عندما نفكر في التغير المناخي، يفكر أغلبنا في عواقب بيئية فقط، مثل ارتفاع مستويات البحار، وارتفاع درجات الحرارة، وذوبان الأنهار الجليدية. وفي أماكن أخرى من العالم، كما في جنوب فلوريدا، أو جبال سويسرا، تؤثر هذه التحولات بالفعل على الحياة اليومية للناس، فالتغير المناخي يؤثر على كل شيء حولنا...
عندما نفكر في التغير المناخي، يفكر أغلبنا في عواقب بيئية فقط، مثل ارتفاع مستويات البحار، وارتفاع درجات الحرارة، وذوبان الأنهار الجليدية. وفي أماكن أخرى من العالم، كما في جنوب فلوريدا، أو جبال سويسرا، تؤثر هذه التحولات بالفعل على الحياة اليومية للناس، فالتغير المناخي يؤثر على كل شيء حولنا، بداية من قطاع البنوك، إلى المؤسسات الصحية.
حيث تعد ظاهرة التغير المناخي إحدى أهم القضايا الراهنة التي تؤثر على دول العالم أجمع، فيعزو الكثير من العلماء تكرار وقوع الكوارث مؤخراً إلى ظاهرة التغير المناخي، إذ يشهد كوكبنا حاليا تأثيرات حقيقية بسبب التغير المناخي، لكنه بات أيضا عرضة لتغيرات أكيدة في مجالات العمل المختلفة، والمهارات التي سنحتاجها للتعامل مع تلك التغيرات.
ونتيجة لذلك، لا يواجه مسؤولو التخطيط في المجالس المحلية للمدن المخاطر وحدهم فيما يتعلق بضرورة تغيير إطار أعمالهم من أجل التخطيط للمستقبل. فواضعو السياسات المالية أيضا، والمزارعون، والمهندسون المدنيون، والأطباء، وكثير من أصحاب المهن والوظائف الأخرى، من المرجح أن تتأثر أعمالهم نتيجة التغير المناخي.
على المستوى الصحي، وبحسب منظمة الصحة العالمية من المتوقع أن يفضي تغير المناخ في الفترة ما بين عام 2030 و2050 إلى نحو 250000 وفاة إضافية سنوياً من جراء سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري، كما من المرتقب أن تبلغ تكاليف الأضرار المباشرة على الصحة (أي باستثناء التكاليف المترتبة في القطاعات المحددة للصحة مثل الزراعة والمياه والإصحاح) ما بين مليارين إلى أربعة مليارات دولار سنوياً بحلول عام 2030.
لم يكن التغير المناخي في العقود الأربعة الأخيرة نظرية أو فرضية فحسب، بل هو واقع ملموس وأمر محسوس، فالسجلات المناخية العالمية المئوية حافلة بشواهد غنية وأدلة قطعية، على أن عناصر المناخ تغيرت وأصبحت أكثر تطرفاً وعنفاً وعلى وجه الخصوص درجة حرارة سطح الأرض والمحيطات حيث ساهمت في الغالب وبشكل سلبي على الإنسان والنظام البيئي على حد سواء. وما ذوبان الجليد القطبي والأنهار المتجمدة والذي أعقبه ارتفاع مستوى سطح البحر إلا شواهد محسوسة وأدلة مقيوسة لمن كان عنده شك وارتياب.
ولقد أثبتت الدراسات العلمية المحكمة أن معدل درجة حرارة الأرض خلال القرن العشرين قد أصبح أكثر سخونة من أي قرن مضى، على الرغم أن معظم علماء المناخ يتفقون على وجود ظاهرة التغير المناخي الحالي إلا أنه يظهر لغط وجدل حيال سؤال جوهري: من الذي يقف خلف هذا التغير المناخي الحالي؟
وعلى الرغم من كل ذلك يعزف بعض الناس عن قراءة الأخبار حول ظاهرة الاحتباس الحراري أو تغير المناخ، مبرراً ذلك بأن الأمر لا يعنيه وغير مهتم به، لكن هذه التغيرات التي يشهدها الطقس من حولنا ستؤثر قطعاً على الحياة بأكملها، سواء علينا نحن البشر أو حتى النباتات والحيوانات.
هل سيحدث فعلاً في عام 2030؟
توقع باحثون أن التغيرات المناخية التي تطرأ على كوكب الأرض ستدفع طقس الأرض نحو الجفاف، وترفع درجة الحرارة ما بين 1,8 و3,6 درجات عام 2030، لتعود الأوضاع المناخية لما تشبه حالها قبل ثلاثة ملايين عام، في منتصف العصر البيلوسيني. وكان مستوى البحر عندها أعلى مما هو عليه الآن بنحو 18 مترا، ولكنه لن يصل لنفس الارتفاع عام 2030 لأن ذوبان الجليد في القطبين يتطلب وقتا.
أصدر باحثون دراسة حديثة توقعوا فيها عودة مناخ الأرض في العام 2030 إلى وضع يماثل ما كان عليه قبل ثلاثة ملايين سنة، وسيصبح المناخ مشابها تحديدا لما كانت حال الأرض عليه في منتصف العصر البيلوسيني، حين كان الطقس جافا، ولم تكن القارة الأمريكية الشمالية متصلة بالجنوبية، ولم تكن غرينلاند مكسوة بالجليد، وكان منسوب البحار أعلى مما هو عليه الآن بثمانية عشر مترا.
أما درجات الحرارة فكانت أعلى مما هي عليه الآن بما بين 1,8 درجة و3,6، لكن منسوب البحار لن يرتفع إلى هذا الحد بسرعة، لأن ذوبان الجليد القطبي يتطلب وقتا طويلا، وقال جاك ويليامز أستاذ علوم الأرض في جامعة ويسكونسن الأمريكية "نتجه إلى تغيرات واضحة في الطقس في وقت قصير".
وفي حال استمرت انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون على ما هي عليه، يتوقع الباحثون أن يصبح مناخ الأرض أشبه بما كان عليه قبل خمسين مليون عام، أي في الزمن الذي بدأت فيه الثدييات تتطور بعيد انقراض الديناصورات قبل 65 مليون عام.
وقال الباحث المشارك في هذه الدراسة المنشورة في مجلة الأكاديمية الأمريكية للعلوم "ستؤدي هذه التغيرات إلى اندثار أنواع كثيرة... وهذا يدل على الطريقة التي يمكن أن ندرس بها تاريخنا وتاريخ الأرض لفهم التغيرات الحالية وطريقة التكيف معها".
تحليل-مباحثات المناخ تؤجل القرارات المهمة في معركة الاحتباس الحراري
كشفت محادثات التغير المناخي التي سادتها خلافات في بولندا عن القيود التي تكبل العمل العالمي المشترك للحد من ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض في عالم منقسم وتركت المهمة الكبرى للحكومات والمدن والمجتمعات كل على حدة لوقف ظاهرة الاحتباس الحراري، فقد أنقذت ما يقرب من 200 دولة شاركت في المحادثات التي شهدتها كاتوفيتسه، قلب صناعة تعدين الفحم في بولندا، برعاية الأمم المتحدة اتفاق باريس المناخي التاريخي لعام 2015 من الانهيار يوم السبت بالاتفاق على مجموعة من التوجيهات الخاصة بتنفيذه.
إلا أن المؤتمر أرجأ البت في القواعد الحاكمة لأرصدة الانبعاثات الكربونية والتي تمثل دفعة لنشاط الأعمال كما انتهى دون أي التزام صارم بتعزيز أهداف الدول في خفض الانبعاثات بحلول عام 2020 موعد سريان الانخفاض.
وبهذا أصبح أمام أطراف الاتفاق شوط طويل لتحقيق هدف قصر ارتفاع درجة الحرارة على ما دون درجتين مئويتين، وذلك بصرف النظر عن الحد اللازم لتحاشي تقلبات أكثر حدة في الطقس وارتفاع مستوى مياه البحار وفقدان أنواع من النباتات والحيوانات. ويبلغ هذا الحد 1.5 درجة مئوية، وتقول المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة إن العالم يتجه إلى ارتفاع في درجات الحرارة يتراوح بين 3 و 5 درجات مئوية في القرن الحالي.
ويقوم اتفاق باريس على التزامات فردية وكانت التوقعات محدودة أن تسفر المحادثات البولندية عما يتجاوز القواعد التي يمكن بها قياس هذه الالتزامات. فقد تبددت الوحدة التي تجسدت في مؤتمر باريس بموجة من قرارات بعض الحكومات التي قدمت مصالحها الوطنية على العمل الجماعي، ولم يحضر إلى كاتوفيتسه سوى عدد ضئيل من زعماء الدول واضطر الأمين العام للأمم المتحدة إلى العودة إلى بولندا للضغط من أجل إحراز تقدم.
وقال ألدن ماير مدير اتحاد العلماء المعنيين وهو جماعة علمية لا تهدف للربح بينما كان المؤتمر يتعثر قبل النهاية التي تأخرت أكثر من 24 ساعة بسبب خلافات في اللحظات الأخيرة حول صياغة نص البيان ”الإرادة السياسية غائبة“، وأضاف ”لكنه (المؤتمر) يزود الحكومات والمدن والأعمال والمجتمع المدني وما إلى ذلك بالأدوات اللازمة لإنجاز المهمة“ أي تحقيق أهداف اتفاق باريس، أما بالنسبة لرئيس المؤتمر ميشال كورتيكا فقد تم إنجاز المهمة على خير وجه، فقد كتب يقول في تغريدة على تويتر ”المهمة أنجزت. أطفالنا ينظرون للوراء إلى تركتنا ويدركون أننا أخذنا القرارات الصحيحة في منعطفات مهمة مثل المنعطف الذي نواجهه اليوم“.
عدم الاتفاق على قواعد تنفيذ اتفاقية المناخ سيكون انتحارا
قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش يوم الأربعاء إن عدم اتفاق الدول على القواعد الخاصة بتنفيذ اتفاقية باريس للمناخ، المبرمة في عام 2015 بهدف الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض، سيكون انتحارا.
وأبلغ جوتيريش وفود ما يزيد على 130 دولة مشاركة في مؤتمر بمدينة كاتوفيتسه البولندية بأنه لم يتبق أمامهم سوى أقل من ثلاثة أيام لإظهار الإرادة السياسية لتقديم تنازلات صعبة وتضحيات وإيجاد أرضية مشتركة من أجل هذه الاتفاقية.
وقال ”الفشل هنا في كاتوفيتسه سيبعث برسالة كارثية لمن يقفون على أهبة الاستعداد للتحول إلى الاقتصاد الأخضر“. وأضاف ”إضاعة هذه الفرصة سيهدر آخر أفضل فرصة أمامنا لإيقاف التغير السريع للمناخ. لن يكون ذلك غير أخلاقي فقط بل سيكون انتحارا“، ولم تتفق وفود الدول المجتمعة في بولندا بعد على كيفية تنفيذ اتفاقية باريس للمناخ رغم مرور ثلاثة أعوام على إقرارها من قبل ما يزيد على 190 دولة.
ودفع هذا التقدم البطيء، رغم مرور أكثر من أسبوع على بدء المفاوضات، ميشال كورتيكا المسؤول البولندي الذي يرأس هذه المحادث إلى أن يقول للوفود إن الوقت ثمين وإنهم بحاجة للاتفاق على صياغة تكون مقبولة للجميع.
من جهته قال وزير البيئة البرازيلي إدسون دارتي ”الوقت يمر. وبينما نهدر الوقت في النقاش حول النصوص ونطالب بتطبيقها، يتدهور الكوكب في الخارج. فالأنواع تنقرض وتتلاشى (البيئة الصالحة لحياة) الكائنات وتتراكم الانبعاثات“، وتهدف اتفاقية باريس للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض بنحو درجتين مئويتين.
محادثات المناخ تضع مسودة اتفاق نهائي قبيل اختتامها
توصل مفاوضون من نحو 200 دولة إلى مسودة بخصوص كيفية تنفيذ اتفاق باريس لمكافحة الاحتباس الحراري، لكن ثمة خلافات لا تزال قائمة مع اقتراب اختتام مؤتمر المناخ العالمي في بولندا، وكانت رئاسة محادثات المناخ في كاتوفيتسه ببولندا قد طالبت بوضع مسودة للاتفاق النهائي بحلول بعد ظهر الخميس وذلك بعد مفاوضات دامت نحو أسبوعين، وتحدد المسودة خيارات لتنفيذ اتفاق باريس للمناخ الذي جرى التوصل إليه عام 2015 ويهدف إلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة في العالم إلى أقل من درجتين مئويتين.
وقال البولندي ميخال كورتيكا رئيس المحادثات ”نستطيع تنفيذ اتفاق باريس على النحو الذي توافقتم عليه جميعا. حان الآن وقت المضي قدما. علينا أن نتحرك. التغيير المناخي لن ينتظرنا“، ومن المتوقع أن يواصل المجتمعون العمل بشأن النقاط الخلافية قبل ختام المؤتمر، وظلت الخلافات بشأن التمويل حجر عثرة في المحادثات وكذلك مراقبة وتقييم جهود الدول لخفض الانبعاثات، وقال أحد المفاوضين لرويترز ”المال هو الجزء الأكثر صعوبة. الحديث كله بشأن المال. هذا الاجتماع يتعلق بالقرارات الفنية لكنه أصبح سياسيا“، وأصدرت مجموعة من الجزر الصغيرة والدول الفقيرة تمثل أكثر من 920 مليون نسمة بيانا موجها إلى رئيس المحادثات عبرت فيه عن إحباطها من بطء وتيرة المحادثات والافتقار إلى الطموح.
وجاء في البيان ”نشعر بقلق بالغ من الاتجاه الذي تسير فيه النتائج“، مضيفا أن الأمر يحتاج كتيب قواعد صارما لضمان حدوث خفض واضح في انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، ولا يزال نص المسودة يتضمن صياغات بين أقواس، مما يشير إلى أنها ما زالت بحاجة للاتفاق عليها، وإن كانت أقل مما كان في المسودات السابقة.
ألمانيا تسعى لتمويل خاص لمشروعات مناخية في أفريقيا وأماكن أخرى
قال جيرد مولر وزير التنمية في ألمانيا إن بلاده ستعلن هذا الأسبوع عن مبادرة لجذب مزيد من الاستثمار الخاص لمشروعات في أفريقيا وأماكن أخرى وذلك خلال محادثات للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ.
وأضاف مولر في تصريحات لمجموعة (آر.إن.دي) الصحفية أن ألمانيا ”سترسل إشارة قوية“ خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ بمدينة كاتوفيتسه البولندية وذلك بمبادرتها التحالف من أجل التنمية والمناخ وتعهدها بإنفاق 1.5 مليار يورو (1.7 مليار دولار) إضافية لحماية البيئة، ومن المقرر أن تجتمع وفود من نحو 195 دولة لإصدار ”كتاب قواعد“ لإبراز تفاصيل اتفاق باريس المبرم في عام 2015 الذي أعلنت الولايات المتحدة بأمر من رئيسها دونالد ترامب عزمها الانسحاب منه.
وقال مولر إن أكثر من 70 شركة انضمت بالفعل إلى المبادرة الألمانية الجديدة التي تهدف إلى زيادة التمويل الخاص لمشروعات في دول نامية وفي دول ذات اقتصادات ناشئة، وأضاف ”حتى مع عدم تحديد موعد للتوقف عن إنتاج الفحم فإن ألمانيا سترسل إشارة قوية في كاتوفيتسه“.
اضف تعليق