الدين الإسلامي بالغ في احترام كيان الإنسان وشخصيته لدرجة التحذير والمنع من إرهاب الإنسان أو تخويفه أو الإساءة إلى كرامته، فأما تلك الأنهار من الدماء والدموع، وهذه الكثرة من الإرهاب والرعب وتلكم الأموال التي تهدر جزافاً من أجل الشهوات والملذات أليس لها تعويض أو ثمن...
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
إن الواقع أضخم من هذا العنوان، لأن الحوادث والقضايا التي شهدناها ولمستها أغلب الشعوب كانت أكبر من أن نعطي رأياً فيها أو نجد لها مصطلحاً يتناسب مع ضخامتها في قاموس اللغة، إلا حكمة الخالق الذي يعلم السر وأخفى ويعطي الأمور حق قدرها ولذا قرر له: (انكالا وجحيما * وطعاما ذا غصة وعذابا أليما)(1).
وما ذكر في القرآن الحكيم من صفات النار التي لا نعلم مداها اعتماداً على مداركنا، إنما هي لانطباقها على هذا الواقع الدنيوي، إذ (ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها)(2) فكما أن في الجنة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، من النعيم المقيم الذي لا زوال له ولا اضمحلال، كذلك في النار على عكس ما سبق ومنتهى الفرق هو إن في الجنة رضاه والتمتع بفضله سبحانه، وفي النار سخطه وانتقامه حسب استحقاق أهلها.
إن الدين الإسلامي الحنيف بالغ في احترام كيان الإنسان وشخصيته لدرجة التحذير والمنع من إرهاب الإنسان أو تخويفه أو الإساءة إلى كرامته، ولذا أعطى الرسول (صلى الله عليه وآله) بواسطة الإمام علي (عليه السلام) مالاً لمن ارتعب وارتهب بسبب خالد بن وليد، حتى يرضوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فأما تلك الأنهار من الدماء والدموع، وهذه الكثرة من الإرهاب والرعب وتلكم الأموال التي تهدر جزافاً من أجل الشهوات والملذات وما أشبه، أليس لها تعويض أو ثمن.
إن الغرب يضم كل تلك التناقضات؛ وللأسف انتقلت عدوى هذه الأمراض الخبيثة الفتاكة إلى جملة من الدول الإسلامية تحت شعارات طنانة مختلفة، كعراق صدام الذي تغنى بالديمقراطية في الوقت الذي لم نجد لها أثراً على أرض الواقع أو أي تطبيق يوازيها هناك.
نعم إن حديثنا الآن عن الشعوب الإسلامية التي لم تأخذ بمبادئ الإسلام ولا بالديمقراطية الغربية، فأصبحت مثل الذي (انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين)(3).
وهذا الكتاب وضعناه ليعلم (هل للشعوب قيمة) فالجمهوريون طوال أكثر من أربعين سنة يفعلون في العراق ما يشاءون، دون إيقاف لتلك المهازل بذريعة عدم التدخل في الشؤون الداخلية والسياسات الوطنية، نسأل الله الإنقاذ والهداية، وهو المستعان.
التكريم الإلهي للإنسانية
أكتفي بوصف منزلة النفس البشرية عند الخالق عز وجل وحرمتها بذكر ما جاء في محكم كتابه الكريم:(من قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً)(4).
وعن الرسول (صلى الله عليه وآله): (من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة وهو آيس من رحمة الله)(5).
بينما قال سبحانه: (ورحمتي وسعت كل شيء)(6).
إن الإسلام بالغ في تقدير النفس الإنسانية لدرجة التحذير حتى من الاستفزاز أو الإرهاب، ومن أرعب إنساناً أو أخافه عليه الدية بقدركما ورد في قصة الإمام علي (عليه السلام) حيث أرسله الرسول (صلى الله عليه وآله) لتدارك ما فعله خالد حيث أعطى الدية لخوفهم، وفي حديث أن الإمام الصادق (عليه السلام) غمز يد أحد أصحابه، ثم قال: وفي هذا الدية.
والمتابع لكتب الفقه والحديث يجدها كثيراً من أمثال ذلك..
هذا لأن الإسلام جعل الإنسان محوراً لكل الخليقة، ولذا كرر سبحانه:(خلق لكم)(7)، و(جعل لكم)(8)، وما أشبه مما يدل على أن الكون مسخر لخدمة الإنسان، بينما نجد أن المادية الغربية، حتى القائلين بكونهم أهل الكتاب جعلوا المادية محوراً، نعم فيها شيء من الإنسانية ولكن بنسبة محدودة.
وخير دليل على قولنا هو الاهتمام المفرط للغرب بالقومية والجغرافية وما أشبه.. دون الاعتناء بماهية الإنسان وقدره، وهل يولد من قوم دون قوم، أو في منطقة دون منطقة له اعتبار في هذا أو ذلك.
في حين قال الرحمن سبحانه: (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)(9).
وهنا أسئلة عديدة تطرح نفسها وفي مقدمتها: لماذا الأتقى هو الأكرم؟!.
والجواب هو أن التقوى ترفع من همة الإنسان وأخلاقه وتقوّم سلوكه ورغباته، لذلك تكون جميع أعماله وتصرفاته نافعة لذاته أولاً وللمجتمع ثانياً، ومن الواضح إن الأفضل ذاتاً أو الأنفع للمجتمع أرفع وأسمى.
وإذا قيل: فكيف الفرق بالدين؟!
فالإجابة تكون: وذلك لأن المتدين قد أحرز راحة قلبه ورضوان الخالق في الدنيا والآخرة بحسن تفكيره وتصرفه، أما غير المتدين فهو إنسان هامشي الفكر والتفكر، وذلك بسوء اختياره.
إن الغرب يعلم كامل العلم بما يعاني الشعب العراقي من المآسي غير المسبوقة في التاريخ الإنساني خلال فترة حكم طويلة تجاوزت الثلاثين عاماً على يد عملائهم البعثيين، وقد قال وزير الداخلية ـ يوم تسلموا دفة الحكم في العراق ـ علي صالح السعدي: (جئنا إلى العراق بقطار انگلو أمريكي) لكن مع كل ذلك يبقى عليهم ويمدهم بما يوجب هلاك العباد وتدمير البلاد أكثر فأكثر وإليك بعض القصص.
السجن والتعذيب
جاءني رجل في عمر الشباب وهيئة الشيوخ بحيث إن شعر لحيته ورأسه كان أبيض عرضاً لا خلقياً، وقد قدمه لي أحد الأصدقاء من كان يعرفه باعتباره أنه جاء من العراق في وقت قريب.
قلت له: لماذا أراك هكذا؟!.
قال: من السجن والتعذيب.
قلت له: كم عمرك وكم سجنت؟.
قال: عمري أربعون عاماً وقد قضيت في السجن ستة عشرة سنة.
قلت له: والآن هربت أم عفي عنك؟.
قال: أطلق سراحي بأمر من ولد صدام.
قلت له: ولماذا سجنت؟.
قال: لأني متدين وشيعي، وصدام بأمر من أسياده يسجن أو يقتل أو يعذب كل من كان متديناً أو كان شيعياً.
قلت له: وكيف كان إطلاق سراحك؟
قال: جاء يوم ولد صدام مع عشرات الضباط وكلهم مزودون بقاذفات حديثة من طراز (كلاشينكوف) إلى ردهات السجن، وجمعوا كل السجناء من كل ردهة، وكانوا رجالاً فقط يبلغ عددهم قرابة ثلاثة آلاف شخص.
ثم تقدم ابن صدام مع جماعة من الضباط ونقلوا السجناء في ثلاثة صفوف في ساحة السجن الواسعة، ثم أمر ابن صدام بإدخال ثلثهم إلى السجن ثانياً اعتباطاً، قدّر لهم السجن المؤبد، ثم ربطوا الثلث الثاني بالحبال قرب الحائط وخاطب ضباطه (إعدام) فأخذت الرصاصات تنهمر على أجسامهم بغير حساب، وبعد أن قتلهم جميعاً وألقاهم أرضاً، أمر بإطلاق سراح الثلث الثالث وأنا كنت من جملتهم، ولذا خرجت من بغداد قاصداً إيران بدون أي تأخير.
الانقلاب في العراق
منذ سنة 1958ميلادي وحتى هذا العام الموافق 1999م كان ولا زال العراق مسرح لأبشع المهازل مما لم يذكر أمثالها في كتب التاريخ التي بين أيدينا، من القتل والسجن والتعذيب ومطاردة الأحرار وإخراج أكثر من ثلاثة ملايين من أبناء الشعب الآمنين وهتك الأعراض ذكوراً وإناثاً وغير ذلك من الجرائم.
كل ذلك لأن الانقلاب اعترفت به الأمم المتحدة، وانه أمر داخلي لدولة مستقلة لا يرتبط بأصحاب القرار المسيطرين على العالم، ولماذا؟ لأنهم يرون ذلك بدون دليل أو حجة لعدم تأثيره على مصالحهم الخاصة، فإنهم يقولون ويعملون وينشرون:
إيذاء عش طائر جريمة لا تغتفر***وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر
إن الإباحية الجنسية برضى الطرفين أمر جائز في الغرب، وقد قدم عليه (كلنتون) لكن الولايات المتحدة الأمريكية أقامت الدنيا وأقعدتها لأن كلنتون كذّب الخبر.
أما السيد الصدر(10)، وقد زرته بنفسي إبان رئاسة وزارته حيث كان ساكناً في دار قديمة تليق بشخص يدير حانوتاً بسيطاً من الدرجة الثالثة، ثم يتحول الأمر إلى (صدام) حيث يبني في بغداد وما إليها مائة قصر كل قصر كلف الشعب العراقي ما لا يقل عن مليار دولار، والغرب يقرر أن هذا شأنه الخاص، ولا يتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب.
فهل هذا صحيح في منطق العقل؟ عن الإسلام القائل: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره)(11).
من قدم التأييد لصدام؟ ومن زوده السلاح؟ ومن أنعش أجهزته المدنية والعسكرية؟ ومن يرى أن حكومته مشروعة لا تمس بسوء؟!.
إنه لا شك في تقدم الغرب في كافة مجالات العلوم والتكنولوجيا والتصنيع.. لكن هل هو آخذ بأقل موازين العقل؟ إن ذلك لا أقوله أنا وحدي، بل وحتى عقلائهم يضمون أصواتهم إلى صوتي.
يأتون بالحكام ويذهبون بهم
حاول (سوكارنو) أن يقلب نظام الحكم في إندونيسيا من حاله إلى الشيوعية، وكان في جميع سياساته مسرافاً مستهتراً يحكم البلاد حكماً فردياً دكتاتورياً بما يشاء ويشتهي من غير رادع، وكان يقول: أنا شيوعي ديمقراطي مسلم، حتى يرضي أهواء بلاد الشرق والغرب والمسلمين.
وأراد في نهاية المطاف أن يصبح شيوعياً بحتاً وبشكل علني مما دفع الشعب إلى إعلان الثورة عليه وقتل في تلك المعركة سبعمائة ألف شخص، وجاء بعده إلى الحكم (سوهارتو) الغربي مدعوماً منهم، وأخذ يمارس سياسات ظالمة وشرسة ضد الإسلام والبلاد ويوزع المال على نفسه وذويه حتى ذهبوا به بمقتلة عظيمة.
وهكذا جاء إلى مصر جمال عبد الناصر فكان أداة طيعة لتنفيذ أوامر الغرب والشرق، وإن كان الشرق ـ ولعله برغبة الغرب ـ استهواه وأنه ذات مرة لما ذهب إلى موسكو في زيارة رسمية أمر من هناك إلى أجهزته أن يعتقلوا كل من له نزعة إسلامية، وفي فترة محدودة سجنوا مائة وثمانين ألفاً، وقد جعلوا أولئك تحت التعذيب الشديد وبعد أن جمع السلاح والدعاية والأصدقاء مدة ثمانية عشر سنة فقده خلال ستة ساعات بحرب شكلت مهزلة عسكرية حطمت مصر مادياً بعد أن حطمها معنوياً وأعطى صحراء سيناء والضفة والجولان والقدس هدية متواضعة إلى إسرائيل.
وذكرنا في العراق عندما جاؤوا بحزب البعث حاكماً في البلاد صرّح وزير داخليتهم علي صالح السعدي من الإذاعة العراقية بقوله: (إنا جئنا بقطار أنگلو أمريكي) ثم جعلوه وسيلة لتحطيم العراق مادياً ومعنوياً في فترة تجاوزت الثلاثين عاماً، وبسببه حاربوا الجيران بحروب ونزاعات عقيمة أبرزها ما حدث بين إيران والعراق، وباحتلال الكويت وتدمير العراق بعاصفة الصحراء.. إلى غير ذلك من مئات القصص التي شاهدناها، ألم يكن المستعمرون وراء هذه الإهانة للإنسانية وبلاد الإسلام؟
إيران وأفغانستان
وإيران أيضاً منذ ثمانين سنة عانت الكثير من المحن والصعوبات وأحياناً أسوء، ففي مسجد (گوهرشاد) وحرم الإمام الرضا (عليه السلام) وأطرافه عندما اجتمع الشعب يطالبون بعدم إلقاء حجاب النساء، قتل البهلوي رمياً بالرصاص ألوف الناس، قال بعضهم أنهم عشرة آلاف شخص، وبعّد العلماء منهم الإمام السيد حسين القمي (رحمه الله) وقتل آغا زاده ابن الآخوند الخراساني(رحمه الله) إلى غيرهم.
وكان ذلك الحاكم يسرق إيران وينهب ثرواتها، حتى أنه يوم بعّده الغرب ـ الذي جاء به ـ حمل معه ألفي حقيبة من المجوهرات والذهب والمقتنيات الثمينة من إيران، ثم في طريق البحر استبدلوا سفينته وأخذوا كل تلك الحقائب إلى بلادهم وألقوه مريضاً في جزيرة (موريس)، وعندما حاول (ستالين) أن يأخذه إلى بلاد الشرق قاصداً أن يكشف شؤون إيران قتلوه بإبرة، كما فعل هو بعشرات المواطنين الإيرانيين بسبب الإبر المسمومة، فقتل كثير منهم مثل السيد المدرس الذي خنقه وغيره ممن شنقهم، إلى غير ذلك من الجرائم.
أما أنه هو وأخوته وأخواته فعل بالشعب وإيران الأمور العجيبة، وقد اهتم والده أيضاً في هدم الدين وهلاك الدنيا، فقد كانت إيران ذات ثلاثة وثلاثين ألف قناة في شبكة ري منظمة لإرواء جميع المزارع فلم تكن إيران بحاجة إلى استيراد الحنطة وسائر الحبوب الغذائية من الغرب أو غيره.
فقام الأب بدفن تلك القنوات وأتم دفنها جميعاً الابن، وبالطبع إنه أباح الحجاب للنساء بضغط العلماء والأهالي واقتضاء الغرب إعطاء بعض الحريات، لكن كان ذلك شيئاً صورياً هامشياً، وقد نشر في طهران وحدها (14) ألف مخمر وأجاز رسمياً تزويج الذكور بالذكور، وأقيمت بعض الاحتفالات بمناسبة هذا الزواج الشاذ في فنادق طهران، إلى غير ذلك مما هو كثير ومثير.
وفي أفغانستان فعلوا خلال هذه العشرين عاماً المنصرمة ما لا يصدق من جرائم سفك الدماء وتخريب المدن ومطاردة الناس وتحطيم الدين في المجتمعات الشرقية تارة باسم الشيوعية وتارة باسم طالبان، وهي الآن في حالة يرثى لها.
قال لي شاهد عيان: هجمت قوة طالبان على بعض القرى الشيعية واستباحتها، على أسلوبهم الموغل في الوحشية، قالوا ثم رددنا الهجوم بعد أيام وأخرجناهم ثم دخلنا في مقر عملهم وكانت داراً كبيرة، ولما فتحنا إحدى غرفها وجدنا خمسين فتاة شيعية عارية حتى عن ورق التوت، وهن يرتجفن برداً وجوعاً وخوفاً فأنقذناهن.
ونقل لي بعض أهالي مدينة (مزار شريف) أنهم حملوا جنازة حسب وصية الميت إلى المزار وفي الطريق فتشته جماعة طالبان، وقالوا إن لحيته أقل من قبضة اليد فضربوا الميت خمسة سياط.
وفي مدينة (مزار شريف) أيضاً قتلوا من الشيعة الآمنين العزل ثمانية آلاف شخص عند سيطرتهم على المدينة، وفي بلد لا أسميه فعلوا بأولاد الشيعة المنكر.
نعم كانت حرب للسيطرة فقط ولكن على الشيعة بالذات، لأن جماعة طالبان من أتباع العامة وقد فعلوا بجثة (المزاري) الرئيس المشهور من التشويه والتمثيل ما يفوق القدرة على التصديق.
ولو جمعت ما سمعته من الثقاة في قضايا وحوادث أفغانستان وبعد الاحتلال الشرقي والغربي لها لكان بقدر ما سمعت ورأيت في جمهورية العراق منذ عام 1958م، ولكانت مادة ثرة لإصدار كتاب ضخم يفوق ألف صفحة وجملة منها غير قابل للتصديق مطلقاً.
وهذا معنى انحراف المسلمين عن سنن الله: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا)(12) ولا أقصد بذلك أهالي أفغانستان بل المسلمين الأعم منهم ومن غيرهم.
(80) مليون مسلم في الغرب وأمريكا
إن سكان أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية يقاربون من ألف مليون نسمة والمسلمون فيهما سواء المهاجرون أو اللاجئون أو أهل البلاد الذين أسلموا بحدود ثمانين مليون نسمة أي ما يقارب العشر، وهذا عدد كبير جداً: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين أو يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً)(13).
فإذا نظم المسلمون أنفسهم وأفكارهم، وعملوا بمقتضى اليوم، لتمكنوا من تحقيق أمرين:
1- تعديل فكرة العالم الغربي المسيحي عن الإسلام وإظهار تعاليمه الإنسانية، وإن كان ظنهم ليس بلا مبرر، فإنهم رأوا من أوائل الإسلام ما ينفرهم عنه حيث فعل حكام بني أمية وغيرهم ما يشوه الإسلام.
وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): (ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم)(14).
2- الحيلولة دون محاربة السياسيين الغربيين للدول الإسلامية بمختلف أنواع المحاربة أو الاعتداء، كما هم مشغولون بذلك الآن، إضافة إلى غرس روح الاحترام والتقدير تجاه المسلمين.
وإن كان هذا جزء من الأمر لأن جزئه الآخر بين يدي حكام بلاد الإسلام في كفهم عن الإساءة العملية إلى الإسلام، لأن توقف الغرب عن حربهم الشنيعة ضد الإسلام أمر مهم جداً.
ما تبقى من جهود فيتوقف على وعي المسلمين وإدراكهم وسلوكهم؛ فقد قال الحق سبحانه: (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل)(15) حيث أنه تمكن أن يحارب الأصنام والإنحراف في أعضاء الحكومة بسبب رشده ووعيه، أما الأمة غير الرشيدة حكمها حكم المتخلف عقلياً حيث أنه لا يتمكن أن يعمل لمصلحة نفسه فكيف يتمكن من مراعاة مصلحة غيره.
تعريف الإسلام إلى الغرب
(الذي لا يعرفك لا يقدرك) مَثَل يتداوله الجميع، وقبل ذلك جاء في الآية المباركة: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم)(16).
بالطبع إن المجتمع الغربي لا يعرف تعاليم الإسلام ومبادئه وأفقه حق المعرفة، بل ما هو أدهى من ذلك معرفته بواقع معاكس لحقيقة الدين الإسلامي على الإطلاق ولذا قال سبحانه: (إلا ذو حظ عظيم).
ومن المعلوم إن سوء الفهم مادام بينهما ـ دع عنك بعض الأشخاص بأعمالهم ليل نهار عن جهل أو غرض وضيع ـ يزيدون هذا السوء سعة وتعقيداً.
ومن المعروف أن ألف مليون إنسان يحتاج تعريفهم إلى ألفي مليون إنسان إضافة إلى جهود وجهاد ومال وتنظيم وتثقيف وأسلوب، وعند ذلك يمكن أن يقال: (لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا)(17).
إن تاريخ الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) وبحل معاناتهم أقوى شاهد على كل ذلك، مثلاً نبي الإنسانية العظيم كان مطروداً من قبل قومه وأطلقوا عليه ألقاباً عديدة مثل الساحر والكاهن والمسحور والكذاب والقاطع وصفات أخرى على هذا المنوال، وكانوا ينوون سجنه وقتله ونفيه، لكن بصبره وثباته تمكن أن يقلب الأوضاع ويعكس الموقف لصالحه، حتى صاروا من أشد الموالين له.
ولذا تجد في القرآن الحكيم (70) موضعاً ذكر فيه (الصبر) بينما ذكر (الخمس) فيه ـ وهو أحد فروع الدين وسبيل إدارة الحوزات العلمية الشيعية منذ ألف سنة ـ مرة واحدة فقط.
دنياهم ودينهم
الغرب ضد المسلمين في مبادئهم الدينية والدنيوية؛ أما من ناحية دينهم ضد المسلمين فلأنهم مسيحيون ونحن مسلمون، وأما من جهة دنياهم وذلك لحرصهم الشديد على سيادة المنطقة والعالم أجمع بدون منازع أو مكافئ، لأن المسلمين من وجهة نظرهم لو نهضوا بعقيدتهم وفكرهم لشكلوا خصماً لا غالب له، لذا لرغبة الغربيين في السيطرة الفردية على العالم لا يضمرون المحبة للمسلمين على الإطلاق.
هذا بالإضافة إلى أن الغرب يرى أن المسلمين من الشعوب الفاسدة الضارة التي لا ترحم صديقاً ولا عدواً كما حدثهم التاريخ عن بني أمية وبني عباس والعثمانيين ويحدثهم اليوم ألف حاكم وحاكم يطغى على الشعب سواء كان شعبه أو شعب من جيرانه.
ولذا لا يعقل أن يرحم الغرب المسلمين ما دامت هذه الأمور منتشرة في مجتمعاتنا كالمرض الخبيث.
والعلاج هو تغيير نظرة الغرب للإسلام والتمييز بين مفاهيمه المقدسة وبين ممارسات الحكام المنحرفين من المسلمين الذين سيطروا على الحكم بألف مكيدة ومكيدة، والفهم إنما يكون:
1- تأليف ملايين الكتب التي تحمل مفاهيم الإسلام بلغاتهم التي يتداولونها: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه)(18).
2- أن يسلك المسلمون داخلاً وخارجاً سلوكاً يدفع عنهم الشبهة والشك.
3- تعريف الغرب بأن الدين الإسلامي لا يحارب دين المسيح (عليه السلام)، لأن مصدر الرسالات السماوية واحد؛ فالأنبياء أخوة من أمهات شتى، كما قال الرسول (صلى الله عليه وآله).
يبقى فقط مشاكل التزاحم في السيادة والسيطرة؛ فذلك لا يحل إلاّ بالتقسيم العادل الذي يرضي الطرفين كما تقاسم الغربيّين أنفسهم السيادة بينهم.
عشرون مليون مطارد
تشهد البشرية اليوم ولأول مرة وجود عشرون مليون مطارد عن ديارهم يعيشون في بؤس وفقر وغربة ومرض وذل، وذلك لأن قانون العالم الجديد نظّم بحيث يطارد الآمنون بأغراض لا مستند له من عقل أو شرع.
قال سبحانه لليهود: (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان... فما جزاء من يفعل ذلك منكم ألا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب)(19).
الإنسان كيان محترم عند الله سبحانه، وهو مركز الكون، بينما ترى الغرب جعل المادة هي المركز، ولذا لا احترام للإنسان عنده.
نعم الغرب يحترم ـ بصورة عامة ـ الإنسان الغربي، وهذه حالة غير كافية، ولذا ذكرنا في كتاب (الغرب يتغير) إن الغرب الآن يمارس حالات على خلاف الفطرة، وبما أن للغرب عقلاء، إذن لابد لهم أن يغيروا قوانينهم المخالفة للفطرة إلى قوانين توافق الفطرة وتنظم حياتهم.
كما فعلوا ذلك مكرراً، وليس المعني بذلك قوانينهم في النقابات وإسعاف الفقراء وحقوق اللجوء، وحقوق الإنسان وتغيّر الشيوعية إلى غيرها من القوانين الكثيرة الموضوعة إلا أمثلة لما ذكرناه.
نعم لا إشكال لو بيّن لهم موازين الإسلام في احترام الإنسان كان كثير منهم يتبعونه بأذنه سبحانه وتعالى، وقد ذكرنا في بعض كتبنا إن الغرب ليس متعصباً كما يزعم البعض، بل يقبل الحق إذا وجده وإن كان مصدره إلهياً شرقياً، ولذا قبلوا بالمسيحية التي أتت إليهم من الشرق وهم في عمل دائب للوصول إلى حقائق الأمور.
وهذا آخر ما أردنا ذكره في هذا الكتاب، لعل الله سبحانه يوفق الإنسان للصواب، وهو الموفق المستعان.
اضف تعليق