أدوية تقضي على الشعور بالجوع تحقق نتائج مذهلة في التجارب، وفي الواقع العملي على حد سواء، لكن هل بإمكانها مساعدة جميع المصابين بالسمنة، والقضاء على الوصمة المرتبطة بزيادة الوزن؟ وفي الوقت الذي يظل فيه دائمًا تناول طعام صحي، وممارسة الرياضة جزءًا من العلاج، يعتقد كثيرون أن هذه الأدوية تعد إضافة واعدة...
بقلم: ماكنزي بريلامان
عندما وصلت سوزان يانوفسكي إلى قاعة الاحتفالات الفندقية التي استضافت المؤتمر الذي قصدته، وجدت المكان يكاد يكون ممتلئًا عن آخره بالعلماء. وعلى الرغم من أن يانوفسكي وصلت قبل موعدها بعشر دقائق، اضطرت إلى أن تشق طريقها عبر الزحام إلى أن وصلت إلى أحد المقاعد القليلة الخالية بالقرب من الباب الخلفي للقاعة. كان جمهور الحاضرين في مؤتمر «أسبوع السمنة» ObesityWeek، الذي أقيم في سان دييجو بولاية كاليفورنيا الأمريكية في نوفمبر من عام 2022، ينتظر على أحر من الجمر الاطلاع على النتائج التي أسفرت عنها أحد تجارب الأدوية المرتقبة.
لم يُخيِّب من قدموا العرض التقديمي لنتائج التجربة – وهم تحديدًا من الباحثين العاملين بشركة الأدوية «نوفو نورديسك» Novo Nordisk الكائنة في مدينة باجسفيرد الدنماركية – آمال الحشد. إذ قدم الباحثون وصفًا تفصيليا لدراسة بحثية تناولت دواءً واعدًا لمكافحة السمنة لدى المراهقين، وهم فئة تشتهر بمقاومتها الشديدة لمثل هذا النوع من العلاج. وقد أذهلت النتائج الباحثين؛ فمن خلال تلقي حقنة واحدة أسبوعيًا من الدواء على مدار 16 شهرًا تقريبًا، مع إدخال بعض التغييرات على النمط الحياتي، نجح هذا العلاج في خفض أوزان أجسام أكثر من ثلث المشاركين في التجربة بنسبة 20% على الأقل1. وكانت دراسات سابقة3،2 قد برهنت على أن العقار ذاته، ويحمل اسم «سيماجلوتايد» semaglutide، قد حقق نتائج مثيرة للإعجاب بين البالغين أيضًا.
وبحسب قول يانوفسكي، المديرة المشاركة لمكتب أبحاث السمنة بالمعهد الوطني الأمريكي للسكري وأمراض الجهاز الهضمي والكلى في بيثيسدا بولاية ميريلاند الأمريكية، اختُتم العرض التقديمي بموجة تصفيق منقطعة النظير. إذ دوى تصفيق حار متواصل في جميع أنحاء القاعة، حتى إن يانوفسكي وصفته قائلة: "بدا كما لو أننا كنا نشاهد عرضًا مسرحيًا في برودواي".
عمت موجة الحماس هذه وتغلغلت نواحي مجال طب السمنة على مدار السنوات القليلة الماضية. فبعد عقود من الأبحاث، بدأ المتخصصون في أبحاث السمنة أخيرًا يلحظون مؤشرات وعلامات مبشرة، أبرزها جيل جديد من الأدوية المضادة للسمنة التي تعمل على تقليل الوزن بشكل كبير، وتتلافى الآثار الجانبية الخطيرة التي شابت نتائج الجهود السابقة في هذا المجال.
جاءت هذه الأدوية في حقبة زمنية تتزايد فيها معدلات الإصابة بالسمنة أضعافًا مضاعفة. إذ تشير تقارير واردة من منظمة الصحة العالمية (WHO) إلى أن هذه المعدلات قد تضاعفت في جميع أنحاء العالم بواقع ثلاث مرات منذ عام 1975. ففي عام 2016، صار حوالي 40% من البالغين يُصنفون في عداد من يعانون زيادة الوزن، في حين أن 13% ممن انتموا إلى الفئة نفسها صُنفوا على أنهم مصابون بالسمنة. ويؤدي الوزن الزائد في أغلب الأحيان إلى تعزيز مخاطر الإصابة بحالات مرضية معينة مثل مرض السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب، وأنواع معينة من الأورام السرطانية. لذا توصي منظمة الصحة العالمية باتباع أنظمة غذائية صحية وممارسة النشاط البدني لتقليل السِمنة. بيد أن الأدوية أيضًا قد تلعب دورًا مفيدًا عندما لا يكون إدخال الأشخاص لتغييرات على أنماطهم الحياتية كافيًا. ويحاكي الجيل الجديد من أدوية مكافحة السمنة تأثير الهرمونات المعروفة باسم هرمونات «الإنكريتين» incretins، وهي المسئولة عن خفض نسبة السكر في الدم وكبح الشهية. وقد اعتُمد بعض هذه الأدوية المذكورة بالفعل لاستخدامه كعلاج لمرض السكري من النوع الثاني، وبدأت تحظى بالاستحسان لاستخدامها لإنقاص الوزن.
ويمكن القول إن القدرة على إنقاص الوزن عن طريق تعديل أو تغيير جوانب بيولوجية تمنح مصداقية للفكرة القائلة بأن السمنة من الحالات المرضية. وفي الماضي، اعتقد العلماء والأفراد على وجه العموم أن من يعانون السمنة هم على الأغلب أشخاص يفتقرون ببساطة إلى الإرادة اللازمة لفقدان الوزن، لكن تتنامى حاليًا الأدلة على أن أجسام معظم البشر يكون لها حجم طبيعي يصعب تغييره. في ذلك الصدد، يقول ريتشارد ديمارتشي، اختصاصي علم الكيمياء من جامعة إنديانا بلومنجتون: "حتما سيدافع الجسم عن وزنه".
بالإضافة غلى ذلك، يساور عدد من الباحثين مخاوف من أن تلعب تلك الأدوية دورًا بالغًا في تعزيز هوس بعض المجتمعات بالنحافة؛ فحجم الجسم ليس دائمًا مؤشرًا جيدًا على حالته الصحية. من هنا، تقول سارة نوتر، اختصاصية علم النفس من جامعة فيكتوريا في كندا، وهي متخصصة في قضايا الوصمة المرتبطة بالوزن وصورة الجسم: "أتردد حقيقة في التعبير عن حماسي لما أعتقد أنه قد يسفر عن أضرار معينة، على صعيد الوصم الاجتماعي".
جدير بالذكر أن هذه القضية شهدت طرح أسئلة بحثية عديدة من ضمنها التساؤل عن ماهية الأشخاص المتوقع استجابتهم لهذه الأدوية، وما إذا كان الأشخاص سيضطرون إلى تناول هذه الأدوية مدى الحياة، وهو عائق كبير أمام الحصول على تلك الأدوية نظرًا إلى ثمنها الباهظ. ففي الغالب تكلف الحقن المطلوبة مبلغًا يزيد على ألف دولار أمريكي شهريًا.
بيد أن المتخصصين في أبحاث السمنة يرحبون بهذه التطورات. فيقول الطبيب والعالم ماتياس تشوب، الرئيس التنفيذي لمؤسسة «هِلمهولتز ميونيخ» Helmholtz Munichفي ألمانيا، إنها المرة الأولى التي يتمكن فيها العلماء من تغيير الوزن على نحو آمن باستخدام الأدوية؛ ويضيف: "إنه لحقًا إنجاز ثوري".
التفتيش عن الهرمونات
يجدر القول بأن بذور النجاح التي تحققت في يومنا الحاضر قد غُرست قبل عقود؛ وذلك عندما كان جيفري فريدمان، اختصاصي علم الوراثي الجزيئي، من جامعة روكفلر في مدينة نيويورك، يسابق الزمن للوقوف على الطفرة الجينية التي جعلت الفئران في مختبره تتناول الطعام إلى أن تصل إلى السمنة. وقد اكتشف في عام 1994 جينًا معيبًا يُرمِّز اللِبتين، وهو هرمون ينتجه النسيج الدهني ويعمل على تحفيز الشعور بالشبع4. وساعد إعطاء مكملات اللِبتين للفئران التي تعاني نقص ذلك الهرمون إلى الحد من شعورها بالجوع وخفض وزن الجسم.
حول ذلك، تقول يانوفسكي: "أحدث ذلك الاكتشاف ثورة فكرية فيما يتعلق بالأساس البيولوجي للسمنة وتنظيم الشهية".
أعقبت ذلك انطلاقة هائلة في عدد الأبحاث التي تتناول الأسس التي تقوم عليها السمنة، جنبًا إلى جنب مع الأبحاث التي تركز على العلاجات الدوائية. بيد أن تلك الأدوية المبكرة لم تؤدِ سوى إلى نقص طفيف في الوزن وآثار جانبية خطيرة، لا سيما على القلب.
جدير بالذكر أنه حتى قبل اكتشاف هرمون اللِبتين، كان الباحثون يُنقِّبون عن هرمونات تنظم مستويات الجلوكوز في الدم، ووجدوا بالفعل هرمونًا يُسمَّى «الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1» (GLP-1). بدا أن له تأثير معاكس لمرض السكري من النوع الثاني. إذ عزز هذا الببتيد إنتاج الأنسولين، وخفَّض نسبة السكر في الدم5. وهو ما جعل استخدامه نهجًا مغريًا لعلاج السمنة، حسبما يفيد يِنس جول هولست، اختصاصي علم الفسيولوجيا الطبية من جامعة كوبنهاجن، الذي اكتشف الببتيد ووضع توصيفًا له.
بعد ذلك، في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) اعتماد الأدوية المحاكية لتأثير الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1 كعلاج لمرض السكري من النوع الثاني (انظر "عقاقير قهرت الوزن الزائد"). بيد أن العلماء لاحظوا أن المشاركين في التجارب الإكلينيكية قد فقدوا الوزن أيضًا، نتيجة لتأثير ذلك الببتيد على مستقبلات موجودة في الدماغ تتحكم في الشهية، وأخرى موجودة في الأمعاء تبطئ عملية الهضم. وبمرور الوقت، أخذت الشركات في اختبار فعالية هذه الأدوية المخصصة لعلاج السكري لإنقاص الوزن. وبحلول منتصف عام 2010، كان أحد هذه الأدوية، ويُسمَّى «ليراجلوتايد» liraglutide، قد أظهر فعالية في تحفيز إنقاص وزن الجسم بواقع ما يقرب من 8% في المتوسط، بزيادة قدرها خمس نقاط مئوية، مقارنةً بالأشخاص الذين تلقوا عقارًا وهميًا6، وهي نسبة لها أهميتها من الناحية الإكلينيكية، بيد أنها لم تُعد إنجازًا مذهلًا.
لكن في أوائل عام 2021، انبهر العلماء بنتائج تجربة إكلينيكية من المرحلة الثالثة2 لدراسة عقار جديد من النوع نفسه يحمل اسم «سيماجلوتايد» semaglutide. ويقول ديمارشي إن الجزيء الذي قام عليه هذا العقار، وهو نسخة معدلة من عقار «ليراجلوتايد»، يعمل على التأثير في المسارات نفسها، لكن مفعوله يظل قائما ونشطًا في الجسم لفترة أطول. ويضيف أن ذلك العقار ربما كان أيضا أقدر على الوصول إلى مناطق الدماغ التي تنظم الشهية.
وقد لوحظ أن من يتلقون جرعة أسبوعية من حقن «سيماجلوتايد» فقدوا، في المتوسط، 14.9% من وزنهم بعد مرور 16 شهرًا من العلاج، في حين بلغت نسبة فقدان الوزن لدى نظرائهم ممن تلقوا علاجا وهميًا 2.4% في المتوسط. وفي عام 2021، بعد أربع سنوات من اعتماد استخدام عقار «سيماجلوتايد» لعلاج مرض السكري، اعتمدت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية استخدامه لإنقاص الوزن لدى البالغين المصابين بالسمنة.
تجدر الإشارة إلى أنه على مدى التاريخ، فشلت الأساليب الدوائية في إنقاص وزن الجسم بنسبة تربو على 10%، على حد قول تيمو مولر، اختصاصي علم الأحياء ومدير معهد هلمهولتز ميونيخ لأمراض السكري والسمنة. بيد أن هذه العلاجات الجديدة، حسبما يضيف مولر، تعمل أيضًا على تحسين صحة القلب والأوعية الدموية، بعكس الصور الدوائية السابقة.
جدير بالذكر أنه في الوقت الحالي يتوفر عقار يتميز بفعّالية أكبر، وهو «تيرزيباتايد» Tirzepatide، الذي لا يستهدف مُستقبِل الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1 فحسب؛ بل يحاكي أيضًا تأثير هرمون آخر يسهم في إفراز الأنسولين، يُعرف باسم عديد الببتيد المُطلق للإنسولين المُعتمد على الجلوكوز (GIP). وهذا الدواء، الذي طورته شركة «إيلي ليلي»، ومقرها مدينة إنديانابوليس بولاية إنديانا الأمريكية، اعتُمد كعلاج لمرض السكري من النوع الثاني في عام 2022. وقد أدى إلى انخفاض وزن الجسم بنسبة 21%، في المتوسط، عند استخدام أعلى الجرعات المسموحة منه، مقارنةً بالعلاج الوهمي7 الذي أسفر عن انخفاض نسبته 3% فقط.
ولم يتضح للعلماء لِم تسفر محاكاة تأثير كلا الهرمونين عن نتيجة أفضل من محاكاة أحدهما فقط. تعقيبًا على ذلك، يقول مولر إن «تيرزيباتايد» قد يكون منشطًا أكثر فعَّالية لمُستقبِل الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1، وأن عديد البِبتيد المطلق للإنسولين المُعتمد على الجلوكوز قد يساعد في جعل الآثار الجانبية للببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1 أكثر قابلية للتحمل، وهو ما يسمح بتعاطي جرعات أعلى منه. ويُحتمل أيضًا أن عَدِيد البِبْتيدِ سالف الذكر يؤدي هو نفسه إلى إنقاص الوزن.
ورغم الشكوك التي تحيط بهذه المسألة، فإن مستويات فقدان الوزن التي أعقبت العلاج بعقار «تيرزيباتايد» تقترب من تلك التي يمكن تحقيقها عادةً فقط من خلال جراحات السمنة. إذ يقلل العلاج بالعقار وزن الجسم بنسبة 30% أو أكثر بعد ستة أشهر، ويستمر فقدان الوزن على مدار العام أو العامين التاليين.
حول ذلك، تقول روث جيمينو، نائبة الرئيس لأبحاث السكري والسمنة والأيض القلبي والتطوير المبكر للعلاجات الإكلينيكية بمجموعة شركات «إيلي ليلي»: "لو كان شخص قد أخبرني قبل عشر سنوات أنه صار بين أيدينا علاج يمكنه تحقيق نتائج مقاربة للغاية [لنتائج جراحة السمنة]، لكنت قد رددت بأن ذلك مستحيل". وتخطط الشركة للتقدم بطلب لاعتماد الدواء، في أثناء انتظار نتائج تجربة أخرى من تجارب المرحلة الثالثة، تُختتم في إبريل من عام 2023.
آلية غامضة
على الرغم من النتائج الواعدة التي حققها عقار «تيرزيباتايد»، فقد أثار حيرة الباحثين. إذ كان واضحًا كيف أن الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1 يساعد في تحفيز فقدان الوزن، بيد أن الدور الذي يقوم به عَدِيد البِبْتيدِ المُطلق للإنسولين المُعتمد على الجلوكوز يعد بمثابة مفاجأة. في واقع الحال، لطالما اعتقد العلماء أن عَدِيد البِبْتيدِ ذاك يحفز الإصابة بالسمنة؛ فقد أظهرت الفئران المصابة بخلل وظيفي في مستقبلاته مقاومة للسمنة8. من ثمَّ، لتحفيز فقدان الوزن، اعتقد الباحثون أنه يجب تعطيل ذلك المستقبل؛ لكن عقار «تيرزيباتايد» يفعل العكس.
تعقيبًا على ذلك، يقول مولر، الذي جمعه تعاوُن بحثي مع شركة «نوفو نورديسك» في هذا السياق: "كنا أول من أثار هذه الاحتمالية العجيبة؛ وقد تعرضنا بسببها لانتقادات شديدة في هذا المجال".
فطن مولر وفريقه البحثي – الذي يضم ديمارتشي وتشوب – إلى أن عَدِيد البِبْتيدِ المطلق للإنسولين والمعتمد على الجلوكوز يحفز إفراز الإنسولين اعتمادًا على مستويات الجلوكوز في الدم، تمامًا كما يفعل الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1، بحسب قول مولر. من هنا، ابتكر الفريق البحثي جزيئات تحاكي تأثير كلا الهرمونين. وبعد أن أوضحت دراسات أولية أن تنشيط مستقبلات كلا الهرمونين، يسفر عن إنقاص الوزن، ابتكرت شركات أدوية جزيئاتها المحاكية للهرمونين والتي حققت النتائج ذاتها، ما يؤكد نجاح تلك الطريقة.
ومع ذلك، لم يغير الجميع وجهات نظرهم بشأن عَدِيد البِبْتيدِ المُطلق للإنسولين المعتمد على الجلوكوز. فيرى هولست، على سبيل المثال، أن عقار «تيرزيباتايد» ليس إلا جزيء شديد الفاعلية يحاكي تأثير الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1.
ويمكن للعقار المذكور أن يحاكي تأثير عَدِيد البِبْتيدِ المَطلق للإنسولين المعتمد على الجلوكوز، لكن، على حد قول هولست " ليس لذلك أهمية حقيقةً بين مرضى السكري والسمنة؛ لأن الدور الذي يضطلع به عَدِيد البِبْتيدِ المُطلق للإنسولين والمُحفز للجلوكوز ليس ذو تأثير ملموس". من هنا، تُجري شركة «إيلي ليلي» تجارب إكلينيكية في مراحل مبكرة على الأدوية التي تستهدف التأثير في عديد الببتيد المُطلق للإنسولين المعتمد على الجلوكوز وحده. ويرى هولست إن تلك التجارب ستحسم الجدل الدائر.
من ناحية أخرى، حاليًا، تدرس شركة الأدوية البيولوجية «أمجين» Amgen، التي يقع مقرها في ثاوزاند أوكس بولاية كاليفورنيا الأمريكية، تأثير عقار يعمل على تنشيط مستقبل الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1، ويثبِّط في الوقت ذاته مستقبل عَدِيد البِبْتيدِ المُطلق للإنسولين المعتمد على الجلوكوز. وتُظهر أولى نتائج بيانات التجارب الإكلينيكية لهذه الدراسة أن هذا العلاج قد أسهم في تقليل وزن الجسم بنسبة تصل إلى حوالي 15% بعد مرور 12 أسبوعًا.
وتشمل المقاربات الأخرى الاعتماد على "ناهضات ثلاثية"، تحاكي تأثير كلٍ من الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1 وعَدِيد البِبْتيدِ المُطلق للإنسولين المعتمد على الجلوكوز، إلى جانب هرمون ثالث هو الجلوكاجون الذي يحفز بدوره إفراز الأنسولين9. كذلك تخضع هرمونات أخرى من هرمونات الأمعاء التي تسهم في تنظيم الشهية، مثل الببتيد YY للدراسة أيضًا. إضافة إلى ذلك، يدرس بعض الباحثين تأثير الجسم المضاد أحادي النسيلة bimagrumab، الذي يزيد كتلة العضلات مع خفض مستوى الدهون في الوقت ذاته.
أسئلة عالقة بلا جواب
من الأسئلة الجوهرية التي تواجه الباحثين في الوقت الحاضر ما إذا كان الأشخاص سيحتاجون إلى تناول هذه الأدوية مدى الحياة للحفاظ على أوزانهم. إذ تجدر الإشارة إلى أن أفراد مجموعة فرعية من المشاركين في التجارب الإكلينيكية ممن أقلعوا عن تناول عقار «سيماجلوتايد»، وأوقفوا التعديلات على أنماطهم الحياتية استعادوا حوالي ثلثي وزنهم المفقود بعد مرور عام واحد10.
ومن جملة الألغاز الأخرى ماهية الأشخاص المتوقع استجابتهم لهذه الأدوية، وكذلك من لن تؤثر فيهم تلك الأدوية. وفي الوقت الحالي، يُعد الجزم بإجابة تلك الأسئلة من السابق لأوانه، لكن يبدو أن هذه الأدوية تكون أقل فعالية في إنقاص الوزن بين المصابين بداء السكري من النوع الثاني، مقارنةً بغير المصابين به. كذلك يقول تشوب إن بعض الحالات المرضية مثل الكبد الدهني، ووجود دهون حول أعضاء الجسم، أو ما يُعرف باسم دهون الجسم الحشوية، قد يؤثران أيضًا في استجابة الأشخاص للأدوية على اختلافها.
ويتخوف بعض الباحثين أيضًا من احتمالية أن يتعزز بغير قصد الربط المثير للجدل بين زيادة وزن الجسم وحالته الصحية نتيجة لتقديم تلك الأدوية حلولًا لمشكلة زيادة الوزن في المجتمعات التي تُقدِّر النحافة. على سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات أن ما يقرب من 30% من الأشخاص الذين يعدون من المصابين بالسمنة يتمتعون بصحة جيدة من الناحية الأيضية11. كما أوضحت دراسة أخرى أن مشكلات صحية أخرى عادة ما تكون مؤشرًا أفضل للتنبؤ بخطر تعرض شخص ما للوفاة مقارنة بالوزن12، وهو ما يدل على الحاجة إلى النظر في عوامل أخرى بخلاف الوزن عند الحكم على صحة المرء، كما تقول نوتر.
وتوضح نوتر ذلك قائلة: "من المحتمل أن يكون لتصنيف الأشخاص على أنهم مرضى بناءً على أوزان أجسامهم تبعات ضارة حقًا".
وتتخوف نوتر من أن يبدأ الأشخاص في تلقي هذه العلاجات، التي يمكن أن تكون لها آثار جانبية شديدة، مثل الغثيان والقيء للتخلص من الوصمة المرتبطة بالوزن الزائد، بدلاً من أن يكون ذلك لتلبية احتياج فعلي من الناحية الصحية.
ويتخوف آخرون من احتمال أن تقدم هذه الأدوية حلولًا إصلاحية سريعة؛ وهو تصور خاطئ شائع أيضا بشأن جراحة السمنة، حسبما تقول ليزلي هاينبرج، اختصاصية علم النفس الإكلينيكي من مستشفى «كليفلاند كلينك» في ولاية أوهايو المتخصصة في قضايا الصحة السلوكية، وصورة الجسم المرتبطة بالسمنة. وتضيف هاينبرج: "بعض الأشخاص ممن لا يزالوا يتمسكون بهذه المعتقدات الخاطئة سيقولون: إذن صار بوسع المرء تناول هذا القرص فقط والتخلص بسهولة من السمنة".
ومع ذلك لا يزال ثمة إقبال كبير على تلك الأدوية. ومع أن طرحها بدأ في الأسواق ، فلن يتمكن كل من يحتاج إليها من الحصول عليها.
فبادئ ذي بدء، تكون هذه الأدوية باهظة الثمن. عل سبيل المثال، تبلغ تكلفة عقار «سيماجلوتايد» لفقدان الوزن، الذي يُباع تحت الاسم التجاري «ويجوفي»، حوالي 1300 دولار شهريًا. كذلك يرفض العديد من شركات التأمين في الولايات المتحدة تغطية نفقات شراء هذه الأدوية، ويرجع ذلك بالأساس إلى سوء فهم للأسباب المؤدية إلى حدوث السمنة، والنظر إلى تلك العلاجات بوصفها "ترف".
حول ذلك، تقول باتي نيس، رئيس مجلس إدارة «تحالف مكافحة السمنة» (OAC)، وهي جماعة ضغط يقع مقرها في تامبا بولاية فلوريدا الأمريكية: "يتحدث الناس عن هذه الأدوية على اعتبار أنها ستفجر ثورة. بيد أنها، كما تضيف نيس: "لن تنجح مطلقًا في إحداث ثورة، تغير قواعد اللعبة للمريض، إذا لم يكن بمقدوره تحمل تكاليفها أو إذا لم يتمكن من الحصول عليها".
وتمارس منظمات مثل «تحالف مكافحة السمنة» حاليًا ضغوطًا على شركات الأدوية لحثها على توفير أنظمة علاجية ذات تكلفة معقولة. من هنا، على سبيل المثال، تقدم شركة «إيلي ليلي» "برنامج مؤقت" لتوفير عقار «مونجارو»Mounjaro ، وهو الاسم التجاري للعقار «تيرزيباتايد» المخصص لمرضى السكري من النوع الثاني. وبموجب ذلك البرنامج يمكن ألا تزيد تكلفة الدواء عن 25 دولارًا أمريكيًا للأشهر الثلاثة الأولى من العلاج به. كذلك تقدم شركة «نوفو نورديسك» برنامجًا مشابها للعقار «ويجوفي».
جدير بالذكر أن بعض العلماء يؤكد أنه مهما كانت التكاليف المبدئية، فإن معالجة حالات السمنة يمكن أن تتيح لأنظمة الرعاية الصحية توفير أموال طائلة عن طريق خفض عدد الحالات المرضية المرتبطة بالسمنة بدرجة كبيرة.
ورغم أن الباحثين لا يزالون يحاولون فهم مجموعة الأسباب المعقدة المؤدية للإصابة بالسمنة، بما في ذلك عواملها الوراثية والبيئية والسلوكية، يدعم كثيرون فكرة الدور المهم الذي تلعبه الناحية البيولوجية. وفي الوقت الذي يظل فيه دائمًا تناول طعام صحي، وممارسة الرياضة جزءًا من العلاج، يعتقد كثيرون أن هذه الأدوية تعد إضافة واعدة. ويعتقد بعض الباحثين أيضًا أنه بالنظر إلى أن هذه الأدوية تؤدي مفعولها من خلال آليات بيولوجية، يُتوقع أن تساعد الأفراد على استيعاب فكرة أن إدخال تغييرات على النمط الحياتي فقط لا يكفي في كثير من الأحيان للسيطرة على وزن جسم الشخص. فتقول جيمينو: "يُثبت عقار «تيرزيباتايد» بوضوح لا لبس فيه أن المسألة ليست رهن بقوة الإرادة".
اضف تعليق