لم تتوقف انعكاسات الأزمة المالية التي ضربت دول العالم المنتجة للنفط بسبب هبوط الاسعار، بل تعدت ذلك الى البنوك التي شرعت بإعادة تخطيط وهيكلة سياساتها المالية والضريبية من اجل مواجهة تبعات الأزمة المالية التي أخذت تشدد الخناق على التعاملات المصرفية، وتحد من ارباحها وتجعلها تواجه ضعفا في الارباح، وعجزا شبيها بذلك الذي تواجهه ميزانيات الدول المنتجة للنفط كما بالنسبة لدول الخليح التي أعادت خططها المالية وفقا للاسعار الهابطة.
وهذه الخلخلة والاضطرابات في سلم الأسعار جعل مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد أن تدعو دول الخليج إلى فرض ضريبة على القيمة المضافة لمواجهة انخفاض أسعار النفط التي ستبقى حسبها على وضعها الحالي لـ"فترة طويلة". وأوضحت لاغارد أن هذا الإصلاح الضريبي سيؤدي إلى نمو الناتج المحلي لهذه الدول بأكثر من 2 بالمئة. وحضت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد دول الخليج على فرض ضرائب، محذرة في تصريحات في أبو ظبي من أن أسعار النفط المنخفضة ستبقى على الأرجح "فترة طويلة". وقالت لاغارد أمام منتدى في أبو ظبي أن على دول الخليج "تقوية إطاراتها المالية وإعادة هندسة أنظمتها الضريبية عبر خفض اعتمادها الكبير على عائدات النفط، وتعزيز مصادر الدخل" غير النفطي
أما حول الميزانية المالية للدول النفطية فإنها صارت تعاني ضعفا كبيرا، وبدأت الحكومات في الدول النفطية تبحث عن معالجات ذات اطار تقشفي وراحت تحدد من الانفاق الحكومي كي تحد من الأضرار الاقتصادية الفادحة التي خلفها هبوط اسعار النفط، فقد قال مسؤولون ماليون في الكويت إن مشروع الميزانية للعام القادم يتوقع عجزا قياسيا يقدر بنحو 12.2 مليار دينار (40 مليار دولار)، في زيادة تقدر بـ 50 في المئة عن العام الحالي. ويعود ذلك إلى الانخفاض الحاد في أسعار النفط. وتوقعت جميع دول الخليج المنتجة للنفط، بما في ذلك السعودية، عجزا كبيرا في الموازنة. ودعت حكومة الكويت لخفض الانفاق وإدارة اقتصاد البلاد بصورة أفضل.
ولم ينحصر الأمر في القطاع المالي الحكومي بل تعداه الى القطاع الصناعي حيث بدأت تلوح غيوم قاتمة في سماء قطاع الصناعة بالكويت المثقل أصلا بالمتاعب إذ تتأهب الحكومة لتطبيق إجراءات تقشفية في مواجهة الهبوط الحاد لأسعار النفط. ويرى حسين الخرافي رئيس اتحاد الصناعات الكويتية أن اجراءات التقشف المرتقبة وفرض ضرائب على شركات ومصانع القطاع الخاص سيضاعف من متاعب القطاع بينما تنعم الصناعات في دول أخرى بثمار انخفاض تكلفة الطاقة.
ومن أخطر النتائج التي عكسها الهبوط الحاد لاسعار النفط هو الهبوط الواضح في النمو الاقتصادي، وانعكاس ذلك على نشاطات البنوك والمصارف العربية والعالمية حيث يهدد النفط الرخيص الآن هذا النمط. فقد تباطأ النمو الاقتصادي مع تراجع إيرادات الخام وهو ما دفع الحكومات لخفض الإنفاق. وتتوقع موديز نمو الناتج المحلي الإجمالي السعودي 2.8 بالمئة هذا العام مقابل متوسط نمو قدره 5.7 بالمئة بين 2010 و2015. وسيحد ذلك من أرباح الشركات. وسترفع إجراءات التقشف في الميزانية السعودية لعام 2016 - التي تتضمن رفع أسعار الوقود والكهرباء ولقيم الغاز الطبيعي - التكاليف لدى كثير من الشركات المدرجة عدة نقاط مئوية هذا العام حسبما قالته الشركات. وقد تتضمن الميزانيات القادمة مزيدا من التقشف.
انتقال مشاكل حكومات الخليج إلى البنوك
في هذا السياق أجبرت أسعار النفط المنخفضة دول الخليج على الاقتراض لدعم اقتصاداتها وقد بدأت تضرب بمعولها في بنوك المنطقة أيضا لتعقد جهودها لتدبير السيولة التي تشترطها الجهات التنظيمية. ويظهر وقع تراجع الخام من أكثر من 100 دولار إلى أقل من 30 دولارا للبرميل في أقل من 18 شهرا على دول الشرق الأوسط المعتمدة على إيرادات النفط والغاز.
لذا يتحاشى المستثمرون العالميون سندات منطقة الخليج في الأشهر الأخيرة بسبب القلق من تباطؤ النمو الاقتصادي وعجز كبير بالميزانيات. وكان لهذا تداعياته على البنوك من الدوحة إلى مسقط حيث جعل تراجع أسعار الأسهم وتذبذبات سوق السندات التي تلت ذلك من المستحيل عليها جمع رؤوس أموال جديدة منذ بداية العام وهو وضع من المستبعد أن يتحسن في المستقبل القريب حيث سيتعين عليها مزاحمة الحكومات التي تحتاج لاقتراض مليارات الدولارات لسداد التزاماتها.
وأعلن نحو عشرة بنوك إقليمية خططا لزيادة رأس المال في محاولة لاستيفاء المتطلبات التنظيمية المحلية التي تتجاوز في بعض الحالات المستويات المنصوص عليها في معايير بازل 3 المصرفية إلى جانب زيادة الاحتياطيات بعد نمو الإقراض على مدى سنوات. وتلك الخطط معلقة الآن وعلى بنوك الخليج أن تقرر هل تحاول الاقتراض بتكلفة أعلى أم تحجم مع ما ينطوي عليه ذلك من المخاطرة بعدما استيفاء المتطلبات التنظيمية الأشد صرامة التي سيبدأ سريانها في غضون الأعوام الثلاثة المقبلة.
وهناك تعقيد آخر محتمل يتمثل في أن نزوح المشترين الأجانب سيجبر البنوك على اللجوء للمستثمرين المحليين لشراء ديونها أو أسهمها. والمشكلة هنا أن البنوك نفسها هي أكبر مستثمري الديون في المنطقة. وبحسب مصرفيين ومحللين عززت البنوك الخليجية احتياطياتها الرأسمالية في أعقاب الأزمة المالية العالمية مما يجعلها بمعزل عن أي خطر وشيك. لكنها لم تعد تملك نفس السيولة السابقة مع قيام الحكومات الخليجية بسحب بعض ودائعها لسد عجز الميزانيات وهو ما كشف- مثلما حدث في أوروبا أثناء أزمة منطقة اليورو- عن علاقة الترابط بين الحكومات والبنوك عندما تتراجع أسواق السندات. ولعل هذا الاتجاه أظهر ما يكون في قطر حيث أعلن نصف بنوكها التجارية خططا تتعلق برأس المال بما فيها أكبر البنوك التقليدية والإسلامية على الترتيب بنك قطر الوطني ومصرف قطر الإسلامي.
وقال الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني رئيس مجلس إدارة مصرف قطر الإسلامي لرويترز خلال الاجتماع العام السنوي للبنك "تقلبات السوق أثرت بالتأكيد على خطط لإصدار صكوك لتعزيز رأس المال لكننا في وضع جيد." وبلغت نسبة كفاية رأس المال - وهي مؤشر أساسي لسلامة البنك - 14.1 بالمئة في نهاية ديسمبر كانون الأول متجاوزة الحد الأدنى الذي تشترطه قطر البالغ 12.5 بالمئة رغم أن إجمالي قروض مصرف قطر الإسلامي قفز 46.1 بالمئة في 2015. ورغم أن الحد الأدنى للسيولة الأساسية وفقا لبازل 3 يبلغ سبعة بالمئة تزيد إلى 9.5 بالمئة للبنوك العالمية الكبرى فإن معظم الدول حدد مستويات أعلى من ذلك حيث تشترط الكويت مثلا 13 بالمئة. وتتسم أسواق السندات الثانوية في الخليج بالتذبذب على نحو خاص منذ مطلع السنة حيث ترتفع عوائد السندات الدائمة المصدرة من البنوك لتعزيز رؤوس أموالها ارتفاعا كبيرا مع تراجع الأسعار.
وقال رام موهان ناتاراجا مدير المحافظ في أبوظبي للاستثمار إن ذلك أجبر أصحاب الثروات والبنوك الخاصة وهم تقليديا من حملة السندات الدائمة على البيع وسيثنيهم عن إعادة الشراء. وأضاف "الطلب الكامن المعتاد سيكون أقل بكثير هو الآخر نظرا لأوضاع السوق المتقلبة عموما." ورغم أن ضعف السيولة النسبي لهذه الأدوات يضخم مثل تلك التحركات فإنها تعتبر بوجه عام استثمارات عالية المخاطر مقارنة مع سندات البنوك العادية واتضح ذلك في بعض تحركات الأسعار في الفترة الأخيرة.
فقد باع بنك برقان ثالث أكبر بنك كويتي من حيث الأصول سندات دائمة في سبتمبر أيلول 2014 بكوبون 7.25 بالمئة. وبلغ العائد 9.476 بالمئة في 11 يناير كانون الثاني قبل أن يقفز إلى 11.525 بالمئة في الثالث من فبراير شباط. وحتى بنك الكويت الوطني الذي يباهي بواحد من أعلى التصنيفات الائتمانية لبنك خليجي شهد تداول سنداته البالغ عائدها 5.75 بالمئة التي أصدرها في ابريل نيسان 2015 يقفز من 5.92 بالمئة في مطلع السنة إلى 7.27 بالمئة في 22 يناير كانون الثاني بحسب رويترز.
وتشير تلك التحركات إلى أن إقناع المستثمرين بشراء سندات جديدة لتعزيز رأس المال سيتطلب من البنوك دفع المزيد وتقديم كوبونات أكثر جاذبية وهو ما سيزعج مصدري السندات الخليجيين بالغي الحساسية للسعر. لكن محدودية الخيارات تجعل الأسعار تتغلب على الكبرياء.
فتراجع أسواق الأسهم - حيث هبطت بورصة دبي 39 بالمئة بين منتصف يوليو تموز ومنتصف يناير كانون الثاني في حين فقد المؤشر السعودي 10.1 بالمئة منذ بداية السنة - يعني أن مستثمري الأسهم لن يقبلوا على ضخ الأموال في إصدارات الحقوق.
دول الخليج على قائمة المراجعة
من جهتها خفضت مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني تصنيف البحرين وسلطنة عمان ووضعت باقي دول الخليج المصدرة للنفط على قائمة المراجعة باتجاه خفض تصنيفها على خلفية تدهور اسعار النفط التي اضعفت اقتصادياتها. وقالت المؤسسة في بيان صدر في وقت متاخر الجمعة ان القرار "يعكس التأثير المستمر للتراجع الكبير في اسعار النفط". وتشمل المراجعة السعودية التي خفضت مؤسسة ستاندارد اند بورز تصنيفها درجتين الى "إيه سلبية" الشهر الماضي، والإمارات والكويت وقطر.
وتوقعت موديز ان يبلغ متوسط سعر برميل النفط 33 دولارا في 2016 و38 دولارا في 2017 و48 دولارا في 2019. وخفضت المؤسسة تصنيف البحرين درجة واحدة الى "بي ايه 1" التي تتضمن بعض مخاطر المضاربة ودرجة مرتفعة من المخاطر الائتمانية. كما خفضت تصنيف سلطنة عمان درجتين الى "ايه 1" وهي لا تزال درجة ما فوق المتوسطة مع مخاطر ائتمانية منخفضة. وشكل النفط والغاز 75% من صادرات البحرين و86% من عائدات الخزينة بين 2010 و2014 وفق موديز رغم انها تصدر بكميات قليلة نسبية بحسب فرانس برس.
اما سلطنة عمان فامن لها النفط والغاز 90% من عائدات الخزينة. ولا تغطي الأصول المالية للسلطنة سوى نحو ثلاث سنوات من النفقات وفق موديز. وقالت المؤسسة ان الصدمة التي حصلت في سوق النفط تضعف ميزانيات دول الخليج واقتصادياتها ووضعها الإئتماني.
واضافت ان النفط يشكل 84% من صادرات السعودية و40% من اجمالي الناتج الداخلي و62% من عائدات الحكومة. قبل انهيار الاسعار كان النفط يؤمن نحو 90% من العائدات. بين 2013 و2105 تراجع الدخل بنسبة 23% من اجمالي الناتج الداخلي وتحولت السعودية من تسجيل فائض في الميزانية بنسبة 6,5% من اجمالي الناتج الداخلي في 2013 الى تسجيل عجز من 15% السنة الماضية. وخلال الفترة نفسها تراجع ميزان الحساب الجاري للسعودي قياسا باجمالي الناتج الداخلي من فائض نسبته 18,2% الى عجز بنسبة 5,7% وفق موديز. واتخذت دول مجلس التعاون الست تدابير تقشفية بما في ذلك خفض الدعم على المحروقات والطاقة لسد النقص في العائدات النفطية.
فرض ضرائب لمواجهة تراجع الأسعار
من جهتها دعت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد دول الخليج إلى فرض ضريبة على القيمة المضافة لمواجهة انخفاض أسعار النفط التي ستبقى حسبها على وضعها الحالي لـ"فترة طويلة". وأوضحت لاغارد أن هذا الإصلاح الضريبي سيؤدي إلى نمو الناتج المحلي لهذه الدول بأكثر من 2 بالمئة. وحضت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد دول الخليج على فرض ضرائب، محذرة في تصريحات في أبو ظبي من أن أسعار النفط المنخفضة ستبقى على الأرجح "فترة طويلة". وقالت لاغارد أمام منتدى في أبو ظبي أن على دول الخليج "تقوية إطاراتها المالية وإعادة هندسة أنظمتها الضريبية عبر خفض اعتمادها الكبير على عائدات النفط، وتعزيز مصادر الدخل" غير النفطي. ودعت لاغارد، التي جددت ولايتها الجمعة على رأس صندوق النقد لخمس سنوات إضافية، دول الخليج إلى اعتماد الضريبة على القيمة المضافة، معتبرة أن الحل "المثالي" سيكون اعتماد "ضريبة على القيمة المضافة منسقة إقليميا" على مستوى الدول الست لمجلس التعاون الخليجي. وأكدت أنه يمكن حتى لضريبة منخفضة على القيمة المضافة (أقل من عشرة بالمئة) أن "تؤدي إلى نمو الناتج المحلي بأكثر من اثنين بالمئة". وأشارت إلى ضرورة وجود "تركيز أكبر" على ضرائب الدخل للشركات، إضافة إلى الضرائب على العقارات والسلع.
وأوضحت لاغارد أن الدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تعتمد بشكل كبير على إيراداتها من النفط، خسرت أكثر من 340 مليار دولار من مداخيلها، أي زهاء 20 بالمئة من الناتج المحلي لاقتصاداتها مجتمعة، جراء الانخفاض الحاد في أسعار النفط. وقالت إنه إضافة إلى "خسارة أسعار النفط زهاء ثلثي مستوياتها القياسية الحديثة"، تشير "العوامل المؤثرة بالعرض والطلب إلى أن هذه الأسعار ستبقى على الأرجح منخفضة لفترة طويلة" بحسب فرانس برس.
توقعات بعجز 40 مليار دولار
في سياق مقارب قال مسؤولون ماليون في الكويت إن مشروع الميزانية للعام القادم يتوقع عجزا قياسيا يقدر بنحو 12.2 مليار دينار (40 مليار دولار)، في زيادة تقدر بـ 50 في المئة عن العام الحالي. ويعود ذلك إلى الانخفاض الحاد في أسعار النفط. وتوقعت جميع دول الخليج المنتجة للنفط، بما في ذلك السعودية، عجزا كبيرا في الموازنة. ودعت حكومة الكويت لخفض الانفاق وإدارة اقتصاد البلاد بصورة أفضل.
وقالت وزارة المالية الكويتية في تصريح إن العائدات المتوقعة تقدر بـ 7.4 مليار دينار بينما يتوقع أن يصل الإنفاق إلى 18.9 مليار دينار، بانخفاض يصل إلى 1.6 في المئة عن العام السابق. ويشمل العجز للسنة المالية، التي تبدأ من أول إبريل/نيسان إلى نهاية مارس/آذار، 0.7 مليار دينار مساهمة لصندوق الأجيال، الذي تودع فيه أموال تستخدم في حال انخفاض امدادات النفط أو تعرض اقتصاد الكويت لصدمات أخرى.
ودعا الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير الكويت في الأسبوع الماضي إلى خفض في الموازنة وإلى ترشيد الإنفاق لمواكبة انخفاض العائدات الناجم عن انجفاض أسعار النفط. وانخفضت أسعار النفط الخام الكويتي إلى نحو 19.50 دولارا للبرميل يوم 21 يناير/كانون الثاني، ولكنها ارتفعت بعد ذلك لتثبت عند 23.34 دولارا للبرميل.
وقالت الوزارة إن العائدات ستغطي فقط 71 في المئة فقط من الرواتب الحكومية والتكاليف المتعلقة بها، والتي تقدر بنحو 10.4 مليار دينار. ولم يوضح البيان كيفية سداد العجز المتوقع في الموازنة ولكن من المرجح أن تقترض الحكومة من احتياطيات الدولة.
الكويت تبقي على الإنفاق السخي
في سياق ذي صلة تواجه الكويت عضو منظمة أوبك تحديا حقيقيا يتمثل في كيفية الحفاظ على مستوى مرتفع من الإنفاق سواء على المشاريع الاستثمارية أو الدعم المقدم للمواطنين الذين ينعمون بمستوى عال من الدخل في وقت تشهد فيه أسعار النفط هبوطا مستمرا. وأعلنت وزارة المالية الكويتية أن ميزانية 2016-2017 ستتضمن عجزا ماليا قدره 12.2 مليار دينار (40.2 مليار دولار) بما يوازي 64 في المئة من إجمالي المصروفات المقدرة.
وقالت الوزارة في بيان تلقت رويترز نسخة منه إن المصروفات في الميزانية المقبلة ستكون 18.9 مليار دينار بانخفاض 1.6 في المئة عن 2015-2016 بينما تصل الإيرادات إلى 7.4 مليار دينار لتقل 39 في المئة عن السنة المالية الحالية التي تنتهي في مارس آذار. وقالت الوزارة إن الإيرادات ستغطي 71 في المئة فقط من إجمالي بند المرتبات وما في حكمها في ميزانية العام المقبل. وتقدر الميزانية الجديدة المرتبات وما في حكمها عند 10.4 مليار دينار بما يمثل 55 في المئة من إجمالي المصروفات في الميزانية.
ورجح جاسم السعدون مدير مركز الشال للدراسات الاقتصادية أن تلجأ الحكومة للسحب من الاحتياطي العام للدولة لسد العجز في الميزانية. وقال "سواء سحبوا بشكل مباشر أو غير مباشر وطالما كانت المصادر الأخرى للدخل معدومة فإن البديل هو أن تسحب من الاحتياطي أو تقترض بضمان الاحتياطي وهذا هو أخطر ما يمكن أن يحدث."
وألقى السعدون باللوم على الحكومة لعدم ضبط النفقات في الميزانية الجديدة معتبرا أن هذا العجز لا يمكن احتماله إلا على المدى القصير. وأكد أن كل التصريحات الحكومية المتعلقة بتقليص الإنفاق حتى الآن تتكلم عن أشياء غير مؤثرة مثل تخفيض سيارات الوزراء ومصروفاتهم ومصاريف سفر المسؤولين الحكوميين وغير ذلك بينما تبقى "اللاءات الكبيرة" كما هي.
وأضاف "كل اللاءات الأخرى موجودة .. لن يمس جيب المواطن ولن تمس البعثات (التعليمية على نفقة الدولة) بالخارج ولن يمس العلاج بالخارج .. لن يمس ولن يمس.. لابد أن يكونوا سحرة حتى يحلوا هذه المشكلة بعد كل هذه اللاءات." ويبلغ حجم الإنفاق على الدعم 2.9 مليار دينار ويمثل 15 في المئة من إجمالي مصروفات الموازنة الجديدة في حين كان هذا المبلغ 3.78 مليون دينار في ميزانية السنة المالية الحالية.
وتحرص الحكومة دائما على التأكيد على أن المواطنين المحدودي والمتوسطي الدخل لن يضاروا من أي إصلاحات اقتصادية تقوم بها في المستقبل. وطالب أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في تصريحات نشرت له الأسبوع الماضي الحكومة بوقف الدعم وزيادة أسعار الوقود والكهرباء والماء في إطار ترشيد الإنفاق في ظل الهبوط المستمر لأسعار النفط مؤكدا ضرورة أن يشعر المواطن "بالمسؤولية من أجل المساهمة في ميزانية الدولة."
لكن الأمير أكد في الوقت نفسه على ضرورة "الحفاظ على الحياة الكريمة للمواطنين وعدم المساس بمتطلباتهم المعيشية الأساسية." وتدرس الحكومة حاليا إعادة هيكلة الدعم المقدم للمواطنين سواء في الكهرباء والماء أو البنزين فيما تسميه سياسة "ترشيد الدعم" ومن المقرر أن تناقش هذه الدراسات في مجلس الأمة (البرلمان). ويبلغ الإنفاق الرأسمالي في الميزانية الجديدة 3.26 مليار دينار توازي 17 في المئة من المصروفات وهي أعلى بنسبة 1.5 في المئة عن مستواه في السنة المالية الحالية البالغ 3.17 مليار دينار. واعتبر السعدون أن الحل الوحيد أمام الحكومة هو "تغيير مفهوم تمويل الميزانية لتعتمد على شيء مستدام بدلا من أن تعتمد على شيء غير مستدام (هو النفط)."
من جهته قال أنس الصالح وزير المالية ووزير النفط بالوكالة في الحكومة الكويتية إن الميزانية المقبلة لسنة 2016-2017 ستعتمد على تقدير 25 دولارا لسعر برميل النفط الكويتي. وهبط سعر برميل النفط الكويتي إلى نحو 19 دولارا الاسبوع الماضي قبل أن ينتعش في اليومين الماضيين. ولم يعط الوزير الكويتي الذي كان يتحدث للصحفيين على هامش مؤتمر نفطي مزيدا من التفاصيل لكنه قال إن البرلمان سوف يناقش في جلسة التاسع من فبراير شباط المقبل الدراسات التي أعدتها الحكومة "لترشيد الانفاق." وتعتمد الكويت عضو منظمة أوبك على عائدات النفط لتمويل نحو 90 في المئة من ميزانيتها العامة وتضررت كثيرا بسبب الهبوط الحاد في أسعار النفط بحسب رويترز.
غيوم تلوح في سماء الصناعة الكويتية
في سياق مقارب تلوح غيوم قاتمة في سماء قطاع الصناعة بالكويت المثقل أصلا بالمتاعب إذ تتأهب الحكومة لتطبيق إجراءات تقشفية في مواجهة الهبوط الحاد لأسعار النفط. ويرى حسين الخرافي رئيس اتحاد الصناعات الكويتية أن اجراءات التقشف المرتقبة وفرض ضرائب على شركات ومصانع القطاع الخاص سيضاعف من متاعب القطاع بينما تنعم الصناعات في دول أخرى بثمار انخفاض تكلفة الطاقة.
وفي مقابلة مع رويترز قال الخرافي إن مصانع القطاع الخاص سيقع على عاتقها تحمل أعباء تقليص الدعم عن الكهرباء والماء ودفع ضريبة جديدة للحكومة في وقت ستكون مطالبة فيه بتوظيف نسبة أكبر من العمالة الوطنية ذات التكلفة العالية. وتضررت الكويت عضو منظمة أوبك والتي تعتمد على عائدات النفط في تمويل نحو 90 بالمئة من ميزانيتها العامة بشدة جراء هبوط أسعار النفط حوالي 70 بالمئة منذ منتصف عام 2014.
وتعتزم الكويت فرض عدد من الإجراءات التقشفية للتأقلم مع الوضع الجديد لأسعار النفط ومن المتوقع أن تشمل هذه الإجراءات تقليص الدعم عن الكهرباء والماء والبنزين. ودعا الخرافي الحكومة إلى استثناء القطاع الصناعي من إجراءات تقليص الدعم. وقال إن المصانع المنافسة في الصين ودول أخرى تستفيد من هبوط أسعار النفط لأنها تدفع "ربع ما كانت تدفعه سابقا" من كلفة الطاقة ما يعني أنها ستكون أكثر قدرة على منافسة المصانع الكويتية في سوقها الضيقة.
ولا يشكل القطاع الصناعي غير الحكومي نسبة كبيرة من الاقتصاد الوطني فطبقا لتقرير البنك الصناعي الكويتي الأخير فإن الصناعة التحويلية غير شاملة قطاع تكرير النفط تشكل أربعة بالمئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي للدولة في سنة 2013. ونما قطاع الصناعات التحويلية غير شامل نشاط تكرير النفط بنسبة 33.5 بالمئة في 2014 مقابل 26.8 بالمئة في 2012 طبقا لنفس التقرير. وقال الخرافي "عندك عبء ضريبة وعبء (رفع أسعار) الطاقة وعبء توظيف عمالة وطنية.. كيف نتحمل كل هذا ومطلوب أن نؤدي واجبنا الوطني.. عادة في الأوقات السيئة (الحكومات) تدعم القطاعات وعندما تقف على رجليها تقوم بدورها تجاه الدولة."
وشدد على أن تكلفة الطاقة للمصانع لم تنخفض بانخفاض أسعار النفط. وقال "التزاماتي هي هي.. عمالي هم هم.. الطاقة التي اشتريها هي هي والسوق صغير بينما المصدر من الخارج (إلى الكويت) يتمتع بميزة جديدة انه يشتري سعر الطاقة بربع الثمن. "أما الصادرات الكويتية للخارج فإذا كانت (المصانع) تبيع بصعوبة الآن فستبيع بخسارة لأن الأسعار العالمية نزلت وهذا قد يجعل بعض المصانع تغلق مؤقتا."
وأعلنت وزارة المالية الشهر الماضي أن ميزانية 2016-2017 ستتضمن عجزا ماليا قدره 12.2 مليار دينار (40.2 مليار دولار) يوازي 64 بالمئة من إجمالي المصروفات المقدرة. ويبلغ حجم الإنفاق على الدعم 2.9 مليار دينار ويمثل 15 بالمئة من إجمالي مصروفات الموازنة وهو أقل من الأرقام المخصصة للدعم في الميزانية الحالية وقدرها 3.6 مليار دينار والتي هي بدورها أقل من الدعم المخصص في ميزانية السنة المالية الماضية والبالغ 5.8 مليار دينار.
وفي يناير كانون الثاني الماضي أمر أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بمراجعة ميزانية الديوان الأميري وجميع الإدارات التابعة له بهدف الترشيد وخفض الإنفاق. وأكد الخرافي ضرورة الوقوف إلى جانب القطاع الخاص الصناعي وليس الضغط عليه في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الاقتصاد الكويتي حتى يتمكن من القيام بدوره في تنمية الاقتصاد الوطني.
وقال "برأيي أن القطاع الخاص لا زال يحبو لأنه خلال السنوات الماضية لم يكن هناك اهتمام (به).. وفي الظروف السيئة يجب أن نهتم بالقطاعات المنتجة وليس الضغط عليها." وأضاف أن أي رفع لسعر الطاقة سيؤدي إلى تعثر مصانع وربما إغلاقها بينما ينبغي مساعدة القطاع على النهوض بمسؤوليته في دفع الاقتصاد الوطني بحسب رويترز.
توزيعات الخليج تنكمش بسبب رخص النفط
في السياق نفسه قد تبدأ توزيعات الأرباح في السعودية ودول الخليج الأخرى بالانكماش في ظل تزايد صعوبة تدبير التمويل مما يجبر الشركات على خفض المدفوعات. واجتذبت عوائد التوزيعات المرتفعة لسنوات المستثمرين إلى البورصات الخليجية مما عوض جزئيا عوامل مثل سيولة التداول المحدودة وتفاوت القواعد التنظيمية وضعف إفصاح الشركات عن المعلومات.
وفي 2015 بلغ متوسط عائد التوزيعات في دول مجلس التعاون الخليجي الست نحو 4.5 بالمئة مقابل ثلاثة بالمئة في الأسواق الناشئة بحسب تقديرات لدويتشه بنك.
ويهدد النفط الرخيص الآن هذا النمط. فقد تباطأ النمو الاقتصادي مع تراجع إيرادات الخام وهو ما دفع الحكومات لخفض الإنفاق. وتتوقع موديز نمو الناتج المحلي الإجمالي السعودي 2.8 بالمئة هذا العام مقابل متوسط نمو قدره 5.7 بالمئة بين 2010 و2015. وسيحد ذلك من أرباح الشركات. وسترفع إجراءات التقشف في الميزانية السعودية لعام 2016 - التي تتضمن رفع أسعار الوقود والكهرباء ولقيم الغاز الطبيعي - التكاليف لدى كثير من الشركات المدرجة عدة نقاط مئوية هذا العام حسبما قالته الشركات. وقد تتضمن الميزانيات القادمة مزيدا من التقشف.
وفي الوقت نفسه فإن الحصول على تمويل من الأسواق المالية أصبح أعلى تكلفة مع تراجع الإيرادات النفطية الدولارية التي تصب في الاقتصادات. وارتفعت أسعار الفائدة في السوق بشكل حاد. لذا فإن بقاء أسعار النفط عند مستويات منخفضة لسنوات قد يدفع بعض الشركات إلى التضحية بجزء من مدفوعات التوزيعات حتى تتمكن من توفير السيولة التي تحتاجها للعمليات والتوسع. وفي السعودية علامات أولية على ذلك. وأشارات تقديرات الرياض المالية إلى أن إجمالي توزيعات الأرباح للشركات المدرجة هبط نحو خمسة بالمئة إلى 62 مليار ريال (16.5 مليار دولار) العام الماضي.
وحدت الشركات من الهبوط بالسحب من أرباحها حيث بلغ إجمالي التوزيعات 64 بالمئة من الأرباح العام الماضي ارتفاعا من 57 بالمئة في 2014. لكن هذه النسبة لن تزيد بالقطع دون أن تضر بقدرة الشركات على إعادة الاستثمار في أنشطتها. وقال محمد الشماسي المدير لدى دراية المالية في جدة "أصبح الحصول على التمويل عقبة رئيسية وتحتاج الشركات التي تعاني من شح السيولة إلى تحديد ما إذا كانت تريد توزيع بعض الأرباح على المستثمرين أو الاحتفاظ ببعضها للإنفاق الرأسمالي." وقالت المتحدة للإكترونيات إنها لن تدفع توزيعات للربع الأخير من 2015 لتمويل خطط توسع. وقالت شاكر لاستيراد الأجهزة المنزلية إنها لن تدفع توزيعات لعام 2015 لدعم النمو في المستقبل وتعزيز ميزانيتها بحسب رويترز.
اضف تعليق