يرى كثيرون أن تدفُّق الأموال من الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسُل والملاريا يصنع الفارق بين الحياة والموت، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. إذ تُشير تقديرات إلى أن تمويلات الصندوق قد أنقذت أرواح 50 مليون شخص في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل خلال العقدين الماضيين...
يرى كثيرون أن تدفُّق الأموال من الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسُل والملاريا يصنع الفارق بين الحياة والموت، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. إذ تُشير تقديرات إلى أن تمويلات الصندوق قد أنقذت أرواح 50 مليون شخص في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل خلال العقدين الماضيين، منذ أن أنشأه عدد من قادة المجتمع الدولي، والباحثين، والجهات الخيرية. وقد تلقى مؤتمر عُقد الشهر الماضي لتعويض نقص موارد الصندوق تعهدات من جهات مانحة برصد مبلغ قيمته 14.25 مليار دولار أمريكي للصندوق، وهو رقم غير مسبوق، على الرغم من كونه أقل كثيرًا من الرقم المستهدف البالغ 18 مليار دولار أمريكي.
وجدير بالذكر، أن عدد الوفيات السنوية بسبب الملاريا والإيدز والسُل بلغ قبل الجائحة حوالي 2.4 مليون حالة وفاة. إلا أن هناك مخاوف من كون هذا الرقم قد ارتفع منذ ذلك الحين، بسبب تحوُّل الموارد لتنصب على توفير علاجات مرض «كوفيد-19»، والتغلب على الصعوبات التي واجهها الأشخاص في الوصول إلى هذه العلاجات إبان فرض تدابير الإغلاق خلال الجائحة.
إلا أن الصندوق واصل عمله رغم هذه التحديات. ففي عام 2021، على سبيل المثال، وفر علاجات مضادة لفيروسات النسخ العكسي لأكثر من 23 مليون شخص، كما عالج أكثر من 5 ملايين شخص من السُل. وأطلق عمليات لنشر حوالي 133 مليون ناموسية مُعَالجة بمبيدات الحشرات للوقاية من مرض الملاريا. "لا يسمح الوقت الراهن بالتباطؤ في هذا المسعى".
ويتيح اندلاع وباء، بمؤازرة التغيُّر المناخي، واضطرابات عالمية متصاعدة فرصة مثلى لتجدد ظهورالأمراض المعدية. بيد أن الصندوق العالمي يُشير إلى أنه إذا تمكن من الحصول على المبلغ الذي يستهدفه حاليًا، فقد يتمكن من إنقاذ أرواح 20 مليون شخص آخر، وتجنيب 450 مليون شخص الإصابة بهذه الأمراض علي مدى السنوات الثلاث المقبلة. علاوة على ذلك، قد تتمكن ستة دول من القضاء على الملاريا بحلول عام 2026.
وقد رفعت معظم الجهات المانحة الحكومية (وبعض الجهات المانحة الجديدة) قيمة المبالغ التي تعهدت برصدها لآخر دورات جمع تمويلات الصندوق عن الفترة ما بين عامي 2023 و2025. إذ ارتفعت قيمة العديد من هذه المبالغ بنسبة تتراوح ما بين 20% و30%، مقارنة بقيمة المبالغ التي صدرت تعهدات برصدها للصندوق خلال الدورة السابقة التي غطت الفترة ما بين عامي 2020 و2022. فعلى سبيل المثال، أعلنت فرنسا اعتزامها التبرع بمبلغ قيمته 1.59 مليار دولار، في حين تعهدت ألمانيا بمنح 1.29 مليار دولار أمريكي، ورصدت اليابان 1.08 مليار دولار، وكندا 904 ملايين دولار والمفوضية الأوروبية 710 ملايين دولار لهذه الغاية. وحتى الآن، تعهدت الولايات المتحدة الأمريكية كبرى الجهات المانحة للصندوق، بتقديم 6 مليارات دولار أمريكي له. ومن جانبه، تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال مؤتمر عُقد الشهر الماضي، بالتبرع بمليار دولار مقابل كل ملياري دولار يتلقاها الصندوق من جهات التمويل الأخرى. أما فيما بين الجهات الخيرية المانحة، فقد تعهدت مؤسسة «بيل وميليندا جيتس» Bill & Melinda Gate Foundation بتقديم 912 مليون دولار للصندوق، لكن مما استرعى الانتباه أن قائمة جهات تمويل الصندوق حُذفت منها اثنتان من كبرى جهات التمويل، هما إيطاليا والمملكة المتحدة.
وتجدر الإشارة إلى أنه في آخر دورات جمع تمويلات الصندوق، تعهدت المملكة المتحدة بمنحه 1.7 مليار دولار أمريكي، في حين رصدت إيطاليا له 178 مليون دولار. فإذا عقد كلا البلدين العزم على الالتزام بتقديم المبالغ نفسها، والأفضل أن يرفعا قيمة هذه المبالغ، لمواكبة زيادة التمويلات التي تعهدت بها الجهات الأخرى، فقد يفتح ذلك الباب أمام تبرع الولايات المتحدة الأمريكية بالمزيد، الأمر الذي من شأنه أن يفضي إلى اقتراب الصندوق بدرجة كبيرة من جمع المبلغ الذي يستهدفه.
ويشهد كل من المملكة المتحدة وإيطاليا حاليًا تحولات سياسية، وهو ما يسهم في تأخير قرارات الإنفاق بهما. ففي الشهر الماضي، انتخبت إيطاليا حكومة جديدة، كما تغير رئيس وزراء المملكة المتحدة. وأمام البلدين بضعة أسابيع فقط لتأكيد دعمهما للصندوق، الذي أعلن ثقته في التزام المملكة المتحدة بتعهداتها. وينبغى لكلا البلدين الإقصاح عن نواياهما بوضوح على وجه السرعة. فنحن نعي اليوم من خلال تجارب الدول مرتفعة الدخل أنه يمكن السيطرة على أمراض الإيدز والملاريا والسُل، بل واستئصال شوكتها.
لقد اتخذ المجتمع الدولي قبل 20 عامًا خطوة جريئة بالسعي إلى الإسهام في تأسيس الصندوق العالمي للقضاء على هذه الأمراض على مستوى العالم. ولا يسمح الوقت الراهن بالتباطؤ في هذا المسعى.
اضف تعليق