باتت الطاقة الشمسية في وقت الراهن بالغة الأهمية لمعظم دول العالم، وذلك من أجل مواجهة تغير المناخ والحفاظ على البيئة، فضلا عن كونها أداة حيوية ومتجددة تستخدم لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري الملوث للبيئة والذي سينضب عاجلا ام اجلا في المستقبل القريب، لذا تسعى العديد من دول العالم الى تكثيف الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية والاعتماد على مصادرها النظيفة والمتجددة، التي أصبحت اليوم البديل الأقوى لطاقة مستدامة.
في ذات الشأن وعلى الرغم الهبوط المتواصل لأسعار النفط، إلا أن الكويت عضو منظمة أوبك تسعى للاستفادة من المصادر المختلفة للطاقة المتجددة لإنتاج الكهرباء وتركز بشكل أساسي على الطاقة الشمسية التي تتوافر فيها بقوة لاسيما في فصل الصيف الذي يزداد فيه الطلب على الطاقة نتيجة الحر الشديد.
فيما يبدو أن خطط السعودية الطموح كي تصبح من الدول الرائدة على مستوى العالم في الطاقة الشمسية العاملة لم تحقق ما كانت تهدف إليه بسبب ضخامة حجمها ومسائل مثل الملكية والتكنولوجيا.
وكانت المملكة أكبر دول العالم تصديرا للنفط الخام أعلنت قبل ثلاثة أعوام أنها تريد أن تكون لديها قدرة عاملة على توليد 41 جيجاوات من الكهرباء من الطاقة الشمسية بحلول عام 2032 للمساعدة في تلبية الطلب المحلي المتنامي على الطاقة بفضل النمو السكاني المتسارع وكذلك النمو الاقتصادي القوي.
في حين يرى الخبراء المتخصصون بشؤون الطاقة انه على الرغم من أن تصدير الكهرباء المنتجة عبر الطاقة الشمسية لا يزال هدفا بعيد المنال فإن منتجي النفط الخليجيين الكبار لديهم من الأسباب ما يدفعهم للاستثمار في تلك الصناعة. فالنمو السريع في الطلب المحلي على الكهرباء لا يكفي لتلبيته الوقود الباهظ التكلفة.
أما في أوروبا أوضح مشروع رائد لأكبر شبكة قوى كهربية لتوصيل الطاقة الناتجة من الألواح الشمسية بالمنازل إلى الشبكات الرئيسية أن قدرة تخزين بطاريات الطاقة المتجددة ليست مجدية اقتصاديا في القارة الأوروبية.
ويمثل هذا الاستنتاج أهمية بالنسبة الى أنصار الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لانه مع شيوع استخدام هذه الانواع من الطاقة المتجددة فان الامر يتطلب تحسين قدرة تخزين البطاريات للاحتفاظ بالطاقة المولدة اثناء سطوع الشمس او شدة الرياح لاستخدامها في أوقات أخرى تغيب فيها الشمس او تضعف فيها شدة الرياح.
وتستمد أوروبا ربع قدرتها من الكهرباء من الطاقة المتجددة وقد ترتفع هذه النسبة الى 50 في المئة بحلول عام 2030 لكن الطبيعة المتقطعة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح تستلزم وجود شبكات مرنة ذات قدرة على التجاوب مع زيادة الطلب وانخفاضه علاوة على وجود آليات زهيدة الثمن لتخزين الطاقة.
من جهتها اتخذت أمريكا عدة خطوات نحو تشجيع استخدام الطاقة الشمسية ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى في وحدات الاسكان الممولة اتحاديا مع اتاحة المزيد من فرص العمل في مجال الصناعة للفقراء.
وتمثل الطاقة الشمسية أقل من واحد في المئة من الطاقة المولدة في الولايات المتحدة لكن قطاع الصناعة ينمو بصورة متسارعة. وتكفي قدرة 300 ميجاوات لتغذية 50 ألف منزل بالطاقة الكهربية وهي تجئ ضمن هدف أوسع للبيت الابيض لتكثيف الاعتماد على الطاقة الشمسية.
بينما تستثمر اليابان مليارات الدولارات في الطاقة النظيفة بعد اطلاق برنامج في عام 2012 يهدف الى مساعدة ثالث اكبر اقتصاد في العالم على التحول بعيدا عن الاعتماد على الطاقة النووية بعد كارثة فوكوشيما في مارس آذار عام 2011.
من جهتها تسعى الحكومة الهندية الى تعزيز قطاع الطاقة الشمسية واظهار حسن نواياها قبل مؤتمر باريس الدولي حول المناخ الذي يعول عليه لانقاذ مناخ الارض.
فالهند التي تعتمد بشكل كبير على الفحم لتأمين حاجاتها من الطاقة، تتعرض لضغوط من المجتمع الدولي لتخفيض انبعاثاتها من الغازات المسببة لمفعول الدفيئة اذ انها تحتل المرتبة الثالثة عالميا في هذا المجال.
الا ان نيودلهي تعتبر ان الجهود يجب ان تأتي خصوصا من الدول الصناعية التي تزيد انبعاثاتها من غازات الدفيئة للفرد بكثير عن تلك التي تخلفها الهند حيث لا يزال 300 مليون شخص من دون تيار كهربائي.
وعليه تضفي المعطيات آنفة الذكر بان الطاقة الشمسية باتت تشكل ثروة عالمية قد تشرق على استثمارات واسعة الآفاق لتصبح البديل الأقوى لطاقة مستدامة في المستقبل القريب.
السعودية والكويت
في سياق متصل عندما نسمع وزيري النفط في السعودية والكويت يتحدثان عن ذلك فإن السباق لتطوير أنظمة ضخمة للطاقة الشمسية في أكثر الدول المشرقة في العالم يبدو أنه بنفس درجة أهمية الصراع الحالي على الحصص في سوق النفط.
وفي مؤتمر رئيسي في فيينا يحضره مسؤولون وتنفيذيون كبار في قطاع النفط من أنحاء العالم استعرضت الدولتان جهودهما الوليدة في مجال الطاقة الشمسية، وقال وزير النفط السعودي علي النعيمي "إذا نجحنا في تسخير تلك الطاقة... أؤكد لكم أن السعودية سيكون لديها مزية نسبية... فهناك مساحات من الأراضي وتسطع الشمس يوميا"، وأضاف أنه بدلا من تصدير الوقود الأحفوري بحلول 2024 وربما قبل ذلك فسيكون باستطاعة المملكة تصدير كميات ضخمة من الطاقة الكهربائية.
ومنذ أعوام عديدة وضعت السعودية خططا طموحا لبناء قطاع لتوليد 41 جيجاوات من الكهرباء بالطاقة الشمسية خلال عشرين عاما لتصل مشاركته إلى نحو الثلث في شبكة الكهرباء الوطنية. وفي وقت سابق هذا العام أرجأت المملكة الموعد المستهدف إلى عام 2040 بعدما أحرزت تقدما لا يذكر.
وأعلنت الكويت عن خطط لتوليد 15 في المئة من احتياجاتها من الطاقة من خلال المصادر المتجددة بحلول عام 2030 وقال وزير النفط علي صالح العمير إنه سيبدأ تشغيل أول محطة مما يصل إلى 100 محطة كهرباء تعمل بالطاقة الشمسية بحلول 2017.
ومن المتوقع اكتمال مشروع رائد لإنتاج 70 ميجاوات من الكهرباء في منطقة الشقايا بغرب الكويت في العام القادم وستعقبه مراحل أخرى طموح في السنوات القادمة، وفي ذروة فصل الصيف تستهلك السعودية نحو عشر إنتاجها من النفط الخام في توليد الكهرباء نظرا للافتقار إلى محطات كهرباء تعمل بالغاز أو المصادر المتجددة. وربما يرتفع الطلب على الوقود الأحفوري بأكثر من مثليه إلى 8.3 مليون برميل يوميا بحلول عام 2028 إذا ترك بدون ضوابط وفقا لتقديرات الحكومة.
وأظهرت بيانات من البنك الدولي أن متوسط نصيب الفرد من استهلاك الكهرباء في الكويت يزيد عن مثيله في جميع الدول باستثناء ثلاث دول ويبلغ ضعفي مثيله تقريبا في السعودية المجاورة، وربما تتسارع الجهود الآن. ففي أبريل نيسان استحوذت شركة عبد اللطيف جميل السعودية على فوتوواتيو رينيوابول فينشررز لتطوير محطات الشمسية.
وبدأ آخرون يهتمون بالمسألة. فأظهر تقرير نشر في أبريل نيسان أن دولة الإمارات العربية المتحدة يمكن أن توفر 1.9 مليار دولار سنويا بحلول عام 2030 من خلال استخدام مصادر الطاقة المتجددة في توليد عشر احتياجاتها من الطاقة.
اليابان والهند
الى ذلك قالت صحيفة أساهي اليابانية إن الطاقة الشمسية ساهمت في ذروة فصل الصيف بنحو عشرة في المئة من امدادات الطاقة لتسعة مرافق عامة رئيسية في اليابان وهو ما يعادل أكثر من عشرة مفاعلات نووية، وذكرت الصحيفة أنه على الرغم من أن الطاقة الشمسية لا توفر سوى نحو اثنين في المئة سنويا من اجمالي الطاقة المولدة من كل المصادر الا ان توفر ضوء الشمس في فصل الصيف زاد من الانتاج ووفر نحو 15 جيجاوات من الطاقة أوائل اغسطس اب. بحسب رويترز.
وأظهرت البيانات الحكومية أن الطاقة الشمسية استفادت من البرنامج ووصلت الى اكثر من 24 جيجاوات بنهاية أبريل نيسان بدلا من نحو خمسة جيجاوات قبل بدء البرنامج.
من جانبه اعلن رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي عزمه مضاعفة قدرات انتاج الطاقة الشمسية خمس مرات. الا ان قرار زيادة انتاج الفحم في الوقت ذاته يلقي بظلاله على هذه الجهود، وتشكل ولاية راجستان بحقولها القاحلة التي تضربها اشعة الشمس طوال السنة واليد العاملة البخسة فيها، مركز سياسة تطوير الطاقة الشمسية.
ويقول راماكانت تيبريوالا رئيس مجموعة روها دييشيم للصناعات الغذائية الذي قرر خوض هذا المجال "الطاقة الشمسية تحقق عائدات ثابثة وجيدة. فالشمس هي المادة الاولية الرئيسية في هذه المنطقة"، وقد استثمر تيبريوالا 800 مليون روبية (1 مليون يورو) لبناء 67 صفا من الالواح الشمسية في مجمع للطاقة الشمسية يتقاسمه مع اربع شركات اخرى ويمتد على عشرة الاف هكتار، ويأمل رجل الاعمال ان يتمكن من ربط انتاجه بشبكة الكهرباء الرئيسية في الاسابيع المقبلة وانتاج 25 ميغاوات.
ومع تراجع كبير في اسعار تجهيزات الطاقة الشمسية وزيادة في الاستهلاك باتت المجموعات الهندية والاجنبية تهتم عن كثب بسوق الطاقة الشمسية في الهند. وقد تعهدت المجموعات اليابانية "سوفت بنك" والاميركية "صن اديسن" والصينية "ترينا سولار" في الفترة الاخيرة الاستثمار في السوق الهندية.
الا ان تحقيق هدف انتاج مئة الف ميغاوات من الطاقة الشمسية بحلول العام 2022 سيحتاج الى استثمارات اكبر بكثير علما ان الانتاج الحالي يصل الى 20 الف ميغاوات. ويريد مودي الذي شجع على الطاقة الشمسية في ولايته غوجارات (غرب)، استقطاب مئة مليار دولار من الاستثمارات في هذا المجال.
ووعدت حكومته بتسهيل مجيء المستثمرين من خلال تخفيف العوائق البيروقراطية وتخفيضات ضريبية للمجموعات المهتمة، ويقول اوبيندرا تريباتي المسؤول الكبير في وزارة مصادر الطاقة المتجددة التي شكلت حديثا "نحتاج الى الاموال" نافيا ان تكون الهند تحركت بضغط من المجتمع الدولي، ويضيف "الهند لم تتحرك بسبب الضغط بل هي تعتبر ان ذلك مفيد للعالم وللبلاد"، لكن بموازاة الجهود التي تبذل في مجال مصادر الطاقة المتجددة، تنوي الحكومة مضاعفة انتاجها من الفحم بحلول العام 2020 لتصل الى اكثر من مليار طن من اجل تلبية حاجات اقتصادها الذي يسجل نموا نسبته 7 %، وتضم الهند خامس اكبر مخزون من الفحم في العالم وتنتج 60 % من طاقتها الكهربائية من الفحم، ووعد مودي بعد فوزه في ايار/مايو 2014 في الانتخابات التشريعية بتوفير التيار الكهربائي لملايين الفقراء المحرومين منه.
ويرى خبراء ان اعتماد الهند على الفحم سيكون له انعكاسات مدمرة على البيئة ويعتبرون ان عليها تخفيض انبعاثاتها، ويقول كريشنان بالاسانا مدير المنظمة غير الحكومية "كلايمت غروب" في الهند "بالنسبة لبلد مثل الهند يسجل نموا كبيرا ويحتاج الى كميات كبيرة من الطاقة في السنوات المقبلة، سيكون الاعتماد على الفحم كارثيا ليس فقط للبلاد بحد ذاتها بل للعالم".
اوروبا وأمريكا
على صعيد آخر، مشروع "شبكة نيس" التجريبي الرائد الذي تكلف 30 مليون يورو واحد من بين المشروعات التي يؤيدها الاتحاد الاوروبي والتي تضم الشركة الفرنسية لانتاج الكهرباء وشركة اينيل الايطالية وايبردلورا الاسبانية وشركة الجمهورية التشيكية وفاتنفال السويدية والشركة الالمانية وهي الشركات التي تسعى لانشاء شبكات القوى المستقبلية. بحسب رويترز.
وفي قرية كارو المطلة على البحر المتوسط على مشارف نيس قامت وحدة لشبكات القوى تابعة للشركة الفرنسية لانتاج الكهرباء بتوصيل البطاريات المدمجة بألواح الطاقة الشمسية الموجودة على الأسطح بشبكة توزيع القوى الكهربية المحلية.
وأثبتت هذه التقنية نجاحا لكن المشروع الرائد اوضح انه باهظ التكلفة على نحو يتعذر معه تعميمه، وقال فيليب مونولوبو الرئيس التنفيذي لمرفق تشغيل شبكة الكهرباء الفرنسية لرويترز "النموذج الاقتصادي للبطاريات لم يتطور لدرجة النضج بعد".
الى ذلك حددت الادارة الامريكية هدفا يقضي بالاستعانة بالطاقة الشمسية والطاقة المتجددة الاخرى بقدرة 300 ميجاوات للاسكان منخفض التكلفة بحلول عام 2020 ما يضاعف الى ثلاثة امثال الهدف الذي كان الرئيس باراك اوباما قد حدده في عام 2013، وقال برايان ديز أحد مستشاري اوباما في مجال المناخ والطاقة، للصحفيين "من الاهمية بمكان لكل فرد ان يحصل على تقنيات الطاقة الشمسية ومصادر الطاقة المتجددة الاخرى بالنسبة الى الطاقة ذاتها وتوفير التكلفة وايضا فرص العمل". بحسب رويترز.
وستعرض الادارة الامريكية مساعدة تقنية على جماعات الاسكان منخفض التكلفة لتركيب الطاقة الشمسية مع تيسير الاقتراض لملاك المنازل بمبالغ تصل الى 25 الف دولار لهذه المشروعات علاوة على تدريب 200 فقير للحصول على فرص عمل في صناعة الطاقة الشمسية.
اضف تعليق