بندول الساعة يشير الى الحادية عشر ليلاً، وهذا يعني انه قد حان موعد نوم السيداتِ في المركز.. عدوتُ مسرعة الى غرفة النساء كي أتأكد من أن جميعهن قد غمرهن النوم، وبالفعل كان النعاس سيد الموقف، ولكن سيدة واحدة لم تمسها نعمة النوم بعد! حيث وجدتها وهي تتحدث بصوتٍ خافت مع شَيْءٍ لا يتعدى طوله عشر سنتمترات.. إنها دمية شقراء اللون وبيضاء البشرة.
دنوت منها أكثر فوجدتها تتحدث بهمسات دافئة مع تلك الدمية! بادرْتها بابتسامة لطيفة وطلبتُ منها ان تخلد الى النوم، لم تبدي اي ردة فعل غير انها احتضنت دميتها ونامت.
هنالك العديد من الأشخاص يشبهون حالة هذه السيدة العجوز، منهم نساء وآخرون رجال يعانون من مرض الخرف وفقدان الذاكرة المسمى علمياً بمرض "الزهايمر" والذي اكتشفه العالم الألماني الذى سمي المرض على اسمه عام 1906.
ويتمثل المرض بنسيان أمور كثيرة مثل التواريخ والأماكن والوجوه...الخ، وإن أعراض مرض الزهايمر عادة يبدأ بتناقص في الذاكرة مع عدم القدرة على القيام بالوظائف اليومية، ثم اضطراب في الحكم على الأشياء، وأحيانا الإصابة بحالة من التيه، وأيضا بعض التغيرات في الكلام وفي الشخصية، وهذه التغيرات تختلف في سرعتها من شخص لآخر وفي الغالب تـأخذ سنوات.
وفي مراحل متقدمة يتحول ذلك الى خرف وهلوسة، ومما لا مجال فيه للشك أن تقدم السن هو أكثر العوامل المشجعة لظهور هذا المرض، حيث أن غالبية المرضى يصابون به بعد سن الخامسة والستين، وتزداد فرصة المرض بنسبة الضعف كل خمسة أعوام متتالية لهذا السن حتى تصل لأعلى نسبة 50% عند سن 85.
وقد لوحظ أن فرصة ظهور المرض تصبح ضعفين أو ثلاثة عند الأشخاص الذين أصيب أحد والديهم أو أجدادهم أو أجداد أجدادهم بهذا المرض مقارنة بالأشخاص الطبيعيين.
أنواع الزهايمر
كما ان هناك ثلاثة أنواع لمرض الزهايمر:
الزهايمر المتأخر: وهو النوع الشَّائع، ويبدأ المرض عادةً بعد جيل الـ 65.
الزهايمر المبكِّر: وهو الزهايمر الذي يبدأ بجيل مبكِّر، تحت جيل الـ 60، هؤلاء المرضى عادةً ما يعانون من أمراض عصبيَّة أخرى.
الزهايمر العائلي: وهو زهايمر موروث وهو نادر جدًّا، وعادةً ما يُصاب الأشخاص بالمرض بجيلٍ مُبكر جدًّا حتى في عقدهم الرابع.
تم اكتشاف المرض بوجود لويحات plaques وحبائك tangles حول وداخل خلايا المخ وتتكون الرقع من نوع بروتيني موجود في المخ بينما تتكون الكتل داخل الخلايا العصبية بفعل تشوه يصيب بروتينا آخر، وذلك حسب ما أفادت به دراسة متخصصة، وبموت الخلايا العصبية يتقلص المخ ويفقد منظره المتجعد.
كما ان هذا المرض من الممكن ان يستمر من 8 الى 15 سنة، على الرغم من ان بعض المصابين قد يموتون في مرحلة مبكرة منه، او قد يعيشون لفترة 20 عاما، وأما بالنسبة للعلاج فلم يتوصل العلماء الى علاج نهائي يمكن من خلاله التخلص من هذا المرض كلياً، ولكن هنالك عقاقير وأدوية تخفف من المرض وتبطّئ من حالات النسيان لدى المريض.
كما ان هنالك أمورا معينة يجب أن تأخذ بنظر الاعتبار كمراعاة لنفسية المريض وإبداء الاهتمام الكامل به، فمثلا: عندما تتكلم مع مريض الخرف يجب أن تتكلم بهدوء وبصوت واضح، مستخدماً كلمات بسيطة وجملٍ قصيرة، حاول أن يكون للمريض روتين يومي مستمر يبدأ من الصباح وينتهي بالمساء ولا يتفاوت من يوم ليوم مما يساعد في تهدئة المريض.
اهتم بنفسك أنت يا من تساعد مريض الخرف، فيجب أن تنال كفايتك من الراحة والنوم حتى تقوم بوظيفتك بشكل جيد، ويجب أن يشاركك آخرون في رعاية المريض من أفراد العائلة، ومن الأصدقاء ومن الجيران، فلا تفرض الوحدة على نفسك بسبب هذا المريض.
من المهم عند تشخيص المرض من قبل الطبيب أن تجتمع العائلة وتقرر وضع المريض من الناحية الشرعية ومن ناحية أموره المالية وهل يوجد له وصية أو قد يحتاج أن يوصي على بعض الأشياء قبل أن تزداد حالته سوءاً، إن رعاية مريض الخرف وخاصة في المراحل المتقدمة عندما يصبح هناك إعاقات بدنية وعاطفية وتغيرات في شخصيته هي من الأمور الشاقة والمتعبة على أي شخص حتى لو كان بصحة جيدة.
نصائح لابد منها
ومهما كان هذا الشخص قريبا وذا صلة قوية بالمريض، إلا أنه بعد مرور الوقت سوف يحس بالإرهاق والتعب والملل، وقد يقصر في رعايته لهذا المريض، وقد يشبه ذلك متاعب الأم التي ترعى طفلا متعبا من الناحية الجسمية ومن الناحية العاطفية.
لذلك هناك نقاط نريد أن نبينها لمن يهمه هذا الأمر، وهي تساعد في رعاية المريض ومن ضمنها:
- تنظيم الوقت مهم بحيث يكون هناك وقت لراحتك ووقت لرعاية المريض.
- يجب أن تهتم بنفسك ويكون لك هوايات تمارسها أو أن تخرج خارج المنزل.
- يجب أن تستريح عندما يستريح المريض وتنام عندما ينام من أجل أن تتنشط في ساعات العمل الأخرى.
- يجب أن تتعود وأن تتقبل التشخيص وأن تعرف أن هذا المرض يتطور من سنة لأخرى بحيث لا يوجد هناك تذمر مع مرور الأيام بل يجب أن تنظر نظرة إيجابية وأن تحتسب الأجر من الله في رعاية هذا المريض وخصوصا إذا علمت أنه لا يمكنك فعل شيء لوقف تقدم المرض.
- لا تعزل نفسك بعيدا عن الناس بحيث تخشى أن يروا الناس مريضك المصاب بالخرف بل يجب أن ترحب بالزائرين في حدود معينه.
- يجب أن لا تخجل من طلب المساعدة ولا تتوقع أن يأتي إليك الآخرون ويساعدوك من تلقاء أنفسهم.
- يجب أن تطلب المساعدة من إخوانك ومن زملائك ومن الأولاد والأصدقاء وتخبرهم أن والدي أو والدتي أو قريبي مصاب بالخرف واحتاج إلى الذهاب إلى موعد أو أأخذ قسطاً من الراحة وأرجو الاهتمام به في هذه الساعات.
- حاول أن تكون مرحا أثناء تعاملك مع مريض الخرف حتى لو كان فقد كثيرا من قواه العقلية وذاكرته، فقليل من المرح والتنكيت الخفيف قد يفرحك ويفرح المريض في الوقت نفسه.
اضف تعليق