تزامن تأثير الأزمة المالية بسبب هبوط اسعار النفط، مع سلسلة من التفجيرات التي طالت مدن اوربية عديدة، وهذا التزامن أثر بشكل واضح على القطاع السياحي العالمي، أما باريس العاصمة الفرنسية التي تمثل وجهة لآلاف السياح، فلم تعد كذلك منذ أن ضربتها سلسلة الاعمال الارهابية المتتابعة، فيما كان لهبوط الجنيه الاسترليني انعكاسا جيدا على السياحة.
فقد قالت طالبة فرنسية قدمت من تولوز لقضاء عطلة نهاية الاسبوع مع صديقاتها في لندن ان "انخفاض سعر العملة امر جيد جدا للسياح لان لندن مدينة معروفة بغلاء الاسعار". فيما صرحت سائحة أخرى بأن انخفاض سعر العملة "شكل مفاجأة سارة".
وقد انعكس انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني بصورة ايجابية على اصحاب المحال والمطاعم الصغيرة في لندن، فقد كان عمل ماريولا جيدا باستمرار نظرا لموقع محلها المميز، إلا انها لاحظت تحسنا طفيفا في الاسابيع الاخيرة. وقالت ماريولا "استطيع ان اقول ان الامور تسير بشكل افضل والناس باتوا ينفقون الاموال بسهولة اكبر من العادة".
في فرنسا يختلف وضع السياحة بصورة تامة، حيث أدت التفجيرات التي طالت هذه المدينة التي تسمى بمدينة الحرية، أدت الى تغيير وجهة السياح نحو بوصلات اخرى لمدن وبلدان آمنة، لاسيما أن وزير الخارجية والسياحة الفرنسي جان مارك ايرولت أعلن ان عدد السياح الاجانب في فرنسا تراجع بنسبة سبعة في المئة منذ بداية العام، متأثرا بسلسلة الاعتداءات التي تعرضت لها البلاد وايضا باحوال الطقس والاضرابات.
وقد تعرضت فرنسا في شهر ونصف شهر لثلاثة اعتداءات جهادية تبناها تنظيم الدولة الاسلامية بينها اعتداء نيس في 14 تموز/يوليو (86 قتيلا) الذي وقع بعد اكثر من ستة اشهر من هجمات باريس وسان دوني في تشرين الثاني/نوفمبر الفائت (130 قتيلا). وفي باريس، تراجع عدد السياح الاجانب بنسبة 17 في المئة على مدى عام حتى 15 اب/اغسطس.
ولم يقتصر تراجع السياحة على عدد السياح القاصدين لمدينة باريس، بل حتى السياح الذين وصلوا هذه المدينة باتوا اكثر حذرا من السباق في كيفية تمضية اوقاتهم، وكيف يتوخون الحذر ليلا خوفا من استهدافهم وباتوا لا يفضلون قضاء الليالي السياحية كما في السابق، فقد قال وزير السياحة الفرنسي في تصريحات له إن عدد الليالي التي قضاها السياح الأجانب في الفنادق الفرنسية تراجع عشرة بالمئة في يوليو تموز مقارنة مع العام الماضي بسبب الهجمات التي شنها إسلاميون في الفترة الأخيرة.
لا يعني ذلك أن سمة التفاؤل بسياحة جيدة غابت تماما، فهناك بعض المسؤولين عن قطاع السياحة لا يزالون ينظرون بنوع من التفاؤل لهذا القطاع الحيوي الذي يمثل لكثير من الدول مصدرا مهما للحصول على ايرادات الخزينة المالي في هذا السياق قد أكد مدير مجموعة "تي يو آي" الأولى عالميا في مجال السياحة أن الناس "لا يزالون يريدون السفر" بالرغم من التهديدات الإرهابية والاضطرابات التي تلقي بظلالها على بعض المقاصد السياحية الرئيسية، مشيرا إلى أنه يتوقع موسما سياحيا مزدهرا هذا العام.
في حين تشهد ايطاليا اقبالا للسياح، وتعيش موسما سياحيا جيدا يختلف تماما عما يحدث في فرنسا وعاصمتها باريس، فقد شهدت ايطاليا هذا الصيف موسما سياحيا حافلا مع اكتظاظ الشريط الساحلي من البندقية الى صقلية وارتفاع اسعار الغرف في الفنادق الممتلئة بالنزلاء، غير ان هذا البلد يستعد لخريف سياسي واقتصادي صعب.
سعر الجنيه ينخفض ويعزز قطاع السياحة
ويبدو أن تأثير قرار الخروج من الاتحاد الاوروبي على الاقتصاد البريطاني ما زال غير واضح، لكن العاملين في السياحة في المملكة المتحدة يبدون متفائلين بأن يجذب انخفاض سعر الجنيه الاسترليني السياح الاجانب. وقالت شارلوت الطالبة الفرنسية التي قدمت من تولوز لقضاء عطلة نهاية الاسبوع مع صديقاتها في لندن ان "انخفاض سعر العملة امر جيد جدا للسياح لان لندن مدينة معروفة بغلاء الاسعار".
واضافت بينما كانت تقف في الصف لدخول متحف الشمع "مدام توسو" احدى اشهر الوجهات السياحية في العاصمة البريطانية "اجرينا الحجوزات لرحلتنا قبل نتائج الاستفتاء" على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي، مشيرة الى ان انخفاض سعر العملة "شكل مفاجأة سارة".
وتراجع سعر الجنيه الاستراليني اكثر من عشرة بالمئة مقابل الدولار ومقابل اليورو منذ الاستفتاء الذي اجري في 23 حزيران/يونيو وصوت فيه البريطانيون على الخروج من الاتحاد. ويحتاج تطبيق هذه الخطوة الى بعض الوقت ويتطلب اجراء مفاوضات طويلة مع المفوضية الاوروبية. لكن اسواق المال بدأت ترد على هذا القرار المفاجئ بمعاقبة الجنيه، مما يثير ارتياح العاملين في قطاع السياحة في المملكة المتحدة.
وتدير ماريولا منذ ثمانية اعوام كشكا لبيع المأكولات الخفيفة والمشروبات امام متحف مدام توسو. وقد كان عملها جيدا باستمرار نظرا لموقع محلها المميز، الا انها لاحظت تحسنا طفيفا في الاسابيع الاخيرة. وقالت ماريولا لوكالة فرانس برس "استطيع ان اقول ان الامور تسير بشكل افضل والناس باتوا ينفقون الاموال بسهولة اكبر من العادة".
وبمعزل عن هذا المحل الصغير، يبدو القطاع برمته مزدهرا. فقد ذكرت مؤسسة الاحصاءات المتخصصة بقطاع السفر "فوروورد-كيس" ان المملكة المتحدة سجلت زيادة نسبتها 4,3 بالمئة على مدى عام في عدد المسافرين الاجانب في الاسابيع الاربعة التي تلت الاستفتاء. اما الهيئة المكلفة الترويج للسياحة في المملكة المتحدة "فيزيت-بريتن" فتشير من جهتها الى انه على الرغم من التصويت مع الخروج من الاتحاد الاوروبي، يشعر 65 بالمئة من العاملين في قطاع الفنادق والافراد الذين يؤجرون غرفا "بثقة كبيرة" في النشاط خلال فصل الصيف، ويعتبرون عدد الحجوزات المقبلة "جيدا جدا".
وقالت مديرة الادارة الاستراتيجية في "فيزيت-بريتن" باتريشيا ييتس "اعتقد ان السياحة هي احد القطاعات التي يمكن ان تستفيد فعليا من خروج بريطانيا من الاتحاد"، مؤكدة انه "يجب انتهاز هذه الفرصة". وقال اوفي ابراهيم مدير هيئة "بريتش اوسبيتاليتي اسوسييشن" التي تعمل على الترويج للشركات السياحية في البلاد ان "عمليات البحث عن اماكن للاقامة في المملكة المتحدة بلغت ذروتها بعد الاستفتاء، واحد الاسباب هو انخفاض سعر العملة".
واضاف ان "معظم السياح الاجانب كانوا قد حجزوا لعطلهم (قبل الاستفتاء) وتراجع العملة سيعود بالفائدة عليهم، وكذلك الامر بالنسبة للسياح الذين يمضون عطلة حاليا وسينفقون المزيد على الارجح". والرأي نفسه عبرت عنه منصة "اير-بي ان بي" الالكترونية للحجوزات للافراد، مشيرة الى ان لندن التي تعد احدى ثلاث مدن تلقى اكبر عدد من الحجوزات من قبل السياح، لم تفقد من جاذبيتها للاجانب.
وما حدث هو العكس اذ ان مسافرين من اكثر من 164 جنسية اختاروا زيارة العاصمة البريطانية بعد الاستفتاء، على حد قول جيمس ماكلور المدير العام "لاير-بي ان بي" الذي يشير الى الطابع "الشعبي والمختلط" للمدينة. ويأمل العاملون في القطاع السياحي الآن ان تستمر هذه الاجواء المناسبة، من فصل الصيف الى تراجع سعر الجنيه، في الاشهر المقبلة.
وقالت مجموعة الاتصال "لندن اند بارتنرز" ان ثلثي الاميركيين الذين قدموا ليمضوا عطلة في المملكة المتحدة قالوا انهم مستعدون للعودة اليها نظرا لسعر الجنيه الاستراليني الذي يناسبهم.
تراجع عدد السياح الاجانب في فرنسا
في مجال السياحة اعلن وزير الخارجية والسياحة الفرنسي جان مارك ايرولت ان عدد السياح الاجانب في فرنسا تراجع بنسبة سبعة في المئة منذ بداية العام، متأثرا بسلسلة الاعتداءات التي تعرضت لها البلاد وايضا باحوال الطقس والاضرابات. وقال ايرولت خلال زيارته منطقة شاتو دو لا لوار ان "وصول (السياح الاجانب) منذ بداية العام تراجع بنسبة سبعة في المئة في كل انحاء البلاد"، علما بان نتائج المناطق اظهرت استقرارا نسبيا مقارنة بالعام الفائت في مقابل "تراجع للقادمين الى باريس".
وخلال العام 2015، حافظت فرنسا على المرتبة الاولى على صعيد السياح الدوليين، بحسب معطيات منظمة السياحة العالمية. واضاف ايرولت انه بعد 2015 الذي كان عاما "استثنائيا (...) سيظل 2016 على الارجح عاما مختلفا بالنسبة الى العاملين في السياحة"، موضحا ان "الاعتداءات تفسر جزئيا (هذه) الاتجاهات المخيبة للامال" ولافتا الى ان "التفكير في الخطر الامني كان له تاثير واضح على بعض الزبائن وخصوصا الاكثر ثراء او اولئك المتحدرين من اسيا" بحسب فرانس برس.
وتعرضت فرنسا في شهر ونصف شهر لثلاثة اعتداءات جهادية تبناها تنظيم الدولة الاسلامية بينها اعتداء نيس في 14 تموز/يوليو (86 قتيلا) الذي وقع بعد اكثر من ستة اشهر من هجمات باريس وسان دوني في تشرين الثاني/نوفمبر الفائت (130 قتيلا). وفي باريس، تراجع عدد السياح الاجانب بنسبة 17 في المئة على مدى عام حتى 15 اب/اغسطس.
واشار ايرولت الى ان الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها بعض البلدان مثل روسيا والبرازيل ساهمت ايضا في تراجع عدد السياح، فضلا عن "احوال الطقس السيئة (التي تجلت) في خمسين يوما اضافيا من الامطار في الفصل الثاني (من العام) (...) والاضرابات" في وسائل النقل.
االإرهاب وتراجع السياحة في فرنسا
في سياق مقارب سجلت فرنسا في الربع الثاني من السنة تراجعا في عدد السياح بنسبة قوية (-4,8% خلال سنة) حسب إحصاءات المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية. وحسب هذه المؤسسة الرسمية فإن بطولة كأس أمم أوروبا التي احتضنتها فرنسا لم تكن كافية لإقناع السياح الأجانب للعودة لأول وجهة سياحية في 2015، بسبب الهجمات الإرهابية وسوء الأحوال الجوية في ربيع 2016.
وأفادت أرقام رسمية نشرها المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية تراجع عدد السياح الذين يرتادون الفنادق والشقق في فرنسا، أول وجهة سياحية في العالم، بقوة في الربع الثاني من السنة (-4,8% خلال سنة) بسبب تخوف الأجانب بعد موجة الاعتداءات الإرهابية وسوء الطقس.
وأوضح المعهد أن معدل مجيء السياح إلى فرنسا سجل تحسنا في الربع الأول لكنه تراجع مجددا من نيسان/أبريل إلى حزيران/يونيو وخصوصا مع تراجع عدد الزبائن الأجانب في الفنادق ومقار السكن المشترك الأخرى (-8,5%). مضيفا أن هذا التراجع "الأعلى من الربع الأول (-2,7%) شبيه بذاك الذي سجل في الربع الأخير من عام 2015 إثر اعتداءات تشرين الثاني/نوفمبر بحسب فرانس برس.
وتزايدت عواقب الأعمال الإرهابية على السياحة الفرنسية في الربع الثالث بعد اعتداء نيس الذي أوقع 85 قتيلا في 14 تموز/يوليو والذي خفف من تدفق الأجانب إلى البلاد. من جانب آخر قال المعهد أن "يومي عطلة رسمية في 2016 مقابل خمسة السنة الماضية وسوء الأحوال الجوية ساهما في تراجع مجيء السياح في نيسان/أبريل وأيار/مايو".
وأضاف أن "التراجع في حزيران/يونيو معتدل أكثر خصوصا بسبب الأثر الإيجابي الذي تركه كأس أوروبا لكرة القدم في المدن التي استضافت المباريات". وفي ما يتعلق بالفنادق فإن تلك الواقعة في الضواحي سجلت ارتفاعا في عدد النزلاء (+1,5%) وخصوصا بفضل مباريات كأس أوروبا. أما بالنسبة للمساكن السياحية المشتركة فقد تراجعت مجددا نسبة ارتيادها بقوة في الربع الثاني، -6,4% على سنة.
وقد سجلت الحركة السياحية في فرنسا تراجعا بعيد الاعتداء الذي وقع في مدينة نيس في الرابع عشر من تموز/يوليو، بعد ان كانت سجلت تراجعا ايضا بعيد اعتداءات الثالث عشر من تشرين الثاني/نوفمبر في باريس التي اوقعت 130 قتيلا. وتراجع عدد السياح الاجانب خلال الفترة من كانون الثاني/يناير الى العاشر من تموز/يوليو الحالي بنسبة 5،8% مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2015، علما بان هذا التراجع بلغ 11% في مدينة باريس.
وبعد اعتداء نيس الذي اوقع 84 قتيلا و435 جريحا بينهم كثير من الاجانب، تراجع عدد السياح الذين يصلون الى فرنسا من طريق الجو بنسبة 8،8% خلال الفترة من الخامس عشر حتى الثالث والعشرين من تموز/يوليو، بحسب شركة فوروارد كيز التي ترصد حركة الطيران في العالم يوميا. كما ان الحجوزات على خطوط الطيران المتوجهة الى فرنسا تراجعت بنسبة عشرين بالمئة.
الليالي السياحية تراجعت بنسبة ملحوظة
من جهته قال وزير السياحة الفرنسي في تصريحات له إن عدد الليالي التي قضاها السياح الأجانب في الفنادق الفرنسية تراجع عشرة بالمئة في يوليو تموز مقارنة مع العام الماضي بسبب الهجمات التي شنها إسلاميون في الفترة الأخيرة. وعانت السياحة الفرنسية وهي محرك مهم للاقتصاد منذ قتل مسلحون تابعون لتنظيم الدولة الإسلامية 130 شخصا في هجوم بباريس العام الماضي. وتلقى القطاع ضربات أخرى في يوليو تموز عندما قتل متشدد 85 شخصا بأن صدم بشاحنة حشودا في مدينة نيس بمنطقة الريفيرا. بعد ذلك بأسبوعين قتل رجلان قسا في بلدة صغيرة بنورماندي.
وقال الوزير ماتياس فيكل في مقابلة مع صحيفة لو جورنال دو ديمانش إن الهجمات أثنت بشكل خاص الزائرين الأثرياء من الولايات المتحدة وآسيا والخليج. وقال إن السياح القادمين من دول أوروبية أخرى الذين يشكلون نحو 80 بالمئة من الزائرين ما زالوا يتوافدون على فرنسا. وأبلغ الصحيفة أن الأشهر الستة الأولى من العام شهدت أيضا تراجع عدد الليالي السياحية عشرة بالمئة على أساس سنوي بحسب فرانس برس.
وتركز التأثير في باريس وضواحي العاصمة حيث زادت فترات إقامة السياح في المناطق الأخرى اثنين بالمئة في الفترة من يناير كانون الثاني إلى يونيو حزيران. وساهم النشاط الضعيف بفرنسا في تراجع أرباح التشغيل للنصف الأول من العام لمجموعة أكور الفندقية الفرنسية وقالت اير فرانس-كيه.ال.ام إنها تتوقع تراجع إيرادات وحداتها في يوليو تموز وأغسطس آب لأسباب منها الوضع في فرنسا.
مسؤولون يعربون عن تفاؤلهم في ازدهار السياحة
وقد أكد مدير مجموعة "تي يو آي" الأولى عالميا في مجال السياحة أن الناس "لا يزالون يريدون السفر" بالرغم من التهديدات الإرهابية والاضطرابات التي تلقي بظلالها على بعض المقاصد السياحية الرئيسية، مشيرا إلى أنه يتوقع موسما سياحيا مزدهرا هذا العام.
وقال فريتز يوسن مدير المجموعة الألمانية البريطانية خلال مؤتمر عبر الهاتف الخميس إن "الناس لا يزالون يريدون السفر لكنهم يقومون بذلك بطريقة مختلفة"، متوقعا أن "يكون العدد الإجمالي للسياح (هذه السنة) أكبر من ذاك المسجل العام الماضي" ومشيرا إلى أنه خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة لم يسجل أي تراجع في هذا المجال سوى مرة واحدة في العام 2009 على خلفية الأزمة الاقتصادية العالمية.
وتكلم يوسن عن نوع من الاعتياد على الأنباء السيئة ساعد على عدم شعور السياح بالإحباط قائلا "كلما ازدادت الأحداث، تقبل الناس فكرة عدم الاستقرار في العالم وأنه ليس في اليد حيلة".
فالاعتداءات التي وقعت في بلدان عدة والاضطرابات السياسية التي عصفت ببلدان أخرى أدت من دون شك إلى تراجع الإقبال على بعض الوجهات، مثل تركيا ومصر وتونس، ما صب في مصلحة بلدان أخرى مثل غرب المتوسط وخصوصا اسبانيا، بحسب "تي يو آي".
ونشرت المجموعة التي تتخذ في ألمانيا مقرا لها والتي أدرجت أسهمها في بورصة لندن نتائج الربع الثالث من نيسان/أبريل إلى حزيران/يونيو مع خسائر بنسبة 6 % في خلال سنة في رقم أعمالها الذي تراجع إلى 4,6 مليارات يورو. وعزت "تي يو آي" هذا الانخفاض إلى "موعد عيد الفصح" الذي أتى العام الماضي في نيسان/أبريل وصادف هذه السنة في آذار/مارس، أي في الربع السابق، فضلا عن "انخفاض الحجوزات في افريقيا الشمالية وتركيا"، في جملة الأسباب المقدمة. غير أن المجموعة أعربت عن تفاؤلها للفترة المتبقية من العام التي تأمل بفضلها تعويض الفارق.
ايطاليا تنعم بموسم سياحي حافل
من جهتها تشهد ايطاليا هذا الصيف موسما سياحيا حافلا مع اكتظاظ الشريط الساحلي من البندقية الى صقلية وارتفاع اسعار الغرف في الفنادق الممتلئة بالنزلاء، غير ان هذا البلد يستعد لخريف سياسي واقتصادي صعب. ولم يكن لخبر مراوحة النمو الاقتصادي بمستوى الصفر خلال الفصل الثاني من السنة وقع كبير في العاصمة التي احتلها السياح وخلت من سكانها، غير ان تبعاته ستظهر حتما لاحقا.
ولا تزال القوة الاقتصادية الثالثة في منطقة اليورو تعاني صعوبات وهي تواجه طلبا داخليا متدنيا وقطاعا مصرفيا أضعفته الديون المشكوك في تحصيلها التي تم اقتراضها لتمويل الاستثمارات. ويأتي خبر انعدام النمو في أسوأ ظرف بالنسبة لرئيس الحكومة ماتيو رينزي (وسط يسار) بعد ثلاث سنوات من الانكماش تلتها سنة من الانتعاش الاقتصادي البطيء.
فهو وضع مستقبله السياسي على المحك في استفتاء دستوري مقرر في تشرين الثاني/نوفمبر. وهذا الانكماش يعقد وضع ميزانية للعام 2017 يتحتم عرض خطوطها العريضة قبل منتصف تشرين الاول/اكتوبر. وبعدما وصل الى السلطة مطلع 2014 بناء على برنامج من الاصلاحات على جميع الاصعدة، اقر رينزي الاسبوع الماضي بانه اخطأ بربط مصيره بشكل صريح بمصير اصلاحه الرئيسي الرامي الى وضع حد لانعدام استقرار الحكومات في ايطاليا والبطء الشديد في الاليات التشريعية بحسب فرانس برس.
غير ان الخبراء يجمعون على ان الوقت فات لمنع عملية الاقتراع من ان تتحول الى استفتاء على حكمه المستمر منذ سنتين ونصف. وتشير استطلاعات الراي في الوقت الحاضر الى اشتداد المنافسة بين المؤيدين والمعارضين، ما يزيد الضغط على رينزي لطرح ميزانية تدفع الناخبين على الوقوف بجانبه، ولو كلفه ذلك مواجهة مع بروكسل.
وقال وزير التنمية الاقتصادية كارلو كالندا بوضوح في نهاية الاسبوع الماضي ان الحكومة تدرس احتمال تجاهل تعليمات الاتحاد الاوروبي المتعلقة بالعجز في الميزانية والكشف عن ميزانية للانعاش الاقتصادي. لكن بعد اعلان انعدام تسجيل اي نمو في اجمالي الناتج الداخلي بين الفصلين الاول والثاني من العام، يتوقع المحللون ان تضطر الحكومة الى مراجعة توقعاتها للنمو لخفضها بنسبة 1,2% هذه السنة و1,4% في 2017.
وقال كالندا "لا يمكنني ان انكر ان هامش المناورة ضئيل جدا". وحددت المفوضية الاوروبية لايطاليا هدفا للعجز في الميزانية بنسبة 1,8% من اجمالي الناتج الداخلي عام 2017، باعتبارها الوسيلة الوحيدة لوقف تزايد دين عام طائل بلغ 2248 مليار يورو في حزيران/يونيو. واوضح كالندا "حصلنا حتى الان على مرونة كبيرة، ونعتزم طلب المزيد، اقصى حد ممكن، انما ضمن القوانين دائما".
سائح صيني يوضع بالخطأ في مركز للاجئين
في سياق آخر وجد سائح صيني كان يسافر عبر اوروبا نفسه عالقا في تموز/يوليو في مركز للاجئين في المانيا بسبب التباس بيروقراطي زاد من حدته صعوبات لغوية، على ما ذكر الصليب الاحمر. فلاسباب لا تزال مبهمة اعتبر هذا الرجل البالغ 31 عاما الذي لا يتكلم لا الانكليزية ولا الالمانية على انه شخص "بحاجة الى مساعدة" بعيد وصول طائرته الى شتوتغارت (جنوب غرب المانيا) في الرابع من تموز/يوليو على ما قال المسؤول في الصليب الاحمر كريستوف شلوترمان.
واقتيد الى مركز استقبال اولي في هايدلبرغ وفقد امواله وملأ "خطأ على ما يبدو" استمارة طلب اللجوء التي عرضتها عليه السلطات المحلية على ما قال شلوترمان. وبحسب الاجراءات الالمانية التي يتم في اطارها توزيع اللاجئين على مناطق البلاد، نقل في السادس من تموز/يوليو الى مركز استقبال في دورتموند (غرب) ومن ثم الى اخر قريب في دولمن بحسب فرانس برس.
واوضح شلوترمان الذي يدير المركز في دولمن لصحيفة "دولمنر تسايتونغ"، "لقد تسبب بمسار لم يعد قادرا على الخروج منه". واخذ منه جواز سفره وتأشيرة الدخول واضطر هذا الرجل الذي لم يكشف عن هويته الى الخضوع لكل الاجراءات من زيارة طبية واخذ بصمات وقد تلقى كذلك المساعدات التي ينص عليها القانون لطالبي اللجوء.
إلا ان شلوترمان ومسؤولا اخر في المركز تنبها سريعا الى ان ان الرجل مختلف عن المستفيدين الاخرين وتمكنا من حل اللغز بفضل تطبيق للترجمة على جهاز نقال. وروى شلوترمان "قال انه كان يريد السفر الى فرنسا وايطاليا". إلا ان وقف الاجراءات احتاج الى عشرة ايام اضافية ولم يتمكن السائح الصيني من مواصلة رحلته الا بعد اسبوعين من بداية هذه المغامرة.
ونقلت عنه محطة "دبليو دي ار" الاخبارية المحلية قوله قبل ان يواصل جولته الاوروبية "لقد تخيلت اوروبا مختلفة".
حضور السياحة في ساحات الحروب
من جهته يقول جوني بلير ان "زيارة تايلاند رحلة مملة ولا اجني منها شيئا"، وهو يفضل على هذه القبلة السياحية التقليدية الذهاب الى وجهات ساخنة مثل العراق او افغانستان، يوصي بها بشدة موضحا ان "الخطر يستحق العناء". ويبدو ان خطوط الجبهات الحامية تنطوي على شاعرية خاصة بنظر هذه الفئة من السياح الذين يقصدون ساحات الحروب فيجوبون فيها طرقات محفوفة المخاطر ما بين الالغام والرصاص الطائش، فضلا عن الحواجز المباغتة وعمليات الخطف.
وتقوم حفنة من وكالات السفريات بتنظيم رحلات لزبائنها الى هذه الوجهات، يجذبهم اليها احساس بالاثارة يولده الخطر. ومن هذه الوكالات "هينترلاند ترافل" البريطانية التي تعرضت مجموعة من سياحها تضم 12 اوروبيا واميركيا الخميس لقذيفة اطلقتها عليها حركة طالبان في غرب افغانستان على طريق هرات.
واصيب ستة من المسافرين بينهم مدير الوكالة جيف هان بجروح طفيفة، لكن ما ان وصلت المجموعة الى كابول حتى بدأت ترد تعليقات على فيسبوك من اشخاص يرغبون في ان يحذوا حذوهم. وكتب ديفيد ستانلي بعدما تعرف الى جيف هان، الرحالة البالغ من العمر 78 عاما، في الصور التي تصدرت الصحف "هذا يجعلني ارغب في الرحيل معه".
هل يعقل ان يكون هذا الميل الى المجازفة ناجما عن فضول مرضي؟ أو ميول انتحارية؟ أو توق الى مشاعر قوية؟ ما الذي يجعل البعض يجازفون بحياتهم لقضاء مثل هذه العطلة في حين يكافح اخرون بكل ما لديهم من قوة من اجل البقاء؟ في 2013 قام سائق شاحنة ياباني يدعى توشيفومي فوجيموتو بقضاء عطلة في حلب بشمال سوريا، وشرح لوكالة فرانس برس انه زار قبل ذلك حمص واليمن تحت القصف، والقاهرة ابان الثورة التي اسقطت حسني مبارك.
وفي ساراييفو يروي الصحافيون زيارة قام بها سياح الى فندق "هوليداي إين" الشهير الذي تحول الى مقر عام للصحافة الدولية أيام حصار المدينة. وفي صيف 2015 اوقفت السفارة الفرنسية في كابول رغما عنهما شابين كانا يزوران المنطقة فيستوقفان السيارات للتنقل ويبيتان في منازل سكان محليين بحسب فرانس برس.
وقال جيمس ويلكوكس مؤسس وكالة "آنتيمد بوردرز" في غرب انكلترا "ان دوافع زبائننا متنوعة"، وقد ارسلت وكالته مؤخرا مجموعة من هؤلاء السياح لينحدروا في زوارق كاياك على نهر بانشير شمال افغانستان. واوضح ويلكوكس ان "الدوافع كثيرة: الذهاب نحو ثقافة اخرى، والرغبة في فهم التعقيدات الجيوسياسية بصورة افضل، أو لأنهم قدموا الى المنطقة في السبعينيات لزيارة المواقع الاثرية..."
ويقول جوني بلير الايرلندي الشمالي البالغ من العمر 36 عاما والذي رافقه في رحلة الى افغانستان ان افضل ذكرياته من تلك الرحلة هي "مباراة كرة قدم لعبتها مع اطفال قرب معبد سامانغان البوذي (شمال)، او ليلة قضيتها في احاديث حول كوب من الشاي ونارجيلة في مزار شريف" كبرى مدن الجنوب. وروى في رسالة الكترونية من جيب كالينينغراد الروسي على بحر البلطيق حيث حصل على "تاشيرة دخول لبضعة ايام" "سافرت ايضا الى العراق والصين وفنزويلا وفلسطين وكوريا الشمالية. كل بلد يستحق ان نزوره".
وقال جون ر. ميلتون (46 عاما) من الولايات المتحدة ان "الوجهات الخارجة عن المسالك المعهودة اكثر ثراء، نتعرف فيها الى المجتمعات والثقافات على حقيقتها". وكتب المصرفي السابق الذي يقضي تقاعده المبكر في "استكشاف عجائب العالم" ومنها افغانستان في حزيران/يونيو "لا تقضي العمر بدون ندبات، ذلك هو مثلي المفضل".
وانطلاقا من هذه القاعدة في الحياة، جال على باكستان والصومال وكوريا الشمالية حيث شارك في الاحتفالات بعيد ميلاد الزعيم كيم جونغ اون "برفقة دينيس رودمان" بطل كرة السلة الاميركي السابق الذي زار هذا البلد مرارا. ويقول "انها أعز ذكرى احتفظ بها، الى جانب السجن في مقديشو..." ويضيف مشددا "انها تجارب لن تعيشها ابدا في العالم الغربي. بالطبع، قد يكون ذلك خطيرا، لكن المخاطر يمكن ضبطها، والمكافأة تستحق المجازفة".
وكانت حادثة هرات، على الرغم من عدم خطورتها، مؤسفة لبلد يراهن على ثرواته الطبيعية والاثرية لانعاش قطاعه السياحي الذي يعتبر من الموارد النادرة للعملات الاجنبية، وقد استقبل 20 الف سائح في 2015. وكتب احد سكان كابول حميد زهزيب على تويتر "الآن، حتى السياح الاجانب يتعرضون لهجمات عندنا. هذا عار!" ويأمل الافغان الا يثني الحادث الزوار الاخرين عن التوجه الى بلادهم.
اضف تعليق