إلى نساء هذا الكون.. الى من تبحث عن حلم الحرية بين سهاد الحياة، إلى من كتمت أنفاس أنوثتها بيد التقيد والفرض.. الى من زرعت مفهوم العصيان على لائحة العادات المتأخرة، الى من تريد الحرية كي توفر لأطفالها اليتامى لقمة عيش كريم دون ان تستجدي رحمة أحد، ومنقذها الوحيد هو جواز الحرية الذي سيخولها بالوصول الى العمل الشريف.
الى التي تريد الحرية لأنها ليست على ذمة رجل.. الى المطلقة التي تريد ان تحفظ ماء وجهها وكرامتها حتى لا يبعثرها أشباه رجال وأفواه أناث، والى تلك الطفلة الصغيرة التي تطالب بإنقاذ طفولتها الموؤودة بسلطة الأب بعد ان قرر إعدامها بحبل الزواج لرجل يكبرها دهرا من العمر.
الى من تطالب بالحرية كي لا يتغلغل الوجع الى عمودها الفقري، بعد كل فصل ضربِ تتعرض له من قبل زوجها المعمَّد بالجهل والهمجية، فتتجرع كأس الصبر وتصمت، ولأنها تعلم بأن الساكت عن الحق شيطان أخرس تطلب حريتها.
تمهلن يا أخوات العرب.. فأنا منذ ميلاد ذاكرتي أطارد هذا الحلم المدفون تحت أنقاض تقاليد بلدي المتأخر، وأنوثتي هي التي أججت في نفسي ذلك التمرد المجنون، أُغادر وكري الهادي المسوَّر اجتماعيا بكتل كونكريت القيود والالتزام المغالى به، الى عالمي الخاص.. العالم الذي كل شيء فيه حلال حسب الدستور الالهي، أبحث فيه عن ذاتي التي ضيعتها القرارات الجبرية والعادات البالية.
تلك العادات التي تصارع مفهوم الديانات، حتى أبحث عن حريتي بين أبجدية الحياة وأتمرد على من يحاول كتم أنفاس وجودي، فأنا.. أنتِ.. وأنتنَّ، إمرأة اللحظة الآتية، لسنا من نمط اللائي يحْنَيْن قاماتهن ويضعنها في خدمة السلطات الذكورية والعادات العشائرية المتخلفة.
أنتن، امرأة اقترنت بالماضي وعيناها على المستقبل، ترفض أن تلبس ثوب الخضوع إلا لخالقها.. وفي أعماقها يكمن ذلك الترف الى استنشاق أوكسِجين الحياة بكل حياء، طموحها بسيط.. كل ما تريده أن تكون غالية، موقّرة، مُصانة، كما يريد لها الله أن تكون تماما.
تريد بكامل حقوقها المدنية أن يكون لها ذات المستقل الذي يمثلها في هذا المجتمع الذكوري المحيط بها من كل الجهات.. لأنها المجتمع كله.
لا تريد أن تحدق في المرآة كي تجد ملامحها مرسومة على واجهةٍ صلبة، تريد أن ترى نفسها في أول نظرة حياة بوضوح تام، بعيدا عن الضبابية والتردد.
ولكن، بين الصواب والخطأ يركن مفهوم الحرية، رافعا يده المبتورة الى أعلى شبهات الصمت.. فعندما أتمعن في تضاريس كلمة الحرية أجد في مضمونها معنى أعمق من تلك الحروف التي تغلف ظاهرها، فالمثقفة والواعية تعي المعنى الجوهري لمفهوم الحرية.. إذ أنها لا تطلب الحرية من أجل التعري، ولا تلغي شخصيتها بالحضور الكاذب، ولا تتبرج كي تثير كوامن الذكر، وتسيء لنفسها وحيائها الثرّ، بل من أجل أن تستر فيها عقلها وروحها النقية من الدنس، لأنها تدرك تماما بأن الحرية هي ممارسة عفوية، تعتمد الفطرة التي رافقت المرأة منذ نطفة الخلْق، على وفق منهج ديني رباني.. وُضع في خدمة الناس والأمم.. لا لضلالهم.
فالتي تفسد أنوثتها بالسلوك الرديء والمفردات الرخيصة بحجة الحرية.. هي على خطأ تام وفي تيْهٍ كثيف، لأنها لا تُمارس الحرية بقدر ما تُمارس الظلال والتخلف والجهل بقيمتها كامرأة، حباها الله تعالى بامتيازات لا حصر لها، كي يجعل منها لؤلؤة نادرة الوجود!، فلا يصح أن تسيء الى هذه الجوهرة الربانية، ولا يستحسَن بها أن تهدر تلك الامتيازات بممارسة حرية مزيَّفة.
المرأة لا تريد الحرية الكاذبة كي تتساوى مع الرجل، لأنها على يقين تام متيقنة بأنها لا تفاضل بين الذكر والأنثى.. فهي عارفة و واعية لفارق قوة التحمل بينهما.
فالذكية تطلب الحرية الأصيلة كي تتنفس.. كي تشهق أنفاس الوجود، مطمئنة بأنه لا وجود لذكر سيستأصل حرية نسلها، بفرض القمع عليها طالما كانت تعي ذاتها وتؤمن بقدراتها.. وحينما تغادر ضفاف الجهل، فلا أحد يفرض مفردة "العيب" على أركان مبادئها.
لهذا السبب نريد الحرية.. كي نتخلص من سرطان العنصرية والتمايز ولكي نكسر تلك السبابة التي تشير الى المرأة بالنقص والعورة.
أريد الحرية التي تطلق مواهبي ولا تخدعني، لأَنني امرأة المستحيل.. وسأدهش العالم بنوري الباهر وأضيء عتمة العالم بأفعالي وحضوري وأفكاري .
اضف تعليق