كثيرا ما يطرح بعضهم آراءً أو حلولاً أو مقترحات، لكنهم في الوقت نفسه لا يمتلكون الحزم الكافي لتحويل الرأي أو المقترح من حالته النظرية اللفظية المجردة، الى التطبيق الفعلي على الأرض، وهذا الامر يشكل خسائر كثيرة لمن يتّصف به، فهناك الكثير من فرص الربحية بشقّيها المادي والمعنوي، تضيع على الانسان، لكونه يفتقر للحزم، ونتيجة لهذه الحالة التي تتواجد في شخصية البعض، يتعرض صاحبها الى خسائر قد تكون كبيرة، لاسيما اذا كان الامر يتعلق بكثرة إهدار الفرص بسبب التردد، او اللامبالاة، أو بالخلاصة بسبب قلة الحزم.
فكما يرى الحكماء والعلماء والعارفون، لأن الانسان اذا طرح رأيا ما، واقتنع به، عليه أن يتحلّى بإرادة التنفيذ، وهذا ما يطلق عليه أهل اللغة (عزم الانسان على تنفيذ أمر ما)، وقد ورد في النص القرآني المبارك: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين[آل عمران:159]، فالعزم والحزم متشابهان، ولا يليق بالانسان، أن يكون ضعيفا، مترددا، ومفتقرا للارادة التي تجعل من أفكاره ومفرداته قابلة للتنفيذ العملي.
ولا شك أننا صادفنا في حياتنا، أناس (يقولون ولا يفعلون)، والسبب غياب الحزم عن شخصياتهم وعقولهم وإراداتهم، فتراهم يقترحون الآراء والافكار، وعندما يتعلق الامر بالتنفيذ ينسحبون!، تردّداً أو ضعفا أو كسلا او خوفا وما شابه من أسباب..
لذلك نقرأ في هذا المجال للامام علي عليه السلام مقولةً مفادها (الْرَّأْىُ كَثِيرٌ وَالْحَزْمُ قَلِيلٌ). وهذه علّة لا ينبغي أن توجد في تركيبة الانسان النفسية، لأنها تضعف من قدرته على اتخاذ قرار معين بشأن جميع الامور التي تحتاج الى الحزم، أما الكسل أو العجز والتردد، فهي أسباب كلها تنتج عن السبب الرئيس، وهو عدم وجود حالة الجزم لدى الانسان.
بطبيعة الحال، لا يصح أن يقترن الحزم مع الآراء الخاطئة، أو النيّات المبيّتة، أو المقترحات المريبة والخاطئة، إنما يكون الحزم ذا مردود جيد ونتائج واضحة ومفيدة فقط عندما تكون الآراء والمقترحات مفيدة للذات وللآخرين، وإلا ما فائدة أن يخطط الانسان مثلا لتنفيذ جريمة معينة، ويكون حازما في تنفيذها، فالنتائج هنا تعود بالضرر على النفس وعلى الآخر، لذلك لابد أن يقترن الحزم مع التخطيط الجيد (فكرا ومضمونا وتنفيذا في الوقت نفسه)، بمعني من غير المفيد التمسك بالحزم اذا كان الهدف من ذلك ينطوي على أضرار قل أو كبر حجمها أو تأثيرها، ولا تختلف قيمة التأثير هنا سواءً طالت الفرد او الناس، فالنتيجة هي الأذى الحاصل من الاصرار على إلحاق الأذى بالجميع، لذلك لابد أن يقترن الحزم بالأهداف ذات المنافع والمكاسب الجماعية.
من هنا فإن منح ثقة الناس لفرد معين بخصوص الحزم، لا تُعطى جزافا، وإنما بعد تجربة ومعرفة بأن الشخص المقصود يتحلى بالرأي السديد والحزم معا، فالرأي كثيرا ما يكون موجودا على الساحة، ولكن قد يكون الحزم وبُعد النظر قليل، ولذلك لا يمكن في المسائل وغيرها من الاستشارات الاعتماد على رأي شخص ما، ما لم يتّضح أمر حزمه وتدبيره وبُعد نظره. والمراد بـ بُعد النظر أن يلاحظ الإنسان جميع جوانب الأمر الّذي يفكّر فيه ثم يتّخذ فيه رأياً يمكن الاعتماد عليه، وليس مثل أكثر الناس الّذين يرجّحون رأياً بأدنى مرجّح يخطر في بالهم من دون تأمّل في سائر جهات ذلك الرأي، وبعد ذلك تبدأ مهمة الشروع بالتنفيذ بإرادة حازمة، ولذلك غالبا ما تقترن الربحية بالتخطيط الجيد والإرادة الحازمة.
ولكي نضمن تحقيق الربحية وتجنّب الخسائر، لابد أن يقترن الحزم بالصبر بالاضافة الى الفضيلة وحسن الهدف كما سبق ذكره، لأن الامام عليه عليه السلام يقول أيضا: (الْحَزْمُ وَالْفَضِيلَةُ فِي الْصّبْرِ). فعندما نرغب بالربحية في مشروع ما، علينا أن نضع التخطيط اللازم، القائم على الآراء العلمية الصحيحة، مع وضع الخطوات الاجرائية والتنفيذية بصورة واضحة ودقيقة، ثم الشروع الحازم بالتنفيذ، لأنه من الواضح أنّ الصبر في الأُمور وعدم الإقدام على العمل إلاّ بعد التأمّل والتدبّر هو حزم وتدبير، وأنّ ذلك سببا في ارتفاع المرتبة أيضاً، باعتبار أنّ ما فعله الشخص بعد التأمّل والتفكّر كان أمراً حسناً، من هنا تكون الربحية مضمونة.
كذلك لابد من الإحاطة التامة بأمرٍ ما ثم اعتماد الحزم في معالجته، فمن الخطأ أن يكون الانسان حازما مع امر لم يخبره او يفهمه بصورة واضحة، أي لابد ان يكون له تصوّرا دقيقا عن الامر الذي سيتعامل معه بحزم، وعليه أن لا يطمئن للحزم في حالة جهله بالشيء، فالحزم يتناقض مع عدم معرفة الانسان لما يريده، كما نقرأ ذلك في قول الامام علي عليه السلام: (الطمأنينة قبل الخبرة خلاف الحزم)، لأن الحزم في القرارات والآراء الخاطئة ليس صحيحا، ولابد أن نذكّر مجددا أهمية ربط الحزم بإيجابية الرأي أو الهدف أو المشروع، فلا فائدة من حزم يجعل الباطل فوق الحق، لأن النتيجة الحتمية لمثل هذا السلوك، هو خسارة فادحة للانسان.
اضف تعليق