اثناء زيارتي الى مرقد الامام علي (عليه السلام) مررت بشارع يطلق عليه (شارع الطوسي) خطر في بالي وقتها انني عندما كنت في مشهد ايضا كان هنالك شارع يطلق عليه ( الطوسي)، بعدما انهيت مراسيم الزيارة لأمير المؤمنين، جال في خاطري ان استفسر عن الطوسي وما هي قصته، ولماذا اغلب الشوارع تدعى باسمه، توقفت عند باب خشب كبير كتب عليه ( المسائل الشرعية) دخلت وسلمت على السادة فكان من بين الجالسين، عالم مجتهد ذو شيبة بيضاء، وبيده سبحة من تراب الحسين(عليه السلام) وعلى يساره مجموعة من الكتب، اثار انتباهي هذا المشهد، اقتربت من السيد المبجل وارتلت عليه السلام وبعدها تطرقت لسؤالي الذي كان يشغل فكري، فكان سؤالي من هو الطوسي؟ كثيرا ما اسمع عنه، وفي طريقي الى العتبة العلوية قرأت قطعة كتب عليها شارع الطوسي، ارجو من جنابكم ان توضح لي عن هذا الاسم وعن هويته .

ابتسامة خفية ظهرت في ملامح هذا السيد ورد على سؤالي لعلكم من غير طائفة؟ قلت في عجلة واستغراب!، لا لست من غير طائفة انا شيعية، فقال السيد ان لم تكونيِ شيعية فتلك مصيبة وان كنت شيعية فتلك هي المصيبة الكبرى، عبست وتعصبت فكيف لهذا السيد المحترم ان يرد علي بهذا الجواب ،سرعان ما أطفى جمرة غضبي وطلب مني الهدوء والاستماع .

حسنا تفضل ايها السيد انا استمع ليكِ، أومأ إليه، واذا بحشد من النساء ينتظرن الاجابة عن هذا السؤال. بعد الصلاة والسلام على حبيب الله العالمين محمد(صلى الله عليه واله ويسلم) وال الطاهرين، وبعد اما سؤالكم عن الطوسي، فهو أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي، المعروف بشيخ الطائفة، ومن كبار علماء الشيعة، جاء إلى العراق في سن الثالثة والعشرين حيث كان في خراسان، ودرس عند اهل العلم والمعرفة كالشيخ المفيد و السيد المرتضى، فاعتنى المرتضى بتوجيهه وتنمية مواهبه العلميّة طوال ثمانٍ وعشرين سنة، حتّى صارت الأنظار متوجّهةً ناحية الشيخ الطوسيّ، ،وبعد أن تُوفّي الشريف المرتضى.

أسند إليه في عصره الخليفة العباسي كرسي كلام بغداد، فكان الشيخ الطوسيّ يجلس على ذلك الكرسيّ ويلقي علومه، حتّى اقتربت النيران فقام عنه الشيخ قبل أن يحترق الكرسيّ والبيت والمكتبة، سقطت بغداد بيد أتراك السلاجقة فدخلها طغرل بك سنة 447 هجريّة فأوقع الفتنة بين السنّة والشيعة سنة 448 هجريّة، وأحرق مكتبة شابور الشيعيّة التي لم يكن يومها مكتبة أعظم منها ( كما يذكر ياقوت الحمويّ) اضطر بعدها للهجرة إلى النجف الاشرف فأسس الحوزة علمية وجامعة اسلامية من اعظم الجامعات في وقتها، استلم مهام المرجعية وزعامة الشيعية بعد وفاة السيد المرتضي وقد خدم الاسلام والمسلمين، لا سيما الشيعية الامامية خدمات جليلة من خلال تربية آلاف من التلاميذ والطلاب وتأليف العشرات من الكتب العلمية الخالدة والتي لا تزال لها أثرها المشهود، ومن خدماته تأسيس طريقة الاجتهاد المطلق وتأليف الكتب الكاملة والقيمة في الفقه.

من لقبه بالطوسي؟

فقد سُميَّ بالطوسيّ؛ نسبةً إلى طوس ناحية في خراسان، توسّعت فعُرفت بمدينة مشهد، وهي من أقدم مدن بلاد فارس وأشهرها، ومن مراكز العلم ومعاهد الثقافة بعد ورود الإمام الرضا (عليه السّلام) إليها، وُلد الشيخ الطوسيّ بخراسان سنة 385 هجريّة.

اقوال العلماء في الشيخ الطوسي

النجاشيّ: أبو جعفر جليلٌ من أصحابنا، ثقة عين، العلاّمة الحليّ: صدوق عارف بالأخبار والرجال والفقه والأصول والكلام والأدب، وهو المهذِّب للعقائد في الأصول والفروع، والجامع لكمالات النفس في العلم والعمل الشيخ المجلسيّ: فضله وجلالته أشهر من أن يحتاج إلى بيان ، ،الحرّ العامليّ، بيّن طرق الشيخ الطوسيّ في أخذه الأحاديث وعمّن نقل من الرجال بشكلٍ منظّم ودقيق.

عباس القمي: صنّف الشيخ الطوسيّ في جميع علوم الإسلام، وكان القدوةَ في ذلك، وقد ملأت تصانيفُه الاسماع، ووقع على قِدَمه وفضله الإجماع.

أبو القاسم الخوئي: كان الشيخ الطوسيّ منطلقَ مرحلة جديدة من تطوّر الفكر الفقهيّ والأصوليّ.. وقد استطاع ـ بنهضته الجبّارة ـ أن يقدّم في نتاجه الفقهيّ الدليلَ المحسوس على أنّ الأصول الفكريّة لمدرسة أهل البيت عليهم السّلام قادرةٌ على تزويد الفقيه بالمناهج والأدوات الفكريّة التي تمكّنه من استنباط أيّ حكمٍ في جميع الوقائع.

المرعشي النجفي: ذكر جملة من مزايا وخصائص الشيخ الطوسيّ، فبيّن أنّه من الرعيل الأوّل في الاستنباط وردِّ الفروع إلى الأصول، واستخراج الضوابط والقواعد الكليّة من الكتاب والسنّة، وأنّه كان متعمّقاً في تبيين الموضوعات من لسان شعر العرب وأهل البلاغة، وقد جمع فنوناً كثيرة وتبّحر في كلّ علم خاص، وكان ثقةً فيما نقله ولو عن المخالفين في آرائه، وأنّ الشيخ الطوسيّ كان موفّقاً في الإفادة بأماليه القيّمة التي ألقاها في بغداد والنجف، وبالتأليف والتصانيف القيّمة التي دوّنها وأخذت طريقها المستمرّ في تزويد المعاهد العلميّة بضروريّات المعرفة، وبتأسيسه المجمعَ العلميّ النافع في النجف.

شيخ الأزهر (الشيخ عبدالمجيد سليم) كثير الإعجاب بفقه الشيعة خاصّة بعد أن أُهديَ إليه كتاب ( المبسوط ) للطوسيّ، أيضاً أن يقول الدكتور عبدالله بن عبدالقادر بلفقيه العلوي ( مفتي لجنة الإفتاء الشرعيّ ورئيس معهد دار الحديث وعميد كليّة المعلّمين في مالانج بإندونيسيا ) في رسالته إلى المؤتمر الألفيّ للشيخ الطوسيّ: الشيخ الطوسيّ هو من الأفذاذ الذين قلّ أن يجود الدهر بأمثاله.

مؤلفاته

للشيخ الطوسيّ أثمر عن مؤلّفاته التي احتلّت المكانة السامية بين آلاف الكتب التي انتجتها عقول العلماء، فقد جمعت مؤلّفاته معظم العلوم: أصليّةً وفرعيّة، وتضمّنت حلّ معضلات البحوث الكلاميّة، كما تبنّت ما يحتاج إليه علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم.

ولم يدع الشيخُ الطوسيّ باباً إلا طرقه، ولا طريقاً إلاّ سلكها، وقد ترك لنا نتاجاً طيّباً متنوّعاً غذّى به عقولَ فطاحل عدّة قرونٍ وأجيال. نذكر منها ما يلي: التبيان في تفسير القرآن، الغَيبة ـ في غيبة الإمام المهديّ ( عجل الله تعالى فرَجَه )، الفهرست ـ في تراجم اصحاب الكتب والاصول، مصباح المتهجّد ـ في أعمال السَّنة، وهو من أجل كتب الأدعية والأعمال.

الشيخ الطوسي والامام علي (ع)

كان جماعة من المشايخ في بغداد يتذاكرون كتاب (النهاية) وترتيب أبوابه وفصوله، فكان كل واحد منهم يعارض مؤلفه في مسائل ويذكر أنه لا يخلو من خلل، ثم اتفق أنهم خرجوا لزيارة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) -وذلك على عهد الشيخ نفسه- فأجمع رأيهم على أن يصوموا ثلاثا ويغتسلوا ليلة الجمعة ويصلوا ويدعوا بحضرة مولانا أمير المؤمنين فلعله يتضح لهم ما اختلفوا فيه، فسنح لهم أمير المؤمنين (عليه السلام) في النوم وقال لهم: لم يصنف مصنف في فقه آل محمد صلى الله وآلة وسلم كتابا أولى بأن يعتمد عليه ويتخذ قدوة ويرجع إليه أولى من كتاب (النهاية) الذي تنازعتم فيه، وإنما كان ذلك لأن مصنفه اعتمد في تصنيفه على خلوص النية لله والتقرب والزلفى لديه، فلا ترتابوا في صحة ما ضمنه مصنفه واعملوا به وأقيموا مسائله، فقد تعنى في ترتيبه وتهذيبه والتحري بالمسائل الصحيحة بجميع أطرافها.

فلما انتبهوا أقبل كل واحد منهم على صاحبه فقال: رأيت الليلة رؤيا تدل على صحة (النهاية) والاعتماد على مصنفها، فأجمعوا على أن يكتب كل واحد منهم رؤياه على بياض قبل التلفظ، فوافقت الرؤيا لفظا ومعنى وقاموا متفرقين مغتبطين بذلك، فدخلوا على شيخهم أبي جعفر الطوسي، فحين وقعت عيناه عليهم قال لهم: لم تسكنوا إلى ما كنت أوقفتكم عليه في كتاب (النهاية) حتى سمعتم من لفظ مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) فتعجبوا من قوله وسألوه عما استقبلهم من ذلك فقال: سنح لي أمير المؤمنين (عليه السلام) كما سنح لكم، وحكى رؤياه على وجهها، هذا هو الشيخ الطوسي.

مؤلف كتابين من الكتب الأربعة وتوجه إليه الطلاب وكان من بين تلامذته 300 من العلماء الأساتذة.

إن مشايخ الشيخ الطوسي وتلامذته كثيرون وقد ذكر الميرزا حسين النوري في مستدرك وسائل الشيعة (ج3،ص509) 37 شخصا وأمّا الذين يروى عنهم غالبا فهم خمسة وهم: .الشيخ أبوعبدالله أحمد بن عبدالواحد بن أحمد البزاز، المعروف بابن الحاشر و ابن عبدون (المتوفي 423هـ). . الشيخ أحمد بن محمد بن موسى المعروف بابن الصلت الأهوازي (المتوفي 408هـ). الشيخ أبوعبدالله الحسين بن عبيد الله ابن الغضائري (المتوفي في سنة 411هـ).

وله تأليفات كثيرة في التفسير والأصول والفروع وغيرها منها كتابا التهذيب والاستبصار المشهوران في جميع الإعصار وألف في علم الرجال كتابين : أحدهما مشهور بين العلماء بـ( رجال الشيخ).

الرحيل الى عالم الاخرة

عاش الشيخ الطوسيّ بعد وفاة أستاذه الشريف المرتضى أربعاً وعشرين سنة، اثنتَي عشرة سنةً منها في بغداد حتّى وقوع فتنة طغرل بيك، فانتقل بعدها إلى مشهد الغريّ في النجف، فبقي هناك اثنتَي عشرة سنةً مشغولاً بالتدريس والهداية والتأليف والإرشاد، وسائر وظائف الشرع الحنيف وتكاليفه، حتّى تُوفّي في الثاني والعشرين من محرّم عام 460 هجريّ عن عمرٍ ناهز الخامسة والسبعين عاماً وقد أرّخ ذلك بعضُ المتأخّرين مخاطباً مرقدَه:

يا مرقـدَ الطوسيّ فيك قـدِ أنطوى مُحْيي العـلوم فكنتَ أطيبَ مرَقدِ

أودى بشهـر محـرّمٍ فـأضـافـه حُـزناً بفـاجـع رُزئـهِ المـتجدّدِ

بك شيخ طائفة الهـداة إلى الهـدى ومجـمِّـع الأحـكـام بعـد تبـدّدِ

إلى أن قال:

وبكى له الشـرع الحنيف مؤرِّخـاً: أبكى الهـدى والـديـنَ فَقْـدُ محمّدِ

وبعد دفنه رضوان الله عليه، أصبحت داره التي دُفن فيها مسجداً مشهوراً حسب وصيّته يُسمّى بـ ( مسجد الطوسيّ)، ثمّ صار من أشهر مساجد النجف، و حلقات التدريس، بل صار مدرسةً للعلماء، وبقي ذكره خالدا في كل زمان، ولكن من المحزن اننا لا نعرف عن علمائنا شيئا، فقط الاسم وقد يكون لقب فقط، فعندما تكون من الشيعية ولا تعرف عن عملاقة المذهب واعمدة التاريخ العلوي، فحقا تكون مصيبة كبرى ،فهل عرفتم من هو شيخ الطائفة من هو الشيخ الطوسي، فسلام الله على اولياء الله وعلمائه.

اضف تعليق


التعليقات

أمجد السلامي
العراق
طرح رائع راق لي كثيرا
وتنوع الطرح ولا أروع
لاحرمنا الله من إبداعك
سلمت وسلمت مواضيعك الراقية2016-11-13
أميرة الخفاجي
العراق
وراق لي إبداعك تشكيلة رائعة جدا
بوركت جهودك المميزة
وجزآكي الله خيرا
دمتي بحفظ الله ورعايته2016-11-13
طيف علاء
العراق
احسنتم وفقكم الله لكل خير على هذه المعلومات والتذكير بشيخ الطائفة رحمه الله2016-11-14