أركان التعليم تقوم على عنصرين أساسين: بشري يشمل التدريسي والطالب والعملية التعليمية بكل مستلزماتها العلمية المعنوية والفكرية، والآخر مادي يشمل منشآت التدريس في مراحلها كافة وتجهيزها بوسائل الإيضاح المناسبة لكل مرحلة، والمختبرات، وأجور التدريس والمخصصات والكتب الدراسية وقرطاسية الطلبة وسواها، لكن يبقى هناك عمودان أساسيان...
أركان التعليم تقوم على عنصرين أساسين: بشري يشمل التدريسي والطالب والعملية التعليمية بكل مستلزماتها العلمية المعنوية والفكرية، والآخر مادي يشمل منشآت التدريس في مراحلها كافة وتجهيزها بوسائل الإيضاح المناسبة لكل مرحلة، والمختبرات، وأجور التدريس والمخصصات والكتب الدراسية وقرطاسية الطلبة وسواها، لكن يبقى هناك عمودان أساسيان تقوم عليهما العملية التعليمية التي لا يمكن أن تكتمل في حال غياب أو عطب أحدهما لأي سبب من الأسباب، هذا العمودان هما المعلم أو التدريسي، والطالب المتعلِّم.
وما يهمنا في هذه الكلمة، هذا العمودان أو العنصران، المعلم أو التدريسي/ الطالب، وطبيعة العلاقة بينهما أثناء العملية التدريسية، ومقدار الثقة المتبادلة بينهما، لاسيما أننا مع تتابع الوقت وتطور الزمن، يستوجب أن نترك وراءنا - فيما يخص التعليم- جميع القيم والعادات البالية والموروثة من عهود التخلف، كالعنف في التعامل مع الطلبة وأساليب التدريس البطيئة الفهم، وسوى ذلك مما يمكن أن ننبذه ونحن نشارف على نهاية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، حيث تحولت الدراسة في الدول المتقدمة وكثير من دول العالم الأخرى إلى استخدام الوسائل الرقمية في التعليم.
في السنوات الأخيرة كنتُ شخصيا كثير التفكير بطبيعة العلاقة بين الطالب وأستاذه، ويندر أن أترك طالبا ألتقي به مصادفة، سواء كان في الابتدائية أو الثانوية، وحتى الجامعية إلا وسألته عن علاقته بمعلميه وأساتذته، أما الإجابة فإنها تكاد تتشابه لدى نسبة كبيرة من الطلبة، وكلها تقريبا تذهب إلى أن النسبة الأكبر من (التدريسيين)، لا تتمتع بعلاقة مناسبة مع طلابها، وكثير من الطلبة يعتقدون بأن الأستاذ يريد أن يلحق بهم بعض الأذى عمداً!، مثل هذا الشعور قد لا يكون حقيقيا، وربما فيه الكثير من المبالغة لكنه يؤشر جملة من الشوائب التي قد تشوب العلاقة بين التدريسي والطالب ومنها:
- قلة أو فقدان الثقة بين الطرفين وخصوصا بالنسبة للطلاب.
- يعتقدون معظم الطلبة بأن الأستاذ يصعّب عليهم الأمور التدريسية ولا يتعامل معهم بعدالة.
- يندر أن ينظر الطالب إلى أسئلة الامتحان بعين الرضا إلا في حالة الإجابة المضمونة.
- يشكو الطلبة من جفاف أسلوب الأستاذ في جانبي التدريس والعلاقة الإنسانية.
- بالمقابل يشكو الأستاذ من إهمال الطلبة وكسلهم.
- غالبا ما نعرف من التدريسيين أن الطالب مهمل ولا يبذل الجهد الكافي في إتقان واجباته العلمية أثناء التدريس أو بعده.
- خناك بالطبع حالات لا تنطبق عليها النقاط أعلاه، فمثلا هناك طلاب يحبون بعض الدروس ومعلميها أو أساتذتها، كذلك هناك أساتذة يندر أن يشكون من طلابهم، ولكن نسبة هؤلاء تكاد تكون قليلة جداّ.
من النقاط في أعلاه نستنتج أن هناك إشكالية مزدوجة المصدر في العملية التعليمية – ونحن هنا نحصر كلامنا في مجال العلاقة بين المعلم والطالب- ولا علاقة لنا بالأمور الأخرى، هذه الإشكالية تشي بنوع من فقدان الثقة بين الطرفين المعنيين، فلا الطالب يثق بأستاذه وقد يكون الأستاذ فاقدا للثقة بالطالب ولكن بمستوى أو نسبة أقل، لكن هذا لا ينفي ضعف أو قلة أو انعدام الثقة، وهذه إشكالية بالغة التعقيد، إذ تترتب عليها نتائج غير محمودة، فكيف يمكن أن نتصور نجاح عمل أو مشروع أو فعالية ما في حال عدم وجود الثقة بين الأطراف التي تتشارك فيها بعملية الإنتاج العلمي أو السلعي.
بالطبع هناك ملاحظات لدى الطرفين حول طبيعة هذه العلاقة، وكل طرف يلقي باللائمة على الآخر في صنعها، وقد يكون بعضهم محقا أو مغاليا أو يختلق الأسباب والنتائج معا، لكن من كل هذا سنصل بالنتيجة، إلى أن هناك عملية تعليمية مشتركة طرفاها المعلم والطالب، لكنها ليست على ما يرام ونتائجها تشي بوجود شوائب لا ينبغي لها أن تنمو وتكبر، فالأساس في التقدم والنهوض للإنسان والمجتمع والدولة برمتها قائم على العملية التعليمية وضبط إيقاعها، وتطويرها بما يواكب التطوّر العلمي في عموم دول العالم لأننا لسنا معزولين عن الآخرين.
هذا الأمر يحتّم علينا وأعني بذلك ذوي التخصص في دراسة هذه الإشكالية بشكل علمي ودقيق، على أن يتبنى معالجة ذلك أهل الاختصاص حصرا، وأن تمنح الجهات المعنية مثلا وزارتيّ التربية والتعليم العالي هذه العلاقة المتذبذبة (بين المعلم والطالب) الاهتمام والجدية اللازمة، مثال ذلك فتح الباب واسعا أمام تحديث أساليب التدريس من خلال خطوات جدية منها، فتح دورات متخصصة في تطوير أساليب التدريس، والتركيز على الجانب النفسي وأثره على الطلب وأستاذه، مع أهمية أن يتحلى التدريسي بصفات خاصة تؤهله كي يستحق أن يكون معلما ويتحمل مسؤولية تعليم وتطوير قادة المستقبل، والتركيز على الجانب الإنساني والثقافي والعلمي أيضا.
كذلك هناك خطوات مهمة ينبغي أن تخص الطلاب، فهؤلاء هم أبناؤنا، ونحن الذين سنُسأًل عنهم في حال حدث تقصير في هذا المجال أو ذاك، كما أن المسؤولية التربوية والشرعية توجب علينا إعطاء قضية تحصين الطلبة وتطويرهم فكريا وثقافيا وأخلاقيا وعلميا، ما يلزم من الجدية والاهتمام، ومن الجدير ذكره، أن ما يحدث في قطاع التربية والتعليم من أخطاء ونوع من الفوضى لا ينفصل عن الوضع العام في البلد، ولكن نظرا للأهمية القصوى التي يحتلها التعليم والطالب والمعلم، ودورهم في بناء الدولة والمجتمع، يحتّم درجة عالية من المعالجات الجدية العلمية المجرَّبة.
اضف تعليق