قبل بلوغ مرض باركنسون مراحله المتقدمة والواضحة، يرسل الجسم بعض الإشارات المبكرة. ومن غير المفاجئ أن الوظائف التي تتأثر هي تلك التي تتحكم فيها الخلايا العصبية الدوبامينية، خلافا للفكرة الشائعة التي تقول إن ارتعاش الجسم هو العلامة الوحيدة على مرض باركنسون أو الشلل الارتعاشي...
يعد الباركنسون من بين الأمراض غير القابلة للشفاء، ورغم تطور وسائل معالجته والأمل بالشفاء منه. إلا أن التشخيص المبكر والمتابعة الطبية والنفسية تساعد كثيرا في إبطاء تطوره، فما أسباب الإصابة به وهل يمكن الوقاية منه؟
داء "الشلل الرعاشي" أو بما يعرف بـ"الباركنسون" نسبة للطبيب الانكليزي جيمس باركنسون، وهو أول طبيب وصف أعراض هذا المرض عام 1817، والذي يعد من أكثر أمراض الأعصاب انتشارا بين المتقدمين في السن. إذ يفقد المصابون بهذا المرض السيطرة على عضلاتهم، ما يتسبب بإصابتهم بارتعاش اليدين والرجفة وجمود في ملامح الوجه وبطء بالحركة قد يصل إلى حدّ الجمود.
وتبدأ أعراض هذا المرض بالظهور بين سن الـ 45 و60 عاما، ويعود سبب الإصابة به إلى خلل في منطقة معينة في الدماغ تموت فيها خلايا عصبية مسؤولة عن إنتاج الدوبامين، وهو عبارة عن ناقل كيميائي له وظائف متعددة في الدماغ، من بينها دوره المهم في التأثير على تحريك الجسم. علما أن أعراض الباركنسون تبدأ بالظهور وبشكل ملحوظ، عندما تصل نسبة الخلايا الميتة في الدماغ إلى 60 بالمئة تقريبا.
أما أهم الأعراض الحركية المرتبطة بالباركنسون والمشكلات التي تواجه المريض فهي مشكلة التصلب، إذ يعاني المريض من توتر مستمر وتصلب في الأطراف والمفاصل. والرجفة هي من أهم أعراض الباركنسون وتظهر في اليدين والرجلين والرأس أو حتى في كامل الجسم. وبطء في الحركة، إذ حيث يصبح المريض بطيء الحركة وأحيانا غير قادر على المشي. فضلا عن صعوبة في الكلام وفي البلع مع فقدان تدريجي للذاكرة ويرى الاطباء المتخصصون في أمراض الأعصاب وجراحتها، أن هناك بعض العلامات تنذر وبشكل مبكر عن الباركنسون مثل بطء غير مألوف في النشاط اليومي والشعور بالدوران بشكل متكرر خصوصاً عند النهوض من السرير، ويمكن أن ترافق هذا الدوران نوبات من الإغماء. كما يمكن أن يكون الاضطراب في النوم والاكتئاب وفقدان التوازن من علامات الإنذار المبكرة.
هل يمكن الوقاية من الباركنسون؟، على الرغم من التقدم الكبير في علاج مرض الباركنسون، إلا أنه واحد من الأمراض غير القابلة للشفاء. ويهدف العلاج إلى تخفيف أعراض المرض والمساعدة على تحسين أداء المريض. فوفقا لما نشرته جميعة الباركنسون الألمانية على موقعها على الانترنيت، فإن علاجه يتطلب معالجة دوائية وعلاجا طبيعيا وعلاجا لتأهيل النطق والبلع لدى المريض، فضلا عن ضرورة متابعة المرضى من قبل أخصائيين اجتماعيين ونفسيين، ووفقا للجمعية يصل عدد المصابين بهذا المرض في ألمانيا إلى حوالي 280 ألف شخصا، ونسبة الإصابة به بين الرجال والنساء متساوية. ووفقا للباحثين في معهد كارولينسكا في استوكهولم فإن النشاط البدني بشكل معتدل يكفي لتخفيف خطر الإصابة بمرض الباركنسون، وجدير بالذكر أن هناك الكثير من المشاهير الذين عانوا لسنوات طويلة من هذا المرض مثل أسطورة الملاكمة محمد علي والبابا يوحنا بولس الثاني.
إنذار مبكر
قبل بلوغ مرض باركنسون مراحله المتقدمة والواضحة، يرسل الجسم بعض الإشارات المبكرة. ومن غير المفاجئ أن الوظائف التي تتأثر هي تلك التي تتحكم فيها الخلايا العصبية الدوبامينية، خلافا للفكرة الشائعة التي تقول إن ارتعاش الجسم هو العلامة الوحيدة على مرض باركنسون أو الشلل الارتعاشي، فإن هنالك علامات إنذار أخرى تكون أقل وضوحا، يصاب بها الإنسان في السنوات السابقة لظهور المرض.
وتقول الكاتبة سيسيل تيبر، في هذا التقرير الذي نشرته صحيفة "لوفيغارو" (le figaro) الفرنسية، إن أغلب الناس عندما يفكرون في مرض باركنسون يتخيلون فقط يدين مرتعشتين، ولكن في الواقع يمكن الإصابة بهذا المرض حتى قبل ظهور علامات الشلل الارتعاشي، وهو ما ينطبق على نحو ثلث الحالات التي تعاني هذا المرض.
وتضيف الكاتبة أن مرض باركنسون يمكن أن تظهر بوادره أيضا من خلال أعراض أخرى، قبل أشهر أو سنوات من بداية المشاكل الحركية، مثل بطء وتشنج العضلات، والارتعاش في وضعيات الراحة، وتنبّه الكاتبة إلى أن الجهل بهذه العلامات التي ليس من السهل ملاحظتها يؤدي إلى تأخير عملية التشخيص والعلاج، ومن ثم زيادة معاناة المريض وتأثر حياته اليومية، ويقول البروفيسور مارك فيران طبيب الأعصاب في المستشفى الجامعي بمدينة رين ورئيس المعهد الفرنسي لعلم الأعصاب السريري "إن باركنسون مرض عصبي تنكسي يصيب بشكل أساسي الخلايا العصبية الدوبامينية، أي الخلايا العصبية التي تنتج الناقل العصبي الدوبامين"، ويوضح فيران أن "الدوبامين مادة تصنعها هذه الخلايا العصبية وتستخدمها للتواصل في ما بينها، تماما مثل شبكة الجيل الرابع التي نعتمد عليها للتواصل في هواتفنا المحمولة"، ويقول البروفيسور فيران إن هذه الخلايا العصبية الدوبامينية توجد في كل أنحاء المخ، وعلى سبيل المثال في البصلة الشمّية التي تمكننا من التعرف على الروائح، وكذلك في المناطق التي تؤدي دورا رئيسيا في تنظيم العواطف، وفي بعض الوظائف الإدراكية، وأيضا في عملية التحفيز، كذلك لهذه الخلايا العصبية دور مهم في تنفيذ الحركات الآلية والتلقائية للجسم، مثل المشي وتأرجح الذراعين وتعابير الوجه، وتعديل وضعية العضلات في حالات الاسترخاء. وتوجد هذه الخلايا أيضا في الجهاز الهضمي، ومن ثم فلها وظيفة أساسية جدا في جسم الإنسان، ويضيف البروفيسور أن الأشخاص المصابين بمرض باركنسون يتعرضون لتدمير تدريجي للخلايا العصبية، مع استحالة شفائها، والسبب في ذلك ربما يكون تراكم المواد الكيميائية التي تسمّم الأعصاب.
وقبل بلوغ مرض باركنسون مراحله المتقدمة والواضحة، يرسل الجسم بعض الإشارات المبكرة. ومن غير المفاجئ أن الوظائف التي تتأثر هي تلك التي تتحكم فيها الخلايا العصبية الدوبامينية، ويقول البروفيسور فيران "إن أولى علامات الإنذار المبكرة هي فقدان الشمّ بشكل جزئي أو كلي. وبالتأكيد أحيانا يصاب الناس بهذه الحالة لأسباب أخرى مع التقدم في السن، ولكن هذا العرض يصيب 80% إلى 90% من الأشخاص الذين يشخّص لاحقا مرضهم بباركنسون، وفي المقابل يصيب 25% فقط من المسنّين الآخرين".
ويضيف أنه "إلى جانب مشكلة الشم، هنالك أيضا حالة الإمساك المزمن التي تظهر مبكرا على مرضى باركنسون"، "وهنالك أيضا علامة أخرى، هي القلق غير الاعتيادي، والمعاناة من بعض الآلام، وهي حالة مرتبطة بنقص الدوبامين الذي يجعل الجسم أكثر حساسية، ومن ثم يشعر الإنسان بألم أكبر عندما يتعرض لإصابات عضلية أو مفصلية".
ومن المفاجآت الأخرى التي كشفت عنها البحوث الطبية أن مرض باركنسون يمكن أن يظهر في البداية من خلال صعوبات في النوم، فأكثر من نصف المرضى عانوا على امتداد سنوات أو عقود من هذه الاضطرابات، قبل ظهور الاضطرابات الحركية.
وكذلك قد تظهر على بعض المعرضين للإصابة بمرض باركنسون مشاكل سلوكية في الليل، وبالتحديد في وقت النوم، مثل التصرف العنيف والصراخ واستعمال قبضة اليد والساقين للطرق بقوة، وتشير الكاتبة إلى أن ظهور هذه الأعراض لا يعني بالضرورة أن الشخص يتجه نحو الإصابة بمرض الشلل الارتعاشي، فكل هذه المشاكل الصحية قد تكون مرتبطة بحالة أخرى، أو بسبب التقدم في السن. كذلك فإن الأشخاص المعنيين بمشاكل التنكس العصبي، ومن ثم الإصابة بمرض باركنسون أو غيره أحيانا لا يصابون بالمرض إلا بعد مرور 14 سنة كاملة، تطرح الكاتبة تساؤلا عما إذا كان الاختيار الأفضل هو مراقبة هذه العلامات والخضوع للتشخيص المبكر، أو تجاهل الأمر والاستمتاع بالحياة بعيدا عن الخوف والترقب، وترى الكاتبة أن الإجابة عن هذا السؤال تبقى معقدة وتختلف من إنسان إلى آخر، لأن الواقع حتى الآن يشير إلى عدم وجود علاج دوائي، قادر على القضاء على هذا المرض عند تناوله في المراحل المبكرة، ويقول البروفيسور فيليب ريمي "منذ اللحظة التي تظهر فيها العلامات المبكرة مثل فقدان الشم ومشاكل النوم نكون نظريا قادرين على اكتشاف فقدان الخلايا العصبية الدوبامينية، وذلك بالاعتماد على تقنية التصوير الطبي الدماغي، حتى قبل ظهور المشاكل الحركية. ولكن عمليا نحن لا نقوم بهذه الفحوص، لأن الأدوية المتوفرة حتى الآن لا تفيد مع هذه العلامات المبكرة".
في المقابل، يؤكد البروفيسور فيران ضرورة التشخيص المبكر، من أجل حصول المريض على العلاجات المساعدة منذ البداية، حيث إن الأدوية التي تعوّض نقص الدوبامين يمكنها تخفيف المعاناة لدى المريض، وتخفيف تأثير المرض على حياته اليومية والعائلية والمهنية.
وفي الختام تؤكد الكاتبة أن الأطباء والباحثين بشكل عام واثقون من أنهم في المستقبل سيتمكنون من اكتشاف علاجات فعالة لمرض باركنسون أو الشلل الارتعاشي، وأن هناك عددا هائلا من المشاريع البحثية والابتكارات الجديدة قيد التطوير في الوقت الحالي. وفي انتظار هذا الانفراج، يجب على كل الناس ممارسة الرياضة بانتظام، لأن الأبحاث العلمية أكدت فائدتها في الوقاية من هذا المرض.
أخطر علامات هذا المرض
ان مرض باركنسون هو اضطراب تدريجي في الدماغ والجهاز العصبي المركزي يمكن أن يضعف الحركة والكلام. وقد تكون له أعراض غامضة أو خفية في البداية. ولكن من المهم معرفة الإشارات الأولى، لذلك يمكن إجراء التشخيص المناسب وبدء العلاج في أقرب وقت ممكن.
ومن أجل المزيد من المعلومات عن هذا المرض نشر موقع " eat this not that " الطبي المتخصص العلامات الأكثر شيوعًا لمرض باركنسون وفقًا لمؤسسة باركنسون. جاءت على النحو الآتي:
الرعشه، حيث يصاب بعض الأشخاص المصابين بمرض باركنسون برعشة. وغالبًا ما يظهر هذا مبدئيًا في الإصبع أو اليد أو الذقن أثناء الراحة.
التيبس أثناء الحركة أو المشي، ويمكن أن يكون سبب التصلب أو صعوبة الحركة هو إصابة أو مشكلة مثل التهاب المفاصل. ولكن إذا لم يختف التيبس عند التحرك، فقد يكون ذلك علامة على مرض باركنسون. وقد تكون الإشارة المبكرة تصلب أو ألم في الكتف أو الوركين. وقد يشعر المصاب أيضًا بأن قدميه عالقتان في الأرض.
تغييرات خط اليد، يمكن أن تكون الميكررافيا (عندما يصبح خط اليد أصغر أو أكثر ازدحامًا) علامة على مرض باركنسون. كما يمكن أن يتسبب التهاب المفاصل أو تغيرات الرؤية أيضًا في حدوث ذلك، ولكن إذا لاحظت ذلك بالاقتران مع أعراض أخرى فمن المهم الاتصال بالطبيب.
فقدان حاسة الشم، قد يكون فقدان حاسة الشم علامة على الإصابة بمرض كوفيد -19. كما يمكن أن يكون أيضًا أحد أعراض مرض باركنسون. فإذا كنت تعاني من فقدان حاسة الشم، فمن المهم أن تقوم باختبار كوفيد 19 . لكن قدرتك على اكتشاف الروائح يجب أن تعود. وإذا لم يحدث ذلك فاسأل طبيبك عما إذا كان يجب فحصك للكشف عن شلل الرعاش.
كثرة الإمساك، يؤثر مرض باركنسون على الجهاز العصبي اللاإرادي ويمنعه من العمل بشكل صحيح، ويمكن أن يبطئ الجهاز الهضمي ويؤثر على طريقة حركة الأمعاء. فإذا كان الإمساك يمثل مشكلة جديدة بالنسبة لك أو استمر لأكثر من ثلاثة أسابيع فاتصل بطبيبك.
الوجه المقنع، قد يبدو تعبيرك جادًا أو حتى غاضبًا عندما لا تقصد ذلك. وإذا قيل لك إنك تبدو جادًا أو مكتئبًا أو غاضبًا عندما تشعر بتحسن فاسأل طبيبك عما إذا كان فحص مرض السكري مبررًا.
الدوخة أو تغيرات في القوام، قد تشعر بإحساس بالدوار عند الوقوف، أو تلاحظ تغيرات في وضعيتك في أي وقت. وقد تشمل هذه التغييرات الانحناء.
متى ترى الطبيب: إذا كنت تعاني من أكثر من واحد من الأعراض المذكورة أعلاه فمن الضروري أن ترى الطبيب. وإذا تم تشخيصك بمرض باركنسون من قبل طبيب باطني أو طبيب أمراض الشيخوخة، فإن مؤسسة باركنسون توصي بمتابعة أخصائي اضطرابات الحركة للحصول على رأي ثان. فقد تم تدريب أطباء الأعصاب هؤلاء خصيصًا لتشخيص وعلاج مرض باركنسون.
كيف تؤثر التغذية؟
يعتبر مرض باركنسون من الأمراض المزمنة وبدون علاج لحد الآن، رغم ذلك تظهر الدراسات الحديثة أن النظام الغذائي الصحيح يمكن أن يمنع المرض وربما يبطئه.. كيف ذلك؟
مرض باركنسون أو الشلل الارتعاشي هو مرض عضال تموت فيه الخلايا العصبية في الدماغ تدريجياً. بيد أن المزيد من الدراسات تظهر أنه يمكن التقليل من خطر الإصابة بمرض باركنسون وربما حتى التأثير على مسار المرض باتباع النظام الغذائي الصحيح.
ومن المعروف عن المطبخ المتوسطي أنه غني بالخضروات الطازجة والمكونات الصحية الأخرى التي يزخر بها: مثل الأسماك والبقوليات والقليل من اللحوم. وتؤكد دراسات علمية أن هذا النوع من النظام الغذائي يمكن أن يبطئ أيضًا من تطور مرض باركنسون بل ويقلل من خطر الإصابة به مثلما جاء في موقع NDR الألماني.
وغالبًا ما يبدأ مرض باركنسون بدون أعراض ويبقى في الجسم لسنوات عديدةقبل أن يصبح مرئيًا مع الرعشات أو تعابير الوجه المتجمدة التي تظهر على المصاب. وفي هذه المرحلة على وجه الخصوص يصبح للنظام الغذائي الصحي أهمية كبيرة، كما يؤكد خبراء، حيث يعتقد أن تكون للتغذية تأثيرا إيجابيا على المرض.
هل يبدأ في الأمعاء؟
خلص باحثون إلى أن مرض باركنسون يبدأ بتغيرات في الأمعاء على الأقل لدى بعض الأشخاص. وقد يكون ذلك راجعا إلى أن العناصر الغذائية تنتقل من الأمعاء إلى الدماغ ويمكن أن يكون لها تأثير ضار هناك.
وحتى لو كان الكثير بهذا الخصوص لا يزال غير واضح، فإن الأكيد أن الأمعاء تبادل الوسائط الكيميائية مع الدماغ. إذ يمكنها الانتقال عن طريق الدم أو المسالك العصبية من الأمعاء إلى الدماغ، ويُعرف ذلك بمحور المخ والأمعاء.
وغالبا ما يعاني مرضى باركنسون من مشاكل معوية بسبب التغيرات التي يحدثها المرض في الأمعاء، حيث يشتكي العديد من المصابين من مشاكل في الجهاز الهضمي مثل الإمساك الشديد وذلك قبل سنوات من ظهور الأعراض النموذجية.
وتظهر الدراسات أيضًا أن تكوين الميكروبيوم، أي البكتيريا المعوية، يتغير لدى الأشخاص المصابين بمرض باركنسون، ففي العادة تحول الباكتيريا النافعة في أمعائنا الأكل إلى عناصر غذائية لكن أيضا هناك باكتيريا ضارة في الأمعاء يمكنها أن تتسبب في مرضنا عندما يتعرض توازننا للخلل. ولدى الأشخاص المصابين بمرض باركنسون، على سبيل المثال، غالبًا ما تسود البكتيريا التي تجعل جدار الأمعاء قابلاً للاختراق. وبذلك يمكن للمواد الالتهابية بعد ذلك أن تدخل للدم، مثلما جاء في موقع NDR الألماني.
تتمثل إحدى طرق العلاج الممكنة في إعادة التوازن للأمعاء بشكل سريع، في اتباع نظام غذائي معين، وبالتالي إعادة برمجة ميكروبيوم الأمعاء إلى حد معين. بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من المصابين بباركنسون يعانون من نقص بعض العناصر الغذائية، وخاصة فيتامين د وحمض الفوليك وفيتامين ب 12.
وتشير الدراسات إلى أن بعض الأطعمة يمكن أن تحمي الخلايا العصبية مثل الخضروات والحبوب الكاملة وزيت الزيتون والشاي الأخضر والتوت الأحمر، كما ينصح بتجنب الوجبات الجاهزة والدهون المشبعة والسكريات.
بمحض الصدفة
يُمضي الباحثون أيامهم في محاولة لتفسير نتائج التجارب التي يُجرونها، وأحيانًا يتوصلون إلى اكتشافٍ ما في أثناء البحث عن شيء آخر مختلف. فقد أدت الصدفة دورًا مهمًّا في تاريخ الاكتشافات العلمية، حتى إن بعضًا غير قليل من النظريات الأساسية والمعرفة العلمية التي نحظى بها الآن كانَ وليدَ الصدفة، بدءًا من اكتشاف نيوتن للجاذبية الأرضية وفك رموز حجر رشيد، وصولًا إلى اكتشاف جديد، تمكَّن من خلاله فريقٌ بحثي من جامعة كاليفورنيا- سان دييجو الأمريكية من علاج مرض باركنسون في الفئران عبر تثبيط أحد الجينات في الخلايا النجمية الداعمة. والخلايا النَّجِمية الدَّاعِمة هي نوع من الخلايا الدبقية التي تعمل على تغذية الخلايا العصبية ودعمها لكي تؤدي وظائفها المختلفة.
هذا ما حدث مع الفريق البحثي بجامعة كاليفورنيا- سان دييجو، الذي كان يعمل على دراسة البروتين المسمى PTB، في محاولة لفهم وظيفته بشكل أفضل. والبروتين PTB هو بروتين يرتبط بالحمض النووي الريبوزي RNA لأداء العديد من الوظائف، كما أنه يتحكم في تشغيل عمل الجينات وإيقافه. وعادةً ما يُجرى ذلك النوع من الأبحاث عن طريق تثبيط إنتاج البروتين المستهدَف في الخلايا ومراقبة تأثير ذلك على نشاطها.
راقب الباحثون نشاط خلايا أحد الأنسجة بعد تقليل مستوى إنتاج بروتين PTB فيها، ولكنهم لم يلحظوا أي تغيير سوى حدوث بطء في معدل نمو تلك الخلايا حتى توقفت عملية النمو تمامًا، ووفقًا للدراسة التي نشرتها دورية نيتشر Nature، اضطر الباحثون إلى ترك الخلايا المزروعة في حضَّانات معملهم، وبدأوا التفكير في طريقة مختلفة لزراعة الخلايا، وبعد عدة أسابيع وجد أحد الباحثين أن خلايا أحد الأنسجة التي زرعوها لم تعد موجودةً سوى بنسبة ضئيلة، ولكنه فوجئ -في الوقت ذاته- بامتلاء الأطباق بنوع من الخلايا العصبية.
اكتشف الباحثون، بمحض الصدفة، أن إيقاف إنتاج البروتين PTB الذي يوجد في العديد من الخلايا، ويقل في الخلايا العصبية حين تبدأ في النضج، يُعَدُّ مُحفِّزًا كافيًا لمختلف أنواع الخلايا كي تتحول إلى خلايا عصبية، ومن خلال تثبيط الجين الخاص به في الخلايا النَّجِمية الدَّاعِمة، تمكنوا من زيادة إنتاج الخلايا العصبية التي تنتج الدوبامين في أمخاخ الفئران بنسبة تقترب من 30%، مما أدى إلى توقُّف أعراض مرض باركنسون لدى الفئران. وينتج مرض باركنسون بشكل أساسي عن فقد الخلايا العصبية المُصنِّعة للناقل العصبي "الدوبامين".
لم يكن شيانج دونج فو، الباحث الرئيسي في الدراسة، والأستاذ المتميز في قسم الطب الخلوي والجزيئي في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا- سان دييجو، متحمسًا قَط خلال مسيرته المهنية أكثر مما هو عليه الآن. لقد درس منذ فترة طويلة الأساسي البيولوجي لجزيء RNA، وهو ابن العم الجيني للحمض النووي DNA، وعكف كذلك على دراسة البروتينات التي ترتبط به. لكن اكتشافًا جديدًا في مجال آخر تمامًا هو ما أطلق عنفوان حماسه العلمي: علم الأعصاب.
يقول "فو" في تصريحاته لـ"للعلم": "أجرينا سلسلةً من التجارب في محاولة لفهم هذا التحول الدرامي في مصير الخلية. وفي النهاية توصلنا إلى آلية عمل بروتين PTB في قمع الجينات التي تُسبب تكوين الخلايا العصبية، ومن خلال تثبيط إنتاجه في عدة أنواع من الخلايا تمكنَّا معمليًّا من دفعها لتُصبح خلايا عصبية مختلفة الأنواع".
تساءل الباحثون عمَّا إذا كان من الممكن عمل ذلك التحويل في مصير الخلايا داخل المخ بدلًا من الأطباق المزروعة معمليًّا، وبالفعل استخدموا نوعًا من الفيروسات غير المُعدية لإجراء تعديل جيني على الخلايا النَّجِمية الدَّاعِمة داخل أمخاخ الفئران وبرمجتها لتثبيط إنتاج البروتين PTB. يقوم الفيروس غير المُعدي بإدخال تسلسل من الشفرة الوراثية -يحمله ضمن الحمض النووي الخاص به- إلى داخل الخلايا.
في هذه الحالة استخدم الباحثون تسلسلًا من عدد قليل من النيوكليوتيدات -وحدة بناء الحمض النووي التي تحمل الشفرة الوراثية- مضادة لـ"تسلسل الحمض النووي الريبوزي" RNA الخاص بالجين المسؤول عن إنتاج بروتين PTB، يرتبط هذا الشريط المضاد بنظيره، مما يمنع عملية الترجمة والتعبير الجيني، المسؤولة عن إنتاج البروتين داخل الخلية.
أُجريت التجربة على نوع من نماذج الفئران التي تُعَدُّ من أهم النماذج لدراسة مرض باركنسون، حيث تجري فيه مُحاكاة أعراض المرض من خلال حَقن الفئران بمادة شبيهة في تركيبها بالناقل العصبي "الدوبامين"، مما ينتج عنه خداع الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين وتوقُّفها عن العمل، فتعاني بذلك الفئران من أعراض مرض باركنسون.
خلال ثلاثة أشهر من العلاج الذي تم على خطوة واحدة اختفت أعراض مرض باركنسون من الفئران، واستعادت قدراتها الحركية الطبيعية. يقول "فو": "وجدنا أن الخلايا العصبية الجديدة قادرةٌ على الاندماج في الدوائر العصبية الموجودة في الدماغ". ويضيف: "من المثير للاهتمام أن تلك الخلايا يمكن إعادة برمجتها إلى أنواع فرعية متمايزة من الخلايا العصبية".
يقول محمد سلامة، وهو باحث مصري من جامعة المنصورة: "إن الخلايا التي تخضع للتحول من خلايا غير عصبية إلى عصبية تمُر بمراحل مختلفة؛ إذ تتحول في البداية إلى خلية عصبية ثم إلى خلية عصبية متمايزة لنوع فرعي محدد من الخلايا العصبية يتحدد وفقًا للموقع الذي يتم فيه حَقن الخلايا في الدماغ، فمثلًا إذا تم حقن الخلايا في "المنطقة السَّقِيفِيَّة البطنية" (VTA) -وهي منطقة في المخ تُنظِّم مستويات الدوبامين- فإن الخلايا العصبية الناتجة ستتمكن من إنتاج الدوبامين".
يُعد مرض باركنسون أو "الشلل الرعاش" أحد الأمراض العصبية التَّنَكُّسِية التي تسبب اضطرابًا حركيًّا نتيجةً لتدهور خلايا الدماغ، وخاصةً تلك المسؤولة عن إنتاج الدوبامين، وهو ناقل عصبي يرسل إشارات بين الجسم والدماغ، ويؤدي دورًا مهمًّا في التحكم بالمهارات الحركية والاستجابات العاطفية؛ إذ يُعرف أيضًا بهرمون السعادة.
الجدير بالذكر أنه لا يمكن إعطاء المرضى الدوبامين كدواء بشكل مباشر؛ لأنه لن يعبر من الحاجز الدموي الدماغي الذي يحمي المخ ويمنع وصول المواد الكيميائية الضارة إليه، لذا كان الباحثون في حالة بحث مستمر عن طرق علاجية أخرى، بداية من منع فقدان الخلايا العصبية أو الحماية من تعرُّضها للتلف، وحتى تحويل الخلايا الجذعية إلى خلايا عصبية، ولكن اكتشاف "فو" وزملائه مكَّنهم من إعادة تكوين الخلايا العصبية في خطوة واحدة، ما وصفه "سلامة" بكونه خطوة ضخمة، خاصةً فيما يتعلق بقيامهم بذلك داخل أمخاخ الفئران.
ويعتقد الباحثون أن تلك الطريقة السهلة نسبيًّا ستمكِّننا من علاج أمراض عصبية أخرى، حتى في الحالات المتقدمة من المرض، يقول "فو": "على الرغم من أننا أجرينا تجاربنا على نموذج لمرض باركنسون، إلا أن المبدأ ينطبق بشكل عام على الأمراض العصبية الأخرى". ومشددًا: "ستساعد هذه الإستراتيجية على تجنُّب المضاعفات المحتملة التي تنتُج عن استخدام خلايا غريبة عن الجسم، مثل الخلايا العصبية المشتقة من الخلايا الجذعية".
وتتفق مع ذلك رضوى خليل، باحثة علوم الأعصاب في جامعة جاكوبس بريمن الألمانية، ولكنها تشدد على أنه: يمكننا تعلُّم الكثير من تلك التجربة، ولكننا لن نتمكن من تعميمها بشكل كامل على جميع الأمراض العصبية التَنَكُّسِية؛ إذ إن كل مرض منها له ما يميزه ويجعله مختلفًا عن البقية، لذا لا بد أن نضع في الاعتبار نوع الخلايا التي يجري تدميرها في أثناء عملية التحوُّل، ونحاول تعويضها، وعلينا الانتباه للتأثيرات المحتملة على الدوائر العصبية، سواءٌ على المستوى الخلوي أو مستوى الجسم كله.
وفي سياق متصل، نشرت دورية "سيل" دراسة أخرى مشابهة، أجراها باحثون صينيون -وذلك في فترة مراجعة الدراسة التي نشرها "فو" وزملاؤه- عن البروتين PTB نفسه واستخدام منهج علاجي لتحويل خلايا مولر -وهي نوع آخر من الخلايا الدبقية- إلى خلايا عصبية تنتج الدوبامين؛ من أجل تعويض الخلايا التالفة عند مرضى باركنسون، واستخدم الباحثون هذه التقنية ذاتها لعلاج أحد الأمراض التَّنَكُّسِية التي تصيب الخلايا العصبية الموجودة في شبكية العين، مُسببةً العمى الدائم.
تبدو نتائج الدراسة واعدةً ومُبشرة لمرضى باركنسون، ولكن علينا التَّأنِّي، يقول "سلامة": قضى العلماء سنوات عديدة يحاولون استخدام أساليب الطب التجديدي -مثل الخلايا الجذعية، وإعادة برمجة الخلايا- لتعويض ما يُفقد من الخلايا العصبية في الأمراض التَّنَكُّسِية، ونجحت تلك الأساليب في الحيوانات الصغيرة مثل نماذج الفئران، ولكن عند انتقال بعض هذه التجارب إلى مستوى أعلى "مثلًا التجارب على البشر" فإن النتائج عادةً لا تكون واعدة، وهذا ببساطة لأن علاج البقع التالفة لا يعالج الأمراض المعقدة ذات الأسباب المتعددة، لذا من الأفضل تناوُل تلك النتائج بحرص، وألا نعلق آمالًا كبيرة عليها دون إجراء العديد من الخطوات التأكيدية.
أمل لمرضى باركنسون
كشفت دراسة طبية حديثة عن تأثير مركب موجود في الأعشاب والفاكهة، يساعد في الوقاية من مرض باركنسون، ووفق الدراسة التي نشرت نتائجها في مجلة Science Translational Medicine، فإن مركب الـ"فارنيسول"، قد أوقف تلف خلايا الدماغ التي تنتج "الدوبامين" لدى فئران خضعت للتجربة، و"الفارنيسول" مركب يلعب دورا مهما في تشكيل ستيرويدات منشطة، مهمة للبناء العضوي الطبيعي.
ويعطّل "الفارنيسول" عمل البروتين الرئيسي المسؤول عن تطور مرض باركنسون، وهو PARIS، حسبما نقلت وكالة "يو بي آي" للأنباء، وبحسب المؤلف المشارك في الدراسة، ومدير معهد جونز هوبكنز لهندسة الخلايا، تيد داوسون، فإن هذا الاكتشاف سيساهم في تطوير علاجات جديدة مصممة لاستهداف البروتين المسؤول عن مرض باركنسون.
ووفق داوسون فإن تراكم البروتين PARIS، يبطئ إنتاج البروتين الوقائي PGC-1alpha، والذي يحمي خلايا الدماغ من إتلاف جزيئات الأوكسجين المتراكمة، وبدون PGC-1alpha، تموت خلايا الدماغ، مما يؤدي إلى ظهور التغيرات المعرفية والجسدية المرتبطة بمرض باركنسون.
ورغم وجود "الفارنيسول" بشكل طبيعي في الفاكهة وعدد من الأعشاب العطرية، إلا أنه من غير الواضح مقدار المركب الذي يحصل عليه الناس من خلال نظامهم الغذائي، والمقدار الواجب توفيره للوقاية من باركنسون.
الأشعة تحت الحمراء
فيما يعتبر أمل جديد يمكن أن يخفف من أعراض المرض الذي لم يتوفر له علاج حتى يومنا هذا، انطلقت تجربة سريرية في فرنسا لمساعدة المصابين بمرض باركنسون العصبي. فما الدور الذي يمكن للأشعة تحت الحمراء أن تلعبه؟
بعد نجاح أول عملية لزراعة جهاز يُصدر في الدماغ ضوءاً قريباً من الأشعة تحت الحمراء، انطلقت في فرنسا تجربة سريرية تهدف إلى إبطاء تقدم مرض باركنسون لدى المصابين به، وأوضح كل من مستشفى غرونوبل الجامعي بجنوب شرق فرنسا ولجنة الطاقة الذرية الفرنسية، في بيان صادر عن المؤسستين، أن هذا النهج العلاجي الجديد الذي تم التأكد مخبرياً من فاعليته على الحيوانات "يمكن أن يبطئ فقدان الوظائف الحركية لدى المرضى" المصابين بمرض باركنسون، ويعد مرض باركنسون حالة "تنكس عصبي" يصيب أكثر من 6,5 ملايين شخص في كل أنحاء العالم ولا يتوافر أي علاج له. إلا أن "التحفيز الدماغي العميق" بواسطة قطب كهربائي في الدماغ يمكن أن يخفف بشكل كبير من الأعراض، بيد أنه لا يؤدي إلى إبطاء التنكس العصبي بسبب المرض.
أما التكنولوجيا الجديدة التي تم التوصل إليها منذ سنوات على المستوى التجريبي،فتتمثل في "إنتاج ضوء قريب من الأشعة تحت الحمراء بالقرب من المنطقة التي تعاني التدهور في الدماغ"، على حد وصف جراح الأعصاب والأستاذ بجامعة غرونوبل -الألب ستيفان شابارديس، وأضاف شابارديس: "لدى الفئران والجرذان والقردة، ثبت أن لهذه الأشعة تحت الحمراء آثاراً كبيرة على إبطاء موت الخلايا العصبية ذات الصلة المرض".
وتبنت لجنة الطاقة الذرية الفرنسية بالتعاون مع جامعة غرونوبل-الألب والمستشفى التابعة لها وشركة بوسطن ساينتفيك المتخصصة في صناعة الأجهزة الطبية مسباراً بمجرد زراعته في الدماغ البشري يكون قادرأً على إصدار الأشعة تحت الحمراء من دون آثار مؤذية، وأوضح شابارديس أنه خلافاً للتحفيز الدماغي العميق الذي يصدر شحنة كهربائية، تستهدف الإضاءة القريبة من الأشعة تحت الحمراء "المادة السوداء في الدماغ التي تعد موقع تنكس الخلايا العصبية المسؤولة عن أعراض المرض". ومن خلال إضاءة المادة المظلمة، يعمل الضوء المتجه نحو الخلايا المصابة كأنه يعيد لها الطاقة.
وفي شهر آذار/مارس الماضي، أجرى شابارديس "بنجاح" عملية جراحية لزرع المسبار لسيدة مصابة بمرض باركنسون، كانت قد انضمت إلى التجربة السريرية. ويسعى فريق البحث إلى إشراك 14 مريضاً أخرا في التجربة ضمن بروتوكول طبي يستمر لأربع سنوات.
اضف تعليق