ماهي التفاصيل الموقعة بين الطرفين فيما يخص مفردة الدفاع الإستراتيجي وهل يعني هذا نقل بعض السلاح النووي الباكستاني إلى الأراضي السعودية أسوة بما حصل بين روسيا وبلاروسيا، كي يتم الردع للطرف المعتدي وإن كان الجواب إيجابا فما هو موقف الأمريكان وردة فعل إسرائيل أمام هذا الحدث؟ وهل هذا الاتفاق...

هل جاء تجديد هذا التعاون بناء على اختلال ميزان القوى لصالح إسرائيل بعد تراجع ردع محور المقاومة؟ وهل سيكون هذا التحالف مقدمة لتشكيل ناتو إسلامي، وما هو دور الولايات المتحدة في هذا التحالف؟

في عالم مضطرب يضيع فيه القانون والأخلاق والقيم وتختل به المواثيق والأعراف، عالم ينتهك فيه القوي أركان الضعيف ويتآمر به الباطل على الحق، فيصبح الأمان مرهونا بيد المستكبر والمستبد. لابد في مثل هذا الواقع المر أن تختل الثقة ويسود القلق وتمتد حالة عدم الإستقرار لدى الفرد والمجتمع وعند الدول. عندما تستهتر دولة بالقانون الدولي وبأخلاقيات الحضارة وتسمح لنفسها أن تعتدي على من تشاء دون حساب في عصر سقوط القيم، فلابد من ردود أفعال استثنائية لأفعال منحرفة كهذه تظهر عاجلا أو آجلا.

 قد تتباين ردود الأفعال هذه بطبيعتها وحيثياتها ودرجاتها، لكن لابد أن يحسب لها ألف حساب من قبل من إعتدى وتمادى. حينما يستبد كيان مارق بأرواح الأبرياء وممتلكاتهم في غزة ولبنان وسوريا ويقوم بهجوم عسكري مباغت على منشآت إيران وبنيتها التحتية ويعتدي بضربة عسكرية على الدوحة "عاصمة دولة قطر" وهي حليف ستراتيجي لأكبر دولة في العالم اقتصادا وتسليحا! هنا لابد لكل واع وعاقل أن يعيد النظر ويدقق في الحسابات.

بوجود هذه الدولة ومن ورائها من دول لا تتحسب ولا تعتبر، لابد من إعادة ترتيب الأوراق ووضع الأولويات. برزت فكرة إقامة عالم متعدد الأقطاب كردة فعل عاقلة ضد عالم وحيد القطب بدت عليه إمارات اللاعدل واللاانصاف، عالم إختلت به الموازين وضاع فيه الحق والصدق والإنسانية. العالم الجديد الذي بدت ملامحه تلوح في الأفق، هو عالم يرفض هيمنة القطب الواحد على شؤون البشرية ويدعو إلى تعدد الأقطاب. بدأ هذا العالم بإستقطاب رؤى ومشاعر المستضعفين في الأرض وبوتيرة متسارعة فتبلورت آفاقه وبرزت أهدافه وأتضحت الحاجة إليه. 

من مظاهر هذا العالم الجديد هو خلق التكتلات والتحالفات والاتفاقات الثنائية أو الجماعية على صعيد الدول وبمختلف العناوين سواء أكانت مبنية على أسس إقتصادية أو سياسية أو عسكرية أو ثقافية أو غيرها، جمعا أو فرادا. وهكذا برزت الأسماء وبانت الأهداف مثل: مجموعة "بريكس" الإقتصادية، ومنظمة شانغهاي للتعاون وأهدافها الأمنية الإقتصادية، والإتحاد الإقتصادي الاوراسي للتكامل الإقتصادي، ومعاهدة الأمن الجماعي وهو عبارة عن "ناتو روسي"، ومحور المقاومة وهو تحالف دفاعي ضد إسرائيل، والمعاهدة الروسية مع كوريا الشمالية وهي" تحالف عسكري"، والمعاهدة الإيرانية الروسية للشراكة وهي معاهدة متعددة الأغراض وغيرها الكثير. 

مؤخرا وليس آخرا حصلت إتفاقية للدفاع الإستراتيجي المشترك بين المملكة العربية السعودية والباكستان ووقعت بتاريخ 17 أيلول" سبتمبر" 2025، التي تنص في بنودها على أن أي إعتداء عسكري على اي من البلدين يعتبر اعتداءا على كليهما. رغم أن توقيع هكذا إتفاق أو معاهدة هو أمر طبيعي وحتمي بين هذين البلدين، لما تتسم به أطر التعاون والتفاهم المشترك بين البلدين المبنية على قواعد رصينة، عقائدية وإقتصادية ومالية وجغرافية وغيرها إضافة إلى الصلة التاريخية الوثيقة التي تمتد جذورها على مدى عقود من الزمن بين البلدين. 

رغم كل هذا وذاك فقد أثار الإعلان عن هذه الشراكة هواجس وتساؤلات كثيرة لدى المعترضين، حيث أعتبره البعض تطورا "جيوسياسيا" مفاجئا وصادما! بل إشارة واضحة لعدم الثقة أو على الأقل عدم القناعة التامة بكفاية الحماية الأمريكية الكلاسيكية الممنوحة للمملكة العربية السعودية، أو إشارة تمرد على حليف لا يمكن تحديه...

لو سلمنا بأن المملكة تريد أن تحتمي بالمظلة النووية الباكستانية وخصوصا كردة فعل معقولة بعد أن تم الإعتداء العسكري الإسرائيلي على دولة قطر، وهي حليف موثوق واستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، دون ردة فعل مناسبة من الجانب الأمريكي، أفليس من حق الدول الخليجية الأخرى بعد هذا الحدث أن تبحث عن شريك دفاعي معتمد إضافي يقوم بواجبه المفروض عليه حينما تتعرض هذه الدول لهجوم سافر غير مبرر من قبل دولة لا تعترف بالقانون الدولي!؟.

 أليس من الضروري بعد الذي حصل أن تتعدد التحالفات في سلة واحدة بدل الاقتصار على حليف واحد يتحرك حسب المزاج؟. إذن لماذا هذا الضجيج وهذا اللغط والخوف، فما الذي سيحصل لو تحالفت قوى عديدة عربية وإسلامية مع بعضها عسكريا وصنعت " ناتو" اسلامي أو عربي كما صنع غيرهم!؟ فهل هذا أمر ممنوع ومحرم!؟. 

تساؤلات يطرحها من يتابع مسرح الأحداث لكن الإجابة عنها قد تكون واضحة لدى المحلل السياسي المختص الذي قد يجيب بلسان حال السياسة الأمريكية فيقول: نعم حرام عليكم وحلال علينا هذه التحالفات، نعم لا نرضى ولن نسمح ب "ناتو عربي او إسلامي". ان اقمتموه عنوة فسنهدمه بلا شك حسبما نستطيع وان لم يهدم فهذا يعني نحن الذي أنشأناه لكم لغاياتنا وأغراضها الخاصة التي ستدركونها بعد حين....

لو سلمنا جدلا أن الإتفاقية الدفاعية المشتركة بين السعودية وباكستان مضت قدما في سياقاتها المرسومة لها بغض النظر عن الرفض أو الموافقة الأمريكية حولها، فما هو الجواب الصحيح عن الأسئلة المطروحة التالية:

اولا/ ماهي التفاصيل الموقعة بين الطرفين فيما يخص مفردة " الدفاع الإستراتيجي"؟ هل يعني هذا نقل بعض السلاح النووي الباكستاني إلى الأراضي السعودية أسوة بما حصل بين روسيا وبلاروسيا، كي يتم الردع للطرف المعتدي؟. وإن كان الجواب إيجابا فما هو موقف الأمريكان وردة فعل إسرائيل أمام هذا الحدث؟.

ثانياً/ هل هذا الإتفاق العسكري الستراتيجي هو قرار آني وردة فعل مستعجلة لما قامت به إسرائيل من فعل أحمق ضد دولة خليجية، أم أنه مشروع محضر له مسبقآ كي يوازي التواصل والتعاون العسكري الإسرائيلي الهندي الذي كان ولا يزال يضير الباكستانيين ويهددهم؟. 

ثالثا/ هل إتفاق الشراكة العسكرية هذا مختصر ومقتصر على باكستان والمملكة العربية السعودية فقط أم أنه بمثابة نواة وأساس لكيان أكبر وأوسع يشمل دولا خليجية وغير خليجية أخرى؟. وهل هذا التوسع الإستراتيجي سيكون مقبولا للامريكان حيث سيشكل إنقلاب في موازين القوى وخصوصا أن حصل برعاية ومباركة روسية صينية!؟ وما هي ردة الفعل للطرف المعارض.

رابعاً/ هل المقصود في هذه الشراكة العسكرية الستراتيجية بين البلدين هو كيان إسرائيل لوحده فقط أم أن هناك دولا أخرى في الحسبان؟.

خامسا/ لو قدر الله ونجحت إتفاقية الشراكة العسكرية هذه بعد مرورها في إمتحان وأعطت البرهان والبيان فهل ستكون نموذجا يقتدى به من قبل الدول الشرقية الأخرى المتقهقرة أمام صلابة وحدة الدول الغربية، فتتوحد وتتآلف دون أن تتفرق وتتخالف فتحذو الحذو الصحيح وتتعلم الدرس، فتنقلب من شرق منقسم إلى شرق منسجم؟.

هذه التساؤلات وغيرها تبقى محطة نقاشات وجدل بين المحللين السياسيين حتى تتجلى التفاصيل في قابل الأحداث والزمن.

* مداخلة مقدمة الى الجلسة الحوارية التي عقدها مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية تحت عنوان: (التعاون السعودي- الباكستاني وتحولات الردع الاقليمي في منطقة الشرق الأوسط)

اضف تعليق