q
عُرف متحور أوميكرون بقدرته على الانتشار الواسع، مسببًا أكبر زيادة على الإطلاق في حالات كوفيد-19 حتى الآن، حدد الباحثون ثلاثة متغيرات أو سلالات فرعية هي الأكثر شيوعًا من أوميكرون تشترك في 21 طفرةً في بروتين الحسكة -أو «بروتين S»- الذي يكوّن الأشواك المُميزة لفيروسات الكورونا، وأطلقوا عليها اسم BA.1 وBA.1.1 وBA.2...
بقلم سمر أشرف

عُرف متحور أوميكرون بقدرته على الانتشار الواسع، مسببًا أكبر زيادة على الإطلاق في حالات كوفيد-19 حتى الآن، حدد الباحثون ثلاثة متغيرات أو سلالات فرعية هي الأكثر شيوعًا من أوميكرون تشترك في 21 طفرةً في بروتين الحسكة -أو «بروتين S»- الذي يكوّن الأشواك المُميزة لفيروسات الكورونا، وأطلقوا عليها اسم BA.1 وBA.1.1 وBA.2.

حين ظهر متحور أوميكرون أول مرة في نوفمبر 2021، كانت السلالة الفرعية السائدة حينها هي أوميكرون BA.1، وظلت كذلك حتى ديسمبر، عندما بدأت حالات BA.1 في الانخفاض، بينما ارتفعت حالات BA1.1 -التي تختلف عن سلالة BA.1 بوجود طفرة إضافية تسمى R346K- حتى أصبحت حاليًّا تمثل ما يقرب من 40٪ من حالات أوميكرون على مستوى العالم، وما بين 35-60٪ من الحالات في نيوزيلندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، أما السلالة الفرعية BA.2 فتمثل حوالي 10٪ فقط من الحالات العالمية، إلا أنها تُعَد السلالة السائدة في كلٍّ من الدنمارك والهند وجنوب أفريقيا.

الشهر الماضي، صرحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) بالاستخدام الطارئ لعقار بيبتيلوفيماب علاجًا لعدوى كوفيد-19، وعقار «بيبتيلوفيماب» Bebtelovimab هو أحد الأجسام المضادة أحادية النسيلة Monoclonal.

في هذا الإطار، أفادت دراسة حديثة نشرتها دورية نيتشر بفاعلية العقار ضد المتغيرات الفرعية الثلاثة لأوميكرون، كما استنتجت الدراسة تضاؤل فاعلية لقاحات mRNA والعلاج بالأجسام المضادة الأخرى في مواجهة المتغيرات الفرعية الثلاثة.

أجرى الباحثون -من جامعة كولومبيا الأمريكية وجامعة هونج كونج الصينية- تجارب معملية شملت 19 من الأجسام المضادة أحادية النسيلة، كما حققوا في حساسية السلالات الفرعية من أوميكرون للتحييد بواسطة الأجسام المضادة التي حصلوا عليها من الأفراد الذين سبق أن أُصيبوا بفيروس SARS-CoV-2، وأولئك الذين تلقوا لقاحات فايزر وموديرنا، وكذلك الأشخاص الذين تلقوا جرعةً معززةً من اللقاح.

الفائز الوحيد

من بين الأجسام المضادة التسعة عشر التي شملتها الدراسة، وجد الباحثون أن نوعًا واحدًا فقط كان قادرًا على تحييد جميع المتحورات الفرعية الثلاثة لمتغير أوميكرون، وهذا النوع يمثل عقار بيبتيلوفيماب المصرح به مؤخرًا من قِبل هيئة FDA.

كما وجد المؤلفون أن السلالة الفرعية BA.2 أظهرت مقاومةً ملحوظةً لـ17 من الأجسام المضادة، وشمل ذلك انخفاضًا بمقدار 27 ضعفًا في نشاط «سوتروفيماب»، وهو أحد الأجسام المضادة الذي يتمتع بتأثير قوي ضد السلالات الفرعية الأخرى، كما أظهر الجسم المضاد «سيلجافيماب» cilgavimab فاعليةً ضد السلالة الفرعية BA.2 ولكنه لم يكن له تأثيرٌ ضد BA.1، أما الجسم المضاد الأخير «بيبتيلوفيماب» فاحتفظ بتأثير قوي ضد السلالات الفرعية الثلاث لأوميكرون.

أشاد فلوريان كرامر -أستاذ علم اللقاحات بقسم الأحياء الدقيقة في مدرسة طب ماونت سيناي الأمريكية- بأهمية الدراسة، وأشار إلى أنها أُجريت بشكل جيد، كما قال في حديثه مع "للعلم": "تسلط الدراسة الضوء على وجود متغيرات فرعية من متحور أوميكرون، وأنه لا بد أن نضعها في عين الاعتبار ولا نركز فقط على النسخة المتحورة الأولى من أوميكرون BA.1".

تحييد الفيروسات

يمكن للجهاز المناعي أن يقضي على الجسيمات المُعدية قبل أن تتمكن من إحداث العدوى، وهو ما يُعرف في علم المناعة باسم "التحييد" أو Neutralization.

تحدث عملية التحييد من خلال بعض الأجسام المضادة التي ينتجها الجسم كجزء من الاستجابة المناعية المتخصصة أو التكيفية، ترتبط الأجسام المضادة بأجزاء محددة على الفيروس تُعرف باسم "الحواتم" أو Epitopes، وتعمل على منع العدوى الفيروسية بعدة طرق تتضمن منع الفيروسات من الارتباط بالمُستقبلات التي تمكِّنها من دخول الخلايا وإحداث العدوى، وكذلك منع الفيروس من بدء دورة تكاثره وإنتاج بروتيناته.

تقول هنا السهلي -أستاذ علم الفيروسات الجزيئي وعلم الأحياء الدقيقة والأمراض المعدية في كلية بايلور للطب، لم تشارك في الدراسة- في حديثها مع "للعلم": "يُعد تحييد الفيروس إحدى وظائف الأجسام المضادة، سواء كانت وحيدة النسيلة -تستهدف جزءًا واحدًا من البروتين- مثل تلك التي نستخدمها كعلاج، أو الأجسام المضادة متعددة النسيلة -تستهدف أجزاء مختلفة من بروتينات الفيروس مثل تلك الناتجة عن العدوى، مع ذلك، يمكن للأجسام المضادة وحيدة النسيلة أن تفقد وظيفتها بسرعة إذا تحور الفيروس، وهو الأمر الذي تفعله الفيروسات باستمرار".

تُنتج الأجسام المضادة وحيدة النسيلة من خلية مناعية واحدة من النوع "ب"، بينما تشترك عدة خلايا مناعية في إنتاج الأجسام المضادة متعددة النسيلة، يضيف "كرامر": "تُستخدم الأجسام المضادة وحيدة النسيلة المعزولة من المرضى حاليًّا كعلاج -أو حتى بغرض الوقاية- ضد فيروس «سارس-كوف-2»، وهناك خلاف بين العلماء حول فاعلية الأجسام المضادة ضد متغيرات أوميكرون الفرعية، ولكن من خلال بعض التجارب وجدنا أن هناك خسارةً كبيرةً في قدرة الأجسام المضادة على تحييد متحورات أوميكرون الفرعية، الأمر الذي يفسر الانتشار الواسع للإصابات"، كما أن الأجسام المضادة وحيدة النسيلة تُصنع في المختبر أيضًا.

أوضحت "السهلي" أن الدراسة الحالية هي امتداد إلى نتائج دراسة سابقة، أجراها الفريق البحثي نفسه، وأشارت إلى انخفاض قدرة الأمصال -سواء المُستخلصة من المصابين بالعدوى أو الحاصلين على اللقاحات- على تحييد متحور أوميكرون ومتغيراته الفرعية.

وكان ديفيد هو -أستاذ الميكروبيولوجي والمناعة، ومدير مركز آرون دياموند لأبحاث الإيدز في جامعة كولومبيا الأمريكية، وهو الباحث المشرف على الدراسة- قد صرّح في بيان صحفي نُشر في ديسمبر الماضي حول دراستهم السابقة: "من الممكن أن يكون «سارس-كوف-2» على بُعد طفرة أو طفرتين من أن يصبح مقاومًا للأجسام المضادة الحالية بشكل كامل، سواء الأجسام المضادة أحادية النسيلة المستخدمة كعلاجات أو الأجسام المضادة الناتجة عن التطعيم أو الإصابة بالمتغيرات السابقة للفيروس".

لقاحات mRNA

تُعَدُّ لقاحات الحمض النووي الريبوزي الرسول mRNA -مثل منتجات فايزر وموديرنا من اللقاحات- أول اللقاحات التي طُوِّرت للوقاية من عدوى كوفيد-19، وتعمل من خلال تعليم خلايانا كيف تنتج بروتينًا فيروسيًّا معينًا -أو حتى قطعة من البروتين- بإمكانه تحفيز استجابة مناعية داخل الجسم، ما يؤدي إلى إنتاج الأجسام المضادة التي تحمينا من العدوى بالفيروس.

تمثل نتائج الدراسة جزءًا من تحليل يشير إلى أن السلالات الفرعية الثلاث من أوميكرون متباينة بشكلٍ متساوٍ عن النسخة الأصلية من الفيروس، ولها تأثيرٌ مماثلٌ في تقليل فاعلية لقاحات mRNA الحالية، رصد الباحثون انخفاضًا كبيرًا في فاعلية لقاحات mRNA ضد سلالات أوميكرون الفرعية إذا ما جرت مقارنتها بالنوع البري من فيروس كورونا -أول سلالة غير متحورة، إلا أن هذا الانخفاض لم يكن بارزًا لدى الأشخاص الذين تلقوا جرعةً معززةً من اللقاحات، مما يشير إلى أهمية الجرعة المعززة من اللقاحات في الحفاظ على مناعة الجسم ضد الفيروس ومتحوراته.

تؤكد "السهلي" أهمية اللقاحات قائلةً: "لقد شهدت الولايات المتحدة والبلدان الأخرى ارتفاعًا كبيرًا في أعداد الحالات مقارنةً بالموجات السابقة، لكن اللقاحات تحمي من النتائج الحادة لعدوى كوفيد-19 بغض النظر عن المستوى المنخفض للأجسام المضادة المعادلة"، وتضيف: "هناك عوامل مناعية أخرى تؤثر على فاعلية اللقاحات، ولم يجرِ قياس هذه العوامل في دراسة "هو" ولا في عديد من الدراسات غيرها".

يتفق فايد عطية -باحث الفيروسات الطبية والمناعة بمدينة الأبحاث العلمية في الإسكندرية، وأستاذ مساعد في قسم الفيروسات والمناعة والخلايا الجذعية بكلية الطب، جامعة شانتو الصينية- مع "السهلي" حول أهمية اللقاحات، ويقول: "تحفز اللقاحات إنتاج أجسام مضادة متعددة النسيلة، تتميز باتساع نطاق تأثيرها على الفيروس، إذ تغطي معظم المادة الوراثية للفيروس وخاصةً «البروتين S»، كما أن عدد الطفرات في هذا البروتين لدى أوميكرون ومتحوراته الفرعية غير كبير مقارنةً بحجم البروتين نفسه، لذا فمن غير المُرجح أن تفقد اللقاحات فاعليتها ضد أوميكرون"، كما أشار "عطية" إلى أن الدراسة التي أجراها "هو" وزملاؤه لا تزال تحت المراجعة.

يعتقد بيتر باليس -أستاذ ورئيس قسم الأحياء الدقيقة بمدرسة طب ماونت سيناي الأمريكية- أن دراسة "هو" وزملائه مثيرةٌ للاهتمام، ويقول: "الوقت فقط هو الذي سيحدد ما إذا كنا سنحتاج إلى لقاحات إضافية خاصة بمتحور أوميكرون أو ما إذا كانت اللقاحات الحالية كافيةً لحمايتنا من هذا المتحور الجديد المثير للقلق".

ويضيف "باليس": "هناك حاجة إلى مزيد من المعلومات حول ما إذا كانت اللقاحات الحالية مفيدةً ضد المتغيرات الجديدة"، حتى تتوافر هذه المعلومات يناشد "باليس" الجميع بالحصول على اللقاحات المتوافرة حاليًّا، قائلًا: "تلقحوا ثم تلقحوا ثم تلقحوا".

جهود أخرى

يقول "كرامر": "تُسلط دراسة "هو" الضوء على أهمية معرفة السلالات المنتشرة محليًّا، على سبيل المثال في الولايات المتحدة نجد أن متغير BA.1.1 هو السائد، تساعد معرفة المتغير السائد على اختيار العلاجات المناسبة".

استنتج المؤلفون أنه نظرًا إلى قلة خيارات العلاج بسبب ظهور المتغيرات، فمن الضروري أن نواصل السعي نحو ابتكار إستراتيجيات علاجية جديدة لاحتواء فيروس «سارس-كوف-2»، وفق ما جاء في البيان الصحفي الذي أصدرته جامعة كولومبيا حول الدراسة الحالية، يقول "هو": "إن ظهور متغيرات جديدة يقلل خيارات العلاج ويتحدى فاعلية لقاحاتنا الحالية، يجب علينا ألا نسترخي وأن نستمر في ابتكار إستراتيجيات جديدة لاحتواء هذا العامل المُمرِض المتطور باستمرار قبل فوات الأوان".

وتقول "السهلي": "تُعَدُّ دراسة "هو" وزملائه دراسةً معملية، وهذا النوع من الدراسات مفيد لمساعدتنا على فهم كيفية تطور الفيروس"، كما تعتقد أن العينة التي استُخدمت في الدراسة صغيرة نسبيًّا، ولكنها تعود فتؤكد: "أظهرت مجموعات بحثية أخرى بيانات مماثلة لهذه الدراسة، لذا فإن الثقة بالنتائج التي توصلوا إليها عالية".

يعمل الباحثون حول العالم في اتجاهات مختلفة من أجل تطوير عقاقير جديدة لعلاج عدوى كوفيد-19، في نهاية العام الماضي صرحت FDA بالاستخدام الطارئ لعدة عقاقير مضادة للفيروس، من ضمنها عقاران يؤخذان عن طريق الفم هما «مولنوبيرافير» Molnupiravir و«باكسلوفيد» Paxlovid، أظهرت نتائج التجارب الإكلينيكية أن عقار «مولنوبيرافير» -الذي تنتجه شركة «ميرك» Merk بالتعاون مع شركة «ريدجباك» Ridgeback- خفض عدد الوفيات وعدد الحالات التي تتطلب دخول المستشفيات من جرَّاء المرض بنسبة 50% تقريبًا، كما أدَّى عقار «باكسلوفيد» -الذي تنتجه شركة «فايزر» Pfizer- إلى تقليل معدلات الوفاة وحالات دخول المستشفيات بنسبة 89%.

يستهدف العقاران الجزء المسؤول عن تكاثر الفيروس، إذ يثبِّط عقار «باكسلوفيد» إنزيم البروتياز الرئيسي والضروري لاستنساخ المادة الوراثية للفيروس، أما عقار «مولنوبيرافير» فيتسبب في حدوث عدة طفرات في الحمض النووي الخاص بالفيروس، مما يُضعف قدرته على التكاثر.

يسعى الباحثون لتطوير عقاقير أخرى تستهدف أجزاء مختلفة من الفيروس، كما يدرس البعض عقاقير طوّرت في الأصل لعلاج حالات مرضية أخرى من أجل معرفة مدى إمكانية استخدامها ضد فيروس «سارس-كوف-2»، في هذا الشأن أنشأت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية برنامج تسريع علاج فيروس كورونا (CTAP) لاستخدام كل الوسائل المتاحة لتقييم العلاجات الجديدة ونقلها إلى المرضى في أسرع وقت ممكن.

اضف تعليق