q

تعد الآثار إرثاً تاريخياً مهماً في كل أنحاء العالم فلا يكاد يخلو مكان منها، فهي ثروة تاريخية وحضارية وجزء أساسي من مكونات تاريخ الأمم، وتحافظ على الهوية التي تتميز بها كل أمة، ولها أهمة في ربط الماضي بالحاضر والمستقبل، تكون بمثابة وثيقة عهد بين الأجيال السابقة والأجيال الحالية والأجيال القادمة، من ليس له ماضي ليس له حاضر ولا مستقبل.

وتثير تصاميم الآثار وكيفية إنشاءها وبنائها دهشة الكثير من الناس والدارسين والباحثين، ولا يمكن أن تعد الآثار شيئا ثانويا لما لها من دور مهم وحيوي في انتعاش السياحة وجذب السياح وبالتالي تؤدي إلى تحسين اقتصاد الدول لأنها تعد من أهم مصادر الدخل القومي في مختلف البلدان، بالإضافة إلى انها تنشط الحركة التجارية في المواسم السياحية.

ونتيجة لتدهور الأوضاع الأمنية في بعض دول الشرق الأوسط تعرضت الكثير من الآثار للسرقة والتدمير والتخريب على أيادي الزمر الإرهابية والإجرامية من تنظيم داعش، فنهبوا الموروث الثقافي في سوريا والعراق والمتاجرة بالآثار لتمويل عملياتهم، فسلامة الدولة تكون سبباً لسلامة الآثار من الضياع والتهريب والتخريب.

وفي السياق ذاته تعرض متحف الفسيفساء الأثري في مدينة معرة النعمان الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة في شمال غرب سوريا، لأضرار بالغة جراء قصفه الأسبوع الماضي، ببرميلين متفجرين من الطيران الحربي التابع لقوات النظام، وفق ما أعلنت جمعية حماية الآثار السورية.

فيما أعربت منظمة اليونسكو عن إدانتها لغارة للتحالف العربي بقيادة السعودية استهدفت المدينة القديمة في صنعاء، ودعت المديرة العامة للمنظمة إيرينا بوكوفا في بيان إلى "احترام وحماية التراث الثقافي في اليمن"، كما عبرت عن "حزنها العميق لخسارة الأرواح والتدمير الذي لحق بأقدم جواهر الحضارة الإسلامية".

وعلى صعيد مختلف عثر علماء على كتل حجرية مدفونة بالقرب من موقع ستونهينغ الأثري، الذي يرجع تاريخه لأواخر العصر الحجري وأوائل العصر البرونزي، ربما تمثل جزءا من أكبر الشواهد الأثرية التي تعود للعصر الحجري الحديث وبنيت في بريطانيا حسبما يعتقد علماء الآثار.

ونظراً لتردي الأوضاع في الآونة الأخيرة فلا بد أن تقوم وزارت الآثار في البلدان المختلفة بالمحافظة على هذه المعالم وترميمها والحفاظ عليها من الضياع، بالإضافة إلى الاهتمام بشكل أكثر بالمتاحف التي تضم الآثار المكتشفة، وقد رصدت (شبكة النبأ المعلوماتية) بعض الأخبار والدراسات نستعرض أبرزها في التقرير أدناه.

مالي

من جانبها أعلنت المديرة العامة لمنظمة اليونيسكو انها رفعت دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن تدمير الجهاديين أضرحة اثرية في مدينة تمبكتو خلال سيطرتهم على شمال مالي (2012-2013)، وذلك اثر زيارتها هذه الاضرحة التي اعيد بناء بعضها، وقالت ايرينا بوكوفا للصحافيين ان "اليونيسكو راجعت المحكمة الجنائية الدولية في موضوع اولئك الذين دمروا الأضرحة، لقد التقيت قبل شهرين المدعية العامة واعتقد انها تتقدم بسرعة وآمل انها ستكون جاهزة لتقديم الدعوى امام المحكمة الجنائية الدولية". بحسب فرانس برس.

وأضافت المديرة العامة لمنظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة خلال مؤتمر صحافي في باماكو ان "تدمير تراث ثقافي يعتبر (جريمة حرب) بحسب معاهدة لاهاي"، ووصلت بوكوفا إلى مالي وتوجهت إلى تمبكتو، وأضافت "لقد رأينا في تمبكتو الأضرحة وقد اعيد بناؤها بفضل مساعدة اليونسكو، فأعيد بناء ثماني أضرحة والبقية سيعاد بناؤها قبل نهاية العام"، وأوضحت انه تم حتى الآن صرف ثلاثة ملايين دولار من اصل 11 مليونا خصصت لإعادة بناء الاثار التي دمرها الجهاديون في تبمكتو، وفي ختام زيارتها لمالي التقت بوكوفا في باماكو الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا.

سوريا

في حين تعرض متحف الفسيفساء الأثري في مدينة معرة النعمان الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة في شمال غرب سوريا، لأضرار بالغة جراء قصفه الاسبوع الماضي، ببرميلين متفجرين من الطيران الحربي التابع لقوات النظام، وفق ما اعلنت جمعية حماية الآثار السورية. بحسب فرانس برس.

وقال مدير الجمعية شيخموس علي، الذي يتخذ من مدينة ستراسبورغ الفرنسية مقرا له، في بيان تلقت وكالة فرانس برس نسخة منه ان "المتحف الاثري خان مراد باشا تعرض لأضرار كبيرة نتيجة القصف ببراميل متفجرة تم القاؤها من طائرة هليكوبتر تابعة لجيش النظام (السوري)".

وبحسب بيان الجمعية، تضرر عدد من اللوحات الفسيفسائية التي كانت موجودة في الرواق الشرقي للمتحف بدرجات متفاوتة، كما تعرضت لوحتان مستطيلتي الشكل وتحملان رسوما هندسية لدمار كبير جدا. ولم تسلم اربع لوحات دائرية الشكل من الضرر وان كان بدرجة اقل جراء اصابتها بشظايا احدثت ثقوبا.

وتعرضت أجزاء من مبنى المتحف الواقع في مدينة معرة النعمان في محافظة ادلب، ومن المسجد الموجود في ساحته لدمار كبير، جراء سقوط برميلين متفجرين، وينفي النظام السوري باستمرار ان تكون قواته تستخدم البراميل المتفجرة في قصف المناطق تحت سيطرة فصائل المعارضة، وذلك خلافا لما يؤكده ناشطون ومنظمات حقوقية ودول غربية، ويضم متحف معرة النعمان اكثر من الفي متر مربع من لوحات الفسيفساء الاثرية.

وندد المدير العام للآثار والمتاحف السورية مأمون عبد الكريم في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس، بـ"هذه المأساة الجديدة للتراث السوري"، لكنه امتنع عن تحديد الجهة المسؤولة عنها، وأضاف "يجب تحييد المتاحف ولا ينبغي على اي كان، بغض النظر عن الجهة التي ينتمي اليها، ان يمس بذاكرة بلدنا".

وتعرض أكثر من 300 موقع ذي قيمة انسانية في سوريا للدمار والضرر والنهب خلال اربع سنوات من النزاع، وفق ما اعلنت الامم المتحدة في ديسمبر/ كانون الاول 2014 بناء على صور ملتقطة من الأقمار الاصطناعية، وتمتلك سوريا، ارض الحضارات كنوزا ومعالم اثرية تعود لحقبات التاريخ المتعاقبة من كنعانية وآرامية وأموية وعثمانية، لكن هذا الإرث الضخم يتعرض منذ بدء النزاع المسلح الى التخريب والتدمير من قبل الاطراف كافة، النظام والمعارضين له والجماعات الجهادية، وحتى السكان.

اليمن

فيما أعربت منظمة اليونسكو عن إدانتها لغارة للتحالف العربي بقيادة السعودية استهدفت المدينة القديمة في صنعاء، ودعت المديرة العامة للمنظمة إيرينا بوكوفا في بيان إلى "احترام وحماية التراث الثقافي في اليمن"، كما عبرت عن "حزنها العميق لخسارة الأرواح والتدمير الذي لحق بأقدم جواهر الحضارة الإسلامية". بحسب فرانس برس.

دانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) غارة جوية لقوات التحالف العسكري بقيادة السعودية استهدفت الجمعة المدينة القديمة في العاصمة اليمنية صنعاء والمصنفة على لائحة التراث العالمي، ووصفت المنظمة المدينة القديمة بـ"بواحدة من أقدم جواهر" الحضارة الإسلامية.

وقالت المديرة العامة للمنظمة إيرينا بوكوفا في بيان أن "هذا التدمير لن يؤدي سوى إلى مفاقمة الوضع الإنساني وأكرر دعوتي لكافة الأطراف لاحترام وحماية التراث الثقافي في اليمن"، وأضافت "أعبر عن حزني العميق لخسارة الأرواح وكذلك للتدمير الذي لحق بأقدم جواهر الحضارة الإسلامية".

وتابعت بوكوفا "أصبت بالصدمة جراء صور المنازل البديعة والحدائق المدمرة"، وأضافت المديرة العامة لليونيسكو أن "القيمة التاريخية في هذه الأماكن أصيبت بأضرار أو تدمرت بشكل لا يمكن إصلاحه"، وأفاد مراسل وكالة الأنباء الفرنسية أن صاروخا استهدف حي القاسمي حيث آلاف المنازل التي شيدت قبل القرن الحادي عشر، وسبق للمدينة القديمة أن أصيبت بأضرار نتيجة غارات استهدفت مواقع مجاورة بينها وزارة الدفاع، الأمر الذي دفع باليونسكو إلى التنديد بذلك في أيار/مايو الماضي.

السعودية تنفي، وفي أول رد فعل من السعودية، نفت الرياض أن تكون شنت غارات التحالف استهدفت صنعاء القديمة، وصرح المتحدث باسم التحالف العميد ركن أحمد العسيري لوكالة الأنباء الفرنسية "بالتأكيد لم نشن أي عملية داخل المدينة"، وقد أسفرت غارة شنها طيران التحالف العربي بقيادة السعودية عن مقتل خمسة أشخاص وتدمير ثلاثة منازل.

من جانب آخر أضيفت مدينتا صنعاء وشبام (وسط) في اليمن المهددتان نتيجة المواجهات بين المتمردين والقوات الحكومية الى لائحة اليونيسكو للتراث العالمي المهدد، على ما أعلنت المنظمة، وأفادت المنظمة الثقافية الأممية في بيان ان مدينة صنعاء القديمة عاصمة اليمن "تعرضت لأضرار كبرى بسبب النزاع المسلح وأصيب حي ألقاسمي بمحاذاة حديقة مقشامة ألقاسمي الشهيرة بأضرار فادحة". بحسب فرانس برس.

ويشهد اليمن حربا طاحنة بين القوات الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي والمتمردين، من حوثيين شيعة ومن يحالفهم، الذين سيطروا منذ 2014 على مساحات واسعة من البلاد، ويشن تحالف عربي بقيادة السعودية منذ اذار/مارس غارات جوية على مواقع المتمردين لمنعهم من السيطرة على البلاد كاملة، وأعلنت الأمم المتحدة حال الطوارئ الانسانية من المستوى الثالث في البلاد، وهي الاعلى.

وأضافت المنظمة إن "الجزء الاكبر من النوافذ الزجاجية والابواب الملونة والمزينة" في العاصمة "التي تشكل ميزات هندستها المحلية، تحطم أو تضرر"، وأعربت عن "الحزن والقلق" ازاء الدمار الذي يطال "مدينة اسلامية ذات أهمية كبرى تاريخيا وتراثيا"، كما أضيفت مدينة شبام التي بنيت في القرن السادس عشر على كتلة صخرية وسورها الى لائحة المواقع المهددة.

وبالإضافة إلى "التهديدات المحتملة المرتبطة بالنزاع" تعاني المدينة التي اطلقت عليها تسمية "مانهاتن الصحراء" بسبب مبانيها المشابهة للأبراج، من "مشاكل صيانة وإدارة"، بحسب اليونسكو، وافتتحت المنظمة الأممية في بون الدورة الـ39 للجنتها للتراث العالمي حيث ستدرس حتى 8 تموز/يوليو حوالى 30 ترشيحا تضيفهم الى لائحة التراث الانساني العالمي.

اتفاقية لاهاي

سيسهل توقيع الاتفاقية على بريطانيا الضغط من أجل ملاحقة ومحاكمة قادة تنظيم داعش الإجرامية في المحكمة الجنائية الدولية، أعلنت بريطانيا أنها ستصدق أخيرا على اتفاقية دولية رئيسية لحماية التراث والممتلكات الثقافية في مناطق النزاعات والحروب، وكانت اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة أقرت بعد الحرب العالمية الثانية في عام 1954، بيد أنه لم يتم اعتمادها في سياق القانون ببريطانيا.

ويقول وزير الثقافة البريطاني جون ويتنغدال إن تدمير وسرقة الآثار في سوريا والعراق على أيدي مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية جعل من الضروري أن تقر اتفاقية لاهاي وتفعّل في القانون البريطاني في أقرب فرصة ممكنة، وسيسهل توقيع الاتفاقية على بريطانيا الضغط من أجل ملاحقة ومحاكمة قادة تنظيم الدولة الإسلامية في المحكمة الجنائية الدولية.

وتعد منظمة التربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو) التخريب الذي يطال الموروث الوطني جريمة حرب، وكانت بريطانيا وافقت قبل 11 عاما على التصديق على الاتفاقية التي عدلت بعد الحرب التي أدت إلى تقسيم يوغسلافيا، وكانت الدولة الوحيدة بين الدول الكبرى التي لم تصدق على هذه الاتفاقية.

وقد وقع على الاتفاقية 115 دولة، بضمنها كل الدول الاعضاء في مجلس الأمن عدا بريطانيا،

وتعني اتفاقية لاهاي بضمان أن لا تستهدف الدول والجيوش الممتلكات والكنوز الثقافية، وكانت بريطانيا من الدول الأولى الموقعة على الاتفاقية لكنها لم تصدق عليها ليتم تفعيلها قانونيا لديها،

وتعرضت الاتفاقية للمراجعة والتعديل بعد حرب البلقان في تسعينيات القرن الماضي، وفي عام 2004 قالت بريطانيا إنها ستصدق على الاتفاقية في الوقت المناسب.

"أخبار رائعة"، ثمة مخاوف من أن يدمر المسلحون الأثار التي تعود الى نحو 2000 عام، في مدينة تُدمر في سوريا، ويقول وزير الثقافة البريطاني إن الاتفاقية ستصبح قانونا في بريطانيا "في أقرب فرصة"، وشدد ويتنغدال على أن الأولوية بالنسبة لبريطانيا هي الكلفة البشرية لهذه النزاعات، إلا أنها يجب أن تبذل قصارى جهدها لمنع أي تدمير ثقافي إضافي، وأضاف إن "خسارة موروث البلاد الثقافي تهدد هويته المميزة".

وأفادت تقارير أنه ستعلن الحكومة في قمة في سبتمبر/أيلول، عن صندوق لدعم أي تدخل مستقبلي يقوم به الآثاريون لإنقاذ المعالم الأثرية المهددة في العراق وسوريا وليبيا، ويقول البروفسور بيتر ستون، أحد ابرز الناشطين الداعين لتبني الاتفاقية "إنها أخبار رائعة ما لم يكن هناك تأخير إضافي".

وكان مدير المتحف البريطاني نيل ماكغريغر، من بين الداعين لتصديق بريطانيا على الاتفاقية،

ويتهم مسلحو تنظيم داعش بنهب الموروث الثقافي في سوريا والمتاجرة بالآثار لتمويل عملياتهم، الأمر الذي دعا الأمم المتحدة إلى حظر المتاجرة بالتحف والقطع الأثرية القادمة من هذه البلاد، وثمة مخاوف من أن يدمر المسلحون الآثار التي تعود إلى نحو 2000 عام، في مدينة تُدمر في سوريا، بعد أن استهدفوا بالتخريب والنهب والتدمير مدينة النمرود الأشورية القديمة ضمن مواقع أثرية أخرى في العراق.

أمريكا

بينما أعلنت وزارة الثقافة في البيرو أن علماء آثار اكتشفوا تماثيل تعود لنحو 3800 عام في موقع أثري يعود لحضارة كارال شمال البلاد، عثر علماء آثار في البيرو على تماثيل تعود إلى ثلاثة آلاف و800 عام، في موقع فياشاما الأثري الذي يعود إلى حضارة كارال شمال البلاد، بحسب ما أعلنت وزارة الثقافة. بحسب فرانس برس.

وعثر على هذه التماثيل الطينية في سلة من القصب، في أطلال مبنى في الموقع الأثري الساحلي قرب مدينة فيغويتا، على بعد 130 كيلومترا شمال العاصمة ليما، وهو ينتمي إلى حضارة كارال التي اعتبرت تراثا ثقافيا للبيرو في العام 2008، وبحسب وزارة الثقافة، فإن هذه التماثيل كانت تستخدم على الأرجح في طقوس دينية، وظهرت حضارة كارال قبل خمسة آلاف عام، وكانت تضم ثلاثين مدينة كبرى على السواحل الشمالية للبيرو، وهي أقدم حضارة أمريكية معروفة، تركت شواهد أثرية مهمة منها أهرامات ومسارح.

واشنطن

حتى من دون أي دراية بالعجلات او الحديد، يظهر التفوق الكبير لحضارة الإنكا في مجال الهندسة عبر معرض في واشنطن مخصص ل"كاباك نان"، وهي شبكة دروب تعبر ست بلدان سمحت بازدهار الإمبراطورية الأكبر في الأميركيتين، ويصور معرض "الدرب الكبير لحضارة إنكا: بناء امبراطورية" في معرض "ناشونال ميوزيم اوف ذي اميركن انديان" في العاصمة الفدرالية للولايات المتحدة، وابرز المحطات في هذه الشبكة من الدروب الممتدة على 40 الف كيلومتر والزاخرة بالجسور المشيدة قبل اكثر من 500 عام. بحسب فرانس برس.

وأوضح مفوض المعرض في معهد سميثسونيان البيروفي راميرو ماتوس أنه "من دون هذا الدرب لم تكن على الارجح لتظهر امبراطورية الإنكا، فقد شكل هذا الدرب عنصرا استراتيجيا تم تصوره بدقة لخدمة هيكلية الدولة"، ومن العاصمة كوزكو، كانت حضارة الإنكا (ويعني اسمها "الملك" بلغة كويتشا، احدى لغات هذه الحضارة) تحكم امبراطورية بمساحة مليوني كيلومتر مربع تمتد من غرب الارجنتين إلى جنوب كولومبيا الحالية، واستمر حكم هذه الامبراطورية على مدى قرنين حتى الغزو الاسباني سنة 1532.

وكان الدرب الرئيسي المحاذي للمحيط الاطلسي يمتد على ستة الاف كيلومتر من الشمال إلى الجنوب، وكانت "كاباك نان" ومعناها "درب الملك" تسلكها قوافل من حيوانات اللاما خلال نقلها للبضائع الواردة من المناطق الاربع الكبرى في الامبراطورية: الذرة من المساحات الزراعية الكبيرة في الشمال، واوراق الكوكا والذهب من الامازون، والمنتجات البحرية وذرق الطيور من السواحل اضافة الى الملح والبطاطا من الجنوب.

كما كانت أنزال تنتشر على طول الدروب المستخدمة ايضا من جانب الجنود خلال الحملات العسكرية كذلك من المخبرين الذين ينقلون الاخبار عن حالات الانشقاق او المحاصيل السيئة للملك الذي كان يدير كل شيء "من عرشه محاطا بـ300 راقصة ومساعد"، بحسب ماتوس، هذا الدرب المصنف موقعا مقدسا كان يتلقى تقدمات من الحجاج للأرواح الساكنة في الجبال وعلى الارض (باتشاماما)، وهو تقليد مستمر حتى اليوم.

ومع تقنياتهم واليد العاملة التي كانوا يستحوذون عليها بفضل غزوهم للقرى، نجح ابناء حضارة الإنكا في ترويض احدى اكثر المناطق الوعرة في العالم، عبر رسمهم طرقات تعبر جبال الانديس بقممها المكسوة بالثلوج والأخاديد السحيقة والمناطق الصحراوية، كل ذلك على ارتفاعات هائلة في بعض الاحيان.

هذه الانجازات تبدو مذهلة اكثر نظرا الى ان افراد هذه الحضارة لم يكونوا على دراية بالتقنيات التي شكلت تقدما اساسيا استفادت منه حضارات اخرى: اذ لم يكن هناك وجود للعجلات ولا للحديد ولا للحيوانات الكبرى المستخدمة في نقل البضائع. وبالتالي لا تزال تقنياتهم لتحطيم الصخور وشق الانفاق بمثابة "اللغز".

وبرأي خوسيه بارييرو وهو ايضا مفوض للمعرض، أحد اهم مواضع التقدم في حضارة الإنكا كانت قدرتها على شق قنوات للمياه، إلا أن هذه الشبكة المذهلة من الدروب سهلت تقدم الغزاة الاوروبيين الذين استفادوا من راحة اكبر في التحرك خصوصا في ظل حركات التمرد والاوبئة التي كانت تنخر امبراطورية الإنكا.

وبعد حوالي خمسة قرون على سقوط امبراطورية الإنكا، لا تزال أجزاء من الدرب الذي ادرجته منظمة اليونسكو سنة 2014 ضمن قائمتها للتراث العالمي، مركز عبور لمجموعات من سكان جبال الانديس ممن لا يزالون ينطقون باللغات القديمة المتوارثة من أيام أسلافهم أي الكيتشوا والأيمارا، ويتجمع القريون في كل سنة لإجراء اصلاحات ولصيانة هذا الدرب.

ويستمر المعرض المخصص لهذه الحضارة في واشنطن في حزيران/يونيو 2018، وهو الأول المخصص للهندسة في زمن الإنكا بحسب منظميه الذين يتوقعون أن يجذب 5,2 ملايين زائر، وبفضل الصور والشهادات والمجسمات والخرائط التفاعلية، يستكشف المعرض الذي استلزم التحضير له سبع سنوات، ايضا اصول امبراطورية الإنكا اضافة الى حضارة سكان جبال الانديس.

وقد تجنب الخبراء الخوض في الجوانب الاكثر شهرة في هذه الحضارة مثل مهاراتها المذهلة في صياغة الذهب وتقديم الأضاحي البشرية والعبودية، كذلك يعرض حوالي 140 قطعة فنية من مجموعات ثقافات السكان الاصليين لأميركا اللاتينية في هذا المتحف الذي يضم اكثر من 200 الف قطعة معروضة في المجموع.

بلغاريا

لطالما ساد اعتقاد بأن الهضاب الصغيرة المنتشرة في وادي كازانلاك في اقاصي بلغاريا ظهرت لأسباب طبيعية، إلى أن أظهر اكتشاف عرضي سنة 1944 وجود مدافن ثراسية مذهلة تشهد على حضارة لا تزال مجهولة بسبب قلة الموارد لاستكشافها، وتضم هذه المنطقة المسماة وادي الملوك الثراسيين ما لا يقل عن 1500 من المدافن التلية التي استخرجت منها المئات من اجمل القطع الموجودة في معرض يستمر اياما قليلة بعد في متحف اللوفر في باريس. بحسب فرانس برس.

هذه الحضارة التي ازدهرت عند تقاطع تأثيرات فارسية ومقدونية كانت تطمح لمقارعة الحضارتين الرومانية والاغريقية في مجالات الفنون ووصلت الى اوج امجادها بين القرنين السابع والثالث قبل الميلاد، إلا أن الثراسيين الذين كانوا يعملون بشكل رئيسي بتربية المواشي والمناجم وصياغة الذهب، لم يكن لديهم ابجدية خاصة وبالتالي لم يخلفوا وراءهم اي شهادات مكتوبة.

كما أن النواويس التي تعرض الكثير منها لعمليات نهب طالت خصوصا موجودات من الذهب، تمثل الشاهد الوحيد والهش لحضارتهم التي امتدت على مساحات واسعة من منطقة البلقان، وتضم هذه المقابر المبنية بالاستعانة بكتل ضخمة من احجار الصوان والمغطاة بالتراب، غرفة او مجموعة غرف متصلة بممر، كما تحوي احيانا كنوزا مدفونة هامة مثل كنز الملك سوتيس الثالث (320 - 280 قبل الميلاد) الذي دفن خصوصا مع تاجه الذهبي.

وتقول عالمة الآثار ميغلينا بارفين من متحف كازانلاك خلال دخولها الحجرة الخلفية لمدفن شومينيتس قرب كازانلاك "لا يوجد أي مدفن شبيه بالآخر"، ويتميز المدفن ألتلي المجاور في اوستروشا بغرفته على شكل ناووس محفور داخل كتلة من حجر الصوان تزن 60 طنا، وعلى السقف ثمة رسوم لرجال وحيوانات ونباتات وأشكال هندسية.

ويتمتع مدفن كازانلاك، اول المدافن الثراسية المكتشفة سنة 1944، بشهرة عالمية بفضل ادراجه على قائمة منظمة اليونسكو للتراث العالمي. ولا يمكن للزوار الولوج الا الى نسخة عن الموقع الاصلي الذي ابقي مقفلا امام العامة حفاظا على الرسوم الجدارية التي تمثل مراسم جنازة وسباق خيول.

ونظرا الى اعتقادهم بخلود الروح شأنهم شأن الكثير من الحضارات الاخرى، كان الثراسيون يدفنون وجهاءهم مع خيولهم وكلابهم واسلحتهم ومجوهراتهم وكؤوس الشرب الخاصة بهم، كما أن كل النواويس كانت تغطى بالتراب حالما يتم الانتهاء من تشييدها لأن "الملوك كانوا يعتبرون أنهم ابناء الإلهة الأم التي ترمز للأرض وكانت لمراسم الدفن ابعاد رمزية" وفق بارفين.

هذا التراث الاستثنائي والثروة السياحية المحتملة لبلغاريا، افقر بلدان الاتحاد الاوروبي، لا يزال غير مستغل بما يكفي نظرا إلى ضعف الموارد، وتشير بارفين إلى انه "من اصل حوالى 1500 مدفن تلي في الوادي، شهدت 300 فقط اعمال حفر بينها 35 كشفت شهادات عن مراسم دفن ضخمة" بحسب عالمة الاثار.

وساهمت صناديق تمويل أوروبية بدرجة كبيرة في الابقاء على عدد كبير من المدافن وفتحها للزوار، من بينها تلك الموجودة في شومينيتس وأوستروشا، لكن في ظل عدم وجود بنية تحتية سياحية وشبكات نقل ملائمة، لا يزال عدد الزوار إلى هذه المواقع ضئيلا، إلى ذلك، لا يزال الكثير من المقابر غير متاح للزيارة بسبب نقص الأموال اللازمة لعمليات النبش والترميم والحفظ، بحسب بارفين التي تخشى أن يطوي النسيان بعض هذه المقابر.

وأسوأ من ذلك، يهدد ضعف الموارد المالية بعض المواقع التي تمت الاضاءة على اهميتها في وقت سابق كما الحال مع مدفن غولياما كوسماتكا البارز المعروض حاليا في متحف اللوفر، فبعد اكتشافه سنة 2004، لا يزال هذا المدفن مقفلا منذ الربيع اثر انهيار غرفة محصنة مشيدة حديثا كان القصد منها حماية المدخل.

وتقول الخبيرة ديانا ديميتروفا التي شاركت في الاكتشاف إن "هذه الانشاءات الضخمة المذهلة صمدت على مر القرون، لا يحق لنا التخلي عنها بعد نبشها"، إلا أن المتاحف البلغارية تضم "كمية من آثار الثقافة الثراسية توازي عشرة اضعاف" تلك الموجودة حاليا في متحف اللوفر بحسب بارفين التي اعربت عن املها في أن يساهم المعرض المقام في المتحف الباريسي في "تحفيز الاهتمام لدى السياح الأجانب" بهذه الحضارة.

المكسيك

وفي السياق ذاته قال فريق من علماء الآثار إنه اكتشف في قلب العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي مجموعة ضخمة من الجماجم ترجع لفترة ازدهار حضارة الأزتيك وهو اكتشاف قد يسلط مزيدا من الضوء على كيف كان حكام هذه الامبراطورية يتشبثون بسدة السلطة من خلال التضحية بأرواح البشر. بحسب رويترز.

تضم الأرفف الموضوع عليها الجماجم، والتي تعرف باسم تزومبانتلي بلغة الأزتيك العتيقة، جماجم تبدو ناصعة البياض لمقاتلين من ممالك متناحرة تمت التضحية بهم فداء لحكامهم بعد أن قتلهم كهنة في معابد كانت قائمة على قمم الجبال آنئذ، وقال راؤول باريرا كبير العلماء بالبعثة الأثرية‭‭ إنه عثر على الجماجم خلف الكاتدرائية الرئيسية بالعاصمة خلال الحقبة الاستعمارية وإنها ترجع لفترة بين 1485 و1502 ميلادية ووجدت على مساحة طولها 34 مترا وعرضها 12 مترا.

ووضعت مئات الجماجم بنظام على أعمدة خشبية لتشيع جوا من الرهبة والمهابة، وقال باريرا للصحفيين "تنطوي تزومبانتلي على قدر كبير من الرمزية، نتوقع أنه من خلال مزيد من الدراسة أن نتوصل إلى أن الكثير من هذه الجماجم يخص أعداء حضارة الأزتيك ممن وقعوا في الأسر وتمت التضحية بهم وقطعت رؤوسهم لعرضها هناك"، وحكم أباطرة الأزتيك المقاتلون المتدينون رقعة واسعة من الأراضي تمتد من خليج المكسيك وحتى المحيط الهادي وذلك قبل الغزو الأسباني في الفترة بين عامي 1519 و1521.

بريطانيا

من جهتهم عثر علماء على كتل حجرية مدفونة بالقرب من موقع ستونهينغ الأثري، الذي يرجع تاريخه لأواخر العصر الحجري وأوائل العصر البرونزي، ربما تمثل جزءا من أكبر الشواهد الآثرية التي تعود للعصر الحجري الحديث وبنيت في بريطانيا حسبما يعتقد علماء الآثار، واكتشف العلماء الأحجار التي يعود عمرها إلى 4500 عام، بعضها يصل طوله إلى 4.5 متر، على عمق ثلاثة أقدام تحت الأرض في دورينغتون وولز.

وقال الباحثون إن الأثر "غير عادي" وفريد من نوعه، وعكف فريق من العلماء على رسم خارطة تحت الأرض للمنطقة ضمن أعمال المشروع الذي يستغرق 5 أعوام، واستخدم الفريق أجهزة الاستشعار عن بعد وتكنولوجيا تصوير البيئات الجيوفيزيائية للكشف عن أدلة وجود نحو 100 حجر بدون الحاجة لإجراء حفائر.

ويقع الأثر على بعد نحو ميلين (3 كيلومترات) من ستونهينغ في ويلتشير، ويعتقد أنه كان موقعا لشعائر طقسية، ويعتقد خبراء في أنه ربما توجد آثار محيطة لينابيع ووادي جاف يؤدي إلى نهر أفون، وعلى الرغم من عدم التنقيب عن أحجار، فثمة اعتقاد في أنها منحوتة بطريقة كتل سارسين التي عثر عليها محليا.

ويعتقد أن الأحجار قد وضعت عمدا فوق الحافة الجنوبية الشرقية لضفة الساحة الدائرية قبل إلحاقها بالموقع، وقال فينس غافني، بجامعة برادفور والمشرف على البحث : "لا نعتقد أن هناك أي شئ يضاهي ذلك في أي مكان آخر في العالم"، وأضاف : "هذا جديد للغاية والكشف فريد من نوعه".

وقال نيك سناشال، عالم الآثار : "وجود ما قد يبدو أحجار تحيط موقعا يمثل أحد أكبر المستوطنات في العصر الحجري الحديث في أوروبا يضيف فصلا جديدا لقصة ستونهينغ"،

وكانت الساحة في دورينغتون وولز قد بنيت بعد قرن من بناء دائرة أحجار ستونهينغ، غير أن علماء الآثار يعتقدون أن الحجارة المكتشفة حديثا ربما وضعت في مكانها في نفس الوقت أو قبل ذلك، ووصف أندي ريند-توت، رئيس متحف أميسبوري القريب من الموقع، النتائج بـ"اكتشاف مذهل".

وشارك ريند-توت وباحثون من جامعة باكنغهام في بحوث في موقع آخر، بليك ميد، الذي يعتقد في أنه يعود إلى أكثر من 6 ألاف عام، ويخشى ريند-توت من حدوث أضرار أو ضياع لهذا الموقع والمواقع الأخرى نتيجة خطة حفر نفق يمر تحت ستونهينغ، وقال : "يساورنا قلق بالغ، كأننا نقف على حافة جبل جليدي بهذا الكشف، وسيكون من المفزع حدوث دمار لأحد أهم المواقع الأثرية في العالم".

ووصف ديفيد جاك، من جامعة باكينغهام، المشارك أيضا في موقع بليك ميد، الكشف بأنه "رائع للغاية" وأنه "يغير قواعد اللعبة"، وقال : "جميع الآثار تربطها علاقة ببعضها"، وأضاف :"لذا بدلا من التركيز عليها والنظر إليها ككيانات فردية مستقلة، هناك خطوط واضحة ومعرفة تشير إلى وجود أشياء تربطها"، وأعلنت نتائج الكشف خلال فعاليات اليوم الأول لمهرجان العلوم البريطاني المنعقد في جامعة برادفورد".

اضف تعليق