البرازيل دولة كبيرة بنفوسها، وهي تعاني من مشكلات اقتصادية، وينتشر فيها الفقر، ويوجد فيها ظاهرة التسول واضحة، ولكنها في العقد الأخير كما تقول منظمات مستقلة بدأت تخطو في الاتجاه الصحيح فيما يخص تحسين الاقتصاد والارتقاء بحياة الفقراء، والسبب كما هو متوقع ومعروف حالات الفساد التي تشوب صفقات اقتصادية تتعلق بالنفط، فقد وجه الرئيس البرازيلي السابق لويس ايناسيو لولا دا سيلفا المتهم بدوره بالفساد تحذيرا مذهلا من ان مكافحة هذه الافة التي تقع في صلب زلزال سياسي يهز البلاد قد تضر بالاقتصاد بسبب شلل الشركات المتهمة.
ومن المثير للجدل حقا أن تصبح خطوات مكافحة الفساد حالة مضادة لتطور الدولة، والسبب كما يقول بعض المسؤولين ان العقوبات التي ستطول الشركات المتهمة بالفساد سوف يعيق النمو ويتسبب بالبطالة وخسارة الدولة في حالة معاقبة هذه الشركات بالاغلاق، وقد اقر لولا دا سيفا الذي ترأس البرازيل من 2003 الى 2010 بان "هذه المعركة ضد الفساد ضرورية للبلاد"، قبل ان يتساءل "ان كان ممكنا محاربة الفساد بدون اقفال شركات (...) او التسبب بالبطالة".
فيما يرى مسؤولون أن المعركة ضد الفساد ينبغي أن تستمر، وأن تحتل درجة قصوى من الاهتمام الحكومي والقضائي واعتبر اوليفيرا "ان المعركة ضد الفساد اولوية، لكن يمكن التخفيف من انعكاساتها" على سبيل المثال من خلال عقد "اتفاقات +تساهل+ مع الشركات المتهمة تسمح بمعاقبة المسؤولين لكن من دون ابعاد المجموعات عن استدراجات العروض العامة". والاهم من ذلك يتمثل برايه في وجوب "تحسين الحوكمة" داخل الشركات أكانت العامة او الخاصة كي "لا يتكرر" حدوث مثل هذه الفضيحة.
وعلى الرغم من عدم اتهام الرئيسى ديلما بصورة مباشرة بالفساد، إلا أن هناك تلميح من المعارضين الى هذا الأمر، فديلما روسيف ليست مستهدفة بشكل مباشر في فضيحة الفساد التي تطال شركة بتروبراس وتهز حزبها وكذلك حزب الحركة الديموقراطية البرازيلية. لكن المعارضة تتهمها بالتلاعب بحسابات الدولة لاخفاء حجم العجز العام في 2014 سنة اعادة انتخابها، ثم في 2015. وقد ارتكبت بذلك "جريمة مرتبطة بالمسؤولية" الادارية حسب الدستور. وردا على هذا الاتهام، تقول روسيف ان كل الرؤساء السابقين فعلوا ذلك، وتدين الاجراءات التي "لا اساس قانونيا لها" وتخفي "محاولة انقلابية" على المؤسسات.
ويرى البعض أن تعريض روسيف للمعاقبة والاقصاء من السلطة يعد تجاوزا على الدستور، ويؤكد مؤيدوها أنها خطوة واضحة لاقصائها مع حزبها من السلطة، فقد استنفر الرئيس البرازيلي السابق لويس ايناسيو لولا دا سيلفا النقابات لمواجهة "الانقلاب" الدستوري الذي يستهدف كما يقول اليسار الحاكم الرئيسة ديلما روسيف المهددة بالاقالة في البرلمان. وفي حضور مئات النقابيين الذين يدافعون عن قضية حزب العمال الحاكم، قال دا سيلفا رمز اليسار البرازيلي، خلال لقاء عقد تحت شعار "دفاعا عن الديموقراطية" في ساو باولو، ان "هذا البلد لا يستطيع ان يقبل بالانقلاب".
ان فضيحة الفساد في اكبر شركة نفطية بالبرازيل تخدد بأزمة سياسية كبيرة، ولا تزال الامور تتأرجح بين مواصلة مكافحة الفساد وبين الاضرار التي تتسبب بها مثل هذه الاجراءات كغلق الشركات الكبرى، لذا يقترح خبراء حلولا وسطى، منها تعريض الشركات لعقوبات لا تصل الى حد الغلق والايقاف حتى لا يتعرض العمال لفقدان عملهم، فضلا عن توقف الانتاج. علما ان البرازيل تواجه ركودا اقتصاديا، على الرغم من انها توصف بالبلد العملاق الناشىء في اميركا اللاتينية، حيث يعاني اليوم من ازمة سياسية تاريخية زادت من حدتها فضيحة الفساد المدوية في شركة النفط الرسمية بتروبراس.
أضرار مكافحة الفساد في البرازيل؟
من جهته وجه الرئيس البرازيلي السابق لويس ايناسيو لولا دا سيلفا المتهم بدوره بالفساد تحذيرا مذهلا من ان مكافحة هذه الافة التي تقع في صلب زلزال سياسي يهز البلاد قد تضر بالاقتصاد بسبب شلل الشركات المتهمة. واقر لولا دا سيفا الذي ترأس البرازيل من 2003 الى 2010 بان "هذه المعركة ضد الفساد ضرورية للبلاد"، قبل ان يتساءل "ان كان ممكنا محاربة الفساد بدون اقفال شركات (...) او التسبب بالبطالة".
وبمعزل عن التهكم الظاهر في تصريحاته التي ادلى بها اثناء لقاء مع نقابات في ساو باولو، يدور جدل حول هذه المسألة في اوساط خبراء الاقتصاد والمحللين. ولتبرير موقفه لم يتردد العامل السابق في التعدين والزعيم النقابي في الاستشهاد بتقرير لصندوق النقد الدولي. وقال انه بسبب ما تثيره فضيحة الفساد المدوية حول مجموعة بتروبراس النفطية التابعة للدولة من "ذعر في المجتمع البرازيلي"، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته بشأن الانكماش في البرازيل البلد العملاق الناشىء هذه السنة 2,5 نقطة مئوية، ليصل الى -3,5% مقابل -3,8% في 2015.
واضاف الرئيس السابق وسط تصفيق النقابيين الذين قلما يهللون لما يصدر عن صندوق النقد الدولي محذرا "عندما ينتهي كل ذلك، يمكن ان يصبح كثيرون من الناس في السجن، لكن يمكن ايضا ان يكون هناك ملايين العاطلين عن العمل".
وتحت تأثير الازمة الاقتصادية بلغ معدل البطالة في شباط/فبراير 8,2% من فئة السكان العاملين، وهي اعلى نسبة منذ 2009 في هذه الفترة من السنة. ومع خفض التوقعات لشهر كانون الثاني/يناير يعزو كبير خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي موريس اوبتفيلد السبب الى "الوضع السياسي" مع تبعات فضيحة بتروبراس التي لحقت ايضا بسيلفا دي لولا نفسه، والتهديد بعزل الرئيسة ديلما روسيف بتهمة التلاعب بالحسابات العامة.
ولفت الى ان هذا الوضع تسبب ب"انعدام الثقة على غرار التدهور المستمر للاوضاع المالية". ففي بلد بات في قلب عاصفة سياسية قضائية لم تمر تصريحات لولا دا سيلفا بدون ردود افعال.
فقد رد رئيس اتحاد القضاة الفدراليين في البرازيل انطونيو سيزار بوشنيك بالقول ان "عملية (تفكيك شبكة بتروبراس) لم ينجم عنها اي ضرر (...) بل سمحت باستعادة اكثر من ثلاثة مليارات ريال (حوالى 800 مليون دولار)" وايضا ممتلكات ومبان. وشدد بوشنيك كما نقلت عنه صحيفة او استادو الصادرة في ساو باولو على "ان الفساد الذي يزيد من تفاقمه الافلات من العقاب هو الذي يسبب اضرارا كبيرة على الاقتصاد". لكن بالنسبة لجيسنر اوليفيرا برفسور الاقتصاد في مؤسسة جيتوليو فارغاس في ساو باولو فانه لا يمكن انكار ان محاربة الفساد تنطوي على "تكلفات وارباح" حتى وان كان من الممكن التخفيف من الاولى. وكشف التحقيق شبكة ضخمة من الرشاوى دفعتها مجموعات بناء الى بتروبراس وسياسيين لانتزاع استدراجات عروض.
وصدرت احكام في هذه القضية شملت كوادر من بتروبراس ورؤساء مجموعات عملاقة في قطاع بناء امثال مارسيلو اودربريشت رئيس مجموعة تحمل الاسم نفسه الذي حكم عليه بالسجن ل19 سنة وستة اشهر. والنتيجة براي اوليفيرا هي "ان النظام المصرفي قطع اعتمادات للشركات المتورطة وجميع تلك المرتبطة بالاشغال العامة". وافاد مكتب الاستشارات او جي اسوسيادوس الذي ينتمي اليه ايضا اوليفيرا ان مكافحة الفساد تكلف نحو "3,6 نقاط مئوية من اجمالي الناتج الداخلي" للبرازيل. وعلقت بتروبراس حتى نهاية العام دفع التكلفات الاضافية في هذه الاشغال بسبب شبهات بالفساد، ما يترك في الشارع 12 الف عامل بحسب مجلة ايستوي فيما اضطرت مصانع اسمنت كبرى الى تعليق بعض المشاريع بسبب الضيق المالي.
واعتبر اوليفيرا "ان المعركة ضد الفساد اولوية، لكن يمكن التخفيف من انعكاساتها" على سبيل المثال من خلال عقد "اتفاقات +تساهل+ مع الشركات المتهمة تسمح بمعاقبة المسؤولين لكن من دون ابعاد المجموعات عن استدراجات العروض العامة". والاهم من ذلك يتمثل برايه في وجوب "تحسين الحوكمة" داخل الشركات أكانت العامة او الخاصة كي "لا يتكرر" حدوث مثل هذه الفضيحة بحسب فرانس برس.
جدل في البرازيل بشأن التحقيق حول الفساد
في السياق نفسه اثار الرئيس البرازيلي السابق ايناسيو لولا دا سيلفا ردودا غاضبة بعد قوله ان التحقيق في فضيحة الفساد في شركة بتروبراس النفطية يشل قطاعات حيوية في الاقتصاد البرازيلي مثل النفط والبناء. واعتبر كثيرون ان تصريحات لولا محاولة لصرف انتباه الرأي العام عن التحقيق الجاري منذ سنتين بعد ان استجوبته الشرطة. ولكن المسألة التي اثارها مستشهدا بصندوق النقد الدولي هي محور نقاش متصاعد بين المحللين والاقتصاديين. واضاف "وفقا لصندوق النقد الدولي، فان الهلع الذي اصيب به المجتمع البرازيلي مسؤول عن انكماش الاقتصاد بنسبة 2,5 بالمئة". وقال "عندما ينتهي كل هذا قد يكون عدد كبير من الناس وراء القضبان، ولكن قد يكون الملايين بلا عمل كذلك".
وتوقع صندوق النقد الدولي تراجع الاقتصاد البرازيلي بمعدل 3,5% هذه السنة، اي 2,5 نقطة اضافية عن التوقعات السابقة. بعد ان تراجع 3,8% في سنة 2015. وقالت شركة "غو اسوسيادس" الاستشارية ان التحقيق في الفساد ساهم في خفض اجمالي الناتج الداخلي في البرازيل بنحو 3,6% مع الاخذ في الاعتبار التأثيرات المباشرة وغير المباشرة وكذلك مداخيل مئات الاف الموظفين. وعزا موريس اوبستفلد كبير اقتصاديي صندوق النقد الدولي تراجع الاداء الاقتصادي الى "الاجواء السياسية" مع "بدء اجراءات عزل (الرئيسة ديلما روسيف) وتوسيع نطاق الاتهامات المتعلقة بالفساد". وقال ان "هذه العوامل قوضت الثقة مثل التدهور المستمر في المالية العامة".
لكن الردود جاءت سريعة على تصريحات لولا، اذ قال رئيس الجمعية الفدرالية للقضاة انتونيو سيزار بوشنيك ان التحقيق حول الفساد "لم يسبب اي ضرر واتاح استعادة ثلاثة مليارات ريال (800 مليون دولار) وبضائع وممتلكات". واضاف بوشنيك لصحيفة "استادو دو ساو باولو" ان "الافلات من العقاب يفاقم الفساد والفساد يسبب اضرارا كبيرة للاقتصاد". وقال رئيس الجمعية الوطنية لمدعي الجمهورية جوزيه كافالكانتي ان الرئيس السابق "لولا لا يخدم نفسه بمثل هذه التصريحات لانه كان مسؤولا عن تسيير شؤون البلاد ويعرف تماما بان الوضع الاقتصادي يتأتى من السياسة الاقتصادية وليس من اي تحقيق".
وتعيش البرازيل في ازمة خانقة منذ توجيه اتهامات الى شركات بناء بالتواطؤ لتضخيم الفواتير المقدمة الى شركة بتروبراس النفطية العملاقة بمليارات الدولارات عبر رشوة مسؤولين وسياسيين فاسدين مقابل غض النظر عنها. وصدرت ادانات ووجهت اتهامات الى نحو مئة شخص من مسؤولي بتروبراس ومالكي كبار شركات البناء. ومنذ ذلك الحين قال الشريك في "غو اسوسيادوس" الاستشارية جيسنر اوليفيرا "توقفت المصارف عن اعطاء الديون للشركات المتورطة ولشركات اخرى على صلة بالقضية".
وذكرت مجلة "ايستو اي" في عدد كانون الثاني/يناير ان بتروبراس توقفت عن تسديد الفواتير لمشروعات يشتبه بانها على صلة بقضية الفساد وان ذلك اضر بنحو 12 الفا من مشغلي مصافي وسفن النفط. وهكذا توقف أو تأخر تسليم عدد من المشاريع الرئيسية. ولكن اوليفيرا قال ان هذا ليس سببا للتساهل مع الفساد. واضاف اوليفيرا وهو كذلك الرئيس السابق للمجلس الاداري للدفاع الاقتصادي ان "محاربة الارهاب هي اولوية ولكن تأثير ذلك قد يكون متفاوتا".
واقترحت شركته الاستشارية معاقبة الشركات الفاسدة من دون حرمانها المشاركة في المناقصات العامة. وقال "الاهم هو تحسين الاشراف على القطاعين العام والخاص على السواء لضمان عدم تكرار مثل هذه الاختلاسات مجددا" بحسب فرانس برس.
اليسار يتظاهر في البرازيل
في سياق مقارب نزل اليسار البرازيلي رافعا الاعلام الحمراء الى الشوارع للتظاهر ضد اجراءات لاقالة الرئيسة ديلما روسيف التي تواجه خطرا كبيرا بعد انتقال الوسطيين الذين كانوا يشكلون دعامة ائتلافها الحاكم الى المعارضة. وتظاهرت حشود من مؤيدي حزب العمال الحاكم "دفاعا عن الديموقراطية" تحت شعار "لن يحدث انقلاب". وشارك في التظاهرات التي جرت في حوالى ثلاثين مدينة ونظمت رمزيا في يوم الذكرى الثانية والخمسين للانقلاب العسكري الذي جرى في 1964 في البرازيل، 149 الف شخص حسب الشرطة و728 الفا حسب المنظمين وفق تقديرات غير كاملة جمعها الموقع الالكتروني الاخباري جي1. ويأمل اليسار البرازيلي بان تساهم هذه التعبئة في التاثير على النواب الذين ما زالوا مترددين في التصويت لاقالة الرئيسة اليسارية او ضدها خلال اقتراع حاسم يفترض ان يجرى في منتصف نيسان/ابريل.
وفي نهاية المطاف، لم يظهر الرئيس السابق ايناسيو لولا دا سيلفا (2003-2010) سلف روسيف وراعيها السياسي، في التظاهرة التي جرت في العاصمة برازيليا وشارك فيها حوالى خمسين الف شخص امام مجلس النواب. لكنه عبر عن ارتياحه لهذه التعبئة. وقال في تسجيل فيديو وضع على مواقع التواصل الاجتماعي "انني واثق ان هذه الطاقة الجديدة التي تخرج من قلب البرازيل ستعطي الدفع اللازم للبرازيل لدحر الازمة والعودة الى طريق التنمية" هاتفا "تحيا الحرية! تحيا الديموقراطية!".
لكن الرئيس السابق الذي يشتبه بتورطه في فضيحة الفساد التي تطاول شركة النفط الوطنية بتروبراس حقق انتصارا في مواجهته مع القاضي سيرجيو مورو. فقد سحبت المحكمة الفدرالية العليا، على الاقل موقتا، من هذا القاضي المكلف مكافحة الفساد الشق المتعلق بلولا في الملف لانه يحوي عمليات تنصت هاتفية تشمل روسيف ووزراء تحميهم حصانتهم من القضاء العادي.
ويبذل معسكر روسيف جهودا كبرى على كل الجبهات من الشارع الى البرلمان لافشال ما تعتبره الرئيسة"محاولة انقلابية مؤسساتية". وكان خطر اقالة هذه المناضلة السابقة التي تعرضت للتعذيب في عهد الحكم العسكري السابق، ازداد بشكل كبير مع انسحاب حليفها الوسطي، حزب الحركة الديموقراطية البرازيلية، من الائتلاف الحكومي.
ويقود هذا الحزب نائب الرئيسة ميشال تامر الذي يمكن ان يتولى الرئاسة خلفا لروسيف حتى انتخابات 2018 اذا نجحت اجراءات الاقالة. وديلما روسيف ليست مستهدفة بشكل مباشر في فضيحة الفساد التي تطال شركة بتروبراس وتهز حزبها وكذلك حزب الحركة الديموقراطية البرازيلية. لكن المعارضة تتهمها بالتلاعب بحسابات الدولة لاخفاء حجم العجز العام في 2014، سنة اعادة انتخابها، ثم في 2015. وقد ارتكبت بذلك "جريمة مرتبطة بالمسؤولية" الادارية حسب الدستور.
وقالت روسيف خلال زيارة فنانين لمقر الرئاسة للتعبير عن دعمهم لها "كان يجدر اقالة كل الحكومات السابقة بدون استثناء، لانها قامت كلها بالامر نفسه". وسعى وزير الميزانية نلسون باربوزا الى اقناع اللجنة الخاصة للاقالة بان هذه الاجراءات المالية ليست مخالفة للقانون. لكن الجزء الاكبر من التحركات يجري في كواليس البرلمان حيث يقوم كل معسكر في هذا البلد المنقسم بشدة بمحاولات حثيثة لاقناع كل نائب على حدة بموقفه قبل التصويت المقرر في منتصف نيسان/ابريل. ويفترض ان تحصل المعارضة اليمينية على تأييد 342 نائبا من اصل 531 - اي ثلثي النواب - لاتهام روسيف امام مجلس الشيوخ الذي يعود القرار الاخير اليه.
ويعول المعسكر الرئاسي على النواب الموالين للتحالف الذي يقوده حزب العمال وكذلك على الممتنعين عن التصويت، لمنع مؤيدي اقالة الرئيسة من جمع الاصوات اللازمة. اما الطريقة فهي اغراء احزاب "الوسط الكبير" التي ما زالت مترددة، بحوالى 600 منصب كان حزب الحركة الديموقراطية يشغلها حتى انسحابه. كما يمكن لمعسكر الرئاسة تقديم وزارة السياحة بعد استقالة انريكي الفيس الاثنين الى جانب ست وزارات اخرى يتولاها اعضاء في الحركة الديموقراطية البرازيلية. وهناك ايضا وزارة الرياضة التي يطمح اليها كثيرون قبل اربعة اشهر من دورة الالعاب الاولمبية التي ستجري في ريو دي جانيرو من 5 الى 21 آب/اغسطس، بعد رحيل جورج هيلتون الذي غادر حزبه الحزب الجمهوري الائتلاف الحكومي بحسب فرانس برس.
وقال جاك واغنر مدير مكتب روسيف ان هذه المشاورات يمكن ان تفضي الى تعديل حكومي. اما المعارضة اليمينية فتلوح بمناصب حكومة انتقالية مقبلة بقيادة تامر لتحكم البلاد حتى الانتخابات المقررة في 2018.
الرئيسة البرازيلية تسابق الزمن لتجنب اقالتها
من جهتها تبدأ الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف سباقا يائسا ضد الزمن بعد انهيار تحالفها الحكومي لمحاولة الاحتفاظ باصوات ثلث النواب على الاقل التي ستسمح لها بالافلات من اجراءات اقالة مذلة. وسيكون على روسيف التي اضعفت الى حد كبير غداة انسحاب حليفها الرئيسي حزب الحركة الديموقراطية البرازيلية (وسط) الذي يقوده نائبها ميشال تامر، اقناع 172 من نواب البرلمان البالغ عددهم 513 - اي اكثر من الثلث - بالتصويت ضد اقالتها في نيسان/ابريل.
وفي حال لم تنجح في تحقيق ذلك، ستتهم امام مجلس الشيوخ الذي يعود القرار الاخير اليه وقد يوافق على اقالتها نهائية اعتبارا من ايار/مايو، كما تقول المعارضة. ويشكل تخلي حزب الحركة الديموقراطية البرازيلية عن روسيف بالتأكيد ضربة قوية للرئيسة اليسارية. ومع ذلك قال مدير مكتبها جاك واغنر مساء الثلاثاء ان "هذا القرار يأتي في الوقت المناسب اذ انه يمنح الرئيسة ديلما الوقت لاعادة تشكيل حكومتها". واضاف ان "برنامج الحكومة الآن هو الحصول على اصوات في مجلس النواب وافضل طريقة لتحقيق ذلك هي توسيع قاعدة حلفائنا"، مشيرا الى ان تعديلا وزاريا قد يعلن الجمعة. وبعبارات اوضح، سيسعى المعسكر الرئاسي الى وقف النزيف داخل احزاب "الوسط الكبيرة" المترددة في تحالفها بان يقترح عليهم الوزارات التي اصبحت شاغرة بانسحاب حزب الحركة الديموقراطية و600 وظيفة كان يشغلها داخل الجهاز الحكومي. وبالعكس، تراهن المعارضة اليمينية على ان تحذو احزاب اخرى حذوها مما يسمح بتطور الوضع لمصلحتها، على غرار نائب الرئيسة ميشال تامر الذي لا يخفي طموحاته في تسريع سقوط الرئيسة ليحل محلها حتى الانتخابات المقبلة في 2018. وقال وليام غونسالفيس استاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية ريو دي جانيرو ان "الوضع السياسي للحكومة معقد جدا لان عليها اقناع كل نائب على حدة بالتصويت ضد الاقالة، وخروج حزب الحركة الديموقراطية البرازيلية من التحالف يمكن ان يدفع احزابا اخرى الى اتباع الطريق نفسه".
من جهته، قال مايكل معلم استاذ الحقوق في مؤسسة غيتوليو فارغاس في ريو دي جانيرو لوكالة فرانس برس ان مؤيدي الاقالة ومعارضيهما "يقومون باحتساب الاصوات والتفاوض حولها مقابل مناصب ووزارات". واضاف هذا المحلل ان "الحكومة لديها اليوم اصواتا كافية لتنجو لكنها على الحد تماما: بين 170 و190 واذا كنا متفائلين 200". وتابع ان "الوضع غير مستقر" وقد تجري الرياح السياسية ضد الرئيسة التي تواجه ازمة سياسية تاريخية وسط فضيحة فساد هائلة وانكماش اقتصادي قبل اربعة اشهر من الالعاب الاولمبية في ريو دي جانيرو.
وديلما روسيف ليست مستهدفة بشكل مباشر في فضيحة الفساد التي تطال شركة بتروبراس وتهز حزبها وكذلك حزب الحركة الديموقراطية البرازيلية. لكن المعارضة تتهمها بالتلاعب بحسابات الدولة لاخفاء حجم العجز العام في 2014 سنة اعادة انتخابها، ثم في 2015. وقد ارتكبت بذلك "جريمة مرتبطة بالمسؤولية" الادارية حسب الدستور. وردا على هذا الاتهام، تقول روسيف ان كل الرؤساء السابقين فعلوا ذلك، وتدين الاجراءات التي "لا اساس قانونيا لها" وتخفي "محاولة انقلابية" على المؤسسات.
وفي مؤشر الى خطورة الوضع، الغت روسيف رحلة الى الولايات المتحدة. وكانت ستشارك في القمة حول الامن النووي في واشنطن، وحل محلها فيها نائبها ميشال تامر.
لكنها فضلت البقاء في برازيليا حيث ستطلق مرحلة جديدة من برنامجها للسكن الاجتماعي "بيتي حياتي" المخصص للاكثر فقرا. وكانت شعبية روسيا تراجعت في 2015 الى مستوى تاريخي بلغ 10 بالمئة. وافاد آخر استطلاع للرأي ان 68 بالمئة من البرازيليين يريدون رحيلها. ودعا حزب العمال الحاكم منذ 13 عاما وجناحه النقابي اليسار الى التظاهر بكثافة الخميس "دفاعا عن الديموقراطية" وعن ديلما روسيف، على امل الضغط على النواب بحسب فرانس برس.
حلفاء رئيسة البرازيل يستعدون للتخلي عنها
من جهته دعا نائب الرئيسة البرازيلية ميشال تامر المسؤول في حزب الحركة الديموقراطية الى الانسحاب من حكومة الرئيسة ديلما روسيف أملا في تسريع سقوط الرئيسة اليسارية الامر الذي دفع وزير السياحة الى الاستقالة. وقد يكون يوما حاسما لمستقبل روسيف، اذ ان القيادة الوطنية لحزب الحركة الديموقراطية البرازيلية (وسط) الحليف الرئيسي في الحكومة المترنحة التي يقودها حزب العمال، ستجتمع في في برازيليا لاعلان هذا الانفصال رسميا.
وقال اوسمار تيرا النائب عن حزب الحركة الديموقراطية البرازيلية والعضو في القيادة الوطنية للحزب لوكالة فرانس برس "سيكون اجتماعا للخروج من الحكومة ووداعها. نتوقع التصويت باكثر من ثمانين بالمئة على الخروج". واوضح ناطق باسم تامر الذي يفترض ان يتولى الرئاسة خلفا لروسيف حتى الانتخابات العامة في 2018 اذا اقالها البرلمان، ان الحزب "سيحدد مهلة حتى 12 نيسان/ابريل لرحيل كل اعضاء حزب الحركة الديموقراطية البرازيلية الذين يشغلون مقاعد في الحكومة". وقد اعلن وزير السياحة انريكه الفيس استقالته معتبرا ان "كل طرق الحوار استنفدت".
وفي الاسابيع الاخيرة لم يدافع تامر (75 عاما) المحامي المعروف بتحفظه والحريص على الدستور عن الرئيسة المتورطة في ازمة سياسية كبرى مع اقتراب تصويت النواب على اقالتها.
وضاعفت ديلما روسيف التي تتهمها المعارضة بالتلاعب بالحسابات العامة واضعفتها فضيحة الفساد التي طالت شركة بتروبراس النفطية، الاثنين مشاوراتها مع سبعة وزراء من الحركة الديموقراطية البرازيلية لاقناعهم بالبقاء في الحكومة.
وحزب الحركة الديموقراطية البرازيلية هو اول قوة في البرلمان ويشغل 69 من اصل 513 مقعدا في مجلس النواب. وسيقلص انسحابه فرص بقاء روسيف في السلطة. وتحاول المعارضة اليمينية التي تحالفت معها غالبية حزب الحركة الديموقراطية الحصول على اصوات ثلثي النواب (اي 342 نائبا) العدد اللازم لاحالة اجراء اقالتها الى مجلس الشيوخ والا فشل. ويفترض ان يجري هذا التصويت في منتصف نيسان/ابريل.
وقال الرئيس السابق ايناسيو لولا دا سيلفا الذي توجه الى برازيليا لمحاولة لقاء تامر "يحزنني ان حزب الحركة الديموقراطية البرازيلية يريد مغادرة الحكومة". ويخشى المعسكر الرئاسي ان يحدث مع انسحاب الحركة الديموقراطية البرازيلية، تفكك لاحزاب الوسط المنقسمة والمترددة التي تفكر بدورها في الانفصال عن الرئيسة. وسيجتمع الحزب الشعبي (يمين الوسط، 49 نائبا ووزير واحد) ثالث حزب في البلاد الاربعاء كما قال احد برلمانييه جيرونيمو غورغن الذي قال ان "ثلاثين برلمانيا" سيؤيدون القطيعة.
وللحزب الاشتراكي الديموقراطي (يسار الوسط، 32 نائبا، وزير واحد) الموقف نفسه. وقال النائب هويلر كروفينيل "سنجتمع هذا الاسبوع لنقرر اذا كنا سنبقى في الحكومة ام لا" لكن "قسما كبيرا من النواب يعارضون الحكومة الحالية". وبما ان الانضباط البرلماني ضعيف جدا في البرازيل يمارس المعسكران ضغوطا في الكواليس على كل نائب على حدة. وجرت مواجهات كلامية في قاعة البرلمان الاثنين بينما كان رئيس نقابة المحامين في البرازيل يتقدم بطلب جديد لاقالة روسيف عبر اضافة اتهامات بمحاولة عرقلة التحقيق في فضيحة بتروبراس. وهتف انصار الحكومة "انقلابيون!" متوجهين الى المحامين الذين ردوا بترديد النشيد الوطني.
وتقول روسيف انها ضحية محاولة "انقلاب" مؤسساتي "غير شرعية" تقوم بها المعارضة تؤيدها في ذلك مجموعات الاعلام البرازيلية المهيمنة وقضاة مسيسيون. وتسارعت الازمة السياسية التي تهز البلد العملاق في امريكا اللاتينية الذي يشهد انكماشا اقتصاديا، فجأة في آذار/مارس. ونزل ملايين البرازيليين وهم خصوصا من الطبقة الوسطى البيضاء، للمطالبة برحيل روسيف ما دفع اليسار الى تنظيم تظاهرات مضادة كبيرة لكن اقل عددا. وامام المأزق الذي وصلت اليه، عينت روسيف الرئيس السابق ايناسيو لولا دا سيلفا رئيسا لديوان حكومتها (اشبه برئيس وزراء) لمساعدتها في انقاذ حكمها المهدد، مع العلم ان شبهات فساد تحوم حوله في اطار التحقيق مع شركة بتروبراس ما قد يؤدي الى اعتقاله.
لكن احد القضاة في المحكمة الاتحادية العليا جمد هذا التعيين معتبرا انه يمكن ان يعرقل سير العدالة. ومن المتوقع ان تتخذ المحكمة قرارا نهائيا في هذا الشأن. وفاقم هذا التعيين الازمة المشتعلة في البرازيل بحسب فرانس برس.
مواجهة "الانقلاب" على روسيف
من جهته استنفر الرئيس البرازيلي السابق لويس ايناسيو لولا دا سيلفا النقابات لمواجهة "الانقلاب" الدستوري الذي يستهدف كما يقول اليسار الحاكم الرئيسة ديلما روسيف المهددة بالاقالة في البرلمان. وفي حضور مئات النقابيين الذين يدافعون عن قضية حزب العمال الحاكم، قال دا سيلفا رمز اليسار البرازيلي، خلال لقاء عقد تحت شعار "دفاعا عن الديموقراطية" في ساو باولو، ان "هذا البلد لا يستطيع ان يقبل بالانقلاب". وفي خضم الركود الاقتصادي، تواجه البرازيل البلد العملاق الناشىء في اميركا اللاتينية، ازمة سياسية تاريخية زادت من حدتها فضيحة الفساد المدوية في شركة النفط الرسمية بتروبراس.
وقال الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي يزور الارجنتين المجاورة "نحن نحتاج الى برازيل قوية"، معربا عن الامل في ان تتمكن "من ايجاد حلول ناجعة لمشاكلها". والى جانب المجال النفطي، تحوم الشكوك حول صفقات اخرى: بناء ستاد كورينثيانس في ساو باولو الذي استضاف مباراة افتتاح كأس العالم لكرة القدم 2014، وتجديد المرفأ وتوسيع مترو ريو دو جانيرو تمهيدا للالعاب الاولمبية 2016 في آب/اغسطس المقبل.
وقال لولا دا سيلفا الذي يشتبه بتورطه في فساد وتبييض اموال في تحقيق بتروبراس، انه "ينتظر بفارغ الصبر" ليعرف هل يستطيع ام لا تسلم مهام منصبه رئيسا لديوان الرسائة. واضاف امام انصاره في ساو باولو، مستعيدا خطاباته عندما كان زعيما نقابيا في شبابه، "سأساعد ديلما على ان تحكم هذا البلد، حتى لو ان هذه المساعدة هي آخر ما افعله في حياتي". وقد تم تعليق تعيينه لانه قد يعرقل عمل القضاء، في انتظار قرار جماعي نهائي تتخذه المحكمة العليا الاتحادية، الاسبوع المقبل بالتأكيد.
وفي الانتظار، ربح لولا دا سيلفا وديلما روسيف معركة في هذه المعمعة المعقدة السياسية والقضائية. فقد انتقد قاض كبير في المحكمة العليا الاتحادية إقدام القاضي سيرجيو مورو المسؤول عن ملف بتروبراس على الكشف عن محادثات هاتفية بين لولا دا سيلفا وسلطات تتمتع بالحصانة، ومنها واحدة مع ديلما روسيف التي لمحت الى ان الهدف من تعيينه في الحكومة هو حمايته من امكان وضعه في السجن.
وامر القاضي تيوري زافاسكي المسؤول عن الجانب السياسي من ملف بتروبراس، القاضي مورو بأن يعيد اليه كامل التحقيق الذي اجراه حول لولا دا سيلفا، من اجل دراسته، وامر باعتماد السرية حول هذه المحادثات التي نشرتها وسائل الاعلام بحرفيتها حتى الان. وقد اشادت ديلما روسيف بهذا القرار واعتبرته "مهما" لأن الكشف عن هذه المحادثات الهاتفية ينتهك "الضمانات والحقوق الدستورية لرئاسة الجمهورية". واحتج مئات الاشخاص مساء امام مبنى المحكمة العليا الاتحادية في برازيليا، ووصفوا القاضي زافاسكي بانه "عار وطني" حسب فرانس برس.
ومن المقرر تنظيم تظاهرة اخرى في ساو باولو تحت شعار "اناضل من اجل مورو". وفي 13 اذار/مارس، شارك ثلاثة ملايين برازيلي في في تحركات للمواطنين طالبوا باستقالة روسيف. وفي مجلس النواب، تتواصل اعمال اللجنة الخاصة المؤلفة من 65 نائبا لاصدار توصية اولى حول اقالة الرئيسة. وتتهم المعارضة روسيف بالتلاعب بالحسابات الرسمية في 2014 للتقليل من حجم العجز وتأمين اعادة انتخابها، وكذلك في 2015.
اضف تعليق