متى توفرت في انسان كان قائدا وهي: توفر طاقة جسمانية، وقوة تحمّل عصبية، وشعور قوي بالهدف وبالاتجاه، والحماس، والصداقة، والشعور الرقيق، والخبرة الفنية، والحزم، والقدرة على اتخاذ القرارات، والذكاء، والقدرة على تعليم الآخرين، والإيمان، ومن الواضح أن وجود صفات القيادة في شخصية معينة، لا يجعل...
في خضم الصراعات والنزاعات التي تشهدها المجتمعات الإنسانية تحت ذرائع وأسباب سياسية واقتصادية ودينية وثقافية وعرقية، غالباً ما تبرز أسماء لقيادات وصفت بالناجحة استطاعت ان تغير مسار الاحداث العنيفة او المأساوية الى اتجاه اخر يختلف تماماً عن الأول، كما ادارها حكيم الهند (غاندي) في صراعه مع الاستعمار البريطاني، اما الصراعات الأخرى التي لم يبرز فيها قائد يتمتع بالحكمة والإنسانية والعقلانية المطلوبة، إضافة الى باقي صفات القيادة الناجحة الأخرى، فإن النتائج ستكون كارثية بالتأكيد، وهو ما عاشته اوربا في حربين عالميتين راح ضحيتهما اكثر من (50) ملين انسان.
ولادة ام صناعة
يختلف الكتاب والباحثين حول طبيعة الصفات التي يتمتع بها القائد الناجح وهل يمكن صناعة القادة ام انهم يولدون بالفطرة؟
في كلا الحالتين (الصناعة/الولادة) فإن للقيادة صفات مكتسبة وأخرى بالفطرة، ولكل منهما دور في تعزيز وترسيخ القيادة لدى الافراد، ويمكن اعتبار منطقة الوسط بين الولادة والصناعة هي الفارق الحقيقي في جذب صفات (الولادة) و(الصناعة) وبالتالي تشكيل (القيادة الناجحة) في إدارة الأمور وتحقيق الأهداف المطلوبة.
تعرف القيادة على انها "القدرة على التأثير في الأفراد لجعلهم يرغبون في انجاز أهداف المجموعة".
فيما يقول (ر د. وﻟﻴﺎم. أ. ﻛﻮﻫﻴﻦ) في كتابه (فن القيادة) ان "جوهر القيادة هو إثارة همم الأفراد، لتشجيعهم وبذل أقصى ما لديهم من جهد، لتحقيق الأهداف المطلوبة"، كما ان "القيادة الناجحة لا تعتمد على الإغراء المادي كالرواتب المرتفعة، ولا تعتمد على الظّروف الجيّدة في العمل، بل تعتمد على مدى تحفيز القائد للأفراد على العمل، لبذل أقصى ما لديهم من طاقات".
صفات القائد الناجح
يضع (كوهين) عددا من المعايير التي يعتبرها الملامح او الصفات الأساسية التي يجب ان يتمتع بها القائد الناجح لكي يتبعه الاخرين للوصول الى الإنجازات المراد تحقيقها ضمن إطار القيادة الناجحة.
1. الدقّة والتنظيم: فكلّ أعمال القائد مُنظّمة، كما أنّ وقته وأوراقه وأهدافه مُنظّمة.
2. صناعة الحدث والقدرة على اتّخاذ القرار المُهم: فالقائد الناجح لا ينتظر الأحداث بل يصنعها.
3. التأثير في الآخرين: فالقائد الناجح يؤثّر في الآخرين، ويتواصل معهم بمهارة، ويوجّههم لتحقيق الأهداف المطلوبة.
4. الرّؤية الثاقبة: فالقائد الناجح يستطيع أن يرى ما لا يراه الآخرون، ولكنّه يتقبّل النقد الذي يُوجّه إليه وإلى أفكارهِ المقترحة.
5. التحفيز: فالقائد الناجح يعتمد التحفيز عُنصراً أساسيّاً في عمله؛ لبثّ روح الحماسة لدى العاملين معه.
6. الثّقة الكبيرة بما لديه من قدرات وإمكانيّات ومبادئ: فالقائد الناجح يعرف ما لديه من نقاط القوّة، وتكون حافزاً وداعماً له في قيادته.
7. التّخطيط: فالقائد الناجح هو الذي يضع الخطط الصّحيحة والمدروسة للعمل، ولا يترك مجالاً للصدفة في عمله وطريق نجاحه.
8. الذكاء الاجتماعي: فالقائد الناجح لديه المهارة الاجتماعيّة التي تُعطيه القدرة على التواصل مع الآخرين وإيصال ما لديه من أفكار، فهو مستمعٌ جيد، ومحاورٌ ماهر.
9. التّفويض: يستخدم آلية التّفويض في عمله، فيعرف متى يُفوض الأشخاص، ومن يُفوض، ويُحدّد المهام التي يُمكن تفويضها.
10. الثّقافة: القائد إنسانٌ مثقف، على درجةٍ عاليةٍ من الوعي والثّقافة، يُطور من نفسه، ومن قُدراته، وإمكانيّاته، ومهاراته، بالقراءة والدورات التدريبيّة.
11. الالتزام بالخطط: يضع القائد الخطط ويعرف أنّ نجاحها يحتاج منه أن يُطبقها، ويلتزم بما جاءت به، ويعرف أنّها تحتاج إلى الوقت والجهد حتّى يُكتب لها النجاح.
12. الالتزام الخُلقي: يُراعي القائد الناجح المبادئ والقيم أثناء عمله ومسيرته نحو النجاح، فلا يُقدّم سرعة النجاح الدنيويّ على قيمهِ وأخلاقه.
13. الذّكاء العقلي: وهذا لا يعني أنّ القائد يجب أن يكون عبقريّاً، بل أن يتمتع بذكاءٍ، يُعطيه القدرة على حلّ المشكلات التي تعترضه، واتخاذ القرار المُناسب في الوقت المُناسب.
اما في كتاب (الفقه/الإدارة) للإمام محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) فقد تناول مميزات القيادة بالقول "الظاهر أن القائد بحاجة إلى الصفات، والظرف الخاص، والهدف الخاص، وعند توفر هذه الأمور تجتمع الأشخاص وينجذبون إلى القائد انجذاب الشيء إلى شبيهه، فكل من نظريات الصفات والظروف والمجموعة والهدف، لا تكفي أن تكون مبرراً لظهور القائد، وأن يستدل كل واحد ما اختاره، مثلاً نظرية الصفات حول صفات القيادة، أمور متى توفرت في انسان كان قائدا وهي: توفر طاقة جسمانية، وقوة تحمّل عصبية، وشعور قوي بالهدف وبالاتجاه، والحماس، والصداقة، والشعور الرقيق، والخبرة الفنية، والحزم، والقدرة على اتخاذ القرارات، والذكاء، والقدرة على تعليم الآخرين، والإيمان، ومن الواضح أن وجود صفات القيادة في شخصية معينة، لا يجعل منها قائداً والقائد قد يكون كذلك في وقت معين، وقد لا يكون قائدا في وقت آخر، كما أن هناك الكثير من الأشخاص يتصفون بصفات القيادة، وليسوا بقادة، فإن صفات القيادة في ذاتها قد تتوفر في شخص دون أن يحتل مركز القيادة، لأسباب تتعلق بالموقف أو بالظروف المحيطة".
القيادة الناجحة للإمام الشيرازي
كان التأثير الذي احدثه المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي (رحمه الله) في محيطه الإسلامي والإنساني واسع المدى، وله ارتدادات ثقافية وفكرية ومعرفية امتدت اثارها حتى الوقت الراهن، وهو امر طبيعي لمثل هذا النوع من القادة حملوا هم الانسان وما تعانيه المجتمعات الإنسانية من ظلم وتخلف وصراعات وجهل وفقر ومرض...الخ، بسبب ثلة حكمت العالم بالظلم والاستبداد والقهر، وقد مارس ادواراً قيادية مهمة في مراحل حساسة من التاريخ الحديث في العراق والخليج وسوريا ولبنان وإيران، كما امتد هذا الدور الى افريقيا واوربا وامريكا.
وقد تناول الدكتور (محمد حسين علي الصغير) في كتابه (قادة الفكر الديني والسياسي في النجف الأشرف) لمحة من القيادة المتميزة للإمام الشيرازي (رحمه الله) ونجاحة في احداث التأثير بالإفراد لتحقيق الأهداف المطلوبة حيث قال "كان الفقيد السيد الشيرازي أعلى الله مقامه، سبّاقاً إلى تطلعات العصر في القرن العشرين، مستوعباً للأبعاد الحضارية التي ينبغي أن يؤسس عليها الكيان المرجعي، متميزاً في استقراء المشكلات الاجتماعية التي تعاني منها الأمة، باحثاً في أنجع السبل لاحتواء هذه الظواهر في معالجات ضخمة شاخصة، كان لها الأثر الفاعل في درء الأزمات، كما عاد لها الأثر الإيجابي في أداء الرسالة، والحديث في الجانب متشعب متسع، ولكنني أحاول إيجازه على سبيل النموذج في نقاط أساسية:
1. القيادة الناجحة لجماهير كربلاء المؤمنة، وبقية قصبات العراق، والبلدان المجاورة، بحيث شكل ذلك ظاهرة موضوعية، نبهت القيادات الشابة في العراق إلى تمثل الخطوات الرائدة التي يتخذها السيد الشيرازي في استقطاب المواهب المتحفزة، واستكناه هموم الشباب في توقعاتهم المشروعة.
2. التفاعل الهادف المتكافل مع المشاعر المتدفقة والأحاسيس الثائرة لدى الجماعات الواعية، وتوجيهها ميدانياً للعمل المثمر في حقول المعرفة والثقافة والمشاريع الإنسانية، وإيثار المصلحة العامة على المكاسب الذاتية.
3. إعداد عشرات المبلّغين الرساليين من حملة الفكر الإسلامي للقيام بدورهم البنّاء في أداء الرسالة، ونشر المبادئ العليا، وإبلاغ الموروث الحضاري الصادر عن أئمة أهل البيت عليهم السلام للأمة، وذلك بشتى الطرق السلمية التي تتيحها مراحل التبليغ.
4. تهيئة الكادر العلمي المتطور ممن يتمتعون بالتأهيل الثقافي، ومن الذين لهم الصلاحية الفكرية التربوية للقيام بأعباء المسؤولية الشرعية روحاً وعملاً، لجلب أكبر عدد ممكن إلى حضيرة الإسلام بالتي هي أحسن، والقيام بشؤونهم المالية، وتحسين الحالة الاقتصادية.
5. الإشراف على المنبر الحسيني بجعله أداة حية مشرقة لبث تعليمات أهل البيت عليهم السلام، ونشر علمهم الإلهي الزاخر، وبيان مظلوميتهم في عزلهم عن قيادة الأمة سياسياً، وإبداء ما جرى عليهم من نكبات وصدمات واستئصال وتصفية جسدية لهم ولأوليائهم من السائرين على خطهم، بما يتضمن طرح المبادئ العليا على الصعيد الفكري والإعلامي، والتي ناضل الأئمة المعصومون عليهم السلام من أجل إقرارها بأصالة وإخلاص لسعادة الكائن البشري في الدنيا والأخرة، وطرح تلك المبادئ سليمة عن الزيغ والانحراف والتطرف.
6. العناية التامة بعنصر الشباب باعتبارهم يتفجرون – عادةً – بالنشاط والحيوية والفتوة، بتلقيهم دروساً إضافية في العلم والمعرفة والصبر والثبات والتضحية والإصرار نابعة من صميم نظريات أهل البيت عليهم السلام وقيمهم العليا، والحفاظ على ذلك باعتباره ذخيرة خالدة من أنفس ذخائر الفكر الإنساني المتنور.
7. إفشاء الدوريات والمجلات والنشرات والرسائل الصغيرة، بما يتناسب مع الفهم العام لجماهير المؤمنين بعبارة مشرقة، واسلوب سهل ممتنع، بعيدة عن العمق الفلسفي الذي ترفضه طبيعة التعليم الأولي في ترسيخ المبادئ العامة للإسلام بعرض جيد وأسلوب جديد.
8. تشكيل اللجان المتخصصة الواعية، من قادة الفكر، ورجال النظر، وأصحاب الخبرة والتجربة، لتنشيط عملية التوعية والإرشاد والتبليغ في ضوء المعطيات التي تؤتي أكلها كل حين، بعيداً عن الصراع الذهني والطائفي والإقليمي، للارتفاع بمستوى الأمة لدرجة المسؤولية.
9ـ تأمين الكوادر المالية المتبرعة والواهبة، وعن طريق الحقوق الشرعية، لإدارة المشاريع السابقة بكل أمانة، بعيداً عن الأثرة والتسلط واحتجان المال، وجعل ذلك وسيلة للهدف المركزي في تسريع عملية الإنقاذ والتطوير كما هو شأن الدعاة المصلحين بكل زمان ومكان.
10ـ تحديد مسؤولية العاملين بهذه الآفاق المتعددة، ليكون كلٌ عند واجبة وجهاً لوجه، من أجل إنجاح الأطاريح المترتبة الأداء لدى كل فريق منهم، وتنمية الروح الرياضية في طياتها، وخلق المناخ التكاملي الذي يسدد بعضه بعضاً بموضوعة مطلقة لا مكان فيها للأهواء أو الآراء الكيفية، وحصر النشاط جميعه في إطار الصالح العام.
اضف تعليق