يرى الباحثون أنه ينبغي التأهُّب لمزيدٍ من الزلازل والهزَّات الارتدادية، التي تُضاف إلى ما تشهده المنطقة من أحوال جوية قاسية، واحتمالات حدوث هزات ارتدادية كبرى، تخلِّف مزيدًا من الدمار، سوف تستمر لأسابيع قادمة، أو حتى شهور، وأولئك الباقين أحياءً تحت الأنقاض، بانتظار من ينتشلهم، قد يهلكون من البرد...
بقلم: ميريام نداف
بقوة 7.8 درجة على مقياس ريختر، ضرب زلزال المناطق الواقعة جنوب شرق تركيا ومناطق من سوريا في الساعات الأولى من صباح يوم الاثنين الماضي، السادس من فبراير، مخلِّفًا ما لا يقل عن خمسة آلاف قتيل، وآلاف الجرحى. وقد أُتبِعَت هذه الهزة الأرضية بأخرى بعد نحو تسع ساعات، بلغت قوتها 7.5 درجة على مقياس ريختر، فضلًا عن توابع الزلزال التي فاق عددها 200 هزة ارتدادية.
على أثر هذا الزلزال المدمِّر، الذي سوَّى بالأرض كثيرًا من الأبنية، هُرِعَتْ فرق الإنقاذ إلى المناطق المتضررة بحثًا عن ناجين أحياءٍ تحت الأنقاض، وسط توقُّعات بارتفاع حصيلة الضحايا. وقد تحدثت دورية Nature إلى أربعة باحثين لسؤالهم عن النشاط الزلزالي في هذه المنطقة، وما تحمله الأيام القليلة المقبلة.
تركيا تقع في منطقة زلازل نشطة
الجزء الأكبر من الأراضي التركية يقع فوق ما يُعرف بالصفيحة الأناضولية، المنحصرة بين صدعَيْن كبيرين في القشرة الأرضية: صدع شمال الأناضول، وصدع شرق الأناضول. ويقول ديفيد روثري، عالم الجيولوجيا بالجامعة المفتوحة في ميلتون كينز بالمملكة المتحدة، إن الصفيحة التكتونية التي تحمل شبه الجزيرة العربية، ومنها سوريا، تتحرك شمالًا، فتصطدم بالحافة الجنوبية لأوراسيا، لتزيح الأراضي التركية جهة الغرب. وأضاف: "أرض تركيا تنزاح غربًا بمقدار سنتيمترين تقريبًا كل عامٍ على امتداد صدع شرق الأناضول، ونصف هذا الصدع يشهد حاليًّا نشاطًا زلزاليًا كبيرًا".
وذكرَتْ سيهون بوسكولكو، الباحثة في علم الزلازل ومنسقة «مؤسسة الزلازل التركية»، أن الشعب التركي على دراية بأن بلادهم عُرضة للزلازل، ولذلك لم يكن وقوع هذا الزلزال بالنسبة إليهم "بالشيء المفاجئ"، على حد وصفها، وهي التي طافت بثلاث مدن تركية الأسبوع الماضي، هي أضنة وطرسوس ومرسين، وبعض المناطق الواقعة غربي البلاد، ونظَّمَت بها وِرَشًا للتوعية بأخطار الزلازل.
تبعُد بؤرة الزلزال الرئيس 26 كيلومترًا عن مدينة نورداغي، الواقعة في مقاطعة غازي عنتاب التركية، على عمق 17.9 كيلومتر. أما الهزة التي بلغت قوتها 7.5 على مقياس ريختر فقد وقعت على بعد 4 كيلومترات إلى الجنوب الشرقي من مدينة إكينوزو، في مقاطعة قهرمان مرعش.
مبانٍ ضعيفة.. أصبحت بسبب الحرب أضعف
أكثر ضحايا الزلازل يفقدون حياتهم عندما تنهال فوق رؤوسهم الجدران المبنية بالطوب والحجارة. وقد أوضحت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن كثيرًا من المتضررين من الزلزال التركي كانوا يعيشون في مبانٍ معرَّضة لأن تتهدَّم إذا ما تعرَّضت للاهتزاز؛ ذلك أنها أبنية قليلة الارتفاع ومبنيَّة بحجارة غير مقوَّاة.
في دراسةٍ1 نُشرت في مارس الماضي بدورية متخصصة في علوم التربة والزلازل، تسمَّى «سُويل دايناميكس آند إيرثكويك إنجنيرنج» Soil Dynamics and Earthquake Engineering، أشارت أرزو أرسلان كيلام، الباحثة بجامعة الشرق الأوسط التقنية بالعاصمة التركية أنقرة، ومعها فريقها الذي شارك في وضع الدراسة، إلى أن مركز مدينة غازي عنتاب سوف يشهد زلزالًا تتراوح شدَّته بين متوسط وقوي (يبدأ من 6.5 درجة على مقياس ريختر). والسبب في ذلك إنما يرجع إلى أن أغلب مباني المنطقة قليلة الارتفاع، ومبنيَّة بالطوب وحده، ولا يفصل بينها مسافات كافية.
في عام 1999، وقع زلزال على بعد 11 كيلومترًا إلى الجنوب الشرقي من مدينة إزميت التركية، أسفر عن مقتل أكثر من 17 ألف شخص، وتشريد ما يربو على 250 ألفًا آخرين. وإثر تلك الفاجعة، وضعت الحكومة التركية قواعد جديدة للبناء، وفرضت نظام تأمين إجباريًا ضد أخطار الزلازل. غير أن كثيرًا من البنايات المتضررة من الزلزال الذي وقع هذا الأسبوع يعود تاريخ بنائها إلى ما قبل عام 2000، حسبما أفاد مصطفى إرديك، الباحث المتخصص في الهندسة المدنية بجامعة بوغازيتشي التركية.
إذا كان هذا حال تركيا، فلا عجب في أن يكون حال سوريا أسوأ، في ظل الصراع الدائر منذ أكثر من 11 عامًا، والذي جعل فرض معايير معينة للبناء أمرًا عصيًّا على التحقُّق. ضرب الزلزال المناطق الشمالية الغربية من سوريا، ليُصادف أبنيةً متهاويةً في حلب وإدلب. وبعض المباني التي دمَّرتها الحرب أُعيد بناؤها بمواد منخفضة الجودة، أو اعتمادًا على "أي مواد متاحة"، حسب قول روثري، الذي أردف قائلًا: "هذه الأبنية كانت أكثر عُرضةً للسقوط من تلك التي تكلَّف بناؤها مبالغ أكبر نسبيًا.. سوف نرى".
ماذا بعد؟
يرى الباحثون أنه ينبغي التأهُّب لمزيدٍ من الزلازل والهزَّات الارتدادية، التي تُضاف إلى ما تشهده المنطقة من أحوال جوية قاسية. يقول إيلان كيلمان، المتخصص في دراسة الكوارث وقضايا الصحة بالكلية الجامعية في لندن: "احتمالات حدوث هزات ارتدادية كبرى، تخلِّف مزيدًا من الدمار، سوف تستمر لأسابيع قادمة، أو حتى شهور".
وأضاف: "درجات الحرارة في المنطقة سوف تنخفض الليلة إلى ما دون درجة التجمُّد، ومعنى ذلك أن حتى أولئك الباقين أحياءً تحت الأنقاض، بانتظار من ينتشلهم، قد يهلكون من البرد. وإن دلَّ كلُّ ذلك على شيء، فإنما يدل على أن الخطر لم يزُل بعد".
اضف تعليق