q
مما لاشك فيه؛ تحتاج كل ممارسة لعمل تصحيحي ــ لإبعادها عن الأخطاء ــ إلى منهج يعي الفكرة الأساسية التي تستتبعها ممارسات الإصلاح في مجالات شتى في الحياة، والإمام الشيرازي (رحمه الله)؛ يفتح لنا معابر الوعي بالممارسات المستندة على المنهج الصحيح في تحقيق الأهداف المنشودة...

مما لاشك فيه؛ تحتاج كل ممارسة لعمل تصحيحي ــ لإبعادها عن الأخطاء ــ إلى منهج يعي الفكرة الأساسية التي تستتبعها ممارسات الإصلاح في مجالات شتى في الحياة.

والإمام الشيرازي (رحمه الله)؛ يفتح لنا معابر الوعي بالممارسات المستندة على المنهج الصحيح في تحقيق الأهداف المنشودة. ويقع استثمار الطاقات الإنسانية الكامنة في أولويات ما يركز عليه في سعيه لتسلسل منطقي للمنهجية التصحيحية.

وقد يكون لفئة الشباب الطاقة الأكبر التي ينبغي استثمارها، وعدم الوقوع في خطأ تجاوزها، وتركها على رفوف الاهمال. ولابد من الإيمان بالطاقات مستصحباً الأمل في تحقيق الهدف، حتى وإن تكررت المحاولات، فضلاً عن عدم السخرية من أي جهد مهما كان صغيراً أو ضئيلاً.

يقول الإمام الشيرازي الراحل: " يجب على الإنسان الممارس للتغيير أن يعرف أن تجمع القطرات تسبب تكوّن البحار، وتجمع صغار الرمال تكوّن الصحارى، وتجمع الخلايا الصغيرة يكوّن بدن الإنسان والحيوان والشجر إلى غير ذلك، فعلى الإنسان الذي يريد ممارسة التغيير أن يجمع القطرات من أجل هدم الأبنية السابقة، وتشييد الأبنية الجديدة مهما طال الزمن، ومهما احتاج إلى ضم قطرة إلى قطرة، وذرة إلى ذرة، وعمل إلى عمل، وجهاد إلى جهاد، وذلك بفارغ الصبر، وجميل الانتباه"1

وتتجلى منهجية الإمام الشيرازي في استثمار الطاقات في عدة أبعاد:

أولاً: نقد الذات ومحاربة اليأس من الحياة

فهو يرى ضرورة وضع استراتيجية تدعو إلى التفاؤل بالحياة، وعدم الخضوع لمسببات الاحباط التي قد تؤدي بالإنسان وخصوصاً فئة الشباب إلى الانتحار، بعد موجات انفعالية كبيرة من ممارسة جلد الذات بعد حدوث المطبات والمعرقلات التي تؤدي بالفرد إلى الخضوع ليأسه وانكساره وتحقيره لذاته؛ وكل ذلك بسبب تضخيمه للأخطاء لدرجة متطرفة معتقداً أنه يمارس نقد الذات، وهو في ذلك يقع في الخلط بين نقد الذات وهدمها.

إذا لم نفشل لا يمكن أن نحقق نجاحاً، وإذا لم نتعثر ليس لنا أن نواصل، وهذه قاعدة حياتية، لذلك بدلاً من ممارسة التحقير على ذواتنا، وبدلاً من الهروب غير المجدي، لا بد من مواجهة ومصارحة تبحث في أسباب الهزائم والانكسارات، بشرط أن لاتكون المصارحة مصارحة جلد ذات وإلا فإننا لم نفعل شيئاً. المصارحة والمواجهة المقصودة هي في عملية نقد التجربة، ودراسة مسببات فشلها، والعمل على تلافيها، والتركيز على النقاط التي تعزز من قوة التجربة.

إن النقد المنهجي والسليم، والقائم على قصدية البناء لا الهدم؛ كفيل ــ حسب رؤية الإمام الشيرازي ــ بقطع الطرق المؤدية إلى النفس الانهزامية، وسيمد أغصان التشبث بالأمل والمواصلة في شجرة تستمد قوتها من جذر النقد الذاتي الفاعل والبناء، وليس النقد الهادم والمهزوم والمنكسر. لابد من تغذية الاحساس الداخلي بضرورة ممارسة العملية النقدية الهادئة. قد يتطلب الأمر وقتاً طويلاً خصوصاً في مجتمعاتنا الشرقية التي تعودت على الانفعال والتسرع، لكن طول الوقت لا يعني الاستسلام للتحديات.

نقد الذات: هو الوجه الأوضح لعملية قياس التجارب الفاشلة بمواجهتها وليس بالهروب منها وتهميش المحاولات الساعية لترميمها والانطلاق بها إلى الأمام، فتكون أفكارنا التي سننتجها أفكاراً ناضجة وهادئة وغير انفعالية، يمكن استثمارها بالشكل الأمثل لتحقيق المبتغى المنشود.

ثانياً: الانتباه لمخاطر الانفتاح الهش

كانت الثقافة السائدة تعتقد أن الأخطار الحقيقية تأتي من خلال الحروب المباشرة، والتي عادة ماتكون عبر الصدامات العسكرية المباشرة، غير أن المتغيرات المتسارعة أنبأتنا بأنَّ خطراً ىخر يتمثب بالحرب غير المباشرة، والتي تتقنّع بثقافة الانفتاح أصبح لها تهديد جدي وحقيقي على مستقبل الإنسانية، حيث يعمل الانفتاح (الممنهج) على جزئية غاية في الخطورة تتمثل في فصل الأخلاق كلياً عن السلوك الانفتاحي، وذلك من خلال برمجة الانفصال التام عن الأخلاق تمهيداً لضرب الفطرة الإيمانية، وإيقاع الشباب في شراك الماديات، والانقلاب على القيم الإنسانية الفطرية، وذلك من خلال ثقافة ضخ المصطلحات (الحداثية) المبشرة بالانفتاح، وهو في الحقيقة انفتاح هش. ولعل السعة الاتصالية الالكترونية بوابة مجانية لتصدير هذا الانفتاح، فضلاً عن غزو الفضائيات التي تضخ وبكثافة برامج الهشاشة الانفتاحية التي تجد لها إقبالاً ينتشر انتشار النار في الهشيم، خصوصاً في أوساط الشباب، من دون الانتباه إلى تساؤل مهم وهو : كيف نقرأ ماوراء هذه البرامج بعين تحليلية فاحصة بعيدة عن الانفعال الذي قد يفرض نفسه ازاء هكذا قضايا تمس جوهر العقائد والأخلاق التي يراد تمييعها عبر الميديا ومكوناتها العولمية الحداثية، وننتبه إلى قضية ضرب الأديان ببعضها، أو ضرب المذاهب داخل الدين الواحد ببعضها.

والإمام الشيرازي يرى أن مواجهة هذا الانفتاح يجب أن تكون بشيء غير مباشر، طالما أن الحرب غير مباشرة، وذلك من خلال التثقيف والتوعية بأهمية تنبيه الإنسان وتحذيره من هذا الضخ الاتصالي والفضائي، من دون التصادم مع الفكر المختلف. لابد من تثقيف اتصالي وفضائي يعرض الفكرة التي تفند ماجاءت به الأفكار المادية الهدامة، مع عدم إغفال الطرق الجديدة والحديثة في عرض الفكرة بما يتناسب والتطور التقني الحاصل من خلال الاعتماد على طاقات الشباب الماهرين والمبدعين في هذه المجالات، واستثمارها على نحو يقف بقوة عقلانية بوجه المخاطر الانفتاحية.

وللإمام الشيرازي أبعاد أخرى غير هذين البُعدين في استثمار الطاقات، يمكن أن نتعرض لها في القادم من الأيام.

---------------------------------------
1: السيد محمد الحسيني الشيرازي، ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع، ص74

اضف تعليق