عندما نتعمق في العلاقات الإنسانية بمختلف اتجاهاتها ومشاربها، فإننا سوف نجد بأن الأفراد يمكن أن يؤثروا بشكل مباشر في بعضهم، حيث المرأة والرجل يؤثران على بعضهما البعض، لذلك نرى أن نجاح أحدهما ينعكس على الآخر أو ربما يأتي بفضل الصبر ومساعدة الطرف المقابل، وكذلك في باقي العلاقات إذ لابد أن يترك الصديق اثراً أو آثاراً في نفس صديقه وبالعكس...
عندما نتعمق في العلاقات الإنسانية بمختلف اتجاهاتها ومشاربها، فإننا سوف نجد بأن الأفراد يمكن أن يؤثروا بشكل مباشر في بعضهم، حيث المرأة والرجل يؤثران على بعضهما البعض، لذلك نرى أن نجاح أحدهما ينعكس على الآخر أو ربما يأتي بفضل الصبر ومساعدة الطرف المقابل، وكذلك في باقي العلاقات إذ لابد أن يترك الصديق اثراً أو آثاراً في نفس صديقه وبالعكس، ويحدث هذا حتى في التفاصيل البسيطة أو الجزئية.
قال رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه وسلم:
(المرء على دين خليله فانظر من تخالل).
وقيل في الكلمات المأثورة: الصاحب ساحب إما إلى الجنّة وإمّا إلى النار.
ولهذا نلاحظ أن الآيات الكريمة والروايات والأحاديث الشريفة تحث الانسان على اختيار الصديق المناسب، والقرين الأفضل الذي يمكن أن يدعم مسيرتنا نحو الأفضل في الحياة، لأنه سوف يؤثر عل الإنسان المرافق له في حله وترحاله، شاء أم أبى، ولكن عندما ندقق النظر في الحياة الزوجية سوف نجد بأن الزوج والزوجة يقضيان مع بعضهما وقتاً أطول مما يقضيه الصديق مع صديقه بشكل عام، وهنا نحن لا نتكلم عن الحالات الشاذة أو غير الطبيعية.
إذاً سيكون تأثير الزوج على الزوجة أو العكس أكثر وأعمق من تأثير الصديق على صديقه، وينطبق هذا على العلاقات الإنسانية المختلفة أو المتنوعة، لذلك نلاحظ بأن المعصومين عليهم السلام يؤكدون من خلال الروايات على اختيار الشخص المناسب بالنسبة للحياة الزوجية، كذلك نلاحظ أن العلماء والأفاضل لا يتزوجون من أية امرأة، وينطبق هذا على المرأة المتميزة العالمة، فهي أيضا تحتاط وتتحسب لاختيار شريك حياتها بدقة وأناة لكي يدعم نجاحاتها وهي تفعل هذا بالمثل، لهذا يبحث مثل هؤلاء الأشخاص عن الأفضل من حيث الأخلاق والديانة والتدين، ومحمولات القيم النبيلة وعلى رأسها إيمانهم وتحليهم بأخلاق أئمة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام.
وكما ورد في بعض سيرة آل الشيرازي الشريفة، يذكر عندما طلب الميرزا مهدي الشيرازي يد كريمة الحاج صالح معاش للزواج، كان يعرف بأن الوالد صاحب أخلاق فاضلة ومثال للخير والتقوى، وأن من يتربى في هذا البيت سوف يكون مستعداً للقيام بمهمات كثيرة كبيرة تصب جلها في خدمة أهل البيت عليهم السلام ونشر فكرهم وخدمة الناس أجمعين في هذا المجال، وبالفعل كانت هذه البنت صالحة ومتقية كما ذكر التاريخ والمؤرخون في صفاتها، فقد كانت صابرة وعظيمة واستحقت هذا المقام الرفيع لتصبح زوجة رجل عظيم وهو سلطان المؤلفين.
إنها كانت عظيمة وذات صفات كبيرة لأنها أنجبت أولادا كانوا وأصبحوا وسوف يبقون مفخرة للإسلام والمسلمين، مثل السيد الشهيد سماحة آية الله محمد رضا الحسيني الشيرازي الذي يعترف بحبه الجميع صغاراً كانوا أم كباراً، خاصة أن الكثير من الناس يستمعون إلى محاضراته إن كان في حياته أو بعد رحيله، وكانوا ولا زالوا يقتدون بأخلاقه الرفيعة ونهلوا من تلك القيم الأصيلة التي أفاض بها على محبيه ومستمعي خطبه ومحاضراته القيمة، كذلك سماحة آية الله السيد مرتضى الحسيني الشيرازي الذي يشكل مثالا للعلم والمثابرة والصبر، بما لديه من مؤلَّفات وكتب كثيرة في مجالات مختلفة، وكذلك باقي السادة والعلويات من أولاده الكرام، حيث أنهم يزدهون بالتربية العظيمة ويتحلون بالخلق الرفيع عبر أسلوبهم الشامخ وأفعالهم وأعمالهم وأفكارهم الفاضلة، ولا يمكن أن نتوقع أقل من هذا علما وفضيلة وأخلاقا وإيمانا من ذرية والد وأب عالم صبور موسوعي كسلطان المؤلفين ومن امرأة صبور صالحة كهذه الزوجة المجتهدة المثابرة تغمدها الله تعالى برحمته الواسعة.
فقد صبرت على الأذى ولم تتفوه بشيء ولم تجزع من شيء وهذه هي سجاياها الكريمة، كذلك تعترض على أي شيء، بل بالعكس من ذلك كانت تدعم وتساند سماحة المرجع الإمام الراحل بكل قدراتها، فقد تحملت ألم الغربة والهجرة من كربلاء المقدسة إلى دولة الكويت ومن ثم الى ايران، واحتملت التنقل من مكان إلى مكان برفقة سلطان المؤمنين والمؤلفين سماحة الإمام الشيرازي، وركزت بشكل أساسي على تربية الأولاد بأحسن ما يمكن، فقد شاهدت ثمرة تعبها في الدنيا قبل الآخرة.
وكانت رحمها تملأ أوقات فراغها بالعبادة وقراءة الكتب والكتابة والتأليف في فكر أئمة أهل الببيت عليهم السلام، ولم تكتنز لنفسها أي شيء، حيث كانت تقدم أموالها والهدايا التي كانت تصل إليها إلى أهل البيت عليهم السلام لبناء المساجد والحسينيات، وكانت تحب أئمة أهل البيت كثيرا، وامير المؤمنين عليه السلام بشكل خاص، حيث كانت تطلب من أولادها الذين يزورونها ان يلقوا على مسامعها فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، وكان الأولاد يتركون لها الكتب التي تنطوي على فضائل امير المؤمنين عليه السلام في غرفتها، ليقرؤوا لها هذه المناقب والفضائل عند تواجدهم معها، ويكثروا منها.
وهكذا كانوا يخضعون لها ويطلبون رضاها وكانوا يهيؤون الأجواء السعيدة لها، والجدير بالذكر إنها فارقت الحياة في يوم الأحد حيث ينسب هذا اليوم لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليها وأمير المؤمنين عليه السلام.
فربما يصنع الرجل العظيم امرأة عظيمة وتصنع المرأة العظيمة رجلا عظيما، ولكن الحقيقة في هذه الرحلة يجاور العظماء بعضهم البعض، ليقدموا أفضل ما لديهم الى الآخرين ويكونوا خير مثال للحب والتقوى، نعم هكذا يعيش العظماء بأبسط ما يمكن حيث جلّ اهتمامهم يكون غاية أعظم من أموال الدنيا وزينتها، فإنهم يجعلون الآخرة أمام أعينهم ليقدموا كل ما لديهم الى الباري عز وجل، وكل شخص يخرج من الدنيا ويترك وراءه آثاراً معينة، أما ما تركته هذه الكريمة العابدة، فهو مصلى ينعى صاحبته ومؤلفات تشهد لها بحبها لسادتها الميامين، فقد ألّفت المرحومة كتبها في أحاديث وكلمات أئمة أهل البيت في أربعة أجزاء مطبوعة لتبقى شاهدا لها في تعلقها وحبها لأئمة أهل البيت عليهم السلام، ولكي يبقى هذا الجهد في خدمة أتباعهم ومحبيهم إلى يوم يبعثون، فسلام على الفقيدة ودعاؤنا لها بأن يتغمدها الله تعالى برحمته التي وسعت كل شيء، ويجعلها في حياض أئمة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام.
اضف تعليق