"كل هذه الخبرات والتجارب مجتمعة علمتني أن هذه الصناعة وهذه السلعة كغيرها من السلع تتأثر بأوضاع السوق صعودا وهبوطا لا محالة فالطلب يرتفع وينخفض والعرض يزيد وينقص والأسعار تصعد وتهبط." بهذه الكلمات التي بلغت قمة الوضوح علق احد منتجي النفط بعد المعاناة التي تسببت لهم بفعل الهبوط الحاد في اسعار النفط، بلغت درجة الألم، حيث يتوقع هؤلاء أن العام الجاري سوف يكون الأصعب والأكثر ألما عليهم.
فقد تواصل الخط البياني لأسعار النفط بالهبوط المتواصل، ففي ظل أسعار قرب 30 دولارا واستبدال شعار العام الماضي "سعر أدنى لفترة أطول" بشعار "بل سعر أدنى من ذلك ولفترة أطول من ذلك" فإن المسؤولين التنفيذيين لشركات النفط المشاركين في مؤتمر "آي.اتش.اس سيرا ويك" أكثر انقباضا وتحفظا في توقعاتهم، في حين قال خوان كارلوس الرئيس التنفيذي لشركة النفط الوطنية الكولومبية إيكوبترول للمؤتمر "هذا العام نحن في وضع البقاء على قيد الحياة."
ومع ذلك نجد روح المغامرة والمجازفة في الدخول بمشاريع نفطية عملاقة حاضرة ايضا، على الرغم من الجمود الذي تعاني منه اسواق النفط، ولعل الدخول في مشروع لانتاج الطاقة بمليارات الدولارات في ظل الانخفاض الحاد للاسعار يعد ضربا من الجنون الاقتصادي، ولكن دائما نجد هناك قراءات مختلفة للواقع، ومثلما تحضر المغامرة في مجالات اخرى للحياة فردية او جماعية، نلاحظ وجودها ايضا على مستوى الشركات الكبيرة التي قد لا تتردد في خوض غمار مجازفات من العيار الثقيل.
فقد اتجهت شل في مرحلة مبكرة من الهبوط إلى الاستحواذ على بي.جي جروب البريطانية في أكبر صفقة يشهدها القطاع منذ عشر سنوات. وستجعلها الصفقة تحتل مركز الريادة في إنتاج الغاز الطبيعي المسال والنفط من الحقول البحرية في البرازيل وزيادة احتياطياتها من الطاقة بنحو الخمس، وقد اقدمت على هذه الخطوة من دون ان تفكر بعواقب اقتصادية قد تكون وخيمة في حال حدوث مفاجآت غير محسوبة.
وعلى العموم ينبغي أن يستمر اصحاب الشركات العملاقة والذين يملكونها على مواجهة الكثير من الألم كما يقول المراقبون والمتابعون والخبراء في اسعار النفط وأسواقه، وقد أكد كثيرون على أن هذا العام قد يكون الأصعب على هذه الشركات طيلة تاريخ انتاج النفط منذ بدايته قبل عشرات السنين وحتى هذه اللحظة، الامر الذي يتطلب استعدادا دائما لمواجهة هذا النوع من المشاكل المالية والاقتصادية التي قد تتسبب بنقصان هائل في موارد هذه الشركات لينعكس ذلك على قيمة الانتاج ونوعه في وقت واحد.
قطاع النفط يتوقع مزيدا من الألم
في هذا السياق بدا كبار المسؤولين التنفيذيين لشركات النفط العالمية المجتمعون في هيوستون متفقين على شيء واحد: أن العام الحالي سيكون مروعا حتى أن الكثيرين يتجاوزونه إلى 2017 وما بعده للحديث عن آمال استعادة السوق توازنها المستعصي حتى الآن على القطاع المتأزم. في ابريل نيسان 2015 كان أكبر مؤتمر سنوي لقطاع الطاقة يعج بالتكهنات عن التوقيت الذي سيبلغ فيه تراجع أسعار النفط مداه وكانت فكرة أن الأسعار قد تحوم دون 60 دولارا لسنوات بعد أن هوت عن 100 دولار قبل ذلك بسبعة أشهر مدعاة للتأمل.
هذه المرة وفي ظل أسعار قرب 30 دولارا واستبدال شعار العام الماضي "سعر أدنى لفترة أطول" بشعار "بل سعر أدنى من ذلك ولفترة أطول من ذلك" فإن المسؤولين التنفيذيين لشركات النفط المشاركين في مؤتمر "آي.اتش.اس سيرا ويك" أكثر انقباضا وتحفظا في توقعاتهم. وقال خوان كارلوس الرئيس التنفيذي لشركة النفط الوطنية الكولومبية إيكوبترول للمؤتمر "هذا العام نحن في وضع البقاء على قيد الحياة."
وقال جون هيس الرئيس التنفيذي لهيس كورب أحد منتجي النفط الصخري الأمريكي المستقلين إن القطاع لم يتجاوز سوى نصف دورة التراجع على ما يبدو. وقال "إنها عملية ستستغرق ثلاث سنوات على الأرجح ونحن الآن في منتصف إعادة التوازن تلك." واتفق معه في الرأي ستيفن تشازن الرئيس التنفيذي لأوكسيدنتال بتروليوم لكنه حذر من أن الآمال في رؤية السوق تنتعش قد تجعل الناس متفائلين أكثر مما ينبغي. وقال "عادة ما نصل إلى قاع زائف أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة." بحسب رويترز.
واختبر القطاع فجرا كاذبا كهذا العام الماضي عندما صعدت أسعار النفط في الربع الثاني من السنة لكنها ما لبثت أن تخلت عن مكاسبها في النصف الثاني ثم تهاوت أكثر إلى مستويات منخفضة جديدة في أوائل العام الحالي. والآن يعول المسؤولون التنفيذيون على التوقعات بأن يواصل الطلب العالمي على النفط الارتفاع ليضع حدا في نهاية المطاف لتخمة المعروض التي نتجت جزئيا عن طفرة النفط الصخري الأمريكي في العشر سنوات الأخيرة. لكن في ظل التوقعات الحالية لوكالة الطاقة الدولية بأن إعادة التوازن هذه قد تبدأ العام القادم وتستمر في 2018 فإن الرسالة الباعثة على القلق هي أن شركات نفطية كثيرة ولاسيما بين منتجي النفط الصخري الأمريكي قد لا يطول بها الزمن لترى ذاك الانتعاش.
وقال مارك بابا الرئيس التنفيذي السابق لشركة إي.أو.جي ريسورسز التي كانت لها الريادة في استخراج النفط الصخري إن هذا أسوأ تراجع يشهده منذ 1986 وإنه "سيفتك بشركات كثيرة". وقال بابا الذي يعمل الآن شريكا في ريفرستون هولدنجز للاستثمار المباشر "أعتقد أنك سترى قطاعا أكثر استقرارا بكثير وأكثر تركيزا على الميزانية ينبعث من الرماد لكن عبور ذلك الوادي سيكون شاقا لأقصى درجة." وجمعت سيلفر ران أكويزيشن كورب وهي ذراع استثمارية ترعاها ريفرستون 450 مليون دولار في طرح عام أولي لتمويل الاستحواذ على شركات طاقة تعتبر متاحة بأسعار مخفضة. فقد أشهرت أكثر من 40 شركة طاقة أمريكية إفلاسها منذ مطلع 2015 ومن المتوقع إفلاس المزيد.
وزير البترول السعودي علي النعيمي الذي حضر إلى هيوستون مع تطمينات بأن المملكة لا تريد القضاء على منتجي النفط الصخري الأمريكي كان رابط الجأش في تصريحاته. فقد قال للمؤتمر الذي يحضره نحو 2800 من المسؤولين التنفيذيين والأساتذة "عاصرت الفترة التي كان فيها سعر برميل النفط لا يتعدى دولارين والفترة التي قفز فيها السعر إلى 147 دولارا وما تخللهما من فترات شهدت الكثير من التقلبات كما شهدت فترات من وفرة الإمدادات وشحها وعايشت العديد من فترات الازدهار والكساد.
"كل هذه الخبرات والتجارب مجتمعة علمتني أن هذه الصناعة وهذه السلعة كغيرها من السلع تتأثر بأوضاع السوق صعودا وهبوطا لا محالة فالطلب يرتفع وينخفض والعرض يزيد وينقص والأسعار تصعد وتهبط." ما كان لهذه الكلمات أن تكون أصدق منها في مؤتمر أعلن فيه جون واتسون الرئيس التنفيذي لشيفرون قبل عامين فقط أن سعر 100 دولار لبرميل النفط سيظل هو السعر السائد، حيث قال " 100 دولار للبرميل هو المعادل الجديد لعشرين دولارا للبرميل."
لكن في حين أبدى المسؤولون التنفيذيون للاعبين كبار مثل بي.بي البريطانية وصنكور إنرجي الكندية ثقة في تجاوز هذا التراجع مثل آخرين كثيرين فإن تلك الخبرة التاريخية تعد ترفا لا يتحمله الكثير من منتجي النفط الصخري الأمريكي. وقال مارك بيرج نائب الرئيس التنفيذي لعمليات الشركات في بايونير ناتورال ريسورسز وهي من الشركات الكبيرة العاملة بالنفط الصخري الأمريكي "يبدو أن هناك انشغالا بسؤال ‘متى سنجتاز المنعطف؟ كم سيستغرق الأمر؟‘.. هذا مفهوم لأن هناك شركات كثيرة تواجه ضغوطا وتحاول التخطيط لمستقبل يلفه غموض كبير."
خطط للخروج من أزمة أسعار النفط
من جهة اخرى ومع قيام شركات النفط والغاز العالمية بأكبر تخفيض لإنفاقها في مواجهة أسوأ تراجع تتعرض له منذ عقود تتبنى مجالس إداراتها استراتيجيات مختلفة للخروج من تلك الأزمة. وهبطت أسعار النفط نحو 70 في المئة خلال آخر 18 شهرا إلى حوالي 35 دولارا للبرميل وهو ما دفع أكبر خمس شركات نفطية في العالم إلى تسجيل انخفاض حاد في الأرباح خلال الأيام القليلة الماضية. ويواجه الرؤساء التنفيذيون لشركات الطاقة معضلة توازن صعبة حيث يجب عليهم خفض الإنفاق للحفاظ على سلامة الوضع المالي لشركاتهم وفي الوقت نفسه الحفاظ على البنية الأساسية وطاقة الإنتاج بما يتيح لهم المنافسة والنمو عندما تتعافى السوق.
وتتبنى الشركات استراتيجيات مختلفة لتحقيق نمو في المستقبل وتفضل غالبا التركيز على مجالات خبراتها والمواقع الجغرافية لأصولها الرئيسية. فعلى سبيل المثال تقلص شركتا شيفرون وكونوكو فيليبس الأمريكيتان تركيزهما على مشروعات المياه العميقة الأكثر تكلفة لتركز على حقول النفط الصخري في الولايات المتحدة. وفي غضون ذلك تنفق هيس كورب هذا العام مبالغ أكبر على المشاريع البحرية على العكس من إنفاق 2015 الذي تركز على المشاريع البرية.
وتراهن بي.بي البريطانية على حقول الغاز البحرية في مصر فيما فضلت رويال داتش شل مسارا بديلا حيث تسعى إلى تأمين مستقبلها من خلال الاستحواذ على بي.جي جروب في صفقة بقيمة 50 مليار دولار. وفي السنوات الخمس التي سبقت الهبوط -الذي بدأ في منتصف 2014 حينما ظلت أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل- تسابقت شركات الطاقة الكبرى على زيادة الطاقة الإنتاجية بما في ذلك شراء حصص في حقول كبيرة مكلفة تقع في بعض الأحيان على عمق آلاف الأمتار تحت سطح البحر وعلى بعد أميال عن اليابسة.
ورغم ذلك خفضت الشركات إنفاقها الرأسمالي الإجمالي خلال العام الماضي وألغت خططا لمشروعات عملاقة تتكلف المليارات لتطويرها وتستغرق ما يصل إلى عشر سنوات حتى تصل إلى مرحلة التشغيل. وقال بريندان وارن المحلل لدى بي.إم.أو كابيتال "تريد الشركات إحداث توازن بين دورات الاستثمارات طويلة وقصيرة الأمد وبين الحفاظ على ميزانيات عمومية قوية لتمويل أنشطتها أثناء دورة الهبوط." وأضاف أن التركيز على مجالات خبرة ومناطق جغرافية بعينها يمكنه أن يقدم للمستثمرين "قيمة فريدة" بحسب رويترز.
وأعلنت شيفرون ثاني أكبر شركة نفطية في الولايات المتحدة من حيث القيمة السوقية بعد إكسون موبيل الأسبوع الماضي عن خطط للإنفاق على استثمارات ذات دورات قصيرة الأجل ومشروعات أقل تكلفة يمكن أن تستغرق أشهرا وليس سنوات عديدة لتصل إلى مرحلة التشغيل. وعلى وجه الخصوص تركز شيفرون على وجودها الكبير في حقول النفط الصخري في حوض برميان بالولايات المتحدة على حساب مشروعات المياه العميقة المعقدة مرتفعة التكلفة بعدما خفضت إنفاقها الرأسمالي 24 في المئة هذا العام.
وقال جون واطسون الرئيس التنفيذي لشيفرون "لن ننطلق في مشروعات طويلة الأجل ... نفضل الاستثمارات قصيرة الأجل ... وإذا لم تحقق متطلباتنا فلن نستثمر." ورغم أن تطوير آبار للنفط الصخري قد يكون أكثر تكلفة من بعض مشروعات المياه العميقة على أساس تكلفة البرميل فإن الاستثمارات ذات الدورات الأقصر والأقل مخاطر في التنفيذ تعني أن الشركات يمكنها جني الأرباح سريعا. وتتحرك استراتيجية الاستثمارات قصيرة الأجل بفعل عوامل من بينها أنه على عكس نموذج بي.بي فإن شيفرون لديها بالفعل خطط لمشروعات طويلة الأجل وتقوم حاليا بتطوير بعض أكبر مشروعات الغاز الطبيعي المسال في العالم مثل محطتي جورجون وويتستون في أستراليا. وانصرفت شركات أصغر مثل كونوكو فيليبس وهيس أيضا عن مشروعات المياه العميقة واتجهت إلى إنتاج النفط الصخري من الحقول البرية بما في ذلك باكين شيل في ولاية نورث داكوتا.
وكانت بي.بي من بين شركات قليلة للغاية وافقت على مشروعات كبيرة العام الماضي مع قرارها استثمار 12 مليار دولار في مشروع للغاز بغرب دلتا النيل في مصر. وتستند الاستراتيجية جزئيا إلى خططها التي تهدف لتحقيق جزء كبير من نمو إنتاجها في المستقبل من حقول الغاز البحرية قبالة السواحل المصرية. لكن بي.بي التي سجلت أكبر خسارة لها على الإطلاق الأسبوع الماضي لا تملك مشروعات كثيرة طويلة الأجل مثل تلك التي تتفاخر بها شيفرون. ويرجع مشروع بي.بي للتطوير أيضا إلى حقيقة بيع الشركة أصولا بما يزيد عن 50 مليار دولار بعد التسرب النفطي الكبير في خليج المكسيك عام 2010 مما أسفر عن هبوط حاد في الإنتاج بحسب محللين.
وعلى النقيض اتجهت شل في مرحلة مبكرة من الهبوط إلى الاستحواذ على بي.جي جروب البريطانية في أكبر صفقة يشهدها القطاع منذ عشر سنوات. وستجعلها الصفقة تحتل مركز الريادة في إنتاج الغاز الطبيعي المسال والنفط من الحقول البحرية في البرازيل وزيادة احتياطياتها من الطاقة بنحو الخمس. وتتوقع المجموعة البريطانية-الهولندية التي سجلت الأسبوع الماضي أقل دخل سنوي لها في 13 عاما استكمال الصفقة هذا الشهر. وقال أنيش كاباديا المحلل لدى تودور بيكرنج هولت آند كومباني إن إكسون الأمريكية العملاقة ربما تحتاج إلى الاقتداء بشل والسعي وراء صفقة اندماج واستحواذ كبيرة بعدما فاجأت الكثيرين في السوق الأسبوع الماضي بخفض إنفاقها للعام الحالي إلى 23 مليار دولار. وأضاف أن خفض الإنفاق الرأسمالي يشير إلى أن الشركة - التي سجلت أقل ربح فصلي لها فيما يزيد عن عشر سنوات - لا تخطط للاستثمار في مشروعات جديدة كثيرة. وتابع "هذه علامة على أن إكسون ليس أمامها مشروع جذاب بما يكفي لتستثمر فيه وليست مستعدة للاستثمار في المنبع ولذا فإنها إذا أرادت النمو فسيكون عليها القيام باستحواذ. "وفي تلك البيئة مع الصعود المحتمل لأسعار النفط فإن شيفرون تفعل الصواب. وتستطيع البقاء على مدى السنوات القليلة المقبلة ويكون أمامها خيار النمو. وتأتي إكسون في المؤخرة وتبدو الأكثر تكلفة لكن ذلك من الصعب تبريره نظرا لغياب آفاق النمو."
وقد قامت شركات النفط والغاز العالمية بأكبر تخفيض لإنفاقها في مواجهة أسوأ تراجع تتعرض له منذ عقود تتبنى مجالس إداراتها استراتيجيات مختلفة للخروج من تلك الأزمة. وهبطت أسعار النفط نحو 70 في المئة خلال آخر 18 شهرا إلى حوالي 35 دولارا للبرميل وهو ما دفع أكبر خمس شركات نفطية في العالم إلى تسجيل انخفاض حاد في الأرباح خلال الأيام القليلة الماضية. ويواجه الرؤساء التنفيذيون لشركات الطاقة معضلة توازن صعبة حيث يجب عليهم خفض الإنفاق للحفاظ على سلامة الوضع المالي لشركاتهم وفي الوقت نفسه الحفاظ على البنية الأساسية وطاقة الإنتاج بما يتيح لهم المنافسة والنمو عندما تتعافى السوق.
وتتبنى الشركات استراتيجيات مختلفة لتحقيق نمو في المستقبل وتفضل غالبا التركيز على مجالات خبراتها والمواقع الجغرافية لأصولها الرئيسية. فعلى سبيل المثال تنسحب شركات شيفرون وكونوكو فيليبس وهيس كورب الأمريكية من مشروعات المياه العميقة الأكثر تكلفة لتركز على حقول النفط الصخري في الولايات المتحدة. وتراهن بي.بي البريطانية على حقول الغاز البحرية في مصر فيما فضلت رويال داتش شل مسارا بديلا حيث تسعى إلى تأمين مستقبلها من خلال الاستحواذ على بي.جي جروب في صفقة بقيمة 50 مليار دولار.
وقال بريندان وارن المحلل لدى بي.إم.أو كابيتال "تريد الشركات إحداث توازن بين دورات الاستثمارات طويلة وقصيرة الأمد وبين الحفاظ على ميزانيات عمومية قوية لتمويل أنشطتها أثناء دورة الهبوط." وأضاف أن التركيز على مجالات خبرة ومناطق جغرافية بعينها يمكنه أن يقدم للمستثمرين "قيمة فريدة". وأعلنت شيفرون ثاني أكبر شركة نفطية في الولايات المتحدة من حيث القيمة السوقية بعد إكسون موبيل الأسبوع الماضي عن خطط للإنفاق على استثمارات ذات دورات قصيرة الأجل ومشروعات أقل تكلفة يمكن أن تستغرق أشهرا وليس سنوات عديدة لتصل إلى مرحلة التشغيل.
وعلى وجه الخصوص تركز شيفرون على وجودها الكبير في حقول النفط الصخري في حوض برميان بالولايات المتحدة على حساب مشروعات المياه العميقة المعقدة مرتفعة التكلفة بعدما خفضت إنفاقها الرأسمالي 24 في المئة هذا العام. وقال جون واطسون الرئيس التنفيذي لشيفرون "لن ننطلق في مشروعات طويلة الأجل ... نفضل الاستثمارات قصيرة الأجل ... وإذا لم تحقق متطلباتنا فلن نستثمر." ورغم أن تطوير آبار للنفط الصخري قد يكون أكثر تكلفة من بعض مشروعات المياه العميقة على أساس تكلفة البرميل فإن الاستثمارات ذات الدورات الأقصر والأقل مخاطر في التنفيذ تعني أن الشركات يمكنها جني الأرباح سريعا.
وتتحرك استراتيجية الاستثمارات قصيرة الأجل بفعل عوامل من بينها أنه على عكس نموذج بي.بي فإن شيفرون لديها بالفعل خطط لمشروعات طويلة الأجل وتقوم حاليا بتطوير بعض أكبر مشروعات الغاز الطبيعي المسال في العالم مثل محطتي جورجون وويتستون في أستراليا. وانصرفت شركات أصغر مثل كونوكو فيليبس وهيس أيضا عن مشروعات المياه العميقة واتجهت إلى إنتاج النفط الصخري من الحقول البرية بما في ذلك باكين شيل في ولاية نورث داكوتا.
وكانت بي.بي من بين شركات قليلة للغاية وافقت على مشروعات كبيرة العام الماضي مع قرارها استثمار 12 مليار دولار في مشروع للغاز بغرب دلتا النيل في مصر. وتستند الاستراتيجية جزئيا إلى خططها التي تهدف لتحقيق جزء كبير من نمو إنتاجها في المستقبل من حقول الغاز البحرية قبالة السواحل المصرية.
لكن بي.بي التي سجلت أكبر خسارة لها على الإطلاق الأسبوع الماضي لا تملك مشروعات كثيرة طويلة الأجل مثل تلك التي تتفاخر بها شيفرون. ويرجع مشروع بي.بي للتطوير أيضا إلى حقيقة بيع الشركة أصولا بما يزيد عن 50 مليار دولار بعد التسرب النفطي الكبير في خليج المكسيك عام 2010 مما أسفر عن هبوط حاد في الإنتاج بحسب محللين.
وعلى النقيض اتجهت شل في مرحلة مبكرة من الهبوط إلى الاستحواذ على بي.جي جروب البريطانية في أكبر صفقة يشهدها القطاع منذ عشر سنوات. وستجعلها الصفقة تحتل مركز الريادة في إنتاج الغاز الطبيعي المسال والنفط من الحقول البحرية في البرازيل وزيادة احتياطياتها من الطاقة بنحو الخمس. وتتوقع المجموعة البريطانية-الهولندية التي سجلت الأسبوع الماضي أقل دخل سنوي لها في 13 عاما استكمال الصفقة هذا الشهر بحسب رويترز.
شركات النفط تواجه ازمة متصاعدة
في السياق نفسه تواجه كبرى شركات النفط العالمية ازمة تشتد فصلا بعد فصل مع تدهور اسعار النفط الخام ودون بوادر تحسن في المدى القريب، لذلك تجد نفسها مضطرة الى اتخاذ اجراءات تقشفية، بحسب الخبراء. ويختصر الخبير الاقتصادي كريستوفر ديمبك من مصرف "ساكسو بنك" الوضع قائلا "اشك بحصول تحسن في العام 2016".
وسجلت الشركة الاميركية "شيفرون" في اواخر كانون الثاني/يناير الخسارة الفصلية الاولى لها منذ 13 عاما في الاشهر الثلاثة الاخيرة للعام 2015، اذ طغى تدهور اسعار النفط على الارباح التي سجلتها في ذلك العام. والشركات الاخرى ليست افضل حالا. فقد تراجعت ارباح العملاق الاميركي "اكسون موبيل" الى النصف العام الماضي، وتدهور صافي ارباح مجموعة "شل" الهولندية البريطانية سبع مرات، بينما باتت مجموعتا "بريتش بتروليوم" البريطانية و"ستات اويل" النروجية في الاحمر.
ولن تكون "توتال" الفرنسية التي تعلن نتائجها السنوية في 11 شباط/فبراير في منأى عن هذه الازمة. فقد المح رئيس مجلس ادارتها باتريك بويانيه الى تراجع بنسبة 20%. وعلق ديمبك بالقول "الشركة لا يمكن ان تكون منفصلة عن الشركات الاخرى". وتراجع سعر برميل النفط 47% في العام 2015 مقارنة بالعام السابق ليبلغ معدل سعره 52 دولارا، وباكثر من 70% منذ حزيران/يونيو 2014 نتيجة فائض في العرض بسبب الخلاف حول الحصص بين نفط دول اوبك وفي مقدمتها السعودية وبين النفط الصخري من الولايات المتحدة. كما تراجع سعر برميل النفط الى ما دون عتبة 30 دولارا للبرميل في كانون الثاني/يناير قبل ان يسجل تحسنا طفيفا.
وتابع ديمبك "السعودية ليست لديها دوافع لاعادة النظر في استراتيجيتها، لذلك نحن ازاء سياسة سعر منخفض للنفط. لا اعتقد اننا بلغنا السعر الادنى ولو انه سيستقر حول 30 دولارا للبرميل". وللصمود، تلجأ كبرى شركات النفط الى الحد من النفقات من خلال تقليل الاستثمارات وزيادة تسريح الموظفين التي باتت تطال عشرات الاف الاشخاص.
ويقول معهد "اينرجي نوفيل" الفرنسي للابحاث ان الاستثمارات في مجالات التنقيب عن النفط انهارت ب21,1% لتبلغ 539 مليارات دولار في العام 2015، ومن المتوقع ان تظل تشهد تراجعا ب10% في العام الجاري. ويرى المراقبون ان اجراءات التقشف ضرورية خصوصا ان الامل الضئيل الذي تولده عمليات تكرير النفط المستفيدة من تراجع اسعار البرميل للتعوض عن خسائر مجالات التنقيب والانتاج، يمكن ان يتبدد بسبب مشكلة فائض في قدرة الانتاج.
واوضح ديمبك "هذا العامل ساعد في العام 2015 ويمكن ان يساعد في 2016، لكن تكرير النفط عامل آني اساسا ولن يكون كافيا للحد من الاثار على النتائج". ولا تزال امام كبرى شركات النفط هوامش للمناورة تتيح لها الحد من التكاليف، بحسب المحلل الكسندر آندلاور من "الفا فاليو" الذي اعتبر ان "هناك احتمالا بالتراجع لان هذه الشركات لديها فائض كبير". واعطى مثالا شركة "شل" حيث يبلغ معدل رواتب الموظفين ال94 الفا، 214 الف دولار في العام 2014.
ولم تقرر اي من هذه المجموعات، باستثناء "ايني" الايطالية، بعد اجراء اقتطاعات في العائدات، ولو ان بعضها، مثل "توتال"، لا تستبعد توزيع اسهم بدل الارباح للحد من المبالغ التي يتوجب عليها دفعها. واعتبر آندلاور ان ذلك "مثير للقلق على الصعيد الصناعي"، لان تراجع الاستثمارات يؤثر على العائدات المستقبلية اذ يحد من امكانات الانتاج. اما بالنسبة الى قطاع الخدمات النفطية، فيبدو المستقبل قاتما لشركات مثل "سي جي جي" و"تيكنيب" و"بوربون" و"فالوريك" الفرنسية. وتتعرض هذه الشركات لضغوط من اجل خفض اسعارها من شركات النفط التي تشتري خدمات وتجهيزات منها. واضاف آندلاور "الضغوط اقوى في هذا القطاع الذي لم تنته معاناته بعد" يحسب فرانس برس.
ارتفاع أرباح شركة نفط فرنسية!
من جهتها قالت شركة النفط الفرنسية العملاقة "توتال" إن صافي أرباحها السنوية ارتفع بنسبة 20 في المئة ليصل إلى 5.1 مليار دولار، مقارنة بـ 4.2 مليار دولار العام السابق. وكما هو الحال مع شركات النفط الأخرى، جاء ارتفاع صافي الأرباح بفضل نشاط تكرير النفط، الذي ارتفع بنسبة 96 في المئة ليصل إلى 4.9 مليار دولار خلال العام. لكن الأرباح من أعمال شركة "توتال" للتنقيب عن النفط انخفضت بأكثر من 50 في المئة خلال العام لتصل إلى 4.8 مليار دولار وأشادت "توتال" بنتائجها ووصفتها بأنها "أفضل أداء مقارنة بشركات النفط الكبرى".
وتراجعت أسعار النفط بنحو 30 في المئة العام الماضي وحده، مما اضطر شركات النفط الكبرى لتقليص الاستثمار في مجال الاستكشاف وأثر سلبا على أرباح استخراج النفط. وقال باتريك بويان، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة توتال: "هذا التعافي في بيئة متدهورة يدل على فعالية النموذج المتكامل للمجموعة وحشد الطاقات الكاملة لفرقها."
وقال المدير المالي للشركة، باتريك دي لاشيفارديير، إن "توتال" اشترت أول شحنة لها من إيران منذ رفع العقوبات الغربية عن طهران ووقعت الشركة اتفاقا في أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي لشراء ما يصل إلى 200 ألف برميل يوميا من النفط الخام الإيراني وقالت شركة "توتال" إن التعادل النقدي للنفط هو 45 دولار للبرميل. ويصل سعر خام برنت، الذي يعد المؤشر العالمي لأسعار النفط، حاليا لنحو 30 دولار للبرميل وتعتزم "توتال" تخفيض الإنفاق إلى نحو 19 مليار دولار عام 2016، وقالت إنها تستهدف مبيعات أصول بقيمة تصل لنحو 4 مليار دولار. وقالت "توتال" إنها تعتزم دفع عائد سنوي يصل إلى 2.44 يورو للسهم. وسوف يكون للمساهمين الخيار بين الحصول على الأرباح خلال الربع الرابع من العام بقيمة 0.61 يورو للسهم نقدا أو أسهما جديدة بأسعار مخفضة.
اضف تعليق