q

قضية التلوث البيئي باتت وفي ظل التطور الصناعي الكبير الذي يشهده العالم من اخطر القضايا العالمية في وقتنا الحاضر، بسبب اضراراها الصحية والاقتصادية الكبيرة والتي قد تسهم بإنهاء حياة العديد من المخلوقات على كوكب الارض كما يقول بعض الخبراء، الذين حذروا من تفاقم هذه المشكلة في ظل غياب اتفاق عالمي موحد لمحاربتها او تقليل اخطارها، والتلوّث حسب بعض المصادر، هو إحداث خلل كبير في توازن البيئة، ويحدث هذا الخلل نتيجة عمل تغيير في البيئة التي تعيش فيها الكائنات الحيّة، وهذا بفعل بشري من الإنسان ونشاطاته اليوميّة، حيث أنّ بعض السلوكيات الخاطئة والنّشاطات الغير مدروسة تؤثّر في البيئة التي تعيش فيها الكائنات الحيّة وتؤدّي إلى اختلالها وتغيّر بعض المعالم فيها. فالإنسان هو من يتحكّم بالبيئة، فإمّا أن يستغل مواردها بطريقة صحيحة فيفيد البيئة، وإمّا أن يستغلها بطريقة خاطئة وغبيّة فيضرّ البيئة ويسبّب تلوّثها.

وقد حذرت منظمة الصحة العالمية من أن التلوث أصبح أسوأ في الكثير من المدن حول العالم خلال الأعوام الماضية، ولا سيما في أفريقيا وجنوب شرق آسيا. وحدد خبراء المنظمة الأممية عوادم السيارات وحرق الفحم والنفط والغاز متهمين رئيسيين في تلوث الهواء. وأظهر التقرير أن نصف سكان العالم الذي يعيشون في مناطق حضرية، يتنفسون هواءً تبلغ فيه نسبة التلوث ضعفين ونصف الحد الأقصى المسموح به أمميا. وأشار تقرير المنظمة التابعة للأمم المتحدة إلى أن 90% تقريبا من سكان العالم يستنشقون هواءً ترتفع نسبة التلوث فيه بشكل ملحوظ عن الحدود التي توصي بها منظمة الصحة العالمية. واعتمد التقرير على بيانات من 1600 مدينة في 91 دولة، وتغطي البيانات الفترة من عام 2008 إلى 2013.

يضاف الى ذلك الملوثات الاخرى التي تؤثر على المياه والتربة، التي تضررت كثيرا جراء بعض الاخطاء البشرية والكوارث الكبيرة والمتنوعة، وهو ما دفع بعض العلماء والخبراء الى البحث عن سبل واجراءات جديدة قد تمكنهم من محاربة هذه المشكلة التي لاتزال قيد البحث والدراسة.

الطيور البحرية

و بحسب بعض المصادر الاعلامية فمع حلول عام 2050 سيؤثر التلوث على 99% من الطيور البحرية نظرا لابتلاع معظمها للنفايات البلاستيكية في جميع أنحاء العالم. وجاءت هذه النتائج وفقا لدراسة أجرتها الوكالة الوطنية الأسترالية للعلوم وكلية لندن الإمبراطورية، بين عامي 1962 و 2012 على 135 نوعا، من بينها طيور القطرس وطيور البطريق والنورس الطيور البحرية الأخرى.

وأشار الباحثون إلى أن "المستوى القياسي للتلوث في بعض المناطق بلغ 580 ألف قطعة بلاستيكية في الكيلومتر المربع الواحد، مما يشكل خطرا على الطيور التي تبتلع المواد البلاستيكية عن طريق الخطأ وهو ما يتسبب في بعض الأمراض أو حتى الموت".

وقال كريس ويلكوكس، أحد الباحثين بالوكالة الوطنية الأسترالية للعلوم، إنه "لأول مرة تمكنا من تبين مدى تأثير التلوث المنجر عن المواد البلاستيكية على الأنواع البحرية"، فقد بينت الدراسة أن حوالي 90% من الطيور البحرية قد ابتلعت البلاستيك وهو رقم ضخم بالمقارنة بعام 1960 التي بلغت فيه النسبة 5% فقط. ومنذ عام 1950 بدأت المنتجات البلاستيكية تتضاعف كل 11 عاما، ووفقا لما قاله الباحثون فإن "الكمية المنتجة الإجمالية معادلة لكل ما صنع بين عامي 2015 و2026"

نفايات سائلة

الى جانب ذلك تشهد أنهر عدة في غرب الولايات المتحدة، تلوثا ناجما عن انسكاب أكثر من 11 مليون ليتر من النفايات السائلة التي لونت مياهها بالبرتقالي، ما يثير مخاوف من وقوع أضرار كبيرة جراء هذا الوضع الخطير الناتج عن خطأ ارتكبه موظفو وكالة حماية البيئة. ويبدو المشهد في ولاية كولورادو غريبا بفعل التباين الملفت بين صور الأنهر الملونة بالبرتقالي وبين الخلفية الطبيعية الخلابة مع السماء الزرقاء والغابات الخضراء التي تنتشر بكثرة في المنطقة.

وانطلق التسرب من هذه الولاية بالذات حيث يتدفق نهر أنيماس قبل أن يتمدد إلى ولاية نيومكسيكو المجاورة تحديدا في نهر سان خوان. ووقعت الحادثة على مستوى منجم مهجور للذهب يعرف بـ”غولد كينغ ماين” كان يشهد تسربا لنفايات سامة. وقد أرسلت وكالة حماية البيئة موظفين إلى المكان بشكل عاجل لمحاولة سحب المياه ومعالجتها في المنجم المهجور، لكنهم تسببوا بالحادث عبر رمي خليط سام يحوي خصوصا أنواعا من المعادن الثقيلة والزرنيخ، في أحد روافد نهر أنيماس.

وبعد تقديرها بحوالي 3.8 مليون ليتر في البداية، فقد أعادت وكالة حماية البيئة تقدير حجم التلوث أخيرا بـ11.4 مليون ليتر، أي ما يوازي حجم أربعة أحواض سباحة أولمبية. وبالإضافة إلى الأثر الواضح على مستوى التلوث البصري مع تحول نهر أنيماس إلى شريط مائي برتقالي طويل والتبعات السلبية المباشرة على الموسم السياحي ومحبي رياضة التجذيف وركوب قوارب الكاياك، فإنها تتركز التساؤلات بشكل أساسي على آثار هذا التلوث على الصحة والموارد الزراعية.

وعلى مر الأيام، تراجعت حدة اللون البرتقالي في مياه النهر الملوثة، إلا أن النفايات السائلة تواصل طريقها. وتم إعلان حال الطوارئ في ولايتي كولورادو ونيومكسيكو ومحمية نافاغو نيشن للأمريكيين الأصليين. وتوقفت مدن عدة عن استخدام مياه الأنهر ومنعت الوصول إليها. وتجري تحاليل حاليا لمعرفة ما إذا كانت المياه تحوي مواد مسرطنة مثل الرصاص والزرنيخ، ومن المتوقع صدور النتائج في الأيام المقبلة.

وأكدت مديرة وكالة حماية البيئة جينا ماكارثي، أن “ما حدث يحزنني إلى أقصى الدرجات”. وأضافت: “نعمل بلا هوادة لإيجاد حل ونحن ملتزمون بكشف حقيقة ما حصل للحؤول دون تكراره مجددا”. وسلطت الحادثة الضوء على مجموعة من المناجم القديمة التي تمثل خطرا بيئيا في المنطقة. بحسب فرانس برس.

وينتشر في محيط نهر أنيماس حوالي مئتي موقع مهجور وفق صحيفة نيويورك تايمز. إلا أن تومي روبرتس رئيس بلدية مدينة فارمنغتون الواقعة في الخطوط الأمامية لمنطقة التسرب في ولاية نيومكسيكو اعتبر أن الرد الأولي لوكالة حماية البيئة كان معدوما بأقل تقدير. وقد يتمدد التسرب في اتجاه نهر كولورادو ثم عبر الأخدود العظيم (غراند كانيون) وبحيرة ميد التي تمثل مصدرا مهما للمياه بالنسبة لمدينة لوس أنجلوس وجنوب ولاية كاليفورنيا التي تعاني موجة جفاف خطيرة.

انفجارات ومواد كيميائية

في السياق ذاته لا تزال الصين تلملم خسائرها المتضاعفة سواء تلك الناتجة عن الكوارث البشرية أو الطبيعية، ما يهدد بـ«كارثة» صحية ربما تتعرض لها البلد المكتظة بالسكان، على خلفية انهمار المطر، على موقع الدمار الناجم عن انفجارات في مدينة تيانجين الشعبية الكبرى شرق البلاد، ما ضاعف المخاوف من التلوث بالمواد الكيميائية. وعن مصادر رسمية، يوجد حوالي 700 طن من سيانيد الصوديوم، وهي مادة شديدة السمية، في المخزن الذي وقعت فيه الانفجارات العنيفة في مدينة تيانجين الساحلية. ويؤدي المطر إلى تفاعل المواد الكيميائية وانتشارها على رقعة أوسع بالبيئة سواء في الهواء أو التربة أو المياه.

وفيما لا يزال التوتر الحاد سائدًا بين السكان فتح تحقيق حول مسؤول صيني كبير مكلف بضمان أمن العمل. وتؤكد السلطات عدم وجود خطر على السكان من الهواء والماء، لكنهم يبدون مزيدًا من القلق والتشكيك، فيما دعت منظمات على غرار جرينبيس إلى اعتماد الشفافية.

وأمرت السلطات الصينية بإخلاء السكان في دائرة نصف قطرها ثلاثة كيلو مترات من موقع انفجار تيانجين، وذلك خوفا من حدوث تلوث كيميائي. وجاءت عمليات الإخلاء بعد تأكيد الشرطة العثور على آثار مادة سيانيد الصوديوم الكيميائية، شديدة السمية، بالقرب من موقع الانفجار. وقالت وكالة شينخوا الصينية للأنباء إنه تم العثور على رجل مازال على قيد الحياة، على مسافة 50 مترا من مركز الانفجار.

وأشارت تقارير إلى أن السلطات طلبت من مواطنين مغادرة المدرسة التي يحتمون بها منذ وقوع الكارثة، ونصحتهم بارتداء أقنعة وسراويل طويلة. وذكرت شينخوا أن عددا من السيارات انفجرت مرة أخرى في موقع الحادث، الذي أدى لمقتل 85 شخصا بينهم 21 رجل إطفاء، وأصاب المئات ومن بين 721 جريحا يوجد 25 في حالة حرجة و33 في حالة خطيرة، كما قُتل ما لا يقل عن 21 من رجال الاطفاء، ومازال هناك عدد غير معروف في عداد المفقودين.

من جانب اخر قال نائب رئيس الوزراء الصيني وانغ يانغ إن الصين تواجه "مهمة صعبة" لتطهير أنهارها وبحيراتها كما تحتاج إلى تغيير جوهري لموقفها بشأن اعطاء الأولوية للبيئة على التنمية الاقتصادية. ونشرت الصين خطة لمكافحة تلوث المياه في ابريل نيسان وتعهدت بتحسين إمدادات المياه في أكبر دول العالم من حيث عدد السكان وثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد سنوات من التلوث الكبير الناجم عن التنمية الصناعية.

وثلث أحواض الأنهار الرئيسية في الصين و60 في المئة من مياهها الجوفية ملوثة. وقال وانغ في اجتماع لبحث جهود البلاد حتى الآن إن الوقاية من تلوث المياه لا تزال "مهمة صعبة". وأضاف "لا نحتاج فقط إلى تغيير جوهري في طريقة التفكير المتعلقة بالتنمية وسبلها ولكننا نحتاج أيضا إلى تقدم تكنولوجي والتزام ودعم قانوني."

وتهدف خطة العمل الجديدة إلى حظر مصانع الورق والمصافي النفطية والمصانع المنتجة للمبيدات الحشرية وغيرها من المصانع التي تلوث المياه بنهاية عام 2016 في محاولة لحماية إمدادات المياه الشحيحة في الصين. وتعزيز القواعد البيئية يمثل منذ فترة طويلة مشكلة في الصين إذ أن الشركات المملوكة للدولة تدفع بشكل روتيني الغرامات بدلا من الوفاء بالقواعد. وقال وزير حماية البيئة الصيني تشن جينينغ إن الحكومات المحلية كثيرا ما تركز على النمو وجمع أموال الضرائب بدلا من حماية البيئة.

نباتات بمادة "تي ان تي"

من جانب اخر يعتزم علماء استغلال مادة "تي ان تي" شديدة الانفجار والسامة بالنسبة للنبات في تطهير كثير من المواقع الملوثة بهذه المادة الناسفة في شتى أرجاء العالم. وقال باحثون بريطانيون إنهم اكتشفوا انزيما في النبات له القدرة على التفاعل مع المادة الشديدة الانفجار الموجودة في التربة بالأماكن الملوثة بها وهي المادة التي يمكنها إتلاف خلايا النبات وإهلاك مختلف المزروعات.

وأضافت الدراسة أنه يمكن الاستعانة بالطرق التقليدية في تربية النبات لانتاج نباتات مثل النجيل يمكن أن يخلو من هذا الانزيم ليصبح ذا مقاومة شديدة لمادة "تي ان تي" وبالتالي يمكن عندئذ إعادة زراعة مثل هذه النباتات في التربة الملوثة لازالة هذه المادة من البيئة المحيطة بالنبات. وقال نيل بروس استاذ التكنولوجيا الحيوية بجامعة يورك البريطانية المشرف على هذه الدراسة التي وردت في دورية العلوم (ساينس) "توجد مساحات كبيرة من الاراضي الملوثة بالمتفجرات وثمة حاجة ملحة لايجاد حلول مستديمة زهيدة التكلفة لاحتواء الموقف. ولدى النبات مثل هذه القدرة إذا أمكننا الحد من مشكلة السمية". بحسب بي بي سي.

ويذكر أن مادة "تي ان تي" المتفجرة ليست سامة للنبات فحسب بل للحيوانات والميكروبات والحياة البحرية ايضا. وتترسب المادة في جذور النبات ما يؤدي الى تثبيط عمليات النمو أو تخصص الخلايا لأداء الوظائف الحيوية المختلفة. وتستخدم تلك المادة شديدة الانفجار منذ أكثر من قرن، وتم تصنيع كميات هائلة منها واستخدمت بالفعل، ذ ما أدى الى تلويث ميادين التدريب على الرماية العسكرية ومواقع نفايات التصنيع والمناجم ومناطق الحروب والصراعات. كما تقاوم هذه المادة التحلل بفعل الميكروبات وتظل في التربة عقودا من الزمن.

اضف تعليق