هناك جملة من الأسباب يمكن أن تفسّر الى حد كبير هذا التباين الحاصل في معدلات الوفاة عند الإصابة بهذا الوباء وأهمها: أولا، المسح الصحي للوباء: بعض البلدان تجري مسحا روتينيا عاما على مواطنيها للتحري عن حالات الإصابة فتكتشفها بين الناس الذين لا يشكون من أعراض...
تباينت النسب في معدلات الوفيات جراء الإصابة بوباء كورونا الجديد" كوفيد19" بين بلدان العالم بشكل مثير للإنتباه، مما يدعو للبحث والإستبيان. فلو تفحصنا نسب الوفاة الناتجة عن الإصابة بكوفيد19 والمعلنة في بعض بلدان العالم لوجدناها كما يلي: نسبة عدد الوفيات الناتجة عن الإصابة بكوفيد19 في إيطاليا هي: 9.5 بالمائة من مجمل عدد الإصابات المعلنة، وفي إيران: 7.8 بالمائة، وفي أسبانيا: 6.8 بالمائة، وفي الصين: 4 بالمائة، بينما في ألمانيا 0.4 بالمائة. أي ان الفروقات شاسعة بين النسب الكبرى والصغرى للوفيات والتي تنم عن وجود أسباب لابد التحري عنها.
هناك جملة من الأسباب يمكن أن تفسّر الى حد كبير هذا التباين الحاصل في معدلات الوفاة عند الإصابة بهذا الوباء وأهمها: أولا، المسح الصحي للوباء: بعض البلدان تجري مسحا روتينيا عاما على مواطنيها للتحري عن حالات الإصابة فتكتشفها بين الناس الذين لا يشكون من أعراض مرضية مطلقا من جهة، وبين من يشكون من أعراض بسيطة للمرض لا تجعلهم يستشيرون أطباءهم أو الذين يشكون من أعراض أولية لبدايات المرض من جهة أخرى.
هذا المسح الصحي الإستشرافي تقوم به بعض الدول التي تتوفر الإمكانيات التقنية لديها حيث تجري ألمانيا، على سبيل المثال وليس الحصر، ما يقرب من 160 ألف فحص تحري عن الفايروس على مواطنيها كل أسبوع. على هذا الأساس يكون العدد المعلن للوفيات في ألمانيا متطابق الى حد كبير مع العدد الحقيقي للإصابات. بينما على الطرف النقيض من ذلك نجد من البلدان ما ليس لها قابلية إجراء مسح صحي عام على مواطنيها كما هو الحال في إيطاليا وأسبانيا وإيران، وذلك لعدم توفر مادة الفحص الكافية من جهة، ولزيادة عدد الإصابات وعدد المرضى عندها من جهة أخرى.
أعداد الإصابات المتوافدة على المستشفيات في هذه البلدان تستنزف قابلية إجراء مسوحات صحيّة عامة للمواطنين الآخرين، وهذا ما يجعل عدد الإصابات المعلنة معتمدة على ما تفحصه المستشفيات من مرضى ومراجعين مشتبه بهم. لهذا تكون نسبة الوفيات في ألمانيا متناسبة مع العدد الكلي للإصابات الحقيقيّة وتضم من أصابهم الوباء سواء أكانوا حاملين للفايروس دون أعراض أو من لهم أعراض بسيطة، إضافة الى المرضى الذين يشكون من اعراض محسوسة وقوية. أما نسبة عدد الوفيات في إيطاليا فتكون محسوبة على أساس عدد المرضى الذين يراجعون المستشفيات ويتم فحصهم دون غيرهم، وهذا لا يعطي النسبة الواقعية لحالات الوفاة مقارنة بالعدد الحقيقي للإصابات. التقارير الأولية الواردة عن عدد حالات الإصابة الحقيقية في إيطاليا تشير الى أنها أكبر بأضعاف مضاعفة قد تصل الى عشرة أضعاف العدد المعلن رسميّا، وهذا دون شك يرفع النسبة المئوية لعدد الوفيات لأنها متناسبة مع عدد الإصابات المعلنة وليس مع العدد الحقيقي للإصابات!.
العامل الثاني الذي يفسر إختلافات النسب بحالات الوفاة هو: توفر العناية الطبية الضرورية. دون شك هناك تباين في مستويات العناية الطبية الموجهة لهذا الوباء بين بلدان العالم، والإختلافات بهذا المجال ليست ضروريّا أن تكون بسبب التباين بالمستوى الطبي والتقني أو بتوفر الكادر الطبي المختص فقط. إنما قد تكون هناك أسباب أخرى تحددها كثافة زحمة أعداد المرضى ودرجات شدة المرض الحاصل عندهم جراء هذا الوباء.
الإزدحام الحاصل في مستشفيات إيطاليا وأسبانيا وإيران بسبب كثافة أعداد المرضى أدى ويؤدي الى شحة او عدم كفاية في أدوات علاج المرض من جهة والى ضغوط الطلبات المكثفة على الكادر الطبي الذي يجب أن يقاسم بدوره جهده على أعداد المرضى المتزايدين بإضطراد. أعداد المرضى في بؤر الوباء في تزايد مستمر والإمكانيات الطبية قد أصبحت لا تتوازن مع نداءات الطلب. النقص بالكوادر الطبية وشحة الاسرّة الفارغة في غرف الإنعاش، والطلب المتزايد على أجهزة التنفس والأوكسجين وأجهزة غسل الكلى، إضافة الى شحة عدد الكمامات الطبية الوقائية ومعدات الوقاية الأخرى، كلها لعبت دون شك أدوارا هامة في عدم تعافى المرضى بسهولة أو حتى موتهم.
العامل الثالث هو: عمر المصابين، من خلال تراكم المعرفة عن مجريات الوباء وخصوصياته تبين أن بلدان العالم قد لا تشترك بكل الصفات التي عرفناها عن هذا الوباء في بعض التفاصيل. فرغم أن النسبة الكبيرة من المرضى الذين يشكون من أعراض خطيرة بهذا الوباء تكون عادة ضمن كبار السن وذلك لكونهم لا يمتلكون المقاومة الكافية للتصدي لهذا الوباء، فإن الإحصائيات الأخيرة بينت إختلافات ملموسة قد حصلت على هذا النحو في بعض البلدان. ففي ألمانيا مثلا بينت التقارير الصحية الواردة أن عدد الإصابات بين الشباب ومتوسطي العمر أكثر منه بين كبار السن، وأن عدد الإصابات عند النساء اللواتي تتراوح أعمارهن أقل من 45 سنة أكثر في بلجيكا مما عليه الحال في بلدان أخرى!.
هذه التباينات في مجرى الإصابة حسب فصائل العمر المختلفة تلعب دورا هاما في تقليل أو زيادة عدد الوفيات، حيث أن الشباب ومن هم في عمر ما قبل الكهولة يستطيعون مقاومة المرض أكثر من كبار السن، وهكذا فالمنافسة على غرف الإنعاش تكون على ضوء ذلك أقل في البلدان التي يكون فيها عدد المصابين أكبر لدى من هم في مقتبل العمر وما قبل الكهولة نسبة لكبار السن. هذه الحقيقة قد خففت الزحمة على المستشفيات في ألمانيا وعلى غرف الإنعاش فيها أي على عكس الحالة المرصودة في كل من أسبانيا وإيطاليا اللتين نسبة الإصابات فيهما كبيرة في الأعمار المتقدمة.
في المحصلة كانت النتائج تشير الى أن عدد الوفيات في هذين البلدين أكبر مما عليه الحالة في المانيا، لأن شدة المرض عند كبار السن تكون أقسى وأخطر مما عليه الحال عند غيرهم، وبالمقابل فوفرة العناية المركزة في مراكز العلاج بسبب قلة الحاجة لها وقلة الضغط عليها في المانيا زاد من فرص شفاء المرضى عندها.
العامل الرابع هو: غبش الشفافية، بعض السلطات الصحيّة في بعض البلدان تعمدت في البداية إخفاء العدد الكلي للإصابات الحقيقية بهذا الوباء، ربما لأغراض إقتصادية أو سياحيّة أو نفسيّة حيث لا تريد خلق حالة من الرعب في نفوس مواطنيها، أو ربما لأسباب أخرى. التناقض الحاصل في إعلاناتها اليومية عن سيرة الوباء تبين تناقض واضح بين عدد الوفيات وعدد الإصابات حيث لا تلتقي النسب مع المدى الطبيعي الذي نسمع عنه! فمعدل نسبة الوفيات الى عدد الإصابات الكلي يتراوح بين 2-4 بالمائة عالميا، لكن حينما تكون نسبة الوفيات المعلنة أكثر من 10 بالمائة من عدد الإصابات الكلي هنا النتائج تثير الشك والتعجب!.
رغم أن وباء كوفيد19 إتسم بأنه وباءا مجتمعيّا بإمتياز أي أنه ينتقل بواسطة أفراد المجتمع وينتشر بجهل المجتمع ويقضى عليه بوعي المجتمع، فقد تباينت فيه الرؤى والسياسات والأفكار والنزعات، مما أضاف ثروة معلوماتية عن كيفية التعامل معه أو مع غيره في قابل السنين والأزمان. سياسات الدول لعبت دورا أساسيّا في طبيعة إنتشار هذا الوباء، فديمقراطية التعامل مع الوباء أثبتت فشلها ودكتاتورية التعامل معه أثبتت نجاحها!
روح التماهل والتساهل التي إتسمت بها سياسات الغرب إزاء هذا الوباء عجلت من سرعة إنتشاره، حيث أن الحزم المطلوب في التصدي للأوبئة، وكما جاءت به كتب الطب والبحوث الوبائية، لم يكن مطروحا على الطاولة في بداية الأمر عندهم، حتى توغل تسونامي الوباء وأصبح كل شيء متأخرا بعده! دكتاتورية الصين كانت أنجع في تعاملها مع وباء جديد لم يعرف به أحد من قبل، فإكتشفته وشخصته وسيطرت عليه وحمت مواطنيها منه بفترة تكاد تكون سريعة، غير أنه رغم إكتشاف الوباء من قبل، أساءت بعض الدول التصرف في التحفظ منه!.
رأسمالية التعامل المتطرفة مع الوباء فشلت أيضا في تعاملها معه، وإنسانية تعامل البعض مع الوباء أتت أكلها. حينما بدأ الوباء يطرق أبواب الغرب بثت وسائل إعلام السلطات الصحية عند بعض الدول أخبارا مغلوطة تطمئن الناس في ساحات الوهم. نشروا معلومات خاطئة مفادها أن الوباء ليس أخطر من الإنفلونزا الموسمية فلا داعي للإكتراث أو الخوف، ثم تركوا أبوابهم مفتوحة مع بؤر الوباء ولم يمنعوا مواطنيهم من السفر والسياحة لها. تركوا المدارس والجامعات وأماكن اللقاءات المزدحمة مفتوحة أبوابها أمام الجميع حتى وقت متأخر، مما سرّع بإنتشار الوباء. فوق هذا وذاك، فهم لم يتهيؤا فعليّا لصد الوباء والتحضير له ولمضاعفاته، دون التحسب لدقات نواقيس الخطر.
كان وراء هذه التصرفات نزعات إقتصادية سياسيّة متطرفة أفرزها ثقل كفة المتطرفين بآرائهم ونزعاتهم من السياسيين الجدد الذين سيطروا أو على الأقل ثقل وزنهم في إدارة دفات الحكم في غالبية البلدان الغربية، ومن يتطرف بآرائه السياسيّة قد يتطرف بنواياه الإنسانية الغريبة أيضا والثمن المدفوع عندها يكون غاليا!.
اضف تعليق