حزمة الاصلاحات التي اعلن عنها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، شملت مجموعة قرارات مهمة تهدف الى تغير الواقع في العراق، هذا البلد الذي يعاني من مشكلات امنية واقتصادية كبيرة، بسبب استمرار الخلافات والصراعات السياسية بين الاحزاب والقوى التي تحكم العراق وبما يخدم مصالحها الخاصة، هذه الاصلاحات التي اثارت الكثير من ردود الافعال المختلفة لاتزال وكما يقول بعض المراقبين محط اهتمام واسع، خصوصا وان البعض قد عدها خطوة جريئة من قبل رئيس الوزراء الذي يواجه اليوم تحديات كبيرة في ملف قيادة البلاد، كون هذه الاصلاحات قد شملت بعض الشخصيات السياسية الكبيرة وهو ما دفع البعض منهم الى اعلان الحرب ضد حكومة العبادي، والعمل على الاستفادة من بعض الهفوات في سبيل عرقلة تلك المشاريع وبالتالي اثارة الشارع العراقي، الذي سعى الى تأيد تلك الاصلاحات وبمباركة من المرجعيات الدينية العليا. تلك الاحزاب والكتل السياسية وكما يقول بعض الخبراء ربما قد نجحت في تضيق الخناق على العبادي من خلال سحب تفويض البرلمان وهو ما قد يسهم بتعقيد الامور، خصوصا مع ضعف قدرات الحكومة المبنية على الاتفاق والمحاصصة والتي تحكمها الولاءات الحزبية والطائفية.
الانقسامات تعرقل إصلاحات
في هذا الشأن يكافح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي يواجه مقاومة من داخل صفوف حزبه من أجل الحفاظ على التأييد لإصلاحات سياسية يقول إنها ذات أهمية بالغة لمساعيه في التصدي لمتشددي تنظيم داعش. وفي محاولة لاستعادة الزخم بعد أن منع البرلمان حكومته من إقرار أي إصلاحات مهمة دون موافقة النواب تواصل العبادي مع المؤسسة الدينية الشيعية التي تتمتع بنفوذ كبير في العراق وسبق أن أيدت حملته لمكافحة الفساد.
لكنه عاد من لقاءات مع كبار رجال الدين في مدينة النجف المقدسة عند الشيعة دون أن يفوز بدعم جديد الأمر الذي يثير احتمال أن يواجه المزيد من العزلة في الوقت الذي يسعى فيه لدرء خطر اقتراع النواب المستائين على سحب الثقة منه. وتجدر الإشارة إلى أن العبادي لم يقابل خلال زيارته للنجف أرفع المراجع الشيعية آية الله العظمى على السيستاني. وكان السيستاني ومراجع دينية أخرى أيدوا العبادي لكن يبدو أن صبر المراجع بدأ ينفد لبطء وتيرة الإصلاح.
وقال المحلل السياسي أحمد يونس في بغداد مستشهدا بالضغوط من جانب البرلمان والرأي العام والمراجع الشيعية "هو كمن يسير وسط حقل ألغام. هو الآن ملزم بالعمل بطريقة ترضي جميع الأطراف." ويشير التاريخ إلى أن عليه السير بحذر. فسلفه نوري المالكي اعتبر أيضا زعيما لم يكن يستشير قبل اتخاذ القرارات. وقد اضطر المالكي لترك الساحة في الصيف الماضي بعد أن استعدى حزبه وغيره من الشيعة وكذلك حلفاءه الأمريكيين بل وايران التي تتمتع بنفوذ إقليمي ولها نفوذ كبير في العراق.
وأيد أصحاب النفوذ في العراق ومن بينهم المؤسسة الدينية الشيعية العبادي عندما تولى رئاسة الوزراء بعد ان اتضح أن بوسعه تحقيق توافق وأمامه فرصة لرأب الخلافات السياسية والطائفية. وأكبر تحد يواجهه العبادي هو إصلاح المؤسسة العسكرية العراقية التي اشتهرت بتفشي الفساد فيها والتي كادت تنهار أمام زحف تنظيم داعش إلى جانب إصلاح الجهاز الحكومي الضعيف.
وبتشجيع من الاحتجاجات الشعبية في بغداد وغيرها من المدن ودعوة من السيستاني للعمل بدأ العبادي وحده حملة إصلاح في أغسطس اب. وتحرك العبادي لتفكيك نظام المحسوبية والقضاء على عدم الكفاءة والفساد الأمر الذي أضعف معركة العراق لمحاربة مقاتلي داعش الذين استولوا على ثلث مساحة البلاد.
وسرعان ما عرقلت طعون قضائية ومعارضة من أصحاب المصالح هذه الإجراءات. وخرج محتجون للشوارع يطالبون بوضع نهاية للفساد وتحسين خدمات المياه والكهرباء وبدأوا يصفون العبادي بأنه ضعيف وغير كفء. وأبدى السيستاني أيضا استياءه للتأخر في تطبيق الإصلاحات وطالب العبادي باتخاذ خطوات أكثر جرأة في مواجهة المعارضة.
وقال النائب سامي العسكري من ائتلاف دولة القانون الحاكم عن رحلة النجف "كانت نكسة. أنا واثق أن العبادي عاد منها غير راض لأنه لو استطاع أن يقابل السيستاني لساعد ذلك على تحقيق توازن مع كل حركة في البرلمان." وقال متحدث باسم العبادي إن أحدا لم يقدم طلبا لعقد مثل هذا اللقاء لكن مصدرا مقربا من رئيس الوزراء وصف عدم لقاء السيستاني بأنه أمر "سلبي".
ومع انحسار التفويض الذي حصل عليه من قبل من المحتجين والسيستاني ربما لا يجد العبادي نفسه في وضع يمكنه من تحدي من يعارضون حملته الاصلاحية. وربما تأتي أصعب المطالب من داخل صفوف ائتلاف دولة القانون الحاكم الذي قاد التصويت المؤكد لسلطة البرلمان بعد أن طالب العبادي بتوسيع نطاق مشاوراته.
وتتركز معارضة النواب على الإصلاحات لكنها تنبع من خلافات أكبر بين معسكرين داخل ائتلاف دولة القانون يرأسهما على الترتيب العبادي والمالكي. ويعتبر أنصار المالكي المتحالفون مع ايران العبادي قريبا أكثر مما يجب من الولايات المتحدة التي تسلح القوات العراقية وتدربها وتشن حملة قصف جوي على داعش. والمالكي نفسه له شعبية في صفوف الفصائل المسلحة المدعومة من إيران والتي تعتبر من أعمدة التصدي للمتشددين. وقال العسكري "العبادي يشعر أحيانا أن هذا خطر على سلطته وقد حاول إضعاف المالكي."
وأخفق العبادي في تنفيذ واحد من إصلاحاته الرئيسية كان من شأنها إبعاد المالكي والنائبين الآخرين لرئيس البلاد عن مناصبهم. وبدلا من ذلك ما زال المالكي يتشبث بموقعه وهو ما وضعه على مسار تصادمي مع العبادي. وقال العسكري "كلما ضغط (العبادي) على المالكي خسر تأييد دولة القانون." ويرفض أعضاء في دولة القانون تكهنات بأن العبادي بدأ يحاول التقرب من أحزاب خارجية لتشكيل ائتلاف جديد لتأييد إصلاحاته. ويحذرون من أن مثل هذه الخطوة تستلزم تنازلات كبيرة وتعرضه لهجمات من بين صفوف قاعدته.
لكن نوابا يقولون إن العبادي قد يحتاج لتأييد أوسع لضمان إقرار مقترحاته في البرلمان دون مشاكل وللحيلولة دون احتمال التصويت على سحب الثقة منه وهو ما لم يستبعده أعضاء في البرلمان. ومن المحتمل أن يكون دعم المراجع الشيعية التي التقى بها العبادي وتعارض المالكي إلى حد كبير ذا أهمية كبيرة في أي مواجهة تحدث في المستقبل لكن يبدو أن هذا الأمر مستبعد في ظل الظروف الراهنة. بحسب رويترز.
من ناحية أخرى قال المصدر المقرب من رئيس الوزراء إن تأييد جماعات شيعية أخرى مثل التيار الصدري أو المجلس الأعلى الإسلامي سيمكن العبادي من الحيلولة دون الانقلاب عليه من داخل تحالفه الانتخابي. وأضاف المصدر "هذا فقط لضمان أن لديه أعضاء في البرلمان سيمنعون أي خطوة لاحقة لسحب الثقة." وتابع أن بعض الدعم "من الأكراد أو من حزب سني يعني أنك تضمن ألا يصلوا إلى نسبة الستين في المئة التي يحتاجون إليها. هذا مجرد تحرك وقائي".
محاربة الفساد
في السياق ذاته أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أنه متمسك بالإصلاحات لمحاربة الفساد رغم ضغوطات مجلس النواب، وفق بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء. وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إنه مصر على المضي في الإصلاحات ومحاربة الفساد. وتضمن بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء أن "حيدر العبادي يؤكد عزمه وإصراره على الاستمرار بالإصلاحات ومحاربة الفساد والفاسدين وعدم التراجع عن ذلك رغم التحديات والعقبات".
وأضاف "لن تفلح محاولات من خسروا امتيازاتهم بإعاقة الإصلاحات أو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ونقض ما أنجزناه، فإرادة المواطنين أقوى منهم وستقلع جذور الفساد وتحقق العدل في العراق". وعلى الرغم من أن البرلمان أكد أنه لا يزال يدعم العبادي، لكن المغزى من القرار بدا واضحا، وهو وضع قيود على تنفيذ الحكومة لخطة الإصلاحات.
ويعارض البرلمان بالخصوص سلم الرواتب الذي أقره مجلس الوزراء ويقضي بخفض وإلغاء الامتيازات التي يحظى بها كبار مسؤولي الدولة وزيادة مرتبات الطبقات الدنيا وكذلك إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية والوزراء، وجميعهم سياسيون ينتمون إلى كتل في البرلمان تعارض هذا القرار، باعتبارها حصصا حزبية. وكان مجلس النواب منح تفويضا للعبادي تحت الضغط الشعبي والتظاهرات التي انطلقت في بغداد والمحافظات الجنوبية، من أجل المضي في عملية مكافحة الفساد والإصلاح الحكومي، ويبدو أنه أعاد النظر في ذلك بعد تراجع حدة الاحتجاجات. بحسب فرانس برس.
من جانب اخر حذر المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله العظمى علي السيستاني البرلمان من استغلال مخاوفه بشأن قانونية الاصلاحات التي أعلنها رئيس الوزراء حيدر العبادي كذريعة لعرقلتها. وتابع السيستاني في خطبة ألقاها مساعد له أن الإصلاحات "أعطت بعض الأمل بحصول تغييرات حقيقية يمكن أن تسير بالبلد نحو الهدف المطلوب. وقد تم التأكيد منذ البداية على ضرورة أن تسير تلك الإصلاحات في مسارات لا تخرج بها عن الأطر الدستورية والقانونية.
"ولكن لابد هنا من التأكيد أيضا على أنه لا ينبغي أن يُتخذ لزوم رعاية المسار الدستوري والقانوني وسيلة من قبل السلطة التشريعية أو غيرها للالتفاف على الخطوات الإصلاحية أو التسويف والمماطلة في القيام بها استغلالا لتراجع الضغط الشعبي في هذا الوقت."
خطوات مهمة
على صعيد متصل قال مسؤولان بوزارة التجارة العراقية إن القائم بأعمال وزير التجارة أقال سبعة من كبار مسؤولي الوزارة من بينهم مدير الشركة العامة لتجارة الحبوب لاتهامات تتعلق بالكسب غير المشروع. والهزة التي تتعرض لها وزارة التجارة هي اختبار مهم لرئيس الوزراء حيدر العبادي وهل سينجح في تنفيذ الإصلاحات السياسية التي كان وعد بها.
وقال المسؤولان اللذان طلبا عدم نشر اسميهما إن قرار محمد شياع السوداني جزء من "عملية شاملة لتنظيف الوزارة من المسؤولين الذين توجد عليهم مؤشرات بالفساد." والشركة العامة لتجارة الحبوب مسؤولة عن استيراد الحبوب وجمعها من المزارعين العراقيين وأي فوضى في وزارة التجارة ستثير مخاوف بشأن قدرة العراق على توفير السلع الإستراتيجية. والعراق من أكبر مستوردي القمح والأرز في العالم.
وقال بيان لوزارة التجارة إن بعض مسؤولي التجارة ونوابهم تبين أنهم غير مؤهلين لمناصبهم. وأصدرت السلطات العراقية مذكرة اعتقال بحق وزير التجارة ملاس محمد عبد الكريم في وقت سابق بعد تحقيق بشأن تلقي رشى والحصول على مزايا بشكل غير قانوني وإساءة استغلال منصبه. واستدعت محكمة أيضا عبد الكريم وثمانية آخرين من مسؤولي الوزارة لاستجوابهم بشأن مزاعم تحقيق مكاسب غير مشروعة من شراء شحنة أرز من أوروجواي. وعبد الكريم من أرفع المسؤولين الذين يواجهون ملاحقة قضائية منذ أطلق العبادي حملة على الفساد. وكان عبد الكريم الذي لا يعرف مكانه في الوقت الحالي قال إن المزاعم في حقه لا تستند إلى أدلة قوية. بحسب رويترز.
وواجه عدد من مسؤولي وزارة التجارة من قبل مزاعم فساد ويحاكم حاليا أربعة من حراس الأمن في الوزارة بتهمة قتل مستشار إعلامي في الوزارة في سبتمبر أيلول بزرع قنبلة في سيارته. ووزارة التجارة مسؤولة عن شراء سلع أولية بمليارات الدولارات تستخدم في برنامج وطنى للحصص الغذائية. وقال احد المسؤولين "هذا الفساد والمخالفات تشوه سمعة البلد. وإذا استمر هذا الوضع فإنه قد يؤدي إلى نتائج وخيمة في قطاع التجارة العراقي." وأضاف المسؤول قوله "الحكومة نفد صبرها ... ويجب أن تضرب بقبضة حديدية للقضاء على وباء الفساد في الوزارة."
من جانب اخر احال القضاء العراقي محافظ بابل، جنوب بغداد، الحالي والسابق الى محكمة الجنايات في المحافظة التي تشهد منذ عدة اشهر تظاهرات مناهضة للفساد. وقال رئيس استئناف بابل القاضي حيدر النائلي ان "المحكمة المختصة بالنزاهة احالت محافظ بابل الحالي صادق مدلول السلطاني والمحافظ السابق محمد المسعودي الى محكمة الجنايات وفقا للمادة 340 من قانون العقوبات". كما قررت المحكمة سجن احد اعضاء مجلس المحافظة ثلاث سنوات كما اصدرت كذلك قرارا بتوقيف مدير مكتب المحافظ بتهم الفساد.
في السياق ذاته قال متحدث باسم السلطة القضائية إن محكمة في بغداد قضت بالسجن عامين على وزير البيئة السابق سركون صليوه لادانته بتهم ذات صلة بالكسب غير المشروع في اطار سعي البلاد الى القضاء على الفساد في الحكومة. وقال المتحدث عبد الستار البيرقدار إن صليوه وضع في الحجز عقب صدور الحكم وانه غرم نحو 300 الف دولار. ويمكن للوزير السابق استئناف الحكم. وحكم على صليوه بموجب مادة في القانون الجنائي تعاقب على الاضرار العمد بالمال العام وان كانت المحكمة لم تنشر تفاصيل القضية بعد.
اضف تعليق