القلب يخشع، والعيون تبكي، والروح عطشى تئن من الفراق على الجواد، وعزاؤنا انه لم يرحل عن الضمائر والقلوب، مع ان المنايا لا حدود لها، فما أكثر الراحلين عن هذه الدنيا، اذ تشير المعلومات والمصادر الصحية المختصة وغيرها، الى أن الذين يفقدون حياتهم في عموم العالم كثيرون حتى تكاد أعدادهم تتساوى مع القادمين الجدد الى الدنيا، وهذا الموت مستمر على مدار الساعة بين المسلمين وغيرهم.
ولكن كم من هؤلاء يبقى شاخصا في الذاكرة العامة والخاصة، وكم من الألسن تلهج بذكره وتترحم له، وتدعو الله تعالى أن يجازيه بالخير، ويجعل الجنة مثواه، والحسنى عاقبته، فهناك من يترك اثرا طيبا خلفه، وهناك من يمضي للأسف بلا أثر يذكر، فكم من هؤلاء الراحلين يترك وراءه أثرا للناس، كما فعل فقيدنا السعيد سماحة العلامة محمد جواد، حيث ينهل منه المحبون لشخصه وعلمه، كما ينهل العطشان الماء الزلال في نهار قائظ؟.
سيدي ما أحوج الانسان الى العلم، وما أحوجه الى شخصية نموذجية تجعله يفهم الحياة، ويعرف كيف يتعامل معها بحكمة وحنكة، حتى يغادرها وفي يمينه كتاب النجاح، انه الامتحان العسير الذي يمر به الانسان في الدار الأولى، فما أحوجه للمعين، وما أحوجه لمن يدله على الصراط المستقيم، ويساعده كي يتمكن من السير فيه حتى النهاية، فالإنسان اذا بقي وحده سوف يصاب بالضعف، إنه يحتاج الشخصية التي تفتح له أبواب الطريق نحو الخلود والمجد.
ومن هذا الذي يمكنه أن يقوم بهذا الدور، سوى أهل بيت النبوة عليهم السلام أجمعين، وأتباعهم ومريديهم من العلماء وشيوخ الدين والخطباء والأساتذة، الذين يضعون أنفسهم في خدمة المسلمين لنشر الوعي والثقافة والعلم فيما بينهم، ولعل أسرة آل الشيرازي الكرام، معروفة للقاصي والداني بكونها مركزا لتعليم الفقه وتنوير القلوب والبصائر والأبصار على مدار الساعة.
وينتمي الى هذه الدوحة الشيرازية المكرمة، فقيدنا الشهيد السعيد السيد العلامة محمد جواد، فهو غصن من هذه الشجرة الشيرازية الدينية الوارفة بالجود والكرم، وهي تعطي ثمارها الفقهية والعلمية الى كل المسلمين من دون استثناء، نعم نحن أمام قامة شابة أثبتت جديتها وحضورها بين الشباب الحسيني، لاسيما بعد ان اغترف سماحته من العلم والدروس المعمقة الكثير الكثير، ليصل الى قدرة تقديم الدروس والمحاضرات في الحوزة العلمية الى طلابه من الشباب.
إنه سماحة العلامة السيد محمد جواد الذي خطفته يد المنون في الطريق بين كربلاء المقدسة والنجف الأشرف، عندما كان عائدا من زيارة جده الامام الحسين وأخيه العباس عليهما السلام، فلقد ولد الفقيد في قم المقدسة عام ١٤٠٨هـ، وهو النجل الثاني لسماحة آية الله، السيد مرتضى الحسيني الشيرازي دامت بركاته، وهو الرجل المعروف بعلميته، وسعة إطلاعه، وكثرة إصداراته الجادة من خلال عدد مهم من الكتب والمجلدات التي ناقشت العديد من القضايا الجوهرية التي تتعلق بحياة الناس باسلوب حداثوي.
وقد اخذ الفقيد الشاب عن أبيه هذه الجدية في تحصيل العلوم الفقهية، حيث بدأ بالدراسات الحوزوية منذ نعومة أظفاره في عام ١٤٢٠هـ، فدرس المقدمات والسطوح العالية في قم المقدسة على كبار أساتذتها، منهم: عمه العلامة السيد جعفر والعلامة السيد مهدي وآية الله السيد حسن النبوي وآية الله السيد الموسوي الطهراني والعلامة الشيخ محمد رضا النائيني وغيرهم، كما درس بحث الخارج في قم المقدسة في الفقه والأصول على آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي وآية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني وآية الله السيد محمد رضا الشيرازي.
وبعد أن تعلم ودرس واستوعب المزيد من الدروس والتجارب، واشتد ساعده العلمي والفقهي، قام بتدريس العلوم الحوزوية في المقدمات والسطوح العالية، كاللمعة ورسائل الشيخ الاعظم ومكاسبه، ومن الأعمال الفضلى التي قام بها سماحة العلامة محمد جواد، هي تربيته لمجموعة من طلبة العلوم الدينية الأفاضل.، ووضعهم على الجادة العلمية السليمة.
وقد تأثر به طلابه، وأصدقاؤه، وكل من تعرف إليهن أو كان قريبا منهن فقد كان الفقيد مشعّا بأضواء العلم والتواضع والتسامح ومحبة الخير للجميع، وتميز بحسن الأخلاق والجدية والمثابرة في تحصيل العلم، والورع والتقوى والالتزام بالشعائر الحسينية المقدسة، وترك لمحبيه أثرا خالدا لا ينسونه مهما طال بهم الزمن.
ولعل هذا المصاب الجلل، سيكون ذا ألم كبير على جميع من عرف سماحة السيد الفقيد محمد جواد، لقد أدمى قلوبنا، وقلوب كل من عرفه، فساعد الله أباه سماحة آية الله السيد مرتضى الشيرازي، وزاد من صبره، وهو المعروف عنه بقوة الصبر، وحسبنا أننا سنعيش الذكرى العطرة، والأعمال الكبيرة للفقيد السعيد والتي ساعدنا من خلالها على حب الخير والتقوى والعمل بهما في حياتنا.
ولعل هذا الأثر والألم الكبير الذي تركه الرحيل المبكر لسماحة العلامة محمد الجواد عن الدنيا، لدى محبيه جميعا، يؤكد عمق التأثير الذي تركه فيهم، ولكن عزاء الجميع انهم سائرون في طريق الفقيد السعيد، سائلين المولى القدير، أن يسكنه نعيم جناته، الى جوار جده الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وجميع الأئمة الأبرار عليهم السلام، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
اضف تعليق