الأعشاب من بين النباتات الأسرع تكيفاً مع درجات الحرارة المتزايدة، إذ باتت تزهر قبل موعدها بشهر، لكن هذا الإزهار المبكر شتاءً يمكن أن يجعلها عرضة للتلف بالصقيع ما يعطل السلسلة الغذائية للحيوانات والطيور، حذر علماء متخصصون بالتغير المناخي من أن ارتفاع درجات الحرارة بات يتسبب في إزهار بعض النباتات قبل شهر تقريباً...
الأعشاب من بين النباتات الأسرع تكيفاً مع درجات الحرارة المتزايدة، إذ باتت تزهر قبل موعدها بشهر، لكن هذا الإزهار المبكر شتاءً يمكن أن يجعلها عرضة للتلف بالصقيع ما يعطل السلسلة الغذائية للحيوانات والطيور.
حذر علماء متخصصون بالتغير المناخي من أن ارتفاع درجات الحرارة بات يتسبب في إزهار بعض النباتات قبل شهر تقريباً من موعدها الطبيعي، مما يهدد بخطر حدوث أضرار بسبب الصقيع وبالتالي تعطيل دورات تغذية الحيوانات والطيور.
ورصدت دراسة أجراها باحثون في جامعة كامبريدج البريطانية تسجيل أكثر من 400 ألف حالة إزهار لـ 406 أنواع من الأشجار والشجيرات والأعشاب والنباتات المتسلقة في جميع أنحاء المملكة المتحدة. ووجد الباحثون أن متوسط تاريخ التزهير الأول بين عامي 1987 و2019 هو 30 يوماً قبل متوسطه في الفترة بين 1753 و1986.
وقام الباحثون بالاحتفاظ بالأنواع المزهرة في قاعدة بيانات تسمى "تقويم الطبيعة"، تحتوي على ملاحظات العلماء وعلماء الطبيعة والبستانيين الهواة والمحترفين منذ أكثر من مئتي عام، في هذا السياق وصف الأستاذ أولف بونتغين الذي قاد الفريق البحثي، النتائج بـ "مثيرة للقلق حقاً" بسبب التهديدات البيئية التي يشكلها الإزهار المبكر.
ويضيف بونتغين أن الطقس الربيعي في المملكة المتحدة يمكن أن يصبح أكثر شيوعاً في فبراير/ شباط، إذا استمرت درجات الحرارة في الارتفاع عالمياً بالمعدل الحالي. ويمكن أن يكون لهذا التغيير السريع في الدورة الطبيعية للإزهار تأثير كبير على الغابات والمزارع والحدائق.
مخاطر إزهار النبات المبكر؟ وقالت الدراسة إنه يمكن أن يؤدي الصقيع المتأخر إلى قتل أو إتلاف النبات الذي يزهر مبكراً. لكن على الرغم من ذلك أكد الباحثون أن التهديد الأكبر ينعكس على الحياة البرية كالطيور والحشرات التي طورت مراحل تأقلمها تزامناً مع إزهار النباتات وحملها للثمار التي تعتمد عليها الطيور والحشرات للبقاء على قيد الحياة. وإذا ما تعطلت دورة النبات هذه، فإن النتيجة ستؤدي إلى ما وصفوه بـ "عدم تطابق بيئي".
وقال بونتغين في بيان صحفي: "إذا أزهرت نبتة ما، فإنها تجتذب نوعاً معينا من الحشرات، تجذب هي الأخرى نوعاً ما من الطيور وهلم جرا". ويضيف المسؤول عن الدراسة مستطرداً: "ولكن إذا كان أحد المكونات يستجيب بشكل أسرع من المكونات الأخرى من هذه الحلقة، فهناك ثمة خطر من أنها ستخرج عن هذا التناغم، مما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار الأنواع إذا لم تستطع التكيف بالسرعة الكافية".
وبحسب الدراسة فقد تم العثور على أكبر تحول إلى الإزهار المبكر، بمعدل 32 يوماً، في الأعشاب القادرة على الخضوع للتكيف الجيني السريع. الأمر الذي وصفه بونتغين بـ "التغير الهائل"، ويوضح المسؤول عن الدراسة أن هناك حاجة إلى مزيد من البيانات من أجل لدراسة آثار الإزهار المبكر على النظام البيئي الأوسع نطاقاً.
يُذكر أن الأمم المتحدة كانت قد كشفت في يناير/ كانون الثاني الماضي أن السنوات السبع الماضية كانت الأكثر سخونة على الإطلاق عالمياً، إذ بلغ متوسط درجة الحرارة العالمية في 2021 حوالي 1.11 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعة.
النحل الجائع يحفز النباتات على الإزهار مبكرا
عندما يخرج النحل من السبات الشتوي يحتاج إلى جمع اللقاح لإنعاش مستعمراته، لكن إن استيقظ النحل في وقت أبكر فإنه لن يحظى بالكثير من الأزهار، وفي دراسة نشرت مؤخرا في جامعة "ETH Zürich" السويسرية اكتشف العلماء أن النحل يدفع النباتات لأن تزهر قبل أوانها، من خلال إحداث ثقوب في أوراق النباتات، وفقا لما نقلته مجلة "ساينس" العلمية، وعن طريق الصدفة، اكتشف الباحثون في الدراسة التي خصصت أصلا للبحث في طرق استجابة النحل للروائح المختلفة الصادرة عن النباتات، وأضيف النحل الطنان إلى مجموعة الدراسة داخل بيت زجاجي، ولاحظوا أن هذا النحل يقوم بإحداث ثقوب نصف دائرية في أوراق النباتات، في البداية ظن الباحثون أن النحل يقوم بذلك كي يشبع جوعه، إلا أنه لم تكن هنالك مؤشرات بأن النحل كان يأخذ الأوراق معه إلى المستعمرات، أو أنه كان يتغذى على العصارة المستمدة من قطع الأوراق، وخلص العلماء خلال مراقبتهم لنحل العسل أن المستعمرات التي تملك كميات أقل من الغذاء بادرت إلى إتلاف الأوراق بشكل أكبر، وهذا دفع النباتات إلى الإزهار مبكرا لتزويد اللقاح للمستعمرات الجائعة.
ويعود السبب في الإزهار المبكر إلى أن النباتات عندما تستشعر إصابتها بمرض أو وقوع جفاف فإن تلك التهديدات تحفزها على الإزهار قبل أوانها، لكن الدراسة وثقت المرة الأولى التي تقوم فيها حشرات ملقحة بالتحكم بدورة حياة النباتات.
ظاهرة نادرة تحدث لأول مرة منذ 812 عاماً
أظهر بحث جديد أن موسم إزهار الكرز الذي يعد علامة الربيع التقليدية في اليابان، بلغ ذروته في أقرب وقت منذ أن بدأت السجلات في تدوينه قبل 1200 عام، ووفقا لهيئة الإذاعة البريطانية، بلغ موسم 2021 في مدينة كيوتو ذروته في 26 مارس الجاري، وفقًا للبيانات التي جمعتها جامعة أوساكا، ويقول العلماء إن الإزهار المبكر على نحو متزايد في العقود الأخيرة من المرجح أن يكون نتيجة لتغير المناخ.
وتعود السجلات من كيوتو إلى عام 812 بعد الميلاد في وثائق ومذكرات البلاط الإمبراطوري الياباني، وكانت قد شهدت المدينة ربيعًا دافئًا بشكل غير عادي هذا العام، أما عن الرقم القياسي السابق الذي تم تدويه كان في عام 1409، حتى وصل الموسم إلى ذروته في 27 مارس، وهذه الأزهار الفريدة من نوعها وتسمى أزهار «ساكورا» باللغة اليابانية لا تدوم إلا لبضعة أيام فقط، لكن مظهرها مهم للغاية، اقتصاديًا وثقافيًا، وتعتبر مجموعة البيانات الخاصة بموسم أزهار الكرز في اليابان ذات قيمة خاصة لأنها تعود إلى زمن بعيد.
وفي كيوتو، تعيد سجلات توقيت الاحتفالات بمهرجانات أزهار الكرز التي تعود إلى القرن التاسع لإعادة بناء المناخ السابق وإثبات الزيادة المحلية في درجة الحرارة المرتبطة بالاحتباس الحراري والتوسع الحضري، وفقًا لورقة بحثية سابقة نُشرت في المجلة العلمية (بيولوجيكال -Biological)، ووفقا للورقة البحثية: "لقد بحثت وجمعت البيانات الفينولوجية لتاريخ الإزهار الكامل لشجرة الكرز (Prunus jamasakura) من العديد من اليوميات والسجلات التي كتبها الأباطرة والأرستقراطيين والحكام والرهبان في كيوتو"، وعلم الفينولوجيا هو دراسة الفصول والأحداث البيولوجية المتكررة، وتشير البيانات المدونة منذ حوالي عام 1800 إلى أن تاريخ الذروة في كيوتو يتحرك تدريجيًا من منتصف أبريل حتى بداية الشهر، حيث تتم مراقبة موسم إزهار الكرز بدقة، وهذا العام، بدأ الموسم في هيروشيما في 11 مارس، أي قبل 8 أيام من الرقم القياسي السابق الذي تم تسجيله في عام 2004.
لماذا يحذر العلم من المشهد المبهج؟
لكن رغم ألوان الزهور المبهجة، حذر علماء من أن الإزهار المبكر ليس سوى علامة على أزمة مناخية تلوح في الأفق، إذ يمكن أن يعني درجات حرارة أكثر ارتفاعا خلال فصل الربيع، وتستقبل واشنطن في مثل هذه الأيام كل سنة، مئات آلاف الزوار من الولايات الأميركية المختلفة ومن خارج البلاد أيضا، لمشاهدة ألوان الأزهار اليابانية النادرة، فيما ألقت جائحة فيروس كورونا بظلالها على أحد أشهر المواسم السياحية في العاصمة الأميركية منذ الربيع الماضي، إلا أن الجائحة لا تستطيع حجب الجمال، فعلى ضفة نهر بوتوماك وقرب النصب التذكاري للرئيس الأميركي الأسبق توماس جيفرسون، أزهرت آلاف أشجار الكرز أو "الساكورا"، ورسمت لوحات فنية خلابة.
يقول أحد المارة لموقع "سكاي نيوز عربية": "هذه أول مرة آتي إلى هنا منذ سنتين تقريبا حيث كان المكان مكتظا. لكنني أفضله هكذا"، وتقول شابة أخرى من أصول مكسيكية كانت تلتقط بعناية صورا للأزهار: "أقيم في ماريلاند. لم أتمكن السنة الماضية من القدوم، لذلك أتيت اليوم لألتقط صورا وأرسلها لعائلتي".
ولكي يلتقط الزوار صورا مع أشجار الكرز النادرة، فإن عليهم الالتزام بمعايير السلامة، خاصة ما يتعلق باحترام التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات، وقال مايك تيلرست، المتحدث باسم المتنزه الوطني في واشنطن، إن الوضع مختلف هذا العام عن الماضي، وأضاف أن "الناس ومع تحسن الطقس يخرجون بأعداد كبيرة، ويصبح من الصعب السيطرة عليهم، لكننا هذه السنة استعدينا جيدا. إذا لم يلتزم الجميع سواء كانوا من سكان العاصمة أو زوارها، فإنهم سيمنعون من الدخول إلى هنا".
وأكدت رئيسة مهرجان أزهار الكرز في واشنطن ديانا مايهيو، أن الإغلاق جاء العام الماضي "قبل 9 أيام تقريبا من بدء المهرجان. لم يكن بإمكاننا سوى إلغاء جميع الفعاليات، لكننا هذه السنة نظمنا فعاليات افتراضية حتى نُشرك من لا يستطيع الحضور بشكل شخصي، وهذا لاقى إقبالا من الناس".
وبحلول ستبدأ واشنطن بالتخلي عن حلتها الزهرية، مع انتهاء موسم أشجار الكرز، وسط تمنيات القائمين عليه بعودة الفعاليات التي اعتاد عليها السياح من الولايات المتحدة ومختلف دول العالم، إلى عهدها منذ أكثر من قرن.
إزهار مبكر.. إثمار أقل
معروف لدى العلماء أنه يوجد داخل النباتات والأشجار بروتين اسمه "فيتوكروم بي" مهمته التقاط الضوء والحرارة لتحديد الوقت الذي يحين فيه الإزهار، لكن لم يكن معروفا لديهم كيف يعمل هذا البروتين، واليوم أصبح باستطاعة المختصين فهم هذه الآلية وبالتالي التحكم فيها على الأرجح.
فحسب الدراسة التي نشرت في مجلة "نيتشر كوميونيكيشنز" يوم 3 أبريل/نيسان الجاري والتي أشرف عليها الباحث مانغ شان من جامعة كاليفورنيا ريفرسايد، فإن فهمهم لكيفية عمل هذا البروتين سيمكنهم من تطوير نباتات ومحاصيل زراعية باستطاعتها مقاومة التغيرات المناخية وارتفاع درجات حرارة الكوكب.
ولاحظ هؤلاء الباحثون أن هناك الكثير من النباتات والأشجار أزهرت العام الماضي قبل وقتها المحدد بأسبوعين كاملين، وهذا أثر سلبا على الدورة البيولوجية للكائنات الحية بصفة عامة، لأن الإزهار أصبح يحدث قبل النضج، وهذا يكون في الكثير من الأحيان سببا في نقص الإثمار.
نوع جديد من الزراعة، قال الباحثون في مقدمة دراستهم إن "ارتفاع درجة حرارة كوكبنا كانت له آثار سلبية على نمو النباتات والأشجار المثمرة، والظاهرة مستمرة في التأزم، وبحوثنا العلمية قد تساعد في مواجهة هذه التغيرات وتطوير محاصيل يمكنها مقاومة ارتفاع درجات الحرارة، وبالتالي دعم نوع جديد من الزراعة في المستقبل القريب".
واعتمد الباحثون في دراستهم على نبتة "رشاد أذن الفأر" (arabidopsis thaliana)، وهي تنتمي إلى عائلة البازلاء وتعيش في أوروبا وآسيا وشمال غرب أفريقيا، وتنمو في بيئة لا تتجاوز حرارتها الـ27 درجة ولا تقل عن 12، لكن في حالة تغير الحرارة فإن هذه النبتة تغير بنيتها، حيث يتناقص طولها تحت درجة 12 ويزداد فوق الـ27، وبالإضافة إلى طموح الباحثين لتطوير زراعة جديدة باستطاعتها مقاومة التغيرات المناخية فإن فهم آلية عمل البروتين محل الدراسة يساعد أيضا في فهم تطور أورام السرطان لدى الحيوان، حسبما جاء في الدراسة.
إجهاض الأشجار، وقال الأستاذ ميلود حماش من المدرسة العليا للدراسات الفلاحية بالجزائر في تصريح عبر الهاتف للجزيرة نت إن "هذا الإشكال مطروح في مختلف دول العالم، لأن ظاهرة التغيرات المناخية مست كل المعمورة".
وأضاف "في الجزائر مثلا لاحظنا الأمر على الكثير من الأشجار المثمرة، خاصة على أشجار الخوخ والكروم، بحيث أصبحت تزهر مبكرا، ثم يحدث لها بعد ذلك ما يمكن أن نسميه إجهاضا، حيث تتساقط هذه الأزهار ولا يكون هناك إثمار".
ويقول حماش إن الظاهرة "ليست عامة ولكنها في اعتقادي تستدعي التدخل من الآن للعمل بجدية وفق إستراتيجية مدروسة لمواجهة استفحال الظاهرة، لأن الأمن الغذائي أصبح من الأولويات"، وتابع أن "الزراعة اليوم أصبحت عمود قيام الدول والأزمة الصحية التي نمر بها بسبب فيروس كورونا فتحت أعين الكثيرين على واقع مرير تعيشه الكثير من الدول التي تستورد غذاءها بنسب عالية، وهي اليوم تخشى أن تطول الأزمة وتغلق الموانئ، فلا تجد بعدها شعوبها ما تأكله"، وأضاف أن "الدراسة العلمية محل هذا المقال تهدف إلى إرساء زراعة مقاومة للتغيرات المناخية، وهي ليست الأولى من نوعها، فهناك العديد من الدراسات التي تهدف إلى إرساء زراعة جديدة مقاومة لهذه الظاهرة"، وأشار إلى أن "الدول المتقدمة تسعى دائما لضمان أمنها الغذائي أولا وتصدير الفائض، أما نحن فما زلنا نستورد بنسب كبيرة، وعلى المسؤولين توجيه اهتمامهم نحو الزراعة لإرساء دعائمها من جديد حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه".
الإزهار المبكر يزيد حدّة موجات الحر الربيعية
تأثير ناجم عن تغير المناخ، ويتضاءل صيفا، كما تُظهر المحاكاة تشير عمليات المحاكاة المناخية الجديدة إلى أن بزوغ الأزهار والأوراق مبكرا بسبب التغير المناخي يؤدي إلى تضخيم موجات الحر الربيعية في أوروبا. ورغم أن هذه الموجات ليست مدمرة كنظيراتها الصيفية، إلا أنه بإمكانها تعطيل النظم البيئية وتدمير المحاصيل.
قام الباحثون بمحاكاة للبداية الطبيعية للربيع لمدة 30 يوماً، واكتشفوا خلالها أن التحول يغير من توزع المياه في البيئة ويعزز من احتمال حدوث موجات الحرارة الربيعية بمعدل 0.6 حدث سنويا. ومنذ السبعينيات قد تراجع نمو النباتات الربيعية في نصف الكرة الشمالي إلى وقت أبكر خلال العام، وبمعدل 2-5 أيام في كل عقد.
كما ذكر الباحثون في بحث سينشر في مجلة الأبحاث الجيوفيزيائية Geophysical Research Letters أن موجات الحرّ تصبح أيضا أكثر شدة، بمتوسط زيادة يوم واحد في طول الموجة الواحدة، وزيادة في درجة الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة. وبالرغم من تأثير نمو النبات المبكر على حرارة الربيع، فلم يجد البحث الجديد أي تأثير على موجات الحرارة الصيفية. وتشيرُ هذه النتيجة إلى أنه رغم تأثير النباتات على درجة الحرارة فإن هذا التأثير يكون قصيرَ الأجل، وفقا لما يقول المؤلف المشارك في الدراسة آندي بيتمان Andy Pitman عالم المناخ بجامعة نيو ساوث ويلز في سيدني. تقدُّم الربيع.
تشير بحوث جديدة إلى أن وصول أزهار وأوراق الربيع مبكرا بسبب تغير المناخ يؤدي إلى تضخيم شدة وتكرارية وكذا مدّة موجات الحرارة في أوروبا. عرض المزيد قام بيتمان وزملاؤه بتشغيل محاكاة المناخ عدة مرات، مع تغيير توقيت نمو النباتات الربيعية إلى وقت أبكر في كل مرة. وقد كشفت عمليات المحاكاة أن النباتات المتبرعمة تمتص المياه من التربة، ما يمنع تبخر هذه المياه وتبريدها للهواء. وذلك لأن التربة الأكثر جفافا تقوم بالتسبب برفع درجات حرارة النهار والتقليل من السحب المنخفضة والمتوسطة التي تحجب ضوء الشمس. وبحلول الصيف، يكون هناك تأثير قليل للربيع المبكر.
يشير بيتمان أنه بحلول فترة الصيف، يكون للعوامل الأخرى مثل هطول الأمطار تأثير أكبر بكثير من الآثار المتبقية الناتجة عن الاخضرار الربيعي المبكر وبأن آثار الربيع المبكر تتلاشى بسهولة. ويعتزم الباحثون معاينة آثار النمو المبكر للنباتات الربيعية في أجزاء أخرى من العالم، بما في ذلك أميركا الشمالية.
لقد أعطت النتائج مؤشرات هامة، لكن كما يقول بنيامين زايتشيكن Benjamin Zaitchik عالم المناخ المائي بجامعة جونز هوبكنز: "إنه مجرد نموذج واحد فقط، لكن سيكون من المهم أن نرى مقدرة مجموعات النّمذجة الأخرى على إظهار الدور الذي يلعبه التأثير نفسه على النماذج الأخرى".
الربيع يصل مبكراً قبل 10 أيام بحلول 2100
يصادف الربيع عادة يوم 20 مارس في نصف الكرة الشمالي، ولكن قد يصل قبل 10 أيام بحلول عام 2100، حيث يقول باحثون من جامعة ولاية أوهايو، إن انخفاض العدد الإجمالي للأيام الممطرة يتسبب في ازدهار النباتات في وقت مبكر في المناخات الشمالية، ويشير بحثهم إلى أنه مع مستويات المطر الحالية، ستزدهر الأوراق قبل يوم أو يومين كل عقد.
ووفقا لما ذكرته وسائل إعلام بريطانية، فإنه بينما ركزت الأبحاث السابقة على كيفية تأثير درجات الحرارة المرتفعة بسبب تغير المناخ على بداية الربيع، فإن هذا هو أول ما يركز على هطول الأمطار.
وقال ديشنغ ليو، الباحث المشارك في الدراسة: “لقد نظر العلماء بشكل أساسي في كيفية تأثير درجة الحرارة عند ازدهار الأوراق لأول مرة، وإذا أخذوا هطول الأمطار في الاعتبار كان أفضل، مضيفا “لكن ليس الكمية الإجمالية لهطول الأمطار هي الأكثر أهمية، أنه عدد المرات التي تمطر فيها".
حلل الفريق البيانات من الولايات المتحدة وأوروبا والصين، بما في ذلك التواريخ كل عام عندما ظهرت الأوراق لأول مرة، وعدد الأيام الممطرة كل شهر، كما درسوا صور الأقمار الصناعية من عام 1982 إلى عام 2018، والتي تم تسجيلها عندما بدأ الغطاء النباتي في التحول إلى اللون الأخضر، كشف تحليلهم أنه مع انخفاض الأيام الممطرة على مر السنين، سيحل الربيع مبكراً لمعظم المناطق في نصف الكرة الشمالي، وبناءً على النتائج التي توصلوا إليها، فإن الانخفاض في هطول الأمطار في المستقبل سيعني وصول الربيع قبل 10 أيام بحلول عام 2100.
الربيع المبكر يؤثر على أسعار المحاصيل ويهدد الحشرات
كشفت دراسة صدرت نتائجها مؤخراً أنّ "التغير المناخي ساهم في بدء فصل الربيع في وقتٍ مبكر بالمملكة المتحدة، الأمر الذي يؤدي إلى خلل في دورات الحياة الطبيعية"، ولفتت الدراسة إلى أنّ "للكثير من الحشرات والطيور أوقات معينة لوضع بيضها للتكاثر، غير أنها بدأت تضع بيضها في شهر مبكرٍ خلافاً لما كان عليه الحال في منتصف القرن العشرين".
إلى ذلك، فإنّ معظم الطيور والنباتات يعتمدون على الحرارة لتحديد موعد التكاثر والهجرة، وهما أمران مرتبطان ببداية الربيع. وبهذا، فقد أوضحت الدراسة إلى أنّ "التغير في بداية فصل الربيع سيهدّد بقاء الكثير من الحشرات والطيور، بسبب الاختلال في النظام الإيكولوجي الذي يفرضه تغير المناخ".
وفي هذا الإطار، أشار الباحث في الدراسة جيمس بيل إلى أنه "بسبب الربيع الرطب، لا يستطيع المزارعون نقل آلياتهم الثقيلة إلى الحقول التي تغمرها المياه لزراعةالبطاطا، لذا فإنهم يعاودون نشاطهم لاحقاً". ومع ذلك، يصل المن في وقت مبكر ويتغذى على النباتات التي لم تنضج بعد، الامر الذي يمكن أن يؤثر على الحصاد لأن النباتات الصغيرة لا يمكنها الصمود أمام هذا التهديد. وبذلك، فإنّ الحصاد الضئيل سيساهم في إرتفاع أسعار المحاصيل فيما بعد".
إلى ذلك، فقد أظهرت النتائج أنّ "التحول نحو ربيع مبكر كان يحدث في الغابات الظليلة وكذلك في المناطق المفتوحة. ويقول بيل: "هناك دليل واضح على أنّ الربيع سيأتي في وقت مبكر من كل عام ، ولكن ما لم نتوقعه هو أنه كان يتقدم في الغابات بقدر ما هو يتقدم في المناطق المفتوحة مثل الأراضي العشبية". وكل هذا يشير إلى صورة معقدة في ظل تغير المناخ، مما يجعل من الصعب التنبؤ باستجابات النظام الإيكولوجي.
أوراق الأشجار أصبحت تتساقط مبكرا
على صعيد مختلف، أظهرت دراسة علمية جديدة أن تساقط أوراق الأشجار في الخريف أصبح يحدث في وقت مبكر من الفصل، مقارنة بالعقود الماضية بسبب التغيرات المناخية، وذلك على عكس ما كان متوقعا.
وتشير هذه النتائج -بحسب العلماء- إلى أن للغابات حدا في مقدار الكربون الذي يمكنها امتصاصه كل عام، مما يقلل من قدرتها على مواجهة الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، الاحترار وتساقط الأوراق، درس علماء النبات منذ فترة طويلة العوامل التي تتحكم في توقيت العمليات الدورية للشجرة، كنمو الأوراق في فصل الربيع وتساقطها في الخريف، ووجدوا علاقة وطيدة بين ارتفاع درجات الحرارة في بداية فصل الربيع نتيجة تغير المناخ، والنمو المبكر للبراعم. لكن سلوك الأشجار في الخريف ظل غير مفهوم نسبيا بالنسبة لهم.
ويجمع العلماء على أن انخفاض درجات الحرارة في الخريف وتقلص الفترة المشمسة في اليوم الواحد هما من العوامل الرئيسية التي تحدد توقيت إسقاط الأشجار لأوراقها، وتلجأ أشجار نفضية -التي تنفض أي تسقط أوراقها فصليا- إلى التخلص من أوراقها التي تصبح عبئا عليها بسبب انخفاض التمثيل الضوئي والطقس البارد، وتمضي أشهر الشتاء في استهلاك السكريات المخزنة لديها. ولذلك اعتقد العلماء في السابق أن درجات الحرارة المرتفعة ستحفز الأشجار لإلقاء أوراقها بتأخير عن المعتاد بين أسبوعين و3 أسابيع بنهاية القرن الجاري.
لكن نتائج الدراسة الجديدة المنشورة مؤخرا في دورية "ساينس" (Science) تتعارض تماما مع ما اعتقده العلماء سابقا، فقد وجد فريق من الباحثين من المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ (Institute of Integrative Biology، ETH Zurich)، أن أوراق الأشجار تتساقط في الخريف قبل وقتها المعتاد.
تساقط قبل الأوان، استخدم الباحثون في دراستهم بيانات من مشروع علم الفينولوجيا لعموم أوروبا (Pan European Phenology Project)، وهو مشروع طويل الأجل لمراقبة أشجار أوروبا الوسطى. ووفر لهم هذا المشروع معلومات عن 3855 موقعا غابيا تضم 6 أنواع من الأشجار يعود بعضها إلى 65 عاما، وتتعلق بمعدلات التبرعم وسقوط الأوراق ومعدلات التمثيل الضوئي، إضافة إلى المعلومات المناخية.
وعلى عكس النماذج القديمة التي افترضت أن طول مواسم النمو يحدد مقدار الكربون الذي تمتصه الأشجار من الغلاف الجوي، بحثت الدراسة الجديدة بدلا من ذلك، في كيفية تأثير تغير امتصاص الكربون على إنتاج الأشجار للأوراق خلال موسم النمو.
أجرى الباحثون في هذه الدراسة عدة تجارب تمثلت إحداها في تظليل بعض الأشجار ومقارنة نمو أوراقها بمجموعة أخرى تتلقى أشعة الشمس بشكل طبيعي، ولاحظوا أن سقوط أوراق تلك التي تعيش في الظل، تأخر لأكثر من أسبوع.
وفي تجربة أخرى، وجد الفريق أن الأشجار التي تم الاحتفاظ بها في جو دافئ أو تم إعطاؤها كمية زائدة من ثاني أكسيد الكربون (أو كليهما)، أسقطت أوراقها في وقت أبكر من الأشجار التي لم تتم معالجتها.
واستنتج مؤلفو الدراسة أن الأشجار تسقط أوراقها في وقت أبكر كلما كانت هناك زيادة في التمثيل الضوئي. ووجدوا أن كل زيادة بنسبة 10% في نشاط التمثيل الضوئي خلال فصلي الربيع والصيف، يقابلها تقدم في موعد تخلص الأشجار من أوراقها بـ8 أيام مقارنة بمتوسط الموعد المسجل خلال العقود الماضية، وقدر الفريق أنه بحلول نهاية القرن، ستسقط الأشجار أوراقها خلال الخريف قبل أوانها بمقدار 3 إلى 6 أيام.
من ناحية أخرى، تشير الدراسة إلى أنه حتى في ظل وفرة الضوء والدفء، فإن للأشجار حدودا في مقدار الكربون الذي يمكنها تحويله إلى سكريات وأوراق وجذور في موسم نمو معين، وترتبط هذه الحدود -بحسب الباحثين- بكميات النيتروجين المتوفرة، فكلما زادت إنتاجية الأشجار استنفدت احتياطاتها من النيتروجين بسرعة مما يؤدي إلى توقف مبكر للإنتاجية، لذلك وبدلا من تأخير إسقاط أوراقها مع ارتفاع درجات الحرارة، ستصبح الأنواع النفضية من الأشجار جرداء في وقت مبكر من الموسم، مما يقلل من قدرتها على مواجهة الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، لم تعد أوراق الأشجار المتساقطة في الخريف مجرد علامة على تغير الفصول، بل أصبحت علامة خطيرة على تغير المناخ، كما يقول الباحثون.
ما خطورة الربيع المبكر على البشر؟
أعلن الدكتور يوري كونيف، أخصائي أمراض القلب والأوعية الدموية، أن الربيع المبكر يشكل خطورة على مرضى القلب والأوعية الدموية لأنهم أكثر حساسية للتغيرات المناخية، ويذكر أن إيغور شوماكوف، رئيس هيئة الأرصاد الجوية في روسيا، أعلن قبل أيام أنه وفقا للحسابات الأولية من المحتمل قدوم فصل الربيع مبكرا هذه السنة، بعد بضعة أسابيع، وخاصة في الجزء الأوروبي من روسيا، ووفقا للدكتور كونيف، أكثر الناس حساسية لتغيرات الطقس هم الذين يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية والأمراض المزمنة، وخاصة كبار السن منهم.
ويشير الأخصائي، إلى أنه في حالة تقلبات مستوى الضغط الجوي، يشعر هؤلاء بالصداع، وتفاقم أمراض القلب والأوعية الدموية وآلام المفاصل، ويقول "من المعلوم أن معظم النوبات القلبية تحصل إما في فترة المؤشرات الشاذة للمناخ، أو في فترة التقلبات الحادة لمستوى الضغط الجوي".
وأكد الأخصائي، على إمكانية إعداد الجسم لتقلبات الطقس الحادة، وقال "عند الإعلان عن ظروف جوية غير طبيعية، يجب تخفيض المجهود البدني قدر الإمكان، وتناول الأدوية التي وصفها الطبيب.
اضف تعليق