العفو لا يزيد صاحبهُ إلا عزاً،حمل القرآن الكريم في ثنايا آياته المباركة قواعد أخلاقية وسلوكية وتربوية ترتقي بالإنسان إلى مراتب عالية في الإنسانية والسمو الأخلاقي والنقاء الروحي والجسدي، ومن تلك القواعد أن وعدَ اللهُ سبحانه المتَّقين والعافين عن الناس درجة القرب إلى جواره وأجراً عظيماً...
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (العفو لا يزيد صاحبهُ إلا عزاً، فاعفوا يعزكم الله).
حمل القرآن الكريم في ثنايا آياته المباركة قواعد أخلاقية وسلوكية وتربوية ترتقي بالإنسان إلى مراتب عالية في الإنسانية والسمو الأخلاقي والنقاء الروحي والجسدي، ومن تلك القواعد أن وعدَ اللهُ سبحانه المتَّقين والعافين عن الناس درجة القرب إلى جواره وأجراً عظيماً، يقول تبارك تعالى: (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(آل عمران/133،134).
وقد رُوي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إذا أوُقف العباد نادى منادٍ: لِيَقًمْ مَنْ أَجْرُهُ على الله وَلْيدْخُل الجنَّة، قيل: من ذا الذي أجره على الله؟ قال: العافون عن النَّاس، ألم تسمعوا قوله تعالى: فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ).
ورُوي أن الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: (أقبل عُذر أخيك، وإن لم يكن له عُذرٌ فالتمس له عُذراً). ويقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): (لا يعتذر إليك أحد إلاَّ قبلت عُذره: وإن علمت أنَّه كاذبٌ). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (العفو لا يزيد صاحبهُ إلا عزاً، فاعفوا يعزكم الله).
الصَّفْحُ الجميل
قال الله تبارك وتعالى: (ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)(الحجر/85). ويوضِّحُ الإمام زين العابدين (عليه السلام) معنى (الصَّفحِ) في قوله تعالى: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)، فيقول (عليه السلام): (العفو من غير عتاب).
ويقول الإمام علي الرضا (عليه السلام) عن معنى ذلك أيضاً: (عفو من غير عقوبة، ولا تعنيف، ولا عتب). ويحثنا الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) على عدم التسرع بالعقوبة، كرد فعل على أحد أساء إلينا، فيقول (عليه السلام): (لا تتبع الذنب العقوبة وأجعل بينهما وقتاً للاعتذار).
إن للعفو عن الذنب فوائد نفسيّة واجتماعيّة ودنيويّة، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (تعافوا تسقط الضغائن بينكم). وقال (صلى الله عليه وآله): (مَنْ أقال مسلماً عثرته، أقال الله عثرته يوم القيامة). وقال (صلى الله عليه وآله) أيضاً: (تجاوزوا عن عثرات الخاطئين، يقيكم الله بذلك سوء الأقدار).
وقال تبارك وتعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(النور/22). كما رُوي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (من اعتذر إليه أخوه المسلم من ذنب قد أتاه، فلم يقبل منه، لن يرد عليَّ الحوضَ غداً).
ورُوي عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (مَنْ لم يقبل العُذر من مُتنصِّلٍ، صادقاً كان أو كاذباً، لم ينل شفاعتي). وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (أنقص الناس عقلاً، مَنْ ظَلَمَ من دونه، ولم يصفح عمَّن أعتذر إليه).
ما لا يعُذر فيه أحد
قال الإمام الصادق (عليه السلام): (ثلاثة لا عذر لأحدٍ فيها: أداء الأمانة إلى البَرِّ والفاجر، والوفاء بالعهد للبر والفاجر، وبرّ الوالدين برين كانا أو فاجرين). وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (جازِ بالحسنة، وتجاوز عن السيئة، ما لم يكن ثلماً في الدين أو وهناً في سلطان الإسلام).
وقال النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): (تجاوزوا عن الذنب ما لم يكن حدّاً). ويقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): (حقُّ من أساءك أن تعفو عنه، وإن علمت أن العفو عنه يضر انتصرت، قال الله تبارك وتعالى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ).
قال الإمام الحسين (عليه السلام): (إيّاك وما تعتذر منه، فإنَّ المؤمن لا يُسيء ولا يعتذر، والمنافق كلّ يوم يُسيء ويعتذر). وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا تعتذر من أمرٍ أطعتَ اللهَ سبحانه فيه، فكفى بذلك منقبة). وقال (عليه السلام): (مَنْ اعتذر مِنْ غير ذنب، فقد أوجبَ على نفسه الذنب). وقال (عليه السلام): (إعادة الاعتذار تذكيرٌ بالذنب).
من الواقع
واليوم، فإن العديد من المجتمعات المسلمة تعيش ظروفاً عير عادية، وبعضها يكابد أحوالاً صعبة وقاسية، ما انعكس سلباً على العلاقات المجتمعية، وقد وصل بعضها الى درجة القطيعة أو الانتقام. وبالتالي فإن الحاجة ماسّة الى تنمية ذاتية وأخلاقية قبل أي شيءٍ آخر، فإن مكارم الأخلاق محور رسالة الإسلام، وأس الحياة السليمة، يقول الإمام الشيرازي الراحل(قده):
(منذ أن قال النبي العظيم (صلى الله عليه وآله): (إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق)، أبدى الإسلام شيئاً لم يكن من قبل، وهو الارتباط الوثيق بين الدين والخلق، فمَنْ لا فضيلة له، لا دين له، وإنْ صلّى وصام وزكّى وحجّ، وإنّ الإنسان مهما سعى وجاهد لتحصيل الفضيلة وإزالة الرذيلة، لم يكن عمله عبثاً أو قليل الفائدة _كما يزعم بعضٌ_ إذْ مدار الرقي والذكر الحسن، ليس إلا الفضيلة فحسب).
فيجدر بالجميع الحث على التمسّك بمكارم الأخلاق، كالعفو عمّنْ أساء أو ظلَم، فإن في العفو الحلول للعديد من المشاكل النفسيّة والمجتمعيّة والسياسيّة. يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (إنّ الملاك هو أنّ يكون الشخص في نفسه يملك روح العفو، على شتّى الأصعدة والمستويات. فعلى الوالدين أنْ يعفوان عن أولادهم، والأولاد يعفون عن آبائهم وأمهاتهم، وهكذا بالنسبة للأقرباء بعضهم تجاه بعض، والطلاّب والزملاء والمؤمنات، وحتى على مستوى الحكومات، فالمشاكل التي ترونها اليوم للمسلمين، في الخارج والداخل، ولغير المسلمين، يرجع القسم الكبير منها إلى انعدام روحية العفو أو ضعفها، مع شديد الأسف، على مستوى الحكومات والأفراد).
اضف تعليق