q
بدأ باحثون متخصصون في دراسة مرض «كوفيد-19» COVID-19 يسابقون الزمن، سعيًا وراء فهم أسباب حلول سلالة فرعية من السلالة المتحورة «أوميكرون» Omicron محلّ نظيرتها المتفرعة عن السلالة الأم نفسها حول العالم. انتشرت هذه السلالة الفرعية المعروفة باسم «بي إيه. 2» BA.2 سريعًا في عدة دول...
بقلم: إيوين كالاواي

بدأ باحثون متخصصون في دراسة مرض «كوفيد-19» COVID-19 يسابقون الزمن، سعيًا وراء فهم أسباب حلول سلالة فرعية من السلالة المتحورة «أوميكرون» Omicron محلّ نظيرتها المتفرعة عن السلالة الأم نفسها حول العالم. انتشرت هذه السلالة الفرعية المعروفة باسم «بي إيه. 2» BA.2 سريعًا في عدة دول، منها الدنمارك والفلبين وجنوب إفريقيا، خلال الأسابيع القليلة الماضية. ويأتي ذلك في أعقاب انتشار السلالة الفرعية «بي إيه. 1» BA.1، المتحوّرة كذلك من السلالة الأم نفسها؛ سلالة «أوميكرون» المنحدرة من فيروس «سارس-كوف-2» SARS-CoV-2، والتي اكْتُشِفَت أول ما اكتُشفت في إفريقيا الجنوبيّة، نهاية شهر نوفمبر الماضي، ثم أخذتْ في الانتشار سريعًا على مستوى العالم (انظر الشكل: انتشار السلالات الفرعية المنحدرة من «أوميكرون»).

وتشير دراسة معمليّة1 عن السلالة الفرعية «بي إيه. 2» إلى أن التنامي السريع في انتشارها قد يعود إلى تمتّعها بقدرة أكبر على الانتشار من السلالة الفرعية «بي إيه. 1». كذلك تشير دراسات أوَّلية أخرى إلى أن السلالة الفرعية «بي إيه. 2» قادرة على التغلُّب بسهولة على الاستجابات المناعية التي توفِّرها التطعيمات، أو العدوى السابقة بالسلالات المتحوِّرة الأقدم، إلا أنها لا تتفوق كثيرًا على السلالة الفرعية «بي إيه. 1» في ذلك.

ويرى علماءٌ أنه إذا أيَّدت الدراسات الوبائيّة على أرض الواقع هذه الاستنتاجات، فمن المُسْتَبْعَد أن تتسبب السلالة الفرعية «بي إيه. 2» في موجة كبرى ثانية من العدوى، أو حالات دخول للمستشفيات أو وفيات، بعد الهجمة الشرسة الأولى التي شنَّتها السلالة المتحورة «أوميكرون».

رَأَس الدراسة المعملية1 سالفة الذكر، المنشورة بتاريخ السابع من فبراير على خادم «ميد آركايف» medRxiv للمسودات البحثية، دان باروش، اختصاصي علم المناعة والفيروسات من مركز بيث إسرائيل ديكونيس في بوسطن بولاية ماساتشوستس الأمريكيّة، والذي قال بهذا الصدد: "قد تُطيل هذه السلالة الفرعية أمد الارتفاع الهائل والمفاجئ في عدد الحالات الناجمة عن السلالة «أوميكرون»، إلا أن بياناتنا تشير إلى أنها لن تؤدي إلى موجة ارتفاع جديدة تمامًا في عدد هذه الحالات".

أفضليّة في الانتشار

يرى مِدز ألبِرتسن، خبير المعلوماتيّة الحيويّة من جامعة ألبورج بالدنمارك أن التصاعد المنتظم في انتشار السلالة الفرعية «بي إيه.2» في عدّة دول، يشير إلى أنها تتمتع بأفضليّة في الانتشار تفوق السلالات الأخرى الآخذة في التفشي. وهذا يشمل الأشكال الأخرى من السلالة المتحورة «أوميكرون»، مثل إحدى السلالات الأقلّ انتشارًا والتي تُعرف باسم «بي إيه.3» BA.3.

تعقيبًا على ذلك، يقول باروش: "نتساءل عن سبب ذلك، من منظور علمي". وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض الباحثين يرى أن السرعة الكبيرة التي حلَّت بها السلالة المتحورة «أوميكرون» محلّ السلالة المتحورة «دلتا» Delta تُعزَى في جانب منها إلى قدرة «أوميكرون» على الانتشار بين الأشخاص الحاملين لمناعةٍ ضد السلالة «دلتا»، وقدرتها على إصابتهم بالعدوى. لذا، قد يرجع تصاعد انتشار السلالة الفرعية «بي إيه.2» إلى تفوُّقها على السلالة الفرعية «بي إيه.1» في التغلُّب على الاستجابات المناعية، وربما يشمل هذا الحماية ضد الفيروس التي تُكتسب من العدوى بالسلالة الفرعية «بي إيه.1».

وقد يرجع تبايُن السلالات المتحورة في سلوكها إلى الاختلافات الجينيّة في ما بينها. على سبيل المثال، تُميَّز العشرات من الطفرات بين السلالتين الفرعيتين «بي إيه.1»، و«بي إيه.2»، خاصة في أجزاء رئيسيّة من البروتين الشوكيّ للفيروس، وهو الجزء الذي تستهدفه الأجسام المضادّة القويّة القادرة على منع الإصابة بالعدوى. بخصوص ذلك، يقول جيريمي لوبان، عالِم الفيروسات من كليّة شان للطب بجامعة ماساتشوستس في مدينة وورستر بولاية ماساتشوستس الأمريكية: "تحتوي السلالة الفرعية «بي إيه.2» على مزيج مُربك من الطفرات الجديدة التي لم تُختَبر قدراتها بعد".

ولتقييم الاختلافات بين السلالتين الفرعيتين «بي إيه.1»، و«بي إيه.2»، قاس فريق باروش في مجرى دم المصابين بهما قدرةَ الأجسام المضادة "المُحيِّدة" أو المُثبطة لفيروس «سارس-كوف-2» على حماية الخلايا من الفيروسات الحاملة للبروتين الشوكيّ لأيٍ من السلالتين1. وتناولتْ الدراسة 24 شخصًا في مدينة نيويورك، سبق لهم تلقّي ثلاث جرعات من لقاح «فايزر» Pfizer المصنَّع من الحمض النووي الريبي للفيروس. وقد تكوَّنت لدى هؤلاء الأفراد أجسامٌ مضادة كانت فاعليتها في مكافحة العدوى بالفيروسات الحاملة للبروتين الشوكي الخاص بالسلالة الفرعية «بي إيه. 1»، أعلى قليلًا منها في مواجهة العدوى بالفيروسات الحاملة للبروتين الشوكي الخاص بالسلالة الفرعية «بي إيه. 2». وانطبق هذا أيضًا على مجموعة أقلّ عددًا ممن اكتسبوا مناعةً ضد الفيروس جرَّاء إصابتهم بالعدوى به، خلال أولى موجات انتشار السلالة «أوميكرون»، وعلى بعض الحالات التي تشكَّلت لديها هذه المناعة بفضل التطعيمات ضد الفيروس.

ويرى باروش أن الاختلاف الطفيف بين السلالتين الفرعيتين في قدرة الأجسام المضادّة على مواجهتهما بوجه عام يعني أنه من المُستَبعد تفسير تنامي الإصابات بالسلالة الفرعية «بي إيه. 2» على مستوى العالم بقدرتها الأكبر على الإفلات من الاستجابات المناعية.

مقارنة بين السلالتين الفرعيتين

تتشابه نتائج هذه الدراسة مع نتائج وردتْ سابقًا في مسوَّدة بحثية نُشرت في التاسع من فبراير الماضي2، لدراسة قادها ديفيد هُوْ، عالِم الفيروسات من جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك، وجدت أن كلتا السلالتين الفرعيتين تتشابه في القدرة على مقاوَمة الأجسام المضادة المحيِّدة الموجودة في دماء المرضى الذين سبق لهم تلقِّي تطعيمات ضد الفيروس، أو الإصابة بالعدوى به.

إلا أن فريق هُوْ اكتشف أيضًا مؤشرات تدلّ على أن الطفرات الجينيّة المُمَيِّزة لـلسلالة الفرعية «بي إيه.2» تؤثِّر في كيفيّة تعرُّف بعض الأجسام المضادَّة على هذه السلالة. فقد اكتشف الفريق أن إحدى عائلات الأجسام المضادَّة، التي تلتصق بالجزء المعني بالارتباط بالخلايا المضيفة في البروتين الشوكيّ للسلالة، اتَّسمت بكفاءة أقلّ كثيرًا في تحييد هذه السلالة، مقارنة بها حال تحييد السلالة الفرعية «بي إيه.1»، في حين أن نوعًا آخر من الأجسام المضادَّة المستهدفة للبروتين الشوكيّ كان في أغلب الحالات أكثر فاعلية ضد السلالة الفرعية «بي إيه.2». كذلك كشفت دراسة نُشِرت مسودتها البحثية في الخامس عشر من فبراير3، وأدارها كِيْ ساتو، عالِم الفيروسات من جامعة طوكيو، أنّ قوارض الهامستر والفئران المُصابة بالسلالة الفرعية «بي إيه.1»، قد أنتجت أجسامًا مضادة أقلّ قدرة على مكافحة السلالة الفرعية «بي إيه.2» من السلالة الفرعية «بي إيه.1».

وحتى الآن، لم تتضح بعد دلالة نتائج أحدث الدراسات المعملية في ما يخص الوقاية المناعيّة من السلالة «بي إيه. 2، على أرض الواقع. فيقول باروش إن نتائج الدراسة التي أجراها فريقه لا يمكن أن يُستَدل منها على ما إذا كان مَن تعافوا من الإصابة بالسلالة «بي. إيه. 1» مُعَرَّضون لتجدد الإصابة بالفيروس من خلال السلالة «بي إيه.2». لكنه يرى أن البيانات التي حصل عليها فريقه تشير إلى أنه من المُستَبعد أن تكون خطورة حدوث هذه الإصابة أعلى كثيرًا حال السلالة «بي إيه.2»، منها حال السلالة «بي إيه.1».

ووفقًا لتقارير إخباريّة، اكتشف باحثون في إسرائيل عددًا قليلًا من الحالات لأفرادٍ سبق لهم التعافي من السلالة «بي إيه.1»، ثم أصيبوا بالسلالة «بي إيه.2». وقد شرع باحثون دنماركيون في دراسة لتحديد نسبة تكرار الإصابة بهذه العدوى، على حدّ ما صرَّح به ترولس ليليبايك، اختصاصي علم الوبائيات الجزيئي من معهد المصل الوطنيّ الدنماركيّ في مدينة كوبنهاجن، ورئيس لجنة تقييم خطورة السلالات المتحوّرة من فيروس «سارس-كوف-2» في الدنمارك، الذي أردف قائلًا إن: "عدم تشكُل استجابة مناعية ضد هذه السلالة الجديدة سيكون مفاجئًا، وهو ما أراه أمرًا مستبعدًا".

ووفقًا لما أشارت إليه دراسة أخرى عن انتشار «أوميكرون» بين أكثر من 8 آلاف أسرة دنماركية، فإن تصاعد انتشار الإصابات بالسلالة الفرعية «بي إيه. 2» قد نتج عن مزيجٍ من العوامل4. وقد اكتشف باحثون من بينهم ليليبايك أن كلًّا ممن لم يتلقّوا تطعيمًا ضد الفيروس والأفراد الذين تلقَّوا جرعتين من أحد اللقاحات المضادة له، ومن تلقَّوا جرعة تطعيم معزّزة ضده، كانت احتمالية إصابتهم بالسلالة المتحورة «بي إيه.2»، أكبر منها حال السلالة «بي إي. 1».

ويرى ليليبايك أن ارتفاع احتمال الإصابة بالسلالة الفرعية «بي إيه.2» بين من لم يتلقَّوا تطعيمًا ضد الفيروس، يشير إلى أن للسلالة خصائص أخرى، بخلاف إفلاتها من الاستجابات المناعية، تُعد مسؤولة كذلك، جزئيًا على الأقل، عن قدرتها الأكبر على الانتشار.

كذلك يضيف ليليبايك أن ارتفاع نسبة الإصابة بالسلالة الفرعية «بي إيه.2»، ليس مثار مشكلة كبيرة في الدنمارك، إذ ترتفع نسب تلقي التطعيمات ضد الفيروس. وقد اكتشفتْ دراسة أوليّة أن هذه السلالة الفرعية المتحورة لا تسبب -على ما يبدو- أعراضًا مرضيّة أكثر شدّة مما تسببه السلالة الفرعية «بي إيه.1»، حتى حال المصابين بها من الأطفال.

إلا أن ليبيبايك يستدرك قائلًا إن السلالة الفرعية «بي إيه.2» قد تمثِّل تحدّيًا أكبر في المناطق التي تنخفض فيها نسب تلقي التطعيمات، إذ قد يعني تفوقها في الانتشار على السلالة الفرعية «بي إيه.1» أنه من المحتمل أن تتسبب في إطالة أمد ذروة موجات انتشار السلالة المتحورة «أوميكرون»، مما يعزّز احتمال انتقال العدوى إلى الفئات الأكثر عرضة للإصابة بأعراض مرضيّة شديدة. ويضيف ليليبايك: "هذا يُعَرِّض مزيدًا من الأشخاص للإصابة بالعدوى خلال فترة زمنيّة قصيرة، مما يُشكِّل ضغطًا على النظم الصحيّة".

طفرات بعد طفرات

ثمة دلائل كذلك على أن السلالة الفرعية «بي إيه.2» قد تحدّ من الخيارات العلاجيّة لمرض «كوفيد-19». على سبيل المثال، في التجارب المعمليّة، اكتشف فريق هُوْ2 أن هذه السلالة مقاوِمة لعلاجٍ قائم على أحد الأجسام المضادّة وحيدة النّسيلة، التي ثبتت فاعليتها ضد السلالة الفرعية «بي إيه.1»، يُسَمى «سوتروفيماب» Sotrovimab. إلا أن الشركة المُصَنِّعة لهذا الدواء، وهي شركة «ڤير بيوتكنولوجي» Vir Biotechnology الكائنة بمدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكيّة، صرَّحت في بيانٍ صحفيّ، في التاسع من فبراير الماضي، أن نتائج تجاربها -التي لم تُنشَر بعد- تشير إلى أن «سوتروفيماب» يحتفظ بفاعليته ضدّ السلالة الفرعية «بي إيه.2» .

والتعرُّف بدقة على خصائص السلالة الفرعية «بي إيه.2» والطفرات الجينيّة المسؤولة عن تفوقها في الانتشار، لن يكون سهلًا، على حد قول لوبان. ففي حال السلالات المتحورة الأخرى سريعة الانتشار، ومن بينها سلالة «ألفا» Alpha و«دلتا»، اكتشف الباحثون طفرات يُعْتَقَد أنها تُسَرِّع انتشار هذه السلالات، إلا أنه من المُستبعد أنها تفَسِّر تمامًا سلوك هذه السلالات.

من هنا يقول لوبان: "تمثِّل سلالة «أوميكرون» صفعة حقيقيّة على وجوه كثيرين ممن ظنّوا أن الأمور قد اتضحت تمامًا. إنها لغز".

اضف تعليق