مساهمة الفيس بوك وغيره من الشبكات الاجتماعية في تعزيز هذا الاتجاه لدى شرائح المجتمع وتحديدا فئة الشباب، بدت واضحة بصورة جلية لا سيما في السنوات الأخيرة، وبدأ الافراد يتلاقفون حالات المناشدة ويتعاملون معها بكل جدية، وتُطلق من اجل ذلك حملات مكثفة لجمع الأموال المناسبة لإتمام مهمة من المهام...
لي صديق تفارقنا في المرحلة الإعدادية، هو اختار طريق العمل الحر بعيدا عن مقاعد الدراسة وانا أكملت المشوار، ومنذ ذلك الحين انقطعت اخباره، ولم يصلني ما يخبرني بأنه لا يزال على قيد الحياة ام غيبه الممات، مرت الأيام والسنين أسرع من السحاب، أكملت مراحل الدراسة، بينما هو منشغل في تكوين اسرة صغيرة تتكون من اب وام وطفلتين.
تطورت الحياة ودخل الى عالمنا او أدخلنا الى عالمه التطور التكنولوجي، وصار كلانا يمتلك صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولهذه الشبكات الاجتماعية خاصية تقنية عجيبة، تقترح عليك الأصدقاء لمجرد يوجد بينكما صديق مشترك او أكثر، وكالعادة اتصفح تلك المواقع عند المساء بعد إكمال الواجبات اليومية التي اعتدت كغيري إنجازها بصورة مستمرة.
وصلني إشعار يفيد بوجود طلب صداقة معلق ينتظر الموافقة، وقبل تأكيد الطلب حاولت اشباع فضولي كما في كل مرة، ومعرفة الشخصية المُرسلة، وما هي اهتماماتها، فوجدتها شخصية محترمة، لها اهتمامات اغلبها إنسانية، تتعلق بالأيتام والعمل الخيري بصورة عامة وتقوية النسيج الاجتماعي وترسيخ مبدأ التكافل.
امعنت النظر جيدا لم تبد تلك الملامح غريبة علي، تفحصتها مرارا، لم أرشد الى شيء، لكن ثمة من يقول انني التقيت بتلك الشخصية من قبل، وبعد ساعات من الصراع مع الذاكرة عرفت انه زميلي الذي فرقتنا ظروف الحياة عن بعضنا عندما كان يجمعنا صف دراسي لا يحتوي سوى قطع اثاث معدودات اغلبها متآكل.
اتضح فيما بعد ان الصديق لديه اهتمام ويمكن القول أصبح شبيه بالعمل اليومي، وهو متابعة الحالات المرضية وغيرها من الأشياء المتعلقة بالجوانب الإنسانية، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، وعرفت أيضا بعد التواصل المستمر والسؤال عن الأحوال، انه فرد ضمن فريق تطوعي شبابي انجز ولا يزال يعمل على انجاز الكثير من الاعمال الخيرية عبر مواقع الشبكات الاجتماعية.
وبمرور سريع نوضح التطوع الذي يعتبر فعل انساني ومبدأ شريف للبشرية منذ الازل، اذ يعود ذلك الى الإنسان الذي بطبعه يحب ان يكون ضمن المجتمع والعيش في كنفه، فالخاصية الاجتماعية هي من سمات الطبيعة الإنسانية، التي تقوم على تقديم الخير وبذل الجهد لمساعدة الآخرين، والأعمال التطوعية ماهي الا صورة من الصور الاجتماعية، الصحية التي يعيشها مجتمع ما بغض النظر عن طبيعة ذلك المجتمع ولونه وعرقه.
ويتخذ العمل التطوعي أنماط وأساليب مختلفة فقد يكون ضمن الجماعات البشرية او بصورة انفرادية، وبما اننا في عصر ضربت التكنولوجيا اغلب جوانبه وساهمت فيها مساهمة فعالة، تحولت مواقع التواصل الاجتماعي، من مساحة للدردشة والاتصال فحسب، الى عنصرا مهما من عناصر التنمية الاجتماعية، وانتشار ثقافة العمل التطوعي.
ولم تكن بهذه الصورة لولا ما تتمتع به من شعبية كبيرة مكنتها من لعب دور مهم في نشر وتوليد ثقافات جديدة، ربما البعض يعتبرها من الثقافات الوافدة مع التطورات التي استطاعت ان تنتشر بين الأوساط الشبابية بصورة سريعة، حتى وصلت اعداد الفرق الشبابية التطوعية الفاعلة في غضون الآلاف، متخذة من مواقع التواصل الاجتماعي المصدر الرئيس وفي بعض الاحيان الوحيد لاطلاع الافراد على معاناة البعض وكيف يعيشون.
مساهمة الفيس بوك وغيره من الشبكات الاجتماعية في تعزيز هذا الاتجاه لدى شرائح المجتمع وتحديدا فئة الشباب، بدت واضحة بصورة جلية لا سيما في السنوات الأخيرة، وبدأ الافراد يتلاقفون حالات المناشدة ويتعاملون معها بكل جدية، وتُطلق من اجل ذلك حملات مكثفة لجمع الأموال المناسبة لإتمام مهمة من المهام، كبناء منزل او اجراء عملية جراحية وشراء بعض قطع من الأثاث اللازم لمحتاج.
العمل التطوعي لم يظهر بالتزامن مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، بل انه من الاعمال الضاربة في القدم، لكن من ساهم بتنميته وجعله ضمن دائرة اهتمام الشرائح الاجتماعية، هي تلك الشبكات، حتى أصبحت حملات التطوع تأسر الشباب وأصبحت تحتل جزءا كبيرا من اهتماماتهم اليومية.
اضف تعليق