q

تعيش المنطقة الأوروبية هذه الايام، حالة من القلق وعدم الاستقرار، فبعد خروج بريطانيا من نطاق الاتحاد الأوروبي، جاء فوز ترامب في الانتخابات الاميركية صادماً وملقياً بكثير من الأسئلة الحائرة على طبيعة المشهد السياسي القادم، هذا المشهد الذي بدأ في التحول قد يفضي إلى تحول في السياسات الاقتصادية الأوروبية، وبخطوات بطيئة لكنها مفعمة بالثقة بدأ مد السياسة الاقتصادية يتحول في أوروبا وقد لا يمضي وقت طويل قبل أن يجتاح ذلك المد ألمانيا، فقد أضافت المفوضية الأوروبية صوتها لقائمة طويلة من المؤسسات التي تطالب ألمانيا بزيادة الإنفاق لتبدو برلين في وضع أكثر انعزالا من أي وقت مضى منذ تفجر الأزمة المالية العالمية قبل ما يقرب من عشر سنوات.

وكما هو متوقع سارع وزير المالية الألماني فولفجانج شيوبله والمؤسسة الإعلامية المحافظة في ألمانيا إلى مهاجمة دعوة المفوضية "لوضع مالي أكثر إيجابية بكثير" في منطقة اليورو.

وبحلول العام المقبل ستكون الخطوة الأولى هي صوب تغير أوسع نطاقا في النهج الاقتصادي الأوروبي بعيدا عن الوضع الذي نجحت برلين في الضغط من أجله لسنوات عديدة وتمثل في منح الأولوية للتقشف، وربما يغذي ذلك عدة عوامل منها الضغوط التي يفرضها فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية وكذلك تشكيل حكومة جديدة في كل من فرنسا وألمانيا عام 2017.

ولفوز ترامب أهمية خاصة، فهو من ناحية سيزيد الضغوط على ألمانيا لزيادة إنفاق المال العام على الدفاع والأمن، وهو يبعث من ناحية أخرى برسالة قوية للمؤسسة السياسية الألمانية عن أخطار تجاهل الطبقة الدنيا التي يتزايد شعورها بالإحباط بفعل قوى العولمة والتي أبدت استعدادها للتنفيس عن غضبها من خلال الانتخابات.

كما سيكون للانتخابات الفرنسية المقبلة أهمية كبيرة، فالمرشحان اللذان يتنافسان على الفوز بترشيح يمين الوسط وهما فرانسوا فيون وآلان جوبيه يعدان بإصلاح اقتصادي جذري إذا ما انتخبا في مايو أيار من العام المقبل، وهذا قد يفتح الباب أمام "صفقة كبرى" أي تسوية لمبادلة إصلاحات بتدابير تحفيزية بين فرنسا وألمانيا تردد الحديث عنها منذ سنوات غير أن تنفيذها كان مستحيلا في ظل ضعف الرئيس فرانسوا أولوند وعدم شعبيته وتدني الأداء الاقتصادي في فرنسا.

وربما يكون العامل الحقيقي للتغيير هو الانتخابات الألمانية في خريف العام المقبل ومصير شيوبله الذي تجسد فيه نهج ألمانيا القائم على الالتزام بالقواعد في السياسة المالية.

وأرجح النتائج المحتملة لهذه الانتخابات فيما يبدو ستكون "ائتلافا كبيرا" آخر بين المحافظين بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل والديمقراطيين الاشتراكيين الذين يمثلون يسار الوسط.

غير أن الديمقراطيين الاشتراكيين قد يطالبون بوزارة المالية هذه المرة مثلما فعلوا في فترة ميركل الأولى عام 2005، وهذا سيدفع شيوبلة لوزارة أخرى مما يحد من دوره كحارس على الانضباط المالي.

واستبعد كريستيان أودندال كبير الاقتصاديين لدى مركز الإصلاح الأوروبي أن يكون للدعوة التي أطلقتها المفوضية الأوروبية لزيادة الانفاق تأثير على موقف ألمانيا، ويعتقد أن نقاشا أكثر حيوية بدأ يتطور داخل ألمانيا حول الحكمة من وراء سياسات شيوبله القائمة على مبدأ الميزانية المتوازنة.

وأظهر استطلاع للرأي أجرته هيئة الإذاعة العامة ايه.آر.دي في سبتمبر أيلول أن 58 في المئة من الألمان يؤيدون إنفاق إيرادات ضريبية اضافية على استثمارات البنية التحتية بالمقارنة مع 22 في المئة يفضلون خفض الدين و16 في المئة يريدون خفض الضرائب.

تعادل قيمة اليورو يعود مع ارتفاع الدولار

ارتفع الدولار إلى أعلى مستوى له في 11 شهرا مقابل سلة من العملات ولامس أعلى مستوياته في عام مقابل اليورو في الوقت الذي بدأت فيه بنوك كبرى ومستثمرون النقاش حول إمكانية تحرك آخر تجاه تعادل القيمة مع الدولار.

وعقب موجة صعود امتدت لأسبوع مدفوعة بزيادة عوائد السندات الأمريكية بعد الانتخابات الرئاسية بدت بعض البنوك الكبرى أكثر حذرا بقليل تجاه التوقعات الفورية للدولار، لكن مع تلقي العملة الأمريكية دعما من توقعات بدفعة تضخمية جانب إدارة دونالد ترامب القادمة مما قد يحفز المزيد من الارتفاعات في أسعار الفائدة الأمريكية، صعد الدولار ليتخطى 1.07 مقابل اليورو وذلك للمرة الأولي منذ أوائل ديسمبر كانون الأول 2015.

وأثار فوز ترامب مخاوف بشأن المزيد من الانتصارات المحتملة المزعزعة للاستقرار للقوميين عبر أوروبا في السنوات القادمة وتوقع عدد من المصرفيين والمتعاملين أن يتراجع اليورو صوب مستويات منخفضة قرب 1.05 وهو المستوى الذي استقر عنده الدولار في موجة ارتفاعه العام الماضي، وارتفعت العملة الأمريكية أيضا نصف نقطة مئوية مقابل الين إلى أعلى مستوياتها منذ الأول من يونيو حزيران لتدفع مؤشر الدولار للصعود بواقع 0.2 بالمئة إضافية إلى 100.41. وإذا تحرك المؤشر فوق 100.51 فإن هذا سيدفعه إلى أعلى مستوى منذ أبريل نيسان 2003. وربح المؤشر نحو خمسة بالمئة في أكثر من أسبوع بقليل.

ومقابل الين ارتفع الدولار 0.2 بالمئة إلى 109.69 ين بعد أن سجل ذروة ارتفاعه في خمسة أشهر عند 109.34، وربح الدولار ثلث نقطة مئوية مقابل الجنيه الاسترليني والدولار الكندي وارتفع نحو واحد في المئة مقابل الدولار الاسترالي الذي تراجع بسبب انخفاض أسعار النفط وغيره من السلع الأولية.

التضخم في اعلى مستوياته منذ عامين في منطقة اليورو والبطالة على حالها

بلغ التضخم في منطقة اليورو اعلى مستوياته منذ حوالى عامين في ايلول/سبتمبر، وهو خبر سار للبنك المركزي الاوروبي الذي يحاول زيادة الاسعار، لكنه لم يفرح المحللين وسط استمرار نسب البطالة على حالها.

وتعليقا على الارقام التي نشرها المكتب الاوروبي للاحصاء (يوروستات) ذكر الخبير في اي اتش اس غلوبال هاورد ارتشر انه "سيترتب على البنك المركزي الاوروبي استيعاب مسارات متناقضة".

واضاف "بالطبع سيسر البنك المركزي الاوروبي بزيادة التضخم الى الضعفين ليبلغ +0,4% في ايلول/سبتمبر مقابل +0,2% في اب/اغسطس، وهو اعلى مستوى له منذ 23 شهرا"، ويتطابق هذه الرقم مع توقعات المحللين الذين سألهم مزود الخدمات المالية "فاكتسيت"، لكنه لا يزال بعيدا جدا عن الهدف الذي حدده البنك المركزي عن نسبة تضخم قريبة من 2% وتعتبر مفيدة للنشاط الاقتصادي.

ويسعى البنك المركزي الاوروبي منذ عامين لتنشيط حركة الاقراض لانعاش النمو والتضخم في دول منطقة اليورو الـ19. وعزز الى درجة كبيرة اجراءاته لدعم الاقتصاد بتخفيض فوائده الى مستويات متدنية تاريخيا وتوفير قروض ضخمة باسعار متدنية للمصارف واعادة شراء شهرية بالجملة لاسهم الديون في الاسواق.

الا ان ارقام التضخم الاساسي (غير الطاقة، المنتجات الغذائية، المشروبات الكحولية والتبغ) الاكثر افصاحا عن التوجه الفعلي لانها تستثني المنتجات الاكثر تقلبا، لا تدعو الى البهجة مع تسجيل نسبة +0,8% في ايلول/سبتمبر على غرار ما حصل في اب/اغسطس.

ولفت المحلل لدى كابيتال ايكونوميكس جاك الن الى ان "تسارع التضخم في ايلول/سبتمبر نتج بشكل شبه حصري عن تراجع اقل لاسعار الطاقة"، في الواقع سجلت اسعار الطاقة تراجعا اقل بكثير في ايلول/سبتمبر (-3%) من الاشهر السابقة، بلغ -5,6% في اب/اغسطس و-6,7% في تموز/يوليو و-6,4% في حزيران/يونيو.

الا ان ما يثير قلق الخبراء ايضا هو نسبة البطالة التي لم تتراجع منذ 4 اشهر "وما زال سقفها فوق 10%" بحسب خبير اي ان جي بيرت كوليين، بالفعل بقيت نسبة العاطلين عن العمل ثابتة في اب/اغسطس في منطقة اليورو على 10,1%. ورغم ان هذه النسبة هي الادنى المسجلة منذ تموز/يوليو 2011 لا تزال اعلى من معدل نسبة البطالة في الفترة بين 1999 و2007 (8,8%) قبل اندلاع الازمة في منطقة اليورو.

كذلك تتعلق المخاوف في منطقة اليورو بزيادة 8000 شخص على عدد العاطلين عن العمل في اب/اغسطس، وهي الزيادة الثانية في الاشهر الثلاثة الاخيرة"، بحسب ارتشر، من جهة اخرى ما زالت الفوارق الكبرى قائمة بين البلدان التي تبنت العملة الموحدة. واعلنت المانيا ذات الاقتصاد الاقوى في المنطقة عن نسبة البطالة الاقل في اب/اغسطس التي بلغت 4,2%.

في المقابل سجلت نسب البطالة الاعلى مجددا في اليونان (23,4% في حزيران/يونيو 2016، اخر رقم متوافر) وفي اسبانيا (19,5%). اما فرنسا فسجلت اقل من المعدل بقليل مع نسبة 10,5%، لكن الارقام اسوأ للذين دون 25 عاما حيث بلغت نسبة العاطلين عن العمل منهم 20,7% في منطقة اليورو، هنا ايضا سجلت المانيا التي غالبا ما يلقى نظام التدريب لديها الاشادة النسبة الاقل وهي 6,9%. كما سجلت اليونان واسبانيا النسبتين الاعلى اللتين بلغتا في حزيران بالتوالي 47,7% (اخر رقم متوافر) و43,2%، وبلغت نسبة البطالة الاجمالية لدى الدول الاعضاء الـ28 في الاتحاد الاوروبي 8,6% ثابتة مقارنة بنسبة تموز/يوليو.

نمو أنشطة شركات منطقة اليورو في سبتمبر بأقل وتيرة منذ بداية 2015

أظهر مسح أن أنشطة قطاع الأعمال في منطقة اليورو نمت بأضعف وتيرة لها منذ مطلع 2015 في أحدث دلالة على أن اقتصاد المنطقة يفقد قوته الدافعة، وقلصت الشركات الإنفاق في ظل تنامي الحذر بشأن الآفاق الاقتصادية والضبابية السياسية في الوقت الذي تستعد فيه بريطانيا لبدء إجراءات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي ويقترب فيه موعد الانتخابات في ألمانيا وفرنسا.

وبلغت القراءة النهائية لمؤشر ماركت المجمع لمديري المشتريات في منطقة اليورو في سبتمبر أيلول 52.6 لتتماشى مع التقديرات الأولية ولكنها تقل عن قراءة أغسطس آب البالغة 52.9. ويتجاوز المؤشر مستوى الخمسين الفاصل بين النمو والانكماش منذ منتصف 2013 لكن قراءة الشهر الماضي هي الأدنى منذ يناير كانون الثاني 2015.

ويرى كريس وليامسون كبير الخبراء الاقتصاديين المعنيين بقطاع الأعمال في آي.إتش.إس ماركت أنه وعلى الرغم من أن مسوح مديري المشتريات تظهر استمرار نمو اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 0.3 بالمئة في الربع الثالث من العام إلا أن هناك مؤشرات على أن القوة الدافعة تتضاءل، وأضاف "من بين أكبر أربعة اقتصادات في منطقة اليورو أظهرت فرنسا وحدها مؤشرات على اكتساب قوة دافعة في حين اتجه النمو للنزول في ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا."

كما تراجع النمو في قطاع الخدمات المهيمن على اقتصاد منطقة اليورو. وهبط مؤشر مديري المشتريات إلى 52.2 من 52.8 ليتجاوز قليلا القراءة الأولية البالغة 52.1 لكنه يسجل أدنى مستوى له منذ أواخر عام 2014.

ومع انخفاض معدلات النمو تراجع عدد الوظائف الجديدة في الشركات مقارنة مع أغسطس آب. وانخفض المؤشر الفرعي للتوظيف إلى أدنى مستوى له في خمسة شهور عند 52.0 من 52.4 نقطة.

الدول الغنية في الاتحاد الأوروبي تحظى بالنسبة الأكبر من خطة الاستثمار

أظهر تقرير لبنك الاستثمار الأوروبي أن جميع الأموال تقريبا التي أنفقت حتى الآن في إطار خطة استثمارات الاتحاد الأوروبي البالغ حجمها 315 مليار يورو قد اتجهت إلى أغنى 15 دولة في الاتحاد، وحققت إيطاليا وإسبانيا أكبر استفادة من تمويل مشروعات البنية التحتية والابتكارات بجانب بريطانيا التي صوت مواطنوها لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في يونيو حزيران.

وأظهر التقرير أن هذا الإنفاق في طريقه للانتهاء في الموعد المحدد المستهدف منتصف 2018، وتسعى خطة الاستثمار هذه إلى جذب السيولة من القطاع الخاص لتمويل الاستثمارات بينما يقوم الصندوق الأوروبي للاستثمار الاستراتيجي بتمويل الاستثمارات عالية المخاطر مستخدما 21 مليار يورو من الأموال العامة.

وأفاد بنك الاستثمار الأوروبي في تقرير عن الخطة التي يشارك في تمويلها إن البرنامج البالغة مدته ثلاث سنوات اجتذب استثمارات بنحو 104.75 مليار يورو بنهاية يونيو حزيران بعد عام من إطلاقه وهو ما يعادل ثلث المخطط له، الا ان البنك أبدى قلقه من أن غالبية استثمارات الصندوق الأوروبي للاستثمار الاستراتيجي اتجهت إلى مشروعات في أغنى 15 دولة أوروبية بدلا من الثلاث عشرة دولة الأفقر بالاتحاد.

هذا المشهد الاقتصادي يبين لنا، ان سطوة الاتحاد الاوروبي وقوته الاقتصادية بدأت بالتزعزع، اذ بدأت المؤشرات الاقتصادية في تراجع واضح، فالنمو لم يتحس كثيراً داخل المنطقة، والبطالة لم تتغير مستوياتها عما هي عليه في السابق، كما موجة التخبط الناجمة عن فوز ترامب، أصبحت مثل الظاهرة التي يخشى الكثير انتقالها لاوروبا، اذ يرى فيها انها ستبث الأمل لدى المحافظين من المرشحين السياسيين في أوروبا لتولي زمام السلطة، وهذا بدور يشجع على ظهور موجة من التوقعات التي من شأنها أن تغير كبير في السياسة الاقتصادية الداخلية والخارجية لأوروبا.

اضف تعليق