ظهور الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي ليس بالصدفة، فهناك العديد من الأسباب التي أدت إلى التفكير والاستثمار بهدف دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في العديد من الجوانب الطبية، يأتي على رأسها العجز الشديد في الطواقم الطبية كما قالت منظمة الصحة العالمية، إذ يحقق الذكاء الاصطناعي خطوات كبيرة...
يبدو أن العالم مقبل على تغييرات عديدة تشمل مختلف مجالات الحياة. هذا على الأقل ما تؤكده باستمرار نتائج أبحاث في شتى التخصصات. ففي كل مرة تربط دراسة جديدة بين اكتشاف علمي وتأثيره المباشر على طريقة عيشنا وتفاعلنا مع الكوكب الذي نعيش فيه. وعلى مدى السنوات الأخيرة الماضية ازداد استخدام آخر صيحات التكنولوجيا خصوصا في المجال الطبي على غرار الذكاء الاصطناعي، لفهم واستكشاف عوالم الجسم البشري الغامضة، وبالتالي إيجاد طرق ناجعة للتغلب على أمراض كانت تبدو حتى وقت قريب عصية على الهزم بعدما فتكت بحياة الملايين.
ان استخدام الذكاء الاصطناعي بكثرة في التغلب على بعض الأمراض المزمنة أصبح مسألة وقت فقط، فقد توصل علماء إلى اكتشاف نظام يعمل بالذكاء الاصطناعي قادر على تحديد سرطان الأمعاء في أقل من ثانية. فكيف ذلك؟
ظهور الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي ليس بالصدفة، فهناك العديد من الأسباب التي أدت إلى التفكير والاستثمار بهدف دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في العديد من الجوانب الطبية، يأتي على رأسها العجز الشديد في الطواقم الطبية كما قالت منظمة الصحة العالمية، إذ يحقق الذكاء الاصطناعي خطوات كبيرة في المجال الطبي، حيث أن البعض لم يعد يستبعد أن يصبح الطبيب في المستقبل برنامجا معلوماتيا، وتقبل على الاستثمار في هذا المجال الشركات الكبرى في "سيليكون فالي" وأيضا عدد كبير من الشركات الناشئة.
على هذا الصعيد، تتجه العديد من الشركات الكبرى المصنعة للأدوية إلى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تطوير أدوية وعلاجات جديدة. هذا الاقبال من شأنه أن يساعد في تطوير هذا المجال التكنولوجي الذي مازال في طور تجريبي.
ويقفز التطور في مجالي الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز قفزات كبيرة وسريعة ومتنامية، تعد بإحداث ثورة "حقيقية" في قطاع الرعاية الصحة وعلاج الأمراض الجسدية للبشر، فتخيل أنه يمكن معالجة آلام العظام والعضلات وتحسين القدرات العقلية بمساعدة روبوتات نانونية فائقة الصغر.
ويخشى العمال في جميع أنحاء العالم أن تحل تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات محلهم في العمل، الآن انضم الأطباء لهم في مخاوفهم، فهل حقًا من الممكن أن يحدث ذلك؟، هناك العديد من الأسباب التي تدفعنا أن ننفي هذا، لكن دعنا في البداية نقول إن تقنيات الذكاء الاصطناعي ستعمل على تقليل تكلفة الرعاية الصحية على المدى البعيد، كما أنها ستطور من أداء وكفاءة عمل المستشفيات والعيادات والتقليل من خطر الموت نتيجة التشخيص الخطأ للمرض والاستخدام الخاطئ للأدوية كذلك.
لكن هناك أسباب توضح صعوبة استبدال الأطباء؛ أولها أن هناك بعض المرضى يأتون في حالة اضطراب وقلق وفي حالة نفسية سيئة يحتاجون فيها إلى تعاطف ودعم نفسي، هذا ما لا تستطيع أن تستمده من آلة وإن كانت ذكية. كما أن مهنة الطب ذاتها في تطور مع تطور الأمراض وظهور ما هو جديد من تحديات طبية دائمًا، الآلة لا تستطيع أن تقوم بطرح أفكار جديدة لمرض جديد ظهر فجأة، كما أنها لا تقدر على اقتراح دواء له لم يُخلق بعد.
لا يتوقف الأمر على ذلك، فمن سيقوم بتحديث البيانات الخاصة بالمرضى خاصة إن جد في الأمر جديد؟. دعنا نتخيل ظهور دواء أفضل من دواء سابق أو ظهرت أعراض مرضية جديدة فستحتاج هذه التقنيات إلى مدها بالمعلومات الصحيحة من أوراق ودراسات بحثية تم نشرها من قبل الباحثين والأطباء أنفسهم، ويُشرف عليها أطباء ليتأكدوا من حسن استيعاب التقنيات لهذه البيانات، وهنا نستطيع أن ننتقل إلى نقطة جدلية: ماذا إن أخطأت التقنية وأدت بشخص إلى الوفاة؟، هل ستُحاسب التقنية على خطأها، أم ستحاسب الشركة المصنعة لهذه التقنية الذكية والتي قد تكون حينها قد قدمت خدماتها لآلاف من العملاء والهيئات الطبية على مستوى العالم؟!.
مهنة الطب في النهاية تتطور أدواتها وتقنياتها المساعدة، وتبعًا لهذا التطور لابد أن يُطور الطاقم الطبي كاملاً من أنفسهم والتدرب على فهم التقنيات المختلفة، ومنها الذكاء الاصطناعي، وكذلك على كيفية التعامل معها، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تظل المهارات المطلوبة من الطبيب على حال اليوم. ولم يقم حاسوب ذكي باستبدال الطبيب يومًا ما، فعلى الأقل سيكون بجاوره في غرفة الفحص كمساعد أساسي له.
تشخيص سرطان الأمعاء في أقل من ثانية!
وفي هذا السياق تمكن علماء في اليابان من تطوير نظام يعمل بالذكاء الاصطناعي قادر على الكشف عن سرطان الأمعاء في أقل من ثانية وفق ما أشار إليه موقع "زد نيت" مطلع الأسبوع الجاري. وأوضح الباحثون اليابانيون أن النظام الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي قادر على استجلاء أورام القولون والمستقيم-وهي الأورام الحميدة التي من الممكن أن تتطور إلى سرطان- وذلك عبر صور مجسمة ومكبرة تمكن من تحديد المرض بدقة عالية وفي وقت قياسي، واستندت النتائج على دراسة قامت بتحليل أكثر من 300 ورم قولون ومستقيم لدى 250 مريض، حيث بلغت مدة تقييم كل صورة مجسمة ومكبرة لتحديد الأورام الخبيثة أقل من ثانية. فيما بلغت دقة التقييم 94 في المائة حسب ما يؤكد الخبراء اليابانيون. وقال المشرف على الدراسة الدكتور، يويتشي موري "الاختراق المهم مع هذا النظام هو أن الذكاء الاصطناعي أتاح للخزعة البصرية في الوقت الحقيقي (تحديد) أورام القولون والمستقيم، بغض النظر عن مهارة التنظير الداخلي". وأضاف أن هذا النظام لم يحصل بعد على الموافقة التنظيمية، بيد أنه سيتيح للكثير من المرضى تجنب القيام بعملية جراحية.
وتابع نفس الدكتور بجامعة "شوا" في يوكوهاما أن هذا النظام الجديد سيسمح "بالاستئصال الكامل للأورام الحميدة الغدية (سرطانية)، ويمنع استئصال السليلة" مؤكدا في نفس الوقت اعتقاده بأن "هذه النتائج مقبولة للتطبيق السريري" وأن الهدف المباشر منها هو الحصول على الموافقة التنظيمية لنظام التشخيص.
وفي سياق مواز، يواصل خبراء الصحة على الصعيد العالمي اكتشاف السرطان في وقت مبكر من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي وباقي أنواع التكنولوجيا الحديثة، إذ قالت مثلا "الخدمة الصحية الوطنية" في بريطانيا في وقت سابق من هذه السنة إنها تعمل بالتعاون مع شركاء لها على تحديد مرض السرطان من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي حسب ما أشار إليه موقع "زد نيت".
عقاقير طبية جديدة
بدأت شركات الأدوية الكبرى في العالم التحول إلى الذكاء الاصطناعي لتحسين عمليات البحث عن أدوية جديدة. فقد كشفت شركة جلاكسو-سميث-كلاين عن صفقة جديدة بقيمة 43 مليون دولار في هذا المجال فيما تدرس شركات أدوية أخرى منها ميرك آند كو وجونسون آند جونسون وسانوفي إمكانية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي من أجل تصحيح مسار عملية البحث عن أدوية جديدة.
والهدف هو استخدام أجهزة الكمبيوتر العملاقة الحديثة وأنظمة التعلم للتنبؤ بسلوك الجزيئات ومدى احتمال النجاح في صنع أدوية مفيدة مما يوفر الوقت والمال والاختبارات التي لا طائل منها.
يقوم نظام الذكاء الاصطناعي بدور محوري في مجالات تكنولوجية أخرى مثل تطوير سيارات بدون سائق وبرامج التعرف على الوجوه.
وقال أندرو هوبكنز الرئيس التنفيذي لشركة إكسنشيا، التي أعلنت الصفقة الجديدة مع شركة جلاكسو-سميث-كلاين، "العديد من شركات الأدوية الكبرى بدأت تدرك آفاق هذا الأسلوب وكيف يمكن أن يساعد في تحسين الكفاءة". وقال هوبكنز الذي كان يعمل لدى شركة فايزر إن نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بشركة إكسنشيا يمكنه أن يتوصل إلى الأدوية المرشحة للتصنيع في نحو ربع الوقت المعتاد وبربع كلفة الأساليب التقليدية.
والشركة، التي مقرها اسكتلندا والتي وقعت أيضا عقدا مع سانوفي في مايو أيار، هي واحدة من عدد متنام من الشركات الجديدة عبر الأطلسي التي تطبق الذكاء الاصطناعي على أبحاث الدواء. لكن الشركات مازالت تتعامل بحذر مع هذا المجال المعرفي إذ أن هذه التكنولوجيا لم تثبت بعد أنها قادرة على جلب جزيء جديد من شاشات الكمبيوتر وتحويله إلى واقع في المعامل وأخيرا إلى منتج دوائي في الأسواق.
تقوية العظام والعضلات
وتحدث المخترع جون ماكنمارا عن توقعات شركة "آي بي إم" المتخصصة في البرمجيات حول مستقبل الذكاء الاصطناعي وإمكانية حقن البشر بماكينات نانونية قائمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي خلال الـ 20 عاماً القادمة، بهدف إصلاح وتعزيز العضلات والعظام وحتى الخلايا التالفة.
وقال جون الذي يعمل لدى مركز "آي بي إم هورسلي للابتكارات" "من المحتمل أن نرى روبوتات نانونية متناهية الصغر مبرمجة على أساس الذكاء الاصطناعي تُحقن داخل أجسادنا، هذه قد تخلق فوائد طبية هائلة، من ضمنها القدرة على إصلاح الضرر أو التلف الذي قد يلحق الخلايا أو العضلات أو العظام".
وأوضح أنه خلال العقدين المقبلين ستتطور التكنولوجيا لدرجة الاندماج المتكامل بين البشر والماكينات حتى تصبح بمثابة "خلطة" يتبلور فيها التكنولوجيا البيولوجية مع التكنولوجيا النانونية، تتيح للبشر من خلالها تحسين وتعزيز قدراتهم العقلية والمعرفية مباشرة، وأضاف ماكنمارا إلى أنه "بدمج هذه الخلطة داخل أجسادنا والبيئة المحيطة بنا، سنكون قادرين على التحكم والسيطرة في تلك البيئة بأفكارنا وحركات أجسادنا وإيماءاتها بمفردها".
وأكد ماكنمارا إلى أن ما يقوله ليس ضرباً من الخيال العلمي، بل هو علم متفق عليه، مشيراً إلى أن العلماء والباحثون لدى مايكروسوفت وغيرها من شركات الأبحاث العملية يعكفون حالياً على تصميم روبوتات كمبيوتر نانو متناهية الصغر مصنوعة من الحمض النووي قادرة على أن تعيش داخل الخلايا والتحرك والتنقل عبر تيار الدم إما لاكتشاف الخلايا السرطانية النشطة وحقنها بأدوية تستهدف فقط تلك الخلايا التالفة وتجنب تعريض الخلايا السليمة للضرر، وعلى الرغم من تلك المزايا الهائلة، يحذر ماكنمارا من خطورة تنامي تقنيات الذكاء الاصطناعي على غرار إيلون ماسك، والاضطرابات الضخمة التي قد تجلبها معها لاسيما في قطاع التجزئة والخدمات من ضمنها قطاع الصحة من خلال إحلالها وظائف البشر.
اضف تعليق