الاسطورة كلمة غير عربية تعني (تاريخ او قصة)، وللاساطير اهمية كبرى في حضارات الشرق والحضارات الانسانية الاخرى، وتنبع هذه الاهمية للاسطورة من خلال تفسيرها لعلاقة الانسان مع الطبيعة، وكونها تحاول الاجابة عن الاسئلة المرتبطة بالحياة ونشوئها وبالكائنات المتعالية (الالهة) . وهناك الكثير من الاساطير المشتركة بين الحضارات مثل (العين الحاسدة) و (حولة الحسن) في مجتمعاتنا والتي وجدها الباحثون في الدراسات المقارنة موجودة في البيرو لدى حضارة الانكا قبل اكتشاف كولمبوس لامريكا..
تفاسير الاسطورة
قدم الباحثون والمهتمون بالتاريخ البشري عدة تفسيرات لدراسة الاساطير والاقتراب منها، يمكن اجمالها بخمسة تفاسير هي:
التفسير الفلسفي.
التفسير النفعي.
التفسير البنيوي.
التفسير النفسي (رمزي).
التفسير الديني (رمزي).
يعتبر (كلود ليفي شتراوس) اشهر باحث في ميدان الاساطير من خلال عمله الدؤوب على فك اسرار الفكر الانساني المشترك، اضافة الى الباحث (ميرسيا الياد) عالم الاديان المقارن، واللذين عملا على الاقتراب من الكوني الموجود في الاسطورة ودراسة الرموز الاسطورية..
كثيرا مايطرح تساؤل: ماهو سر قوة الاسطورة بعبورها الاجيال دون ان تتاذى كما الفلسفة واخذت من الاديان والحضارات؟
الجواب، لان الاسطورة تعكس الهموم العادية للانسان (القلق – الالم – سر الموت – البعد – القتل – الخراب).. من قبيل اسئلة مثل:
اين كنا ومن اين اتينا؟ الرغبة واصلها، لماذا احب هذا وليس الاخر؟ ماهو سر هذه الطبيعة؟ لماذا الزلازل والبراكين؟ كيف يتصل الانسان بالالهة؟ كيف يعبر الى العالم الاخر؟ وهل توجد امكانية اتصال بهذا العالم؟ ماهو سر العلم والمعرفة؟ من ادخل التقنية؟ من علمنا الغيب؟ هل يوجد اناس عندهم اتصال مع الغيب؟
والاسطورة باسئلتها هذه، تبين انجذاب الناس الى الخارق، المعجز..
والاسطورة هي قصتنا مع الاشياء، ومع بعضنا، ومع داخلنا.. وهي قصة اسقاطاتنا على الاشياء والاخرين، والاسطورة هي فكرنا قبل الفكر، وتعتبر الاساطير ذاكرة البشرية الطويلة..
حسب التفسير الفلسفي، راى فلاسفة مثل افلاطون وسقراط في الاسطورة، انها حكاية ساذجة تحاول تفسير اصل الاشياء وتسلسل الالهة بطريقة اسطورية، واعتبرها اخرون، اقل احتقارا للاسطورة، انها تمثل وقفة بين القدسي والعادي..
وقد قطع سقراط العلاقة مع اللغة الاسطورية، بينما دعا نيتشه الى العودة لما قبل الفكر الفلسفي.. اي الميثوس حيث رأى ان اللوغوس (التنظير) قاد الى جميع مصائب البشرية..
في التفسير النفعي للاسطورة يطرح تساؤل: لماذا توجد في الاسطورة فوائد؟ ذلك لانها برية، نفعية، طبيعية، ورغم انها فكر ساذج يضخم الامور ومركّبة على المقاربة والتشبيه، وانها تهمل القيم النفسية فان هناك من اعتبر الفكر الاسطوري فيه بعض المنطق.. وان الاسطورة فيها حدس (حاسة سادسة) لان من كتب الاسطورة لديه خبرة في الحياة.. وهذا التفسير النفعي منح الاسطورة اوراق اعتماد واعتبارها نوع من السند لتنظيمات الانسان في المجتمع..
حين نصل الى التفسير البنيوي للاسطورة، يقابلنا كلود ليفي شتراوس صاحب العملين المهمين (الفكر البري) و (المطبوخ والني) والذي عمل من خلال ابحاثه وكتبه على تحديد الاسطورة وقدم قراءة معمقة للهيكلية الموجودة فيها، اضافة الى اسس التحليل البنيوي لها والتي يمكن تحديدها بالاتي:
المعنى الاسطوري موجود داخل الاسطورة..
الاسطورة هي بناء لغوي متكامل داخل اللغة..
الاسطورة ليست مختلفة عن اللغة العادية، لكنها فوق التعبير العادي للكلام العادي..
واعتبر كلود ليفي شتراوس، ان الاسطورة ليست من صنع الانسان بل الانسان من صنع الاسطورة.
التفسير النفسي للاسطورة يرى ان الانسان يرمز ويرمّز، وانه عبارة عن ماكنة ترميز.. وان الاسطورة كاشفة للرغبات، مثلما ان هناك ثلاثة اشياء تكشف اللاوعي فينا كما رأى فرويد وهي (الاحلام – الانفعالات السارة او الحزينة – زلات اللسان).. وقد رأى كارل يونغ احد تلامذة فرويد، ان الاساطير بمثابة الاحلام وانها كاشفة للاوعي الجماعي، وان الاساطير لعبت دورا علاجيا للجماعات مثل افلام الكاوبوي الامريكية..
التفسير الديني للاسطورة يرى ان الاديان قد توجهت الى الاسطورة واخذت منها وبنت عليها، وخاصة مايتعلق بالمقدس ورموزه، والاخرة والغيب، والامور الخارقة للعادة والمعجزات..
وعن الفرق بين الاسطورة والحكاية، يرى الباحثون ان الاسطورة هي حكاية في بدايتها وليست في نهايتها لانها اكبر من محتواها، وهي شمولية تحيط بكافة نواحي الحياة البشرية، والاسطورة تركز على الاسئلة الجوهرية للانسان، بينما الحكاية تحاول ان تشتغل على اخلاق شعب معين.. رغم ان الحكاية الشعبية تتشابه تقنيتها مع الاسطورة..
اضف تعليق