معيار الجودة في الدنيا هي الأموال، لأنها معيار الأساس للتفاضل أو المفاضلة بين الناس، والأموال تتكلم الكلام بالأنسب والأفضل عندما الحب والصدق يقضيان أصعب الأوقات وأحنكها على أبواب الدنانير الذهب والفضة ويتهمان بالموت لأن قدرة المال أكثر ونفوذه أسرع ولكن ماذا عن الآخرة؟...
يحكى أن جحا قرر أن يذهب ذات يوم إلى حمّام المدينة، ولم يكن قد ذهب إليه من قبل، فارتدى ملابسه البسيطة التي يرتديها عادة، وذهب إلى الحمام، لكن الخدم هناك نظروا إليه باحتقار شديد، وناولوه قطعة صغيرة من الصابون، ومنشفه قذرة.
وبعد أن انتهى جحا من حمّامه، جلس ليستريح لكنه لاحظ أن الزبائن الآخرين يلفون أجسامهم بمناشف كبيرة وناعمة، وتُقدَّم إليهم المشروبات والحلوى المحشوة بالعسل، لم يسعد جحا بالطريقة التي عومل بها، ومع ذلك منح كل خادم من العاملين بالحمام دينارا من الذهب عند مغادرته للمكان.
ففرح الخدم كثيرًا، وشكروه على كرمه، ثم قالوا لبعضهم البعض: ما أكرم هذا الرجل، على الرغم من فقرهِ وملابسه المهلهلة، وبعدها قرروا أنهم سوف يعتنون به أشد العناية عند حضوره للحمام في المرة المقبلة.
في الأسبوع التالي، ارتدي جحا ملابسه البسيطة كالعادة، وذهب إلى الحمّام، وعندما رآه الخدم تذكروا كم كان كريمًا معهم في المرة السابقة، فعاملوه معاملة ملك متوّج، وأحضروا له الصابون المعطر والمناشف البيضاء الجميلة الناعمة، وبعد الحمام قدموا له المشروبات الساخنة، والعصائر الباردة، والحلوى اللذيذة.
ولكن جحا عند مغادرته الحمام في تلك المرة منح الخدم أصغر عملة نحاسية وجدها معه، وهنا استغرب الخدم، وتغيرت وجوههم وتكلّلت بالدهشة والإحباط .
ابتسم جحا وقال لهم: العملة النحاسية كانت نظير زيارتي الأولى للحمام التي عاملتموني فيها، وكأنني متسول، أما الدنانير الذهبية التي أعطيتها لكم في زيارتي الأولى فهي نظير الخدمة المميزة التي حصلت عليها اليوم!.
هناك مقولة دارجة بين الناس: (عندك فلوس تكعد على الروس)، أحياناً يصبح المال كعباءة سحرية تستر جميع الرذائل والفتن وتبين ذلك الهندام المريض بأجمل صورة وتستر كل القبائح والصفات الرذيلة بأجمل ما يمكن، ربما يصبح صاحب المال مع الحق دائماً وكلامه صحيح رغم أنه عكس ذلك.
قد يحدد المال المكانة العالية للشخص الغني ويصبح ذلك الشخص مصدر الهام ومحط اهتمام الآخرين بسبب أمواله، لذلك كثيراً ما نجد أن المال هو الذي يحدد من هو الشخص المناسب ليكون في رأس قائمة المعازيم أو يجلس في صدر المجلس أو يحصل على منصبٍ ما!، أي أن احترام الآخرين قد يبدر منهم تجاه الإنسان بسبب ما يملكه من أموال أما إذا كان فقيرا، أو يعاني من قلة الأموال والأملاك، فإن نظرة الآخرين له ستكون أدنى!.
ولكن لماذا صاحب المال يصبح محط احترام الناس؟
ولماذا يرغب الجميع في مجالسته رغم سيئاته؟
ثم لماذا يصعد إلى العليا، وهو لا يعمل أي شيء سوى أنه يملك المال؟
الإمام الهادي عليه السلام يجيب عن هذا لسؤال وما أجمل إجابته سلام الله عليه عندما قال: (الناسُ في الدنيا بالأموال وفي الآخرةِ بالأعمال)، (مسند الإمام الهادي ص 304).
إن احترام الغني بسبب غناه هو نوع من أنواع الشرك، لأن الذي يحترم الناس بسبب غناهم سوف يخضع لهم، وبالتالي يتجبر هؤلاء الأغنياء على البسطاء ويسيطرون على الآخرين ويتكبرون عليهم، وقد يبدر منهم أقوال مسيئة وسلوكيات تنمّ عن احتقار الآخرين والسبب هو أموالهم، وتملق أو تقرّب الآخرين منهم.
يقول جورج برنارد شو: (إن النظرة العالمية إلى المال هي الحقيقة الوحيدة المتفائلة في حضارتنا. فالمال هو أهم ما في الدنيا، إنه يمثل الصحة والقوة والشرف والكرم والجمال).
نعم إن معيار الجودة في الدنيا هي الأموال، لأنها معيار الأساس للتفاضل أو المفاضلة بين الناس، والأموال تتكلم الكلام بالأنسب والأفضل عندما الحب والصدق يقضيان أصعب الأوقات وأحنكها على أبواب الدنانير الذهب والفضة ويتهمان بالموت لأن قدرة المال أكثر ونفوذه أسرع ولكن ماذا عن الآخرة؟
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ).
إن الدنيا فانية وهذه الأموال زائلة، فمنذ الأزمنة الأولى تقاتل الناس فيما بينهم بسبب المال، وماتت الأخوّة، وانحدرت القيم، نعم ربما يكون المال في هذه الدنيا مصدر الاحترام، ولكنه لا يساوي شيئا في محكمة العدل الإلهي، حيث إن الفقير والغني يحاسبون على أعمالهم ويرتقي أو ينزل كل واحد منهم حسب أفعاله وليس أمواله!.
في تلك المحكمة لا يُنظَر إلى الأموال بل إلى الأفعال.
اضف تعليق