مازال مرض الملاريا يمثل مشكلة خطيرة في دول العالم النامي، إذ ينتقل هذا المرض للإنسان عن طريق وخز البعوض وتتسبب في مصرع نحو نصف مليون شخص حول العالم كل سنة، فيما تشير الاحصاءات الطبية المتخصصة لمنظمة الصحة العالمية بانه يقع ما يقارب 3.2 مليار شخص في حوالي 100 دولة تحت خطر الإصابة بالملاريا، في 2015 كانت هناك 214 مليون حالة إصابة بالمرض، مع تقديرات بوجود 438 ألف حالة وفاة أغلبها وقعت في جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا.
الملاريا هو مرض استوائي وقد يكون قاتلاً، تسببه طفيليات البلازموديوم، وتنتقل العدوى بشكل الرئيسي من خلال عضات البعوض المصاب.
الأعراض تظهر بعد 7 أيام أو أكثر من عضة البعوض المصاب، الأعراض تتضمن في البداية: الحمى والصداع والارتعاش والقيء، إن لم يتم معالجتها فإن بعض سلالات الملاريا قد تتطور لتصبح مرضاً شديداً، وغالبا ما يؤدي إلى الموت، الأطفال تحت 5 أعوام أكثر عرضة للإصابة بالمرض، وسبعون بالمئة من حالات الوفاة بالملاريا تحدث لهذه الفئة العمرية، لكن معدل الوفيات من الملاريا حول العالم في تناقص، وذلك بفضل الوقاية وتدابير الرقابة، يعمل العلماء على لقاح محتمل للملاريا، ولسلالة جديدة من البعوض قد تساعد في مكافحة المرض.
فقد اكتشف فريق من الباحثين في جامعة نوتينغهام البريطانية أنواعا من البروتين قالوا إنها تشكل أسس تكاثر طفيل الملاريا، ومنذ فترة، يبحث علماء عن طرق جديدة لمكافحة الملاريا، حيث قال علماء بريطانيون إنهم طوروا، عن طريق التغيير الجيني، بعوضا عقيما لا يمكنه التكاثر، في خطوة يصفونها بأنها انجاز كبير في الحرب ضد وباء الملاريا الذي ينقله البعوض.
يذكر ان البعوض المحور ما زال بامكانه حمل ونقل طفيلي الملاريا الى البشر عن طريق اللسع، ولكن تكوينه الجيني سيؤدي الى تكاثره مع غيره من الفصائل الناقلة للملاريا واستبدالها، وسيتمكن نسل البعوض الذي يحمل نسخة واحدة من الجين من توريثه للاجيال المقبلة، بينما لن تتمكن الاناث التي ترث نسختين من الانجاب، وبهذه الطريقة، ستنقرض فصائل البعوض التي تستطيع حمل طفيلي الملاريا ونقله.
ولكن بعض الخبراء يخشون من أن القضاء على البعوض بشكل تام قد يقوض توازن البيئة ويؤدي الى مضار اخرى ليست في الحسبان.
فيما اكتشف باحثون فرنسيون خلال تجارب مخبرية ان الطفيلية المسؤولة عن الملاريا قادرة على مقاومة علاجات عدة بشكل مثير للقلق من بينها جزئيات لم يسبق لها ان تعرضت لها من قبل.
ولم يتمكن قطاع الأدوية حتى الآن من إيجاد لقاح فعال للحماية من عدوى الإصابة بالملاريا، هذا المرض الذي يعتبر الأخطر في المناطق الاستوائية أو المدارية. إلا أن الباحثون توصلوا مؤخراً الى علاجات جديدة سيكون من شأنها الحد من انتشار عدوى هذا المرض الخطير، كما سيأتي ادناه من دراسات وتقارير رصدتها شبكة النبأ المعلوماتية حول العلاجات المؤملة لقيادة حرب ضد البعوض مصدر الملاريا الفتاكة.
العلاج بعوضة عقيمة!
من جهتهم قال علماء بريطانيون إنهم طوروا، عن طريق التغيير الجيني، بعوضا عقيما لا يمكنه التكاثر، في خطوة يصفونها بأنها انجاز كبير في الحرب ضد وباء الملاريا الذي ينقله البعوض.
وقال هؤلاء العلماء في بحث نشروه في نشرة (Nature Biotechnology) إن هذا الانجاز سيساعد في القضاء على البعوض الذي ينقل طفيلي الملاريا الى البشر عن طريق اللسع.
وقالوا إن نسختين من الجين المعدل تجعل اناث البعوض الناقل للملاريا عقيمة تماما، فيما تكفي نسخة واحدة لنقل الجين الى الاجيال المقبلة من البعوض، ومن شأن ذلك نشر جين العقم بشكل مستمر بين اجيال البعوض بحيث تنقرض الفصائل الناقلة للملاريا بشكل كامل، ولكن فريق البحث التابع لكلية امبريال في لندن يقول إنه ينبغي اجراء اختبارات سلامة اضافية، مما يعني أنه لن يتم اطلاق البعوض المحور قبل مرور عشر سنوات على الأقل. بحسب رويترز.
وشملت التجارب التي اجراها فريق كلية امبريال على بعوض انوفلس غامبياي (Anopheles gambiae) واسع الانتشار في منطقة جنوب الصحراء الافريقية التي تشهد اكبر عدد من الوفيات بالملاريا، جمع البعوض المحور مع العادي لتشجيعها على التكاثر، وتم نتيجة هذه التجارب نقل جين العقم الى اكثر من 90 بالمئة من نسل البعوض من ذكور واناث عبر 5 اجيال متعاقبة. وتم ذلك بفضل تقنية يطلق عليها Gene Drive، حسب ماقال الباحثان توني نولان واندريا كريسانتي، وهي تقنية تسمح بتعزيز القدرة على نقل الجينات المحورة من جيل الى آخر، الا ان البروفيسور نولان يقول إن الطريقة التي ابتكرها فريقه البحثي لن تؤدي الى نقص كبير في اعداد البعوض بشكل عام، فقط في اعداد تلك التي تنقل مرض الملاريا، وقال نولان "هناك 3400 فصيل من البعوض في العالم تقريبا، وبينما يعد فصيل انوفلس غامبياي من الفاصائل المهمة الناقلة للملاريا لا يشكل هذا الفصيل الا واحدا من 800 فصيل في القارة الافريقية. ولذا فالقضاء عليه في بعض المناطق لن يؤثر على البيئات المحلية تأثيرا كبيرا".
اكتشاف آلية مقاومة لعلاجات مختلفة
فقد اكتشف باحثون فرنسيون خلال تجارب مخبرية ان الطفيلية المسؤولة عن الملاريا قادرة على مقاومة علاجات عدة بشكل مثير للقلق من بينها جزئيات لم يسبق لها ان تعرضت لها من قبل، وقد طورت طفيليات عرضت في انبوب لمادة ارتيميسينين (المكون الرئيسي للعلاج العادي) وحدها خلال خمس سنوات، مقاومة شاملة على غالبية الادوية المضادة للملاريا على ما جاء في نتائج الدراسة. بحسب فرانس برس.
وتفلت الطفيليات من اثر الادوية من خلال ظاهرة "السبات" فهي قادرة على تعليق تطورها طوال فترة تعرضها للادوية المضادة للملاريا. وما ان يوقف العلاج "تستفيق" مجددا وتتكاثر، هذه المقاومة الجديدة لا ترصد عبر الفحوصات المستخدمة حاليا لمعرفة تفاعل الطفيلية مع العلاجات المتوافرة على ما افاد الباحثون الذين نشرت اعمالهم في المجلة المتخصصة "ايميرجينغ اينفيكشوس ديزيزيزس"، ويشكل ذلك تهديدا اضافيا للعلاجات المضادة للملاريا المستخدمة على الارض راهنا على ما حذر الباحثون التابعون للمركز الوطني للابحاث العلمية ومعهد باستور، ويواجه الارتيميسينين المكون الرئيسي لعلاجات الملاريا فشلا سريريا متزايدا بسبب ظهور مقاومة جديدة في منطقة جنوب شرق آسيا برمتها. وشددت المسؤولة عن فريق الباحثين فرنسواز بونوا-فيكال ان هذه المقاومة لم ترصد بعد في القارة الافريقية.
واوضحت بونوا-فيكال "من الضروري جدا التحقق على الارض لدى مرضى وبفضل فحوصات مناسبة، من وجود ظاهرة +السبات+ هذه التي رصدت في المختبر" مشيرة الى ان رصد هذه المقاومة لدى مرضى من شأنه ان يهدد الادوية الحالية، وخلال التجربة المخبرية هذه عرضت طفيليات لمدة خمس سنوات لجرعات متزايدة من الارتيميسينين وحده. واختار بعدها الباحثون طفيليات اصبحت مقاومة جدا لهذا لعقار واختبروا لديها حوالى عشرة جزئيات مضادة للملاريا. وتبين لهم وجود مقاومة متعددة لدى هذه الطفيليات "لان العلاج لم يقض عليها كلها".
عقار فائز بنوبل للطب يكافح الملاريا
على صعيد ذي صلة، قال باحثون إن عقارا يعمل على قتل الطفيليات الدودية، والذي حاز اكتشافه على جائزة نوبل، ربما يقلل أيضا من حالات الإصابة بالملاريا، وتشير البيانات الأولية للتجارب التي أجريت على عقار "ايفرمكتن" في بوركينا فاسو إلى أنه يقلل من حالات الملاريا لدى الأطفال بنسبة 16 في المئة، وقال العلماء الذين شاركوا في المؤتمر السنوي للجمعية الأمريكية للطب الاستوائي والصحة إن هذا العقار يؤدي إلى تسمم البعوض الذي يمتص الدم من البشر، وأكدوا أن هذه النتائج مثيرة للغاية، لكنها لا تزال في مرحلة أولية، ويستخدم عقار "ايفرمكتن" بالفعل في قتل الديدان الطفيلية التي تؤثر على ثلث سكان العالم وتسبب عددا من الأمراض من بينها عمى النهر وداء الخيطيات اللمفاوية، وكان اكتشاف هذا العقار حاز على جائزة نوبل للفسيولوجيا والطبن، ويؤدي هذا العقار إلى قتل أو إضعاف البعوض، الذي ينشر طفيل الملاريا، في حال امتصت الدم من شخص تناول العقار حديثا.
وتبحث جامعة ولاية كولورادو الأمريكية ومعهد بحوث علوم الصحة في بوركينا فاسو إمكانية استخدام العقار في إنقاذ أرواح الأشخاص المصابين بالملاريا، وقال الدكتور بريان فوي، من جامعة ولاية كولورادو، لموقع بي بي سي نيوز: "البوادر الأولى تبدو جيدة للغاية، إذ أن عدد المصابين بالملاريا الذين خضعوا للعلاج في التجربة أصبح أقل"، وأضاف: "إننا متفاؤلون للغاية بهذه النتيجة، ولا يبدو أن هناك آثارا جانبية للعقار، لكن البيانات ليست نهائية"، وأظهرت النتائج أن 16 في المئة من الأطفال نجوا من الاصابة بالملاريا خلال موسم الأمطار في القرى التي لم يجرب فيها العقار مقارنة بـ25 في المئة في القرى التي تناول أطفالها العقار.
وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، فإن معدلات الوفيات جراء الإصابة بالملاريا خلال الـ15 عاما الماضية انخفضت بنحو 60 في المئة على مستوى العالم، وجرى إنقاذ أرواح 6.2 مليون شخص أصيب بالملاريا.
صندوق بمليار استرليني لمكافحة الملاريا
من جهتها أعلنت الحكومة البريطانية إنشاء صندوق جديد بقيمة مليار جنيه استرليني يهدف إلى القضاء على الملاريا وغيرها من الأمراض المعدية، وسيدار الصندوق الذي يحمل اسم "صندوق روس" بالتعاون مع مؤسسة بيل وميليندا غيتس الخيرية الأمريكية، ويحمل الصندوق اسم السير رونالد روس وهو أول بريطاني يفوز بجائزة نوبل عام 1902 بفضل اكتشافه انتقال الملاريا عبر البعوض، وتراجعت أعداد الوفيات بين المصابين بالملاريا، لكن طفلا واحدا يلقي حتفه كل دقيقة جراء هذا المرض في أفريقيا.
وتقول الحكومة إن الشراكة مع مؤسسة بيل وميليندا غيتس التي أنشأها مؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس وزوجته ميليندا تمثل "إعادة هيكلة رئيسية" لميزانية المساعدات البريطانية، وستوفر أموال الصندوق التي تقدر بمليار استرليني من ميزانية المساعدات الخارجية البريطانية خلال السنوات الخمس المقبلة، وسيخصص 115 مليون جنيه استرليني للأبحاث الخاصة بالأدوية الجديدة وجهود التشخيص ومبيدات مكافحة الملاريا والسل والأمراض المعدية الأخرى، وسينفق 118 مليون جنيه استرليني على تحسين الدفاع البيولوجي ونظم الاستجابة السريعة للأوبئة سريعة الانتشار مثل الإيبولا.
وقال وزير المالية البريطاني جورج اوزبورن إن مليار شخص أصيبوا بالملاريا، التي تحصد أرواح 500 ألف طفل كل عام، وأوضح أن التزام الحكومة بالمساعدات الخارجية يساعد في "تعزيز أمننا القومي ومصالحنا حول العالم"، وأضاف بأن العمل مع مؤسسة بيل وميليندا غيتس سيساعدنا في "طموحنا المشترك لكي نرى نهاية هذا المرض من حياتنا".
تشخيص الملاريا بالهاتف المحمول
على صعيد مختلف، قال مهندسون بجامعة العلوم الزراعية والميكانيكية في تكساس إنهم ابتكروا تقنية جديدة تحول الهاتف المحمول إلى مجهر متنقل يمكنه تشخيص مرض الملاريا وذلك في قرية برواندا على نفس مستوى الدقة الذي تتيحه المختبرات الفائقة التطور في أي مدينة غربية كبرى، وقال جيرار كوت استاذ الهندسة الطبية "إنهم يشخصون الملاريا الآن بالمجهر لكن يمكن من خلال هاتف محمول ومجهر كبير يوضع على المنضدة -وهي مهمة معقدة نسبيا يتولاها فني مدرب- اتمام ذلك كبديل عن اي مختبر مركزي في أي مكان آخر". بحسب رويترز.
والجهاز الجديد المسمى (جهاز التصوير باستخدام الاستقطاب الضوئي المحمول) يستعين بامكانات كاميرا الهاتف الذكي لتكوين صور عالية الدقة والوضوح لأجسام أصغر من سمك شعرة الانسان بواقع عشر مرات، ويمكن للجهاز التقاط صور لعينات من الدم باستخدام الضوء المستقطب لرصد طفيل الملاريا ومنتجات بلورية ناتجة عنه وتبدو كنقاط شديدة الاضاءة في الصورة وهي مؤشر دقيق على الاصابة بالمرض، ويقول العلماء إنه بمجرد توصيل الجهاز بهاتف محمول فان التشخيص يستغرق بضع دقائق باستخدام تطبيقات الهاتف، ويقول كوت "يلتقط تطبيق البرمجيات الصور ثم يحصي تلقائيا عدد كرات الدم الحمراء وعدد وحدات الطفيل في حقول رؤية مختلفة ليتم حسم الامر وتحديد وجود الملاريا من عدمه"، وافريقيا في حاجة ماسة الى مثل هذا الجهاز مع توافر الهواتف الذكية فيما يتكلف تركيب الجهاز الواحد اقل من 50 دولارا علاوة على سعر معدات تحضير عينة الدم وتصل الى دولار واحد فقط.
انخفاض نسبة الإصابة بنسبة 60 في المئة
في سياق ذاته، قالت منظمات تابعة للأمم المتحدة إن حالات الوفاة بمرض الملاريا انخفضت بنسبة 60% على مستوى العالم خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة فيما يعد نجاحا كبيرا في منظومة الصحة العالمية، وذكر تقرير صادر من منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونسيف إنه تم إنقاد حياة أكثر من 6 ملايين شخص معظمهم من الأطفال من خلال تطوير طرق تشخيص المرض، والعلاج، ومقاومة البعوض المسبب للإصابة بالمرض.
ولكن المنظمتين حذرتا من أن خطر الإصابة بالمرض لا يزال باقيا فى بعض المناطق خاصة منطقة الصحراء الكبرى في افريقيا التى شهدت أكثر من 75% من حالات الإصابة بالملاريا هذا العام، بينما شهدت مناطق أخرى من آسيا ومنطقة القوقاز تقدماً ملحوظا في مواجهة المرض، وقالت مارغريت شين رئيسة منظمة الصحة العالمية في بيان لها: "بإمكاننا هزيمة هذا المرض القاتل من الزمن السحيق".
وأوضحت شين أن " الغالبية العظمي من المصابين كانوا من الأطفال تحت سن الخامسة"، وطبقا للتقرير المشترك الصادر فإن حالات الإصابة بالمرض عام 2000 وصلت إلى 262 مليون حالة، توفى منهم ما يقرب من 840 ألفا، كما يشير البيان إلى انخفاض العدد فى 2015 إلى 214 مليون حالة إصابة ، أدت إلى وفاة 428 ألفا خلال الخمسة عشر الأخيرة.
وحذر التقرير من التفاوت في الخدمات المقدمة على مستوى العالم مطالبا بمزيد من الاهتمام والموارد فى المناطق النائية التي تعانى من المرض بنسبة كبيرة، وذكر البيان إنه بالإمكان القضاء على الملاريا على نطاق أوسع، بشرط القضاء على المشاكل التى تعيق تلك العملية والتصرف بشكل أسرع.
يذكر مرض الملاريا ناجم عن طفيلي ينقله البعوض وينتشر خصوصا في المناطق الاستوائية. وقد تراجعت نسبة الوفيات في السنوات الخمس عشرة الاخيرة بنسبة 60 % الا ان المرض لا يزال يحصد 600 الف ضحية سنويا، كمت يذكر أن نحو 3.2 مليار شخص – أي نصف سكان العالم تقريبا – معرضون لخطر الإصابة بالملاريا.
اضف تعليق