يتوقع محللون اقتصاديون متخصصون بالمشاريع النفطية، أن هنالك بوادر ندم تلوح في بعض الاجراءات الاقتصادية السعودية في المجال النفطي، ويرى هؤلاء الخبراء أن السعودية ربما تتخلى عن سياسة إغراق السوق بالنفط من اجل كسر شوكة منتجي النفط الصخري الأمريكي، فضلا عن الدول المنتجة للنفط خارج وداخل اوبك، فقد قيل أن هذه السياسة السعودية قد تصبح وبالا عليها لاسيما أنها خسرت ما يقرب من 270 مليار دولار امريكي خلال سنتين في موجة انخفاض الأسعار التي ضربت النفط.
وتعاني السعودية انخفاضا متواصلا للحتياط النقدي لها، بسبب الاسعار المتدنية للنفط، وعلى الرغم من انها وضعت سعرا تخمينيا لبرميل النفط يقدر بـ 40 دولارا من اجل وضع ميزانية 2016، إلا أن السعر المخمن هبط الى الثلاثين وقد يهبط أكثر، الامر الذي تسبب بعجز مالي في هذه الميزانية قارب الـ 100 مليار دولار، حيث يؤكد واقع الحال السعودي في المجال المالي الى انخفاض الاحتياطات النقدية السعودية في العام 2015 الى ادنى مستوياتها منذ اربعة اعوام، مع سعي الحكومة لتمويل عجز ميزانيتها بسبب التراجع الحاد في اسعار النفط، بحسب تقرير صدر مؤخرا. وقالت شركة "جدوى للاستثمار" ان الاحتياطات النقدية انخفضت الى 611,9 مليار دولار عند نهاية 2015، وهو ادنى مستوى لها منذ 2011.
وهناك مشكلات اخرى تعاني منها السعودية، منها حالة التخبط في مواجهة أزمة هبوط الاسعار، فلا توجد سياسة نفطية مستقرة، يُضاف لذلك إصرار على التصادم وكأن السعودية في حالة حرب، وهو خط شروع غير موفق كما يرى متابعون وخبراء في سوق النفط، وهناك مؤشر يثبت هذا التخبط ويعلن نتائج سيئة نتجت عن السياسة النفطية، وأثقلت كاهل الاقتصاد السعودي.
ويقول هؤلاء أن الاقتصاد السعودي قد يواصل فقد قوة الدفع في وقت مبكر هذا العام 2016 وبدأت الحكومة السعودية في خفض الإنفاق اعتبارا من النصف الثاني من 2015 مع تأثر المالية العامة للبلاد وتسجيلها عجزا كبيرا بفعل هبوط أسعار الخام. لكن خلال معظم تلك الفترة واصل المستهلكون الإنفاق بحرية. لكن تباطؤ إنفاق المستهلكين الآن قد يؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي بصورة كبيرة عن 3.3 بالمئة التي سجلها في 2015.
ومع مرور الوقت تبرز نتائج غير محسوبة للسياسة النفطية التي انتهجتها السعودية، ولا ينعكس تأثيرها السلبي عليها وحدها، بل هناك دول عديدة تتأثر بنتائج هذه السياسة، خصوصا بلدان الخليج، ففي السابق كانت السعودية عنصر توازن للسوق النفطية، واستقرار اسعار النفط، أما اليوم فهي لم تعد تتحلى بهذا الدور المهم، خصوصا في هذه الأوضاع الحرجة التي تمر بها الدول المنتجة للنفط، ومع ذلك فقدت السعودية دور التوازن ولم تعد تهتم به، لأن المهم لديها كيف تحقق مصالحها حسب رؤيتها وتخطيطها وتفكيرها.
هل تحافظ السعودية على حصتها في السوق؟
في هذا السياق تخلت السعودية، اكبر منتج للنفط في العالم، عن دورها في تحقيق التوازن في سوق النفط العالمية، وباتت تجد نفسها حاليا وسط معركة صعبة للحفاظ على حصتها في قطاع شديد التذبذب. فقد بدأت اسعار النفط بالتراجع منذ منتصف العام 2014، وواصلت ذلك بشكل حاد اثر قرار منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) في تشرين الثاني/نوفمبر العام نفسه، عدم خفض انتاجها، بضغط من السعودية ودول خليجية اخرى. وادى القرار الى تواصل تدهور سعر النفط، من اكثر من 110 دولارات للبرميل، الى مستوى يناهز ثلاثين دولارا حاليا.
ويرى محللون ان القرار كان يهدف الى الضغط على منتجي النفط العالي الكلفة، لاسيما النفط الصخري الاميركي، واخراجهم من المنافسة في السوق العالمية، والضغط ايضا على دول اخرى منتجة للنفط، ابرزها ايران الخصم الاقليمي اللدود للسعودية (وهي ايضا عضو في اوبك)، وروسيا، اكبر منتجي النفط عالميا من خارج الكارتل.
ويقول الخبير النفطي الكويتي كامل الحرمي "الهدف الرئيسي للسعودية هو حماية حصتها من السوق (...) لا يمكن ان تسمح لمنتجي النفط العالي الكلفة المنافسة في اسواقها". وافقد تراجع الاسعار الرياض ما يوازي 250 مليار دولار من الايرادات المالية خلال اقل من عامين، واعلنت المملكة تسجيل عجز قياسي في ميزانية 2015 بلغ 98 مليار دولار، وتوقعت 87 مليارا من العجز في 2016. وبعد 14 شهرا على قرار اوبك رفض خفض الانتاج (تلاه قرار مماثل مجددا في كانون الاول/ديسمبر 2015)، تغرق السوق بفائض من العرض الذي يبقي الاسعار متدنية بحيث وصفها رئيس مجلس ادارة شركة "ارامكو" السعودية خالد الفالح بانها "غير منطقية".
رغم ذلك، يرى محللون ان السعودية لن تخفض الانتاج دون اتفاق شامل. ويقول خبير النفط في جامعة جورجتاون الاميركية جان فرنسوا سيزنك "السعوديون يدركون جيدا ان خفضهم للانتاج لن يؤثر كثيرا على الاسعار، لان الكمية المخفضة ستعوضها دول اخرى مثل ايران والعراق وروسيا" بحسب فرانس برس.
يضيف "السعوديون يريدون للمنتجين ان يعانوا بما يكفي للاتفاق على خفض شامل"، بمعنى التوصل لاتفاق بين دول اوبك والدول من خارجها على خفض متواز للانتاج، بما يضمن احتفاظ كل طرف بحصته. وانفقت السعودية عشرات مليارات الدولارات في العقدين الماضيين لزيادة قدرتها على انتاج النفط الى 12,5 ملايين برميل يوميا، لتصبح المنتج الوحيد الذي يملك هامش انتاج اضافيا، ما يعني قدرتها على تعديل انتاجها للتأثير على توازن السوق.
وتملك المملكة ثاني اكبر احتياط نفطي يقدر بـ 268 مليار برميل، وخامس احتياط من الغاز الطبيعي يقدر بنحو 8,5 تريليون متر مكعب. وبحسب شركة "ريستاد الاستثمارية" الاستشارية، فالكلفة الانتاجية لبرميل النفط في السعودية عشرة دولارات فقط، وهي ثاني ادنى كلفة عالميا. الى ذلك، تتمتع السعودية ودول خليجية اخرى باحتياط نقدي ضخم يتيح التأقلم مع اسعار متدنية للنفط لفترات اطول قياسا مع دول اخرى. واعرب باتريك بويان، الرئيس التنفيذي لشركة النفط الفرنسية "توتال"، عن اعتقاده ان السعوديين لن يخفضوا انتاجهم قريبا.
واوضح لفرانس برس على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس مؤخرا "علينا فعلا ان نرى الامور من وجهة النظر السعودية. لن ترغب بخفض الانتاج في وقت لديك كلفة انتاج اقل من الآخرين، وقدرة على المقاومة لوقت اطول من الآخرين". وخلال منتدى اقتصادي في الرياض هذا الاسبوع، اكد الفالح امتلاك المملكة وسائل عدة تتيح لها تحمل اسعار النفط المنخفضة لسنوات مقبلة. واضاف "لدينا تكنولوجيا اتاحت لنا الحفاظ على كلفتنا الانتاجية المنخفضة. هذا سيكون اكثر فائدة في مناخ الاسعار المتدنية، في حال استدامة ذلك"، مشددا على ان الشركة المملوكة حكوميا لم تخفض استثماراتها في مجال الانتاج، بل قلصت نفقاتها في مجالات اخرى.
وفي تقرير اصدرته شركة "جدوى للاستثمار"، ومقرها الرياض، اعتبرت ان السعودية هي البلد الوحيد ذو قدرة انتاج احتياطية، ما يؤهلها "للوقوف في وجه اي محاولات لانتهاك حصتها في السوق العالمية". الا ان قرار الابقاء على مستويات الانتاج المرتفعة واجه انتقادات كذلك.
ويقول الحرمي "النفط الصخري اثبت انه اكثر ليونة مما كان متوقعا"، في اشارة الى ان الاسعار المنخفضة للنفط ادت الى خفض انتاج هذا النوع العالي الكلفة، الا انها لم تتمكن من اخراجه كليا من المنافسة في السوق. ويرى دبلوماسي غربي في الرياض رفض كشف اسمه، ان السياسة النفطية السعودية الراهنة هي احدى ادوات مقاربة اكثر جسارة اعتمدتها المملكة في ملفات عدة منذ بدء عهد الملك سلمان بن عبد العزيز مطلع العام 2015، لا سيما السياسة الخارجية والنزاعات في الشرق الاوسط. ويتوقع محللون ان تؤتي هذه السياسة النفطية ثمارها في وقت قريب. ويقول سيزنك "اعتقد في وقت قريب سيكون ثمة اتفاق مع الدول المنتجة من خارج اوبك، والتي لا يمكنها ان تستمر في النزف الى ما لا نهاية". ونتيجة لذلك، يتوقع ان ترتفع اسعار النفط الى حدود خمسين دولارا للبرميل. الا ان السعودية ستعمل على عدم ارتفاع الاسعار بشكل كبير، لتفادي عودة قوية لمنتجي النفط الصخري.
وخلال مؤتمر نفطي في الكويت، رجح رئيس مجلس ادارة شركة "غينيس" تيم غينيس، ان تعاود السعودية ودول خليجية في حزيران/يونيو او كانون الاول/ديسمبر، لعب دور التوازن في سوق النفطية العالمية.
أدنى مستوى للاحتياط النقدي السعودي
في سياق متصل انخفضت الاحتياطات النقدية السعودية في العام 2015 الى ادنى مستوياتها منذ اربعة اعوام، مع سعي الحكومة لتمويل عجز ميزانيتها بسبب التراجع الحاد في اسعار النفط، بحسب تقرير صدر مؤخرا. وقالت شركة "جدوى للاستثمار" ان الاحتياطات النقدية انخفضت الى 611,9 مليار دولار عند نهاية 2015، وهو ادنى مستوى لها منذ 2011. وبلغت الاحتياطات النقدية 732 مليار دولار عند نهاية عام 2014.
وتوقعت الشركة التي تتخذ من الرياض مقرا لها، انخفاضا اضافيا بنحو 500 مليار دولار مع نهاية سنة 2016، مع تواصل الانخفاض في اسعار النفط الذي فقد ثلاث ارباع قيمته منذ منتصف العام 2014. وكانت المملكة، ثاني اكبر منتجي النفط الخام في العالم بعد روسيا، اعلنت تسجيل عجز قياسي يبلغ 98 مليار دولار في ميزانية 2015، متوقعة تسجيل عجز اضافي بقيمة 87 مليارا في موازنة 2016.
الا ان "جدوى للاستثمار" توقعت ان يصل العجز الفعلي في 2016 الى اكثر من 107 مليارات دولار. ولجأت المملكة الى احتياطها النقدي لتمويل العجز في الموازنة، كما اصدرت سندات خزينة محلية بقيمة 30 مليار دولار للغرض نفسه. واعلن مجلس الوزراء السعودي في كانون الاول/ديسمبر الماضي، اتخاذ اجراءات تقشف وخفض الدعم عن مواد اساسية بينها الوقود والمياه والكهرباء، للمساهمة في توفير ايرادات اضافية لخزينة الدولة.
وتوقعت "جدوى للاستثمار" ان يؤدي رفع الاسعار الى ارتفاع نسبة التضخم لتبلغ 3,9 بالمئة هذه السنة، مقابل 2,2 بالمئة العام الماضي. وكان صندوق النقد الدولي رجح الشهر الماضي نمو الناتج المحلي السعودي بـ 1,2 بالمئة فقط خلال السنة الجارية، الادنى منذ العام 2009، في مقابل نمو بنسبة 3,4 بالمئة خلال 2015 بحسب فرانس برس.
تراجع اقتصادي يلوح في الأفق
وشهدت الرياض انعقاد منتدى التنافسية العالمي وسط حضور مئات المسؤولين ورجال الأعمال السعوديين الذين ناقشوا على مدى ثلاثة أيام سبل إنقاذ اقتصاد المملكة من تأثير تراجع أسعار الخام عبر تطوير قطاعات جديدة ومنح الفرصة للقطاع الخاص للمشاركة في التنمية. لكن بعيدا عن الفندق الفاخر الذي عقد فيه المؤتمر توحي مؤشرات على تعكر صفو مناخ الأعمال وتراجع إنفاق المستهلكين بأن ثمار الإصلاحات ربما لا تأتي في الوقت المناسب للحيلولة دون تراجع اقتصادي يلوح في الأفق.
وفي ظل الضغوط التي يحدثها هبوط النفط على العملة المحلية وعلى الميزانية التي سجلت عجزا قياسيا قارب 100 مليار دولار، تعتزم المملكة الإعلان عن أكبر تحول في السياسة الاقتصادية في أكثر من عشر سنوات يساعدها في رسم ملامحه جيش صغير من شركات الاستشارات الغربية يقدر عددها بالمئات. وتنطوي ملامح الإصلاحات المزمعة على بيع حصص في شركات حكومية كبرى مثل عملاق النفط أرامكو السعودية علاوة على فتح الاستثمارات لتطوير الأصول غير المستغلة بالشكل الأمثل بعد مثل الحيازات الكبيرة من الأراضي والثروات في قطاع التعدين. كما سيجري تحويل أجزاء من منظومة الرعاية الصحية الحكومية إلى شركات تجارية بهدف تحسين كفاءتها وتخفيف العبء على ميزانية الدولة وهناك خطط لزيادة نسبة المدارس الخاصة في الدولة من 14 بالمئة إلى نحو 25 بالمئة.
وقد تستخدم الحكومة مواردها المالية الهائلة للمساعدة على تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط عبر منح عقود لشركات جديدة للاستثمار في قطاعات مثل بناء السفن وتكنولوجيا المعلومات والسياحة. وعلى مدى السنوات الماضية تحدث مسؤولون عن بعض من هذه الإصلاحات بيد أنها تعثرت بفعل الجمود البيروقراطي وبعض التحديات الفنية.
لكن يبدو الآن أن العزيمة السياسية على تنفيذ هذه الإصلاحات أقوى من أي وقت مضى إذ تحظى الإصلاحات بدعم مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الابن الشاب للعاهل السعودي. وخلال المؤتمر قال عبداللطيف العثمان محافظ الهيئة العامة للاستثمار السعودية "هناك نقلة نوعية في كافة الجوانب." وتردد صدى نبرة التفاؤل هذه خلال المؤتمر بين الكثير من كبار المسؤولين السعوديين. لكن مشكلة المملكة تكمن في أن تطبيق مثل هذه الإصلاحات الصعبة والمركبة وجني ثمارها قد يستغرق سنوات. وفي الوقت الراهن ستواصل المملكة الاعتماد على النفط ما يترك الاقتصاد عرضة للتقلبات الحادة في أسعار الخام.
يقول مازن السديري رئيس الأبحاث لدى الاستثمار كابيتال "الوعي بخطورة الاعتماد على النفط أمر جيد ويدعو للتفاؤل...حتى لو جاء في وقت متأخر فإنه افضل من ألا يأتي على الإطلاق."
وللحد من وطأة هبوط أسعار الخام على الاحتياطيات الأجنبية تبنت الحكومة خطوات شملت رفع الدعم عن أسعار الطاقة المحلية وضبط الإنفاق ما قد يؤدي لتباطؤ النمو الاقتصادي عن 3.3 بالمئة سجلت بنهاية 2015. وسجل القطاع غير النفطي في ديسمبر كانون الأول أبطأ وتيرة نمو منذ عام 2009 على الأقل كما أن هناك إشارات على تراجع الودائع وعمليات الإقراض لدى البنوك وعلى تقلص إنفاق المستهلكين على السلع غير الضرورية.
ويقدر اقتصاديون أنه تم إعداد موازنة المملكة لعام 2016 على أساس سعر للنفط عند 40 دولارا للبرميل. وفي حال بقاء النفط عند المستويات الحالية التي تحوم حول 30 دولارا للبرميل فقد يمهد ذلك الطريق لمزيد من التقشف.
طاقة إنتاج سعودية فائضة
وفي سياق مقارب قالت مصادر في قطاع النفط إن سياسة السعودية الإبقاء على طاقة إنتاج زائدة كبيرة غير مستخدمة من النفط قد تعقد أي إدراج لأنشطة المنبع في أرامكو السعودية النفطية المملوكة للدولة. والسعودية هي البلد الوحيد في العالم الذي يملك طاقة إنتاجية زائدة كبيرة من الخام استخدمتها المملكة لسد النقص جراء انقطاعات وصراعات مثل الحرب في ليبيا في 2011 أو لتهدئة صعود كبير في الأسعار. لكن إدراج جميع أنشطة أرامكو في كيان واحد- إلى جانب شركات أخرى مطروحة للتداول العام لا تحتفظ بطاقة إنتاجية من النفط بعيدا عن السوق لأسباب استراتيجية- ربما يجعل من الصعب على أرامكو أن تواصل الاستمرار في أداء هذا الدور. وقال مصدر مطلع "نفذت أرامكو لأعوام طويلة سياسة الحكومة بالاحتفاظ بطاقة إنتاجية فائضة 1.5 مليون إلى مليوني برميل يوميا يتم اللجوء إليها بمجرد الاحتياج إليها. لن تفعل أي شركة تجارية ذلك ما لم تحصل على رسوم. "ولذا فإن هناك بعض التعقيدات" أمام الإدراج المحتمل. وتابع قوله "لا أعلم ماذا ستكون النتيجة.. لكن أظن أنه سيكون أكثر ارتباطا بأنشطة المصب." ولم ترد أرامكو ومقرها الظهران على طلب عبر البريد الالكتروني للتعليق.
واتفق محلل يغطي أعمال شركات النفط العالمية المدرجة مع وجهة نظر المصدر. وقال المحلل الذي طلب عدم الكشف عن اسمه "تضمين أنشطة المنبع في الإدراج سيكون شبه مستحيل." "الاحتفاظ بطاقة إنتاج فائضة... أمر لا يتناسب مع ما يرغب المستثمرون في أن تفعله شركة مدرجة." وقال ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع مجلة إيكونومست في وقت سابق هذا الشهر إن المملكة ربما تبيع أسهما في أرامكو في إطار خطة خصخصة لجمع أموال في حقبة هبوط أسعار النفط.
وقال المصدر المطلع إنه قبل نشر تلك المقابلة لم يكن هناك حديث مفصل في المملكة عن أي إدراج لأنشطة انتاج النفط التابعة لأرامكو. وتابع قوله "نوقشت مسألة خصخصة أجزاء من أنشطة المصب لبعض الوقت. ورغم أنه ورد مؤخرا ذكر لأنشطة المنبع إلا أنها لم تكن محل دراسة جدية. أعتقد أن المناقشات ستستمر لعدة أشهر." وأنتجت السعودية 10.14 مليون برميل يوميا في ديسمبر كانون الأول ولديها طاقة انتاج إضافية بنحو 2.12 مليون برميل يوميا وفق بيانات وكالة الطاقة الدولية وهو ما يعد نصيب الأسد من الطاقة الزائدة لمنظمة أوبك البالغة 2.38 مليون برميل يوميا.
ولدى أرامكو احتياطيات من الخام بنحو 265 مليار برميل تشكل ما يزيد عن 15 في المئة من إجمالي الاحتياطيات العالمية. وقال أمين الناصر الرئيس التنفيذي لأرامكو إن الحكومة السعودية ستحتفظ بحصة مسيطرة إذا قررت بيع أسهم. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال في 11 من يناير كانون الثاني عن خالد الفالح رئيس مجلس إدارة أرامكو قوله إنه لا يوجد إطار زمني محدد للإدراج الذي قد يتضمن أصولا في المنبع والمصب. بحسب رويترز.
تباطؤ الإنفاق في الاستهلاك
من جهته قال رئيس مجلس إدارة شركة جرير للتسويق أحد أكبر شركات التجزئة في السعودية إن هناك مؤشرات على تباطؤ نمو إنفاق المستهلكين في المملكة إذ أثر هبوط أسعار النفط على الدخل القابل للإنفاق مؤكدا مع ذلك على أن شركته ملتزمة بخطط النمو وتعمل على زيادة حصتها السوقية. وتأثرت إيرادات السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم بعد هبوط أسعار الخام من نحو 120 دولارا في منتصف يونيو حزيران 2014 لتصل إلى أقل من 30 دولارا. وبعد أكثر من عشر سنوات من طفرة نفطية عززت النمو السريع للاقتصاد يبدي السعوديون تخوفهم من أنهم قد يكونون مقبلين على فترة طويلة من ظروف اقتصادية أقل رفاهية وأكثر تواضعا.
لكن محمد العقيل قال إنه لا يعتقد أن التباطؤ سيكون كبيرا مثلما كان الوضع عند هبوط أسعار النفط في منتصف ثمانينيات القرن الماضي والذي أعاق نمو الشركة لمدة عام. وأضاف خلال مقابلة مع رويترز "من المؤكد أن إنفاق الأفراد بدأ يتقلص...عندما يساور الناس القلق من أمر ما فإنهم ينفقون بصورة أقل لاسيما على الأشياء غير الضرورية." وأضاف "نلحظ انخفاضا في الإنفاق على الأجهزة الإلكترونية" مشيرا إلى أن علامات تراجع إنفاق المستهلكين بدأت في الظهور خلال الأسابيع الست الماضية.
وتعمل جرير في مجال بيع الأجهزة الإلكترونية والأدوات المكتبية عبر سلسلة تضم 39 متجرا 33 منها داخل المملكة وستة فروع أخرى في الكويت وأبوظبي وقطر. وربما يشير ذلك إلى أن الاقتصاد السعودي قد يواصل فقد قوة الدفع في وقت مبكر هذا العام. وبدأت الحكومة السعودية في خفض الإنفاق اعتبارا من النصف الثاني من 2015 مع تأثر المالية العامة للبلاد وتسجيلها عجزا كبيرا بفعل هبوط أسعار الخام. لكن خلال معظم تلك الفترة واصل المستهلكون الإنفاق بحرية. لكن تباطؤ إنفاق المستهلكين الآن قد يؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي بصورة كبيرة عن 3.3 بالمئة التي سجلها في 2015. ومثل الاستهلاك الخاص نحو 41 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من 2015.
وقال العقيل إن تراجع إنفاق المستهلكين يعود لعاملين أساسيين أولهما خفض الإنفاق الحكومي على الحوافز والبدلات وساعات العمل الإضافية لموظفي القطاع الحكومي الذين يمثلون جزءا كبيرا من السكان وهو ما قد يتسبب في تراجع دخولهم بنحو عشرة بالمئة. وأوضح أن السبب الآخر هو التوترات الإقليمية والعوامل الجيوسياسية التي أثرت على معنويات المستلهكين. وتخوض المملكة حربا ضد الحوثيين في اليمن بدأت اوائل العام الماضي. كما قطعت السعودية علاقاتها مع إيران في وقت سابق من هذا الشهر بعد هجوم محتجين إيرانيين على سفارتها في طهران. وقال العقيل إن إنفاق المستهلكين يواصل النمو ولكن بوتيرة أبطأ إذ بات الناس يخفضون الإنفاق على السلع غير الضرورية مثل الإلكترونيات لكن السلع الضرورية كالأدوات المكتبية والمدرسية لا تزال متماسكة. وانعكس ذلك على نتائج جرير للربع الأخير من العام إذ سجلت نموا نسبته 1.1 بالمئة في صافي الربح إلى 208.1 مليون ريال (55.5 مليون دولار) مقابل 205.8 مليون قبل عام فيما انخفضت مبيعات الشركة 3.8 بالمئة إلى 1.52 مليار ريال على الرغم من افتتاح فروع جديدة خلال العام بحسب رويترز.
محاولات لإيجاد الموارد البديلة
في سياق مقارب قال عبد اللطيف العثمان محافظ الهيئة العامة للاستثمار السعودية إن المملكة تستهدف على الأقل مضاعفة التدفقات السنوية للاستثمار الأجنبي المباشر خلال السنوات العشر المقبلة وذلك عبر التركيز على جذب الاستثمارات إلى قطاعات جديدة كالتعدين والرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات. وتأتي الخطة التي أعلنها العثمان خلال مقابلة مع رويترز اليوم الأحد في إطار تغيرات جذرية للسياسة الاقتصادية السعودية للتكيف مع عصر النفط الرخيص عبر تنويع اقتصاد أكبر مصدر للخام في العالم بعيدا عن النفط والغاز والبتروكيماويات.
وأثر هبوط أسعار النفط على مدى 18 شهرا الماضية من نحو 120 دولارا إلى ما دون 30 دولارا للبرميل على إيرادات المملكة وهو ما دفع صانعي القرار إلى إجراء إصلاحات هيكلية تهدف لرفع مساهمة القطاع غير النفطي في الاقتصاد المحلي. وفي ديسمبر كانون الأول قالت مصادر لرويترز إن لأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي وضع الإطار العام لخطة تستهدف إعادة تشكيل اقتصاد البلاد لمواجهة هبوط أسعار النفط - في أكبر تغيير للسياسة الاقتصادية للمملكة منذ آخر مرة تضرر فيها اقتصادها جراء هبوط أسعار النفط قبل نحو عشر سنوات - تشمل إصلاحات تتعلق بالإنفاق الحكومي وخصخصة جهات حكومية في أكبر مصدر للنفط في العالم. وأوضح العثمان أن هيئة الاستثمار تسعى لجذب الأموال والاستثمارات الاجنبية لعدد من القطاعات التي لا ترتبط بالنفط بصورة مباشرة.
وقال "بالنظر إلى الاقتصاد السعودي الذي تمكن من جذب استثمارات بنحو عشرة مليارات دولار سنويا في القطاعات التقليدية...نتوقع أن نجتذب مباشرة أضعاف هذا المبلغ." وأضاف "نأمل في أن نرفع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر خلال السنوات العشر المقبلة إلى مثلي أو ثلاثة أمثال مستواه على أساس المتوسط المتحرك." وتواجه الهيئة العامة للاستثمار بعض العقبات من بينها البيروقراطية ونظام قضائي غير متطور بالقدر الكافي وهو ما تسبب في صد الاستثمارات الاجنبية خلال السنوات المقبلة. ويضاف إلى ذلك الآن بعض المخاطر التي تتعلق بتباطؤ النمو الاقتصادي في المملكة بسبب هبوط أسعار النفط والتوترات الجيوسياسية في المنطقة. لكن العثمان قال إن الهيئة تعمل باستمرار على مراجعة كافة اللوائح والقوانين المتعلقة بالاستثمار لتسهيل دخول المستثمرين الأجانب إلى المملكة وإنها دائما ما تحث المستثمرين الأجانب على إبداء مقترحاتهم بشأن أي جوانب تتطلب النظر فيها وتعديلها. وبلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة أعلى مستوياتها عند نحو 40 مليار دولار في 2009 لكنها تراجعت منذ ذلك الحين وبلغت في مجملها نحو ثمانية مليارات دولار في 2014 حسب الأرقام الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية. وأوضح العثمان أن قطاع التعدين قد يكون أحد القطاعات الجاذبة للاستثمارات الأجنبية في ظل ما تتمتع به المملكة من ثروات معدنية لم يجر اكتشافها بصورة كلية بعد بما في ذلك الفوسفات والبوكسايت والمعادن الثقيلة والذهب.
السعودية تعرض خططا لتجاوز النفط
من جهتها عرضت السعودية خططا طموحة للدخول في صناعات من تكنولوجيا المعلومات إلى الرعاية الصحية والسياحة مع سعيها لإقناع المستثمرين الأجانب بقدرتها على التأقلم مع حقبة النفط الرخيص. وجاء الاجتماع الذي تخلله عرض توضيحي بفندق فاخر في الرياض وسط تراجع أسعار النفط العالمية الذي يضغط على عملة المملكة ويحملها بأعباء عجز يقارب المئة مليار دولار في الميزانية لتواجه الرياض تحديا اقتصاديا هو الأضخم لها في أكثر من عشر سنوات. وقال مسؤولون سعوديون كبار إنهم سيحدون من اعتماد المملكة على النفط ووظائف القطاع العام لتنتقل مسؤولية النمو وخلق فرص العمل إلى القطاع الخاص على أن يساعد الإنفاق الحكومي في إطلاق الصناعات.
وقال خالد الفالح رئيس شركة النفط الوطنية العملاقة أرامكو السعودية "سيحدث تحول من نمو كمي بسيط يقوم على صادرات السلع الأولية إلى نمو كيفي موزع توزيعا متساويا." وحضر المناسبة التي نظمتها الهيئة العامة للاستثمار السعودية أكثر من 2400 شخص من بينهم مسؤوولن محليون وأجانب ورجال أعمال واستشاريون وأكاديميون. وقال وزير التجارة والصناعة توفيق الربيعة إن السعودية أصيبت "بالمرض الهولندي" حيث طغى قطاع النفط على سائر قطاعات الاقتصاد لكنها تعمل الآن على تصحيح ذلك. وقال المسؤولون إن الإصلاحات تشمل تحويل أجزاء من شبكة الرعاية الصحية الوطنية إلى شركات تجارية مستقلة.
وناقش المشاركون في المؤتمر ومن بينهم المسؤولين التنفيذين لشركة الصناعات الجوية الأمريكية لوكهيد مارتن وبيبسيكو قضايا متنوعة من سبل دعم رجال الأعمال المخاطرين إلى تطوير المدن وتعزيز دور المرأة السعودية في عالم الأعمال. ويشير الحضور الكثيف لممثلي الشركات الأجنبية إلى أن الكثيرين يرون فرصا في الاستراتيجية السعودية. ورغم أن الرياض تستهلك الاحتياجيات الأجنبية لتغطية عجز الميزانية فإنها مازالت تحوز 628 مليار دولار كما في نوفمبر تشرين الثاني أي ما يكفي لتمويل المشاريع الجديدة لسنوات.
وأبدى بعض المشاركين شكوكا إزاء مدى التغير المزمع في بلد يوظف قطاعه العام نحو ثلثي العاملين المحليين. ويفتقر أكبر بلد مصدر للنفط في العالم إلى ثقافة الاستثمار المخاطر وإلى الأنظمة المالية والقانونية المشجعة على ذلك. وقال ديفيد شاودرون العضو المنتدب لشركة أورجانيزد تشينج الاستشارية التي مقرها كاليفونريا وتعمل مع شركات سعودية "التحول من دولة ريعية ليس تحولا سهلا. "إنهم يحاولون. لكن السؤال الأساسي هو: هل تؤتي محاولاتهم ثمارا كافية قبل أن يبلغ تراجع المنظومة الحالية مداه؟ أم أن الوقت قد فات؟ هل ستكون قوى التغيير في نهاية المطاف كافية للتغلب على القصور الذاتي للمنظومة الحالية؟ لا أعرف."
وأشار السفير الأمريكي في السعودية جوزيف وستفال إلى مخاطر في إدارة الخطط. وقال "السعودية بحاجة إلى نظام حكومي قادر على التكيف" مضيفا أن على كبار المسؤولين تفويض اتخاذ القرارات وعلى السلطات أن تكون مستعدة للمخاطرة بالاعتراف بأنه ستحدث بعض الإخفاقات. لكن مشاركين كثيرين في المؤتمر أقروا بتنامي الزخم السياسي وراء خطط الإصلاح التي خضع الكثير منها للنقاش من قبل لسنوات دون أن يسفر ذلك عن نتيجة بحسب رويترز.
اضف تعليق