الإيثار جزء من التضحية، يناقض الأنانية، والاخيرة جزء من البخل، فالبخيل أناني، ومن يؤثر الآخرين على نفسه، فهو يضحي من أجلهم، وفي كل الاحوال لا يمكن أن يلتقي معنى الايثار وفعله، مع معنى البخل وفعله، فكلا المفردتين ينتميان في معناهما الى نقيضين هما، التضحية والأنانية، وعندما نبحث في نتائج الانتماء الى احدى هاتين القيمتين، فإننا سوف نصل الى نتائج متناقضة أيضا، فمن ينتمي الى البخل سوف يكون بخيلا أنانيا ليس في الجانب المادي فقط، بل سيمتد ذلك الى كل تفاصيل حياته، وكذلك بالنسبة لمن ينتمي الى الايثار، فهكذا انسان سوف ينتمي دونما ريب الى نكران الذات والتضحية من اجل الآخرين.
لماذا يؤثر الانسان انسانا آخر على نفسه؟، وما الاسباب التي تدفعه الى ذلك، هناك دافع رئيس هو الذي يقف وراء مثل هذا السلوك، وهو الايمان، فالإنسان الذي يكون مستعدا للتضحية من اجل غيره هو المؤمن الحقيقي، على العكس تماما من الانسان الذي لا يتحلى بالايمان، فهذا النوع من الناس لا يمكن أن يكون مستعدا لبذل التضحية من اجل الغير مهما كانت الاسباب، لكونه لا يتحلى بالإيمان، لهذا قلّما نجد بخيلا يتحلى بالإيمان الكامل، ويمكن القول في هذا الصدد أن الايمان هو الفيصل بين الايثار والبخل.
لذلك يقول الامام علي عليه السلام في (تحف العقول): (الإيثَارُ أَحْسَنُ الإحْسَانِ وَأَعْلَى مَرَاتِبِ الإيمَانِ). أي أن الإيثار هو الجود والكرم، أو إيثار الغير على النفس مع حاجته وخصاصته، وهذا يُعدّ من أفضل وأعلى اُسس الإيمان.
ولا يتعلق هذا الامر بالجانب الايماني فحسب، ولا الاخلاقي فقط، أي أن النتائج الجيدة لا تعود على الانسان بصيغة معنوية، تصب في جانب السمعة الحسنة له فحسب، إنما هنالك مردود ربحي مادي سوف يعود على الانسان الذي يجعل من الايثار طريقا واسلوبا للتعامل مع الآخرين، وهذا ما يؤكد عليه فن العرض الحديث الذي يأتي في علم الاقتصاد مقابل الطلب، فالإيثار عندما يكون هاجسا لصاحب السلعة المقدمة للناس، عند ذاك لا يمكن أن يواجه الخسارة المحتملة التي قد تطال الانسان عندما يتعامل وفق بطريقة البخلاء مع الزبائن.
إن صاحب السلعة المنتجة عندما يكون بخيلا، فإنه سوف يختار أسوأ المواد الاولية التي تدخل في الانتاج وأقلّها ثمنا، بمعنى سوف لا يضع في حساباته جودة السلعة المصنوعة وانما كيف يمكن أن يقدمها للزبون بأقل قيمة مالية ممكنة، على العكس من صاحب السلعة الذي لا يفكر بنفسه وارباحه فقط، بل يترك هامشا من الفائدة للزبون ايضا بسبب ميول المنتج للايثار، وبهذا تكون السلعة التي ينتجها صاحب الايثار أكثر جودة من السلعة التي ينتجها البخل، وبالنتيجة سوف تدخل السلعتان في مجال التجريب الفعلي من لدن الزبائن، وسوف يعرف الجميع من هي السلعة الافضل، ولا شك أنها ستكون سلعة المنتج الذي يؤثر الزبائن على نفسه.
أما الربحية التي سوف تتحقق في هذا المجال، هو الاقبال الكبير للزبائن على السلع ذات الجودة العالية مقابل الاسعار المناسبة التي تضمن نسبة من الربح للمنتج، على العكس من المنتج البخيل الذي قد يبيع السلعة نفسها بالسعر نفسه لكنها حتما سوف تكون بجودة اقل بكثير، وبهذا سوف يبتعد عنها الزبون فيتعرض صاحبها او منتجها الى خسائر كبير، ففي علم الاقتصاد ليس هناك خسارة اكثر من فقدان الزبون لأي سبب كان.
وهكذا نصل الى أن البخل لا يمكن أن يقود الانسان الى الربحية في شقّيها المادي والمعنوي، وإن كان الظاهر من البخل تحقيق المكاسب، لكنها في الحقيقة لا تصمد أمام السلعة التي يتم انتاجها وفق مبدأ الايثار الذي يدفع صاحب الانتاج الى التفكير بربحية أقل وجودة أكثر ليس فقط من اجل كسب الزبائن، ولكن انسانيته تدفعه الى هذا السلوك، فيكسب المال والانسان في الوقت نفسه، فيما يخسر البخيل كل شيء.
يقول الامام علي عليه السلام: (البُخْلُ يَكْسِبُ العَارَ وَيُدْخِلُ النَّارَ).
أما العار فهو يتأتى من النتيجة التي سوف تلحق بالبخيل الذي لا يترك طريقا او اسلوبا منافيا للأخلاق والانصاف إلا ودخله وجربه بسبب حرصه الشديد على تحقيق الكسب بعض النظر عن الطرق التي تقوده الى هذا المكسب، فالبخيل بالحقيقة لا يفكر هل هذه الطريقة صحيحة أم خاطئة لتحصيل المال، وهل هي مقبول ومشروعة أمن أنها محرّمة، وهل تدخل ضمن الاعراف المقبولة أم لا؟، فهو في الحقيقة غير معني اصلا بمنظومة القيم الانسانية كافة، فما يهمه اساسا هو الربح حتى لو كانت السبل غير مشروعة، لذلك سوف يكون بالنتيجة محط سخرية الاخرين بسبب العار الذي سوف يلحق به، فضلا عن الحساب الاخروي الذي ينتظره بسبب بخله ولجوئه الى اساليب غير مشروعة.
اضف تعليق