q

لم تكن اوربا ضعيفة أمنيا كما هي عليه الآن، فالارهاب يبطش ببلدانها ومدنها واحدة تلو الاخرى، مما ساهم في خلق بيئة لا تساعد على جذب السائحين، على عكس ما كانت عليه مدنها السياحية في السابق، فقد كانت تدر على خزائن بلدانها عشرات الملايين من الدولارات سنويا، وكانت ترفد الميزانيات المالية مما يرد من السياح.

ولكنها اليوم باتت مدن مهجورة من السائحين لأسباب يتصدرها الإرهاب، حيث التفجير وأعمال الطعن والدهس تفتك بها، فضلا عن الازمة المالية التي أنتجتها أزمة هبوط أسعار النفط، ومع كل التحوطات التي اتخذتها الحكومات الاوربية إلا أن موجات التطرف انتعشت بقوة في هذه البلدان، وهناك من يقول أن الارهاب الذي ترعرع ونما على ايدي شبكات اوربية بموافقة حكومات وتخطيط مخابراتها، عاد إليها كي يزعزع الأمن فيها، فتضررت السياحة بشكل ملحوظ.

ومن بين ذلك على سبيل المثال، اعتداء نيس، الذي استهدف مدينة على ساحل كوت دازور الفرنسي الشهير والذي يجذب سياحا اثرياء، حيث يعد ضربة قاسية اخرى للسياحة في فرنسا التي ما زالت تعاني من مصاعب في النهوض اثر اعتداءات 2015. فالهجوم تم في مكان شديد الرمزية، حيث دهست شاحنة حشدا تجمع لمشاهدة العاب نارية على جادة "برومناد ديزانغليه"، وهي وجهة رئيسية للسياح الفرنسيين والاجانب في عطلهم على الساحل المتوسطي

وقد هبط مستوى الحجوزات السياحية في شركات السفر للأسباب نفسها كما ذكرت ذلك شركة متخصصة في بيانات السفر ان الحجوزات الجوية الى فرنسا انخفضت بمقدار الخمس، لشهري اب/اغسطس وايلول/سبتمبر عقب الاعتداء في مدينة نيس. وقالت شركة "فوروردكيز" الاسبانية انه حتى قبل الاعتداء الذي وقع في 14 تموز/يوليو، فقد سجلت حجوزات السفر الى فرنسا انخفاضا بنسبة 16% لهذين الشهرين مقارنة مع الفترة ذاتها عام 2015 بسبب هجمات تشرين الثاني/نوفمبر في باريس.

فيما كانت بعض الأحداث التي طالت بعض الحكومات سبابا اضافيا لتراجع السياحة، فقد ادى الاعتداء في مطار اتاتورك والانقلاب الفاشل (270 قتيلا) الى اغلاق المطار بشكل مؤقت. منذ عام، تشهد تركيا سلسلة من الاعتداءات الدامية المنسوبة الى تنظيم الدولة الاسلامية او الى المتمردين الاكراد. ويعقد قطاع السياحة الامال على تطبيع العلاقات الذي بدأ مؤخرا مع روسيا

وفي الأغلب يبحث السياح عن أماكن أمينة كي يقضوا فيها ساعات ترفيه وتجديد في الحواضن السياحية المؤمنة، حيث تدفق السياح الألمان على الدنمرك القريبة هذا الصيف معولين على ما تتمتع به الدولة الأوروبية من سلام وهدوء داخل حدودها المؤمنة في ظل خوفهم من هجمات المتشددين والاضطرابات السياسية في المقاصد التقليدية لقضاء عطلتهم الصيفية مثل تونس وتركيا.

وقد ينطبق القول الشهير (مصائب قوم عند قوم فوائد) على ما يجري في اوربا حول السياحية، فقد سجلت قبرص وصول عدد قياسي من السائحين في حزيران/يونيو، لانها تعتبر بلدا آمنا في منطقة تشهد اعتداءات ارهابية، كما اعلنت السلطات وفي اطار اقتصادي مؤات، وصل نحو 413 الف سائح الشهر الماضي، كما ذكرت المنظمة القبرصية للسياحة. واضافت "هذا افضل شهر حزيران/يونيو في تاريخ السياحة في قبرص، مستفيدة من الأوضاع غير الآمنة في اوربا، وبعد خطة انقاذ ب 10 مليارات يورو في اذار/مارس 2013 لنجدة اقتصادها المنهار ومصارفها المتعسرة، استعادت قبرص طريق النمو في 2015 بعد اربع سنوات من الركود القوي. وخرجت قبرص من برنامج التعويم في اذار/مارس، وقد هنأتها الجهات الدائنة على انتعاشها.

من ناحية اخرى تجذب منطقة الغارفي المشمسة في جنوب البرتغال عددا متزايدا من السياح الوافدين من مختلف انحاء اوروبا بينهم كثيرون من محبي رياضة الغولف الهاربين من وجهات اخرى شهدت هجمات دامية كمصر وتونس وتركيا. ويقول الخبير في التواصل الرقمي جيل باربو البالغ 53 عاما "هنا في البرتغال اشعر بأمان اكثر مقارنة مع باريس. العطلة مرادف للسعادة والهدوء ويجب الا تتحول الى كابوس".

توماس كوك يخفّض توقعات الأرباح

في هذا السياق خفضت شركة توماس كوك البريطانية للسياحة هدفها لأرباح العام بأكمله حيث اضطر بعض عملاء الشركة لإلغاء عطلاتهم بسبب انهيار الاسترليني بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والهجمات التي وقعت في أوروبا ومحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا. وتأثرت شركات سياحة مثل توماس كوك وشركات طيران من بينها ايزي جيت وإير فرانس-كيه.إل.إم ولوفتهانزا بسبب الأحداث التي وقعت في الآونة الأخيرة.

وقالت توماس كوك -التي تضررت كثيرا من المشكلات في تركيا أحد أهم مقاصد رحلاتها سابقا- إنها تتوقع تحقيق 300 مليون جنيه استرليني (395.46 مليون دولار) أرباح تشغيل للعام بأكمله مقابل توقعات في مايو أيار بتحقيق أرباح تتراوح بين 310 ملايين و335 مليون استرليني. ومثل غالبية شركات السياحة تعتمد توماس كوك على موسم الصيف لتحقيق كل أرباحها. وقالت الشركة أثناء إعلان نتائج الربع الثالث إن حجوزات الصيف تراجعت 5 بالمئة مقارنة مع السنة الماضية.

وقال بيتر فانكهاوزر الرئيس التنفيذي للشركة "نعمل في بيئة جيوسياسية صعبة في ظل انقطاع متكرر لبعض مصادرنا المهمة وأسواق رحلاتنا." وأضاف "على الرغم من أن الانفصال البريطاني لم يؤثر بشكل ملحوظ على حجوزاتنا حتى الآن إلا أنه زاد من حالة الضبابية العامة لأعمالنا وعملائنا أيضا" بحسب رويترز.

وتراجع الجنيه لأدنى مستوى في 31 عاما مقابل الدولار منذ تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي يوم 23 يونيو حزيران. وقال فانكهاوزر "منذ منتصف العام اتخذنا خطوات لخفض طاقتنا في تركيا وزدنا رحلات العطلات في مناطق أخرى تشمل غرب البحر المتوسط والمقاصد البعيدة مثل الولايات المتحدة." وأضاف "النمو قوي أيضا في (رحلات) المقاصد الأصغر مثل بلغاريا وكوبا."

ضربة قاسية للسياحة في فرنسا

ويشكل اعتداء نيس، باستهدافه مدينة على ساحل كوت دازور الفرنسي الشهير والذي يجذب سياحا اثرياء، ضربة قاسية اخرى للسياحة في فرنسا التي ما زالت تعاني من مصاعب في النهوض اثر اعتداءات 2015. فالهجوم تم في مكان شديد الرمزية، حيث دهست شاحنة حشدا تجمع لمشاهدة العاب نارية على جادة "برومناد ديزانغليه"، وهي وجهة رئيسية للسياح الفرنسيين والاجانب في عطلهم على الساحل المتوسطي.

وتستقبل مدينة نيس اكثر عدد سياح بعد باريس بين المدن الفرنسية. اما التاريخ، 14 تموز/يوليو، فيرتدي رمزية كبرى كذلك ويصادف الاحتفالات بالعيد الوطني الفرنسي في اوج موسم السياحة. واعتبر مدير مكتب ام كا جي الاستشاري المتخصص جورج بانايوتيس ان تكرار الاعتداءات يهدد باضعاف احدى موارد العائدات الرئيسية في فرنسا.

وقال "لم نعد نشهد ارهابا كلاسيكيا، حيث يستأنف النشاط الاقتصادي وتيرته بعد اشهر على اعتداء" موضحا ان توالي الاحداث العنيفة التي وقعت في كانون الثاني/يناير وتشرين الثاني/نوفمبر وتموز/يوليو واوقعت عددا كبيرا من الضحايا وتنظم احيانا بامكانات قليلة "سيردع السياح عن الوفود لفترة".

وصرح رئيس نقابة اصحاب الفنادق في نيس والعضو في نقابة الفندقية الرئيسية "اوميه" دوني سيبولوني "سجلنا الغاءات بالجملة منذ مساء امس" موضحا ان تحديد حصيلة حاليا صعب، خصوصا مع حرص القطاع على توفير الدعم للضحايا واقاربهم قبل اجراء حساباته. كما اقترحت شركة تي او اي الالمانية للسفر على زبائنها اصحاب الحجوزات الى نيس حتى 31 تموز/يوليو تعديل مواعيد رحلاتهم او الغاءها مجانا بحسب فرانس برس.

كذلك الغيت عدة برامج ثقافية وفنية مهمة على غرار حفل المغنية ريهانا في نيس الجمعة ومهرجان موسيقى الجاز الذي كان مقررا انطلاقه كما يتخذ اثر الاعتداء حجما اكبر نظرا الى اجتذاب الكوت دازور الكثير من السياح الاثرياء الذين يمضون بالعادة اوقاتهم في قصور المنطقة وفيلاتها الفخمة، فيما يتوافد بعضهم اليها بحرا على يخوت فاخرة.

غير ان القطاع الذي يمثل 7% من اجمالي الناتج الداخلي للبلاد ويوفر مليوني فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة كان متعثرا. فالاربعاء دعا وزير الخارجية جان مارك ايرولت بمناسبة الدورة الاولى المكرسة للسياحة "للجنة الطوارئ الاقتصادية" الى "تعبئة عامة" كي "تبقى" فرنسا الوجهة الاولى للسياحة حول العالم. رغم ذلك بدا ان المنطقة نجت من هذا التدهور، حيث سجلت نسبة وفود السياح اليها جوا ارتفاعا بنسبة 1% بالموازاة مع تراجعها 11% الى باريس منذ كانون الثاني/يناير.

اعتداء نيس قلل السفر الى فرنسا

من جهتها ذكرت شركة متخصصة في بيانات السفر ان الحجوزات الجوية الى فرنسا انخفضت بمقدار الخمس، لشهري اب/اغسطس وايلول/سبتمبر عقب الاعتداء في مدينة نيس. وقالت شركة "فوروردكيز" الاسبانية انه حتى قبل الاعتداء الذي وقع في 14 تموز/يوليو، فقد سجلت حجوزات السفر الى فرنسا انخفاضا بنسبة 16% لهذين الشهرين مقارنة مع الفترة ذاتها عام 2015 بسبب هجمات تشرين الثاني/نوفمبر في باريس.

وتستند الشركة في دراساتها الى بيانات من اكثر من 200 الف وكالة سفر فعلية والكترونية. واشارت الدراسة الى انه بالنسبة لمدينة نيس وحدها فقد انخفضت الحجوزات من الخارج بنسبة 19% بعد الاعتداء. وكان من المتوقع اصلا ان تنخفض بنسبة 14% بحسب فرانس برس.

ودرست الشركة كذلك تدفق السياح من العالم عقب اعتداء نيس مباشرة الذي نفذه التونسي محمد لحويج بوهلال (31 عاما) الذي صدم بشاحنة حشدا كانوا يحتفلون باليوم الوطني ما ادى الى مقتل 84 شخصا واصابة اكثر من 300 اخرين. وقالت الدراسة "كرد فعل مباشر انخفض عدد الزوار من العالم الى نيس بنسبة 9,4% في الاسبوع الذي تلا الهجوم مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي". واضافت انه "بالنسبة للبلاد ككل فقد انخفضت اعداد الزوار بعد الاعتداء بنسبة 8,8%".

تراجع عدد السياح في تركيا بنسبة 40%

من جهتها اعلنت وزارة السياحة التركية تراجع عدد السياح الاجانب بنسبة 40% في حزيران/يونيو بالمقارنة مع الفترة نفسها العام الماضي، ما يشكل ادنى مستوى له لهذا العام بسبب الاعتداءات والخلاف مع روسيا. إلا ان انعكاسات الاعتداء على مطار اتاتورك في اسطنبول في 28 حزيران/يونيو والذي تبناه تنظيم الدولة الاسلامية ومحاولة الانقلاب ليل 15 تموز/يوليو ستظهر في احصاءات تموز/يوليو.

ويعتبر تموز/يوليو عادة الافضل للسياحة في القطاع الذي سجل عائدات بقيمة 35 مليار دولار (31,5 مليارات يورو) في العام الماضي. وزار نحو 2,43 مليون اجنبي تركيا في حزيران/يونيو في تراجع ب 40,86% عن حزيران/يونيو 2015، بحسب وزارة السياحة. وتراجعت اعداد الوافدين من السياح الروس بنسبة 93% في حزيران/يونيو بسبب الخلاف الدبلوماسي بين البلدين الذين تصالحا حديثا.

وادى الاعتداء في مطار اتاتورك والانقلاب الفاشل (270 قتيلا) الى اغلاق المطار بشكل مؤقت. منذ عام، تشهد تركيا سلسلة من الاعتداءات الدامية المنسوبة الى تنظيم الدولة الاسلامية او الى المتمردين الاكراد. ويعقد قطاع السياحة الامال على تطبيع العلاقات الذي بدأ مؤخرا مع روسيا والذي تترجم بعودة تدريجية للسياح الروس خصوصا الى منتجع انطاليا في بحر ايجه.

وصرح اوزغور التوغ الخبير الاقتصادي في "بي جي سي بارتنرز" ان "التطبيع الاخير مع روسيا يمكن ان يخفف من معاناة القطاع الى حد ما ويؤدي الى حجوزات في اللحظة الاخيرة لكن الامال تعقد خصوصا على العام المقبل" بحسب فرانس برس.

رقم قياسي لسائحين وصلوا لقبرص

وقد سجلت قبرص وصول عدد قياسي من السائحين في حزيران/يونيو، لانها تعتبر بلدا آمنا في منطقة تشهد اعتداءات ارهابية، كما اعلنت السلطات وفي اطار اقتصادي مؤات، وصل نحو 413 الف سائح الشهر الماضي، كما ذكرت المنظمة القبرصية للسياحة. واضافت "هذا افضل شهر حزيران/يونيو في تاريخ السياحة في قبرص. وبالتالي، هذه ثاني افضل ارقام على الاطلاق منذ ارقام تموز/يوليو (نحو 414 الفا و500 سائح)".

وفي حزيران/يونيو 2016، ارتفع عدد الواصلين 22،6% بالمقارنة مع الفترة نفسها العام الماضي. وازداد عدد السائحين البريطانيين، ابرز الوافدين الى الجزيرة، 21،1% من خلال وصول 148 الفا و812 شخصا في حزيران/يونيو. اما عدد السائحين الروس فشهد ارتفاعا بلغ 41،6% الى 127 الفا و244 زائرا.

وللسنة الرابعة عشرة على التوالي، تشهد قبرص ارتفاع عدد الواصلين، من خلال 2،65 مليون مسافر بالاجمال في 2015. ويتوقع المسؤولون عن القطاع وصول ثلاثة ملايين هذه السنة. والجزيرة المتوسطية المحاطة ببلدان مأزومة مثل تركيا ومصر وتونس، سجلت ارتفاعا على صعيد العائدات المتصلة بالسياحة، بنسبة 4،4% في 2015، وهذه افضل عائدات للقطاع منذ 2001 بحسب فرانس برس.

وبعد خطة انقاذ ب 10 مليارات يورو في اذار/مارس 2013 لنجدة اقتصادها المنهار ومصارفها المتعسرة، استعادت قبرص طريق النمو في 2015 بعد اربع سنوات من الركود القوي. وخرجت قبرص من برنامج التعويم في اذار/مارس، وقد هنأتها الجهات الدائنة على انتعاشها.

السياح الألمان يتدفقون على الدنمرك الآمنة

في حين يتدفق السياح الألمان على الدنمرك القريبة هذا الصيف معولين على ما تتمتع به الدولة الأوروبية من سلام وهدوء داخل حدودها المؤمنة في ظل خوفهم من هجمات المتشددين والاضطرابات السياسية في المقاصد التقليدية لقضاء عطلتهم الصيفية مثل تونس وتركيا. والدنمرك جزء من منطقة شنجن الأوروبية التي يسمح بالتنقل داخلها بدون جوازات سفر لكنها فرضت قيودا مؤقتة على حدودها ردا على تدفق المهاجرين على أوروبا من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ورغم أن تشديد الإجراءات الأمنية على الحدود وقوانين الهجرة يهدد بإلحاق الضرر بصورة الدنمرك الدولية كنموذج يحتذى به في الليبرالية والتسامح المبني على احترام القانون إلا أن من المفارقات أن ذلك عزز صناعة السياحة في الدولة الاسكندنافية الصغيرة التي يعيش فيها 5.7 مليون شخص. وعلى وجه التحديد يوجد ارتفاع واضح في أعداد السياح الألمان وينظر بعضهم إلى القيود المفروضة على الحدود باعتبارها شيئا إيجابيا ولا يمانعون في إيقافهم لإظهار جوازات سفرهم أثناء عبورهم إلى واحدة من أقل دول العالم من حيث معدلات الجريمة.

وقال هانز جونتر دونهوفت وهو سائح ألماني يزور العاصمة الدنمركية كوبنهاجن للمرة الأولى "يمكنك القول إن الأمر يمثل مشكلة صغيرة لنا أن الدنمرك لديها الآن قيود على الحدود.. لكن هذا جيد بالنسبة للأمان." ورغم قوله إن قراره قضاء العطلة في الدنمرك ليس نابعا من مخاوف من الإرهاب في مناطق أخرى فقد ذكر أنه لن يأخذ أسرته في الوقت الراهن إلى بلدان مثل تركيا ومصر حيث قتل متشددون إسلاميون عشرات الأشخاص بينهم سياح أوروبيون في تفجيرات وإطلاق نار خلال العام المنصرم.

وبالإضافة إلى ما سبق فقد شهدت تركيا محاولة انقلاب فاشلة في منتصف الشهر الجاري وأعقب ذلك حملة أمنية واسعة وهو ما عزز تصورات عن أن المنطقة تواجه مخاطر وعدم استقرار. وقال دونهوفت أثناء دخوله وأسرته لمتنزه تيفولي جاردنز في كوبنهاجن "السلامة أولا."

وتظهر أسرة ألمانية في إعلان تلفزيوني لشركة تأجير مساكن لقضاء العطلات وهي تتنزه على ساحل بحر الشمال الخلاب في الدنمرك وترافقها عبارة تقول "في الدنمرك.. العالم لا يزال منظما". وأظهر استطلاع للرأي في فبراير شباط أن الألمان ينظرون للدنمرك -التي لم تشهد أعمال عنف على يد متشددين إسلاميين على غرار ما حدث في بلدان أوروبية أخرى على مدى العام المنصرم- على أنها ثاني أكثر دول العالم أمانا بعد أيسلندا.

وفي الوقت الحالي يستشعر الألمان القلق بشأن الأمن حتى في بلدهم بسبب تدفق أكثر من 1.2 مليون مهاجر منذ أوائل العام الماضي ووقوع سلسلة هجمات تستهدف المدنيين في ألمانيا منذ يوم 18 يوليو تموز يشنها رجال من أصول شرق أوسطية وآسيوية. وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل 10 أشخاص وإصابة عشرات آخرين بحسب رويترز.

وذكر دليل معلومات السياحة والسفر الدنمركي الرسمي (فيزيت دنمرك) أن عدد مساكن العطلات التي يستأجرها الألمان سيرتفع للعام الرابع على التوالي في 2016 ليصل إلى أعلى مستوى له منذ التسعينات. ووفقا لأرقام أولية من الدليل يشكل السياح الألمان نحو 85 بالمئة من حجم حجوزات منازل العطلات الدنمركية والتي تبلغ أكثر من 11 مليون ليلة.

السياحة تتراجع في بجزيرة لسبوس

وأمام الطاولات شبه الفارغة في مطعمها بجزيرة لسبوس التي هجرها السياح هذه السنة بسبب انتشار صور المهاجرين، قالت ماريلينا غورغوتزي "كنا نتوقع موسما صعبا، لكن تبين انه أسوأ مما كنا نتصور". ففي موليفوس حيث يقع مطعمها في شمال الجزيرة، تشكل الحجوزات 10% فقط من الغرف المتاحة في الفنادق في اواخر تموز/يوليو الذي يعتبر شهرا حافلا للسياحة.

ويواجه ثيو فاتيس (74 عاما) وزوجته ماريا، اللذان يملكان فندق "اكتي" منذ اربعين عاما، صعوبات في دفع الضرائب المترتبة عليهما وتسديد القروض المصرفية. وقبل سنة، كان فاتيس يقضي ايامه ينقل بشاحنته الصغيرة العشرات من عائلات اللاجئين التي كانت تصل الى شاطئ موليفوس، الى مخيم الاستقبال في الجزيرة، ليجنبهم المشي طويلا.

وقال "في تلك الفترة، لم تكن المنظمات غير الحكومية قد وصلت، كنا نعطيهم ملابس وأغطية ومواد غذائية...". وفي 2015، عبر اكثر من 800 الف لاجئ معظمهم سوريون وعراقيون جزيرة لسبوس، آتين من السواحل التركية القريبة، ليتوجهوا منها الى شمال القارة الاوروبية.

وكانت شواطئ موليفوس وافتالو وسكالا سيكاميا مغطاة آنذاك بسترات الانقاذ والقوراب المطاطية، وقد جابت هذه الصور انحاء العالم اجمع. وما زال بالامكان اليوم تصوير هذه المخلفات في مكب النفايات حيث لا تزال الأدلة على هذه الهجرة الجماعية ماثلة للعيان بحسب فرانس برس.

وفي العام الماضي كان يورغوس فراغوليس يقدم الى منظمة غير حكومية للاجئين نسبة مئوية من المبيعات المتأتية من المجوهرات التي كان يصنعها من مواد اعيد تدويرها. وهذه السنة، يساعد بالطريقة نفسها منظمة غير حكومية تعنى بمواطنيه المعوزين.

وقال فاتيس غاضبا "حكومتنا هي المذنبة، بسببها وصل عدد كبير من المهاجرين الى اليونان... لكن ذلك كان ايضا ذنب الصحافيين، اليونانيين والاجانب، الذين لم ينشروا سوى صور البؤس"، فيما اشارت ماريلينا غورغوتزي الى صور "مهاجرين غرقى وشواطئ قذرة" مبدية استياءها لكون بعض وسائل الاعلام "تواصل نشر" هذه الصور". وقال فاغيليس ميرسينياس رئيس الغرفة التجارية في لسبوس "هذا غير عادل!"

الغارفي البرتغالية ملاذ للسياح

من جهتها تجذب منطقة الغارفي المشمسة في جنوب البرتغال عددا متزايدا من السياح الوافدين من مختلف انحاء اوروبا بينهم كثيرون من محبي رياضة الغولف الهاربين من وجهات اخرى شهدت هجمات دامية كمصر وتونس وتركيا. ويقول الخبير في التواصل الرقمي جيل باربو البالغ 53 عاما "هنا في البرتغال اشعر بأمان اكثر مقارنة مع باريس. العطلة مرادف للسعادة والهدوء ويجب الا تتحول الى كابوس".

ومن شرفة فندقه قرب فيلامورا، يطوف لاعب الغولف هذا بناظريه الميدان الاخضر المزروع بأشجار الصنوبر واللوز الممتد على مساحة 30 هكتارا يشغلها مجمع "بيستانا فيلا سول" السياحي. وتردف زوجته كريستين "اظن اني لن ازور اسطنبول بعد اليوم، الوضع مخيف جدا هناك". فقد واظب هذان الزوجان الفرنسيان على مدى ست سنوات خلت على زيارة ميادين الغولف الخضراء في منطقة بيليك جنوب تركيا، البلد الذي بات هدفا متكررا لهجمات دامية للجهاديين والمتمردين الاكراد.

وتحت اشعة الشمس الحارقة، يضرب الزوجان الهاويان للغولف الكرات خلال التمرين في الفندق قبل الانتقال شرقا الى مدينة تافيرا الخلابة على السواحل الاطلسية. ويقول بيدرو لوبيس المدير الاقليمي في "بيستانا" كبرى المجموعات الفندقية البرتغالية "قبل عشر سنوات، لم يكن هناك تقريبا سياح فرنسيون في الغارفي. اما اليوم فبتنا نسمع الفرنسية في كل مكان، سواء في المطاعم او المتاجر الكبرى". ويشير الى ان السياح "يشعرون بخوف اكبر" بعد هجمات كتلك التي تعرض لها مطار اسطنبول او مدينة نيس الفرنسية في الفترة الاخيرة "ويختارون تاليا وجهات اقل خطرا مثل البرتغال واسبانيا واليونان" بحسب فرانس برس.

وعلى غرار جارتها اسبانيا، حطمت البرتغال سنة 2015 رقما قياسيا جديدا مع استقبال 10,2 ملايين سائح اجنبي في ارتفاع نسبته 9,7 %، بينهم اكثر من 2,5 مليون زاروا الغارفي. هذا الإقبال السياحي الكبير يمثل فرصة مهمة لهذه المنطقة التي حصدت لوحدها اكثر من خمسة مليارات يورو من اصل 11,4 مليار من العائدات السياحية المسجلة في مجمل انحاء البلاد.

ويلخص رئيس اتحاد الفنادق في الغارفي الديريكو فييغاس الوضع مشيرا الى ان "الحجوزات ارتفعت بنسبة 12 % منذ مطلع السنة وذلك عائد بجزء كبير منه الى عدم الاستقرار الذي يصيب ابرز الوجهات المنافسة في دول المغرب العربي وحوض البحر المتوسط". ومع شواطئها الرملية الرابضة على سفح منحدرات باللون الامغر وميادين الغولف البالغ عددها 38، تمثل هذه المنطقة السياحية تقليديا معقلا للبريطانيين الذين يمثلون 40 % من اجمالي الزوار الاجانب.

وتؤكد جمعية وكلاء السفر البريطانيين أن الحجوزات الى البرتغال تسجل ارتفاعا بنسبة 29 % مقارنة مع صيف سنة 2015 في ظل التراجع الكبير في الحجوزات الى تونس ومصر. ويلفت كريغ ليفر البالغ 29 عاما والآتي من مانشستر مع مجموعة اصدقاء الى ان "الغارفي وجهة اكثر امنا من تركيا والاسعار فيها تنافسية للغاية".

الفاما حي شعبي مهدد بتدفق السياح

واصبح حي الفاما الشعبي الاشهر في لشبونة القديمة مهددا اليوم بتدفق السياح الذين ينزلون في شقق يستأجرونها من افراد ما يدفع سكانه الى المغادرة بسبب الضغوطات العقارية. ويقول انطونيو ميلو وهو موظف سابق في مجال التجارة يبلغ السبعين، بغضب "يريدون طردي لتأجير منزلي الى سياح!" بعدما ابلغه صاحب المبنى حيث يقيم والذي تغير اربع مرات في غضون سنة، ان عقد ايجاره لن يجدد.

ويؤكد بأسف "قريبا لن يبقى سوى السياح في الفاما" مبديا خشيته من اضطراره الى مغادرة الحي الذي ترعرع فيه لانه لم يعد قادرا على البقاء فيه مع معاش تقاعدي قدره 600 يورو. ويؤكد ميغيل كويليو رئيس بلدية منطقة سانتا ماريا مايور التي تشمل الفاما، مخاوف الكثير من سكان الحي بقوله "المضاربة المسجلة في سوق العقارات في وسط لشبونة التاريخي وهي مرتفعة جدا في الفاما، تتسبب بكثير من المشاكل".

ويضيف "سعر الشراء والايجار مرتفع جدا ويضطر الناس الى دراسة خيارات اخرى" اي بكلام اخر مغادرة هذه الاحياء. ويرى رؤساء بلديات المناطق الثلاث التي يتشكل منها الوسط التاريخي للمدينة ان هذا الضغط العقاري عائد الى "الانتشار المفرط" للمساكن المخصصة للايجار الموقت وهم دعوا الى تدخل "عاجل" للحكومة.

ويقول كويليو ان السياحة "تشكل نقطة ايجابية" للاقتصاد المحلي الا ان "هذه التجاوزات تشكل تهديدا فعليا لهوية هذه الاحياء". ويبرز هذا الميل خصوصا في الفاما التي يقبل عليها السياح بكثرة بسبب سحر ازقتها التي تمتد مثل دهاليز بنيت على سفح تلة والتي يمكن منها رؤية مصب نهر تاجه بحسب فرانس برس.

وتقول انا غاغو وهي طالبة في مادة الجغرافيا في الثامنة والعشرين تجري تحقيقا حول الضغوط السياحية والعقارية وانعكاساتها على السكان المحليين "كل يوم نرى وسطاء عقاريين ينتقلون من منزل الى اخر ليجدوا اشخاصا مستعدين للمغادرة". وقد تضاعف عدد السياح الذين يستأجرون مساكن عبر "اير بي ان بي" الشركة الاولى عالميا لايجار الشقق بين افراد، في العام 2015 ليصل الى 433 الفا وفق ارقام هذه الشركة الاميركية. اما الفنادق التقليدية فقد استقبلت 3,6 ملايين اجنبي العام الماضي بارتفاع نسبته 7,5 %.

وفي العاصمة البرتغالية التي هي من بين افضل عشر وجهات لدى "اير بي ان بي" في العالم، يتجاوز هذا النشاط، "الاقتصاد التشاركي" الذي تروج له هذه الشركة. ف28 % من اصحاب الشقق لديه اكثر من اعلان على هذه المنصة و73 % من العروض تشمل شقة كاملة.

وقد اتخذت مدن مثل برلين وسان فرانسيسكو اجراءات لمنع اصحاب الشقق والمنازل من سحب ممتلكاتهم من الايجار على المدى الطويل لطرحها فقط في السوق السياحية وذلك للجم الارتفاع الصاروخي في اسعار العقارات.

لكن في البرتغال التي ضربتها العام 2011 ازمة اقتصادية حادة، يتم التشجيع على الايجارات السياحية المربحة في الاساس من خلال خفض ضريبي مقارنة مع الايجار بعقد طويل الامد. هذه السياسة الهادفة الى جذب المستثمرين الاجانب وانعاش السوق العقارية سمحت بترميم الكثير من الابنية المتداعية. الا انها قد تفاقم التراجع الديموغرافي في لشبونة التي انخفض عدد سكانها الى 500 الف نسمة في مقابل 800 الف في مطلع الثمانينات. وتقول ماريا دي لورديس بينييرو رئيسة جمعية التراث والسكان في الفاما باسف "الترميم امر جيد الا ان المشكلة تكمن ان كل هذه الاشغال موجهة للسياحة. الناس الذين عاشوا هنا طوال حياتهم يريدون ان يبقى اولادهم في الحي الا ان الامر اصبح مستحيلا".

ويفيد خبراء ان الكثير من المساكن المتوافرة للايجار الطويل الامد تراجعت بنسبة 33 % في غضون خمس سنوات في مجمل ارجاء البرتغال فيما زادت الايجارات بنسبة وسطية قدرها 7,6 % بين عامي 2014 و2015. والعام الماضي در السياح الذين استأجروا مساكن في لشبونة عبر "اير بي ان بي" على اصحابها 43 مليون يورو يضاف اليها 225 مليونا بطريقة غير مباشرة وفق تقديرا ت هذه المنصة.

وتقول ليونيور دوارتي التي تقيم في الفاما منذ خمس سنوات بقلق "زادت الاموال الا ان السكان يختفون". وعالمة النفس المتقاعدة هذه البالغة 63 عاما هي ضمن مجموعة من سكان لشبونة رصوا الصفوف لمطالبة السلطات "بلجم هذا النزيف في وسط المدينة التاريخي".

اضف تعليق