمين بعقلانية وبدون تعصب وان نفتح عقولنا وقلوبنا للاخرين.
اضف تعليق