q

ممَّا لا يخفى على أحدٍ أنَّ الجيوش الالكترونية أصبحت واقعاً فرضه العالم الإفتراضي بكلِّ سيئاته وحسناته، فهل حان الوقت للعمل بمنهجية في هذا الشأن والمطالبة بسن وإعداد قوانين صارمة ضدّ مَنْ يتجاوز الحدود المهنية والموضوعية والإخلاقية؟

والجيوش الالكترونية أو دولة الظل أو الهكرز هم مجموعات مدربة تعمل على وفق أجندات خاصة هدفها اختراق مواقع الخصوم، والترويج لوجهة نظر معينة عبر مختلف منصات الإنترنت وإسكات المناوئين، وتروج بعضها الإشاعات والأكاذيب وخلق البلبلة والتبليغ عن حسابات شخصيات ومؤسسات لإيقافها نهائياً، وربما تؤثر الجيوش الالكترونية بنشاطاتها هذه على الأوضاع الاقتصادية وتسبب في خسائر لبعض الأسواق المالية.

وتقول بعض المصادر إنَّ هذا المصطلح انتشر بشكل كبير عام 2011 عقب الكشف عن الجيش الإلكتروني السوري الذي نجح في اختراق مواقع أوروبية وأميركية وعربية بعد اندلاع الأحداث السورية في العام نفسه. ومن أشهر المؤسسات التي اخترقها الجيش الإلكتروني السوري "بي.بي.سي"، ورويترز، وأسوشيتد برس، ووكالة الأنباء الفرنسية، ونيويورك تايمز، والغارديان، وهيومن رايتس ووتش.

وتعدّ إسرائيل من الدول الأكثر تقدماً في استخدام الجيوش الإلكترونية، وأنشأت وحداتٍ إلكترونية داخل الجيش الإسرائيلي. كما أسست في صيف 2017 صندوق ليبرتاد، وهو صندوق استثماري إسرائيلي يختص بتكنولوجيا التجسس، أنشأه الموساد لبناء "قدرة ابتكارية خارقة" والحفاظ على تفوقه التقني وتعزيزه في هذا المجال.

وبدأت دول عديدة في إنشاء "جيوش إلكترونية" نظامية لها ميزانيتها الخاصة، وتسعى للدفاع عن البلاد ضدّ الهجمات الإلكترونية التي لا تكاد تنتهي حتى تبدأ. فقد أعلنت وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين في نيسان 2017 عن تكوين جيش إلكتروني كوحدة مستقلة داخل الجيش الألماني إلى جانب القوات البرية والبحرية والجوية، حيث يمارس مهام دفاعية وهجومية على شبكة الإنترنت.

وفي الساحة العراقية تنامت هذه الظاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً (الفيس بوك)، ولحظة انبثاقها يرجعها البعض إلى 2010، ولكنها اتَّسعت قبيل انتخابات 2014، ووجدت جهات عديدة ضالتها في هذه الصفحات لتجعل منها منصة لمخاطبة الشارع والسيطرة على الرأي العام، وأمام هذه التحديات والوقائع نقترح ما يلي فيما يخص المشهد الالكتروني العراقي:

أوَّلاً- من المعروف أنَّ هناك جيوشاً الكترونية تشكلت لمواجهة جيوش داعش الالكترونية، وقدمت دعماً للقوات الأمنية وللحشد الشعبي معنوياً. ولاقت استحساناً كبيراً بعملها الدفاعي هذا في مواجهة جيوش داعش وحربها النفسية، وعملت بالتعاون مع ناشطين ومنظمات صحفية في الردّ وقيادة حملات منظمة على مواقع التواصل الاجتماعي.

هذه الجيوش يجب أن تدعم من الجهات الأمنية والجهات المعنية بالإعلام، ومنها: الاتحاد العربي للإعلام الالكتروني، بإقامة دورات تخصصية وتوفير برامج تدريبية تواكب التطور الحاصل في هذا الشأن، وتوفير الدعم المادي والمعنوي لهم.

ثانياً- ندعو الجهات المعنية سواء كانت حكومية أو غير ذلك لمراقبة أكثر فاعلية لمنصات الانترنيت، والعمل على وضع ضوابط وتعليمات لوضع حدٍ للصفحات الصفراء وجيوشها الالكترونية التي تبث سمومها من فتن وطائفية التي تعمل كجيوش الكترونية لجهات خاصة.

ثالثاً- قيام الجهات المعنية بتكثيف برامج التوعية للشباب والمثقفين الذين يمارسون هذا العمل بلا هدف أو بحجة الارتزاق فعملهم من تهكير وخرق حسابات وغيرها يثير الفتن والمشاكل وفي النهاية لا طائل منه.

رابعاً- ندعو إلى إشاعة ثقافة التعامل المهني مع المحتوى الرقمي عبر توفير خبرات للجمهور في كيفية التعاطي مع الأخبار والصور ومقاطع الفيديو المتداولة، وتبيان مخاطر المنشورات الكاذبة على الأمن والسلم الاجتماعي، وتشجيع ظاهرة صحافة المواطن لتمكين أكبر قدر من الجمهور من الوصول بجهد شخصي إلى المعلومات الدقيقة بشأن أحداث مهمة بدلاً من لجوئه إلى مواقع التواصل.

والحقّ يقال شهدت الساحة الإعلامية في الأوانة الأخيرة مراقبة ورصد للمنشورات الكاذبة والمفبركة والمزيفة وبيان الصورالحقيقية وكما حدث بعد دخول القوات الاتحادية للمناطق المتنازع عليها ونشر القنوات الانفصالية صور مزيفة لا تمت للحقيقة بصلة، وقد نوَّه الاتحاد العربي للإعلام الالكتروني عنها.

وختاماً نرجو أن تكون منصات الانترنت منصات لنشر السلم المجتمعي وتتبنى القضايا الإنسانية والمهمة للأمن الوطني والقومي لا جيوشاً للفتن وتهديد السلم.

اضف تعليق