من المتوقع أن ترتفع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية من الوقود الأحفوري بنسبة 1٪ خلال عام 2022، لتسجل رقمًا قياسيًّا جديدًا يبلغ 37.5 مليار طن، في حال استمرار هذا الاتجاه، قد تطلق البشرية في غضون تسع سنوات فقط ما يكفي من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي لرفع درجة حرارة الأرض...
بقلم: جيف توليفسون
تظهر في الصورة، التي التُقطت في 5 أكتوبر 2022، محطة نيدراوسم لتوليد الطاقة، التي تعمل بالليجنيت، والتي تديرها شركة الطاقة الألمانية العملاقة «آر دبليو إي» RWE بالقرب من نيدراوسم في غرب ألمانيا، تخطط شركة الطاقة الألمانية «آر دبليو إي» لهدم منازل قرية لوتسيرات بالكامل بغرض تعدين الفحم، كما أعلنت «آر دبليو إي» في 4 أكتوبر 2022 عن وقف إنتاجها لطاقة الفحم بحلول عام 2030، وسط مخاوف من تذبذب خطط الدولة للتخلي عن الوقود الأحفوري في أعقاب أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا.
أعلن العلماء اليوم، في المؤتمر السابع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «كوب 27» في شرم الشيخ في مصر، أنه من المتوقع أن ترتفع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية من الوقود الأحفوري بنسبة 1٪ خلال عام 2022، لتسجل رقمًا قياسيًّا جديدًا يبلغ 37.5 مليار طن، في حال استمرار هذا الاتجاه، قد تطلق البشرية في غضون تسع سنوات فقط ما يكفي من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي لرفع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، حدد اتفاق باريس بشأن المناخ لعام 2015 هذا الحد الطَّموح في محاولة لتجنُّب أكثر العواقب المناخية خطرًا على الكوكب.
تقول كورين لو كيري، اختصاصية علم المناخ في جامعة إيست أنجليا في نورويتش في المملكة المتحدة، والعضوة في «مشروع الكربون العالمي» Global Carbon Project الذي أجرى التحليل: "تسع سنوات ليست مدةً طويلة"، وفق تصريحاتها، من الواضح أنه ما من مؤشر لنوع الانخفاض المطلوب لتحقيق الأهداف الدولية، وحتى مع اتخاذ إجراءات صارمة، تشير النماذج المناخية إلى أنه من المرجح أن يتجاوز العالم عتبة الـ1.5 درجة مئوية في وقتٍ ما خلال العقد الرابع من القرن الحادي والعشرين، على الأقل مؤقتًا.
يأتي تزايُد الانبعاثات في الوقت الذي يواجه فيه العالم أزمة طاقة أثارتها الحرب في أوكرانيا، ويواصل التعافي من جائحة «كوفيد-19»، يقول العلماء إن أحد العوامل المساهمة في ذلك هو الارتفاع في استهلاك الفحم الذي يُعزى جزئيًّا إلى الجهود الأوروبية الرامية إلى تعويض وقف شحنات الغاز الطبيعي من روسيا، كما ارتفع استهلاك النفط أيضًا بسبب استئناف السفر الجوي؛ إذ رفعت الحكومات القيود المفروضة في هذا الصدد، على الرغم من كونها أقل بكثير من الزيادات السنوية في إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري البالغة 3٪ والتي حدثت خلال أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فإن الزيادة المتوقعة هذا العام بنسبة 1٪ تُمثل أكثر من ضِعف متوسط معدل الزيادة في العقد الماضي.
تُسجل الهند أسرع نمو في الانبعاثات، إذ يؤدي الاستهلاك المتزايد للفحم والنفط هناك إلى زيادة في الانبعاثات تُقدر بنحو 6٪ مقارنةً بعام 2021 (انظر: ‘Emissions update’)، الجدير بالذكر أنه من المتوقع أن تنخفض انبعاثات الصين، أكبر دولة مُصدرة للانبعاثات في العالم، بنسبة 1٪ تقريبًا، إذ يُتوقع أن يظل استخدام الصين للفحم ثابتًا هذا العام بسبب عمليات الإغلاق الصارمة لمواجهة جائحة «كوفيد-19» التي حدت من النمو الاقتصادي، لكن بشكل عام، يُقدر العلماء أن الانبعاثات من حرق الفحم ستزيد بنحو 1٪ ويمكن أن تسجل رقمًا قياسيًّا جديدًا، ويرجع ذلك في الغالب إلى الاعتماد المتجدد على محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في الهند وأوروبا.
نداء من أجل العمل المُعجَّل
وفق تصريحات ريتشارد نيويل، الذي يرأس مؤسسة موارد من أجل المستقبل، وهي مؤسسة بحثية بيئية مقرها واشنطن العاصمة، فإنه على الرغم من كون الأرقام الأخيرة مثيرةً للقلق، إلا أنها لم تكن مفاجئة خلال مؤتمر «كوب 27»، أوضح نيويل أن العالم لا يزال يعتمد على الوقود الأحفوري لإنتاج حوالي 80٪ من طاقته، وأنه "بعملية حسابية بسيطة سيتضح لك أن انبعاثاتك ستزداد ما دام لديك اقتصاد متنامٍ واقتصاد يعتمد على الوقود الأحفوري".
ومع ذلك، تظهر بوادر مبكرة للتحول إلى الطاقة النظيفة؛ فعلى وجه التحديد، أصبح قطاع الطاقة أكثر نظافةً في العديد من الدول، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى التوسع في موارد طاقة الرياح والطاقة الشمسية التي أصبحت ميسورة التكلفة على نحوٍ متزايد، فضلًا عن التحول من الفحم -أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثًا للبيئة- إلى الغاز الطبيعي، وفقًا لنيويل، من المُرجح أن يكون ارتفاع الانبعاثات من الفحم في أوروبا هذا العام مجرد "تغيُّر قصير الأجل"، "أدت أزمة الطاقة إلى تسريع التحوُّل نحو الطاقة النظيفة، على المدى الطويل".
يشير تحليل «مشروع الكربون العالمي» إلى أن تحقيق الأهداف المنصوص عليها في اتفاق باريس سيتطلب انخفاضًا في انبعاثات الكربون بنحو 1.4 مليار طن سنويًّا، أو ما يقرب من 4٪ سنويًّا، مع تحقيق صافي الانبعاثات الصفري بحلول منتصف القرن تقريبًا، ترى لو كيري أن هذا مشابه لتخفيضات الانبعاثات التي شهدناها في عام 2020، عندما طبقت الحكومات في جميع أنحاء العالم عمليات الإغلاق في مواجهة جائحة «كوفيد-19»، "ذلك يسلط الضوء على حجم العمل المتضافر اللازم لمعالجة تغير المناخ".
يقول جلين بيترز، الباحث في سياسة المناخ في مركز أبحاث المناخ الدولي في أوسلو، والذي لا يشارك في «مشروع الكربون العالمي»: إنه مع تحول نظام الطاقة إلى الطاقة النظيفة على نحوٍ متزايد كل عام، فإن هناك مسارات للمضي قدمًا، كما يرى بيترز أن سياسات المناخ التي تنفذها الحكومات تعمل إلى حدٍّ ما، "لكن هذا يحتاج حقًّا إلى التعجيل بوتيرة أسرع بكثير".
اضف تعليق