بعد أن أنهت ايران مفاوضتها بشأن الملف النووي بنجاح مع الغرب، تسعى بجدية كي تدخل الى الاسواق العالمية، وتعود كما كانت قوية وفاعلة، بعد أن نفضت عنها شوائب العقوبات التي استمرت لسنوات طويلة، فأنهكت اقتصادها وأضعفت حضورها الاقتصادي على الصعيد الدولي لاسيما في مجال بيع النفط في الاسواق الاسيوية والعالمية عموما.
وتواجه ايران في عودتها الى سوق النفط وفي محاولاتها لتحسين اقتصادها، وتخفيض التضخم ورفع قيمة عملتها، تواجه مصاعب جمة، حيث الظروف الاقتصادية التي تزامنت مع نجاح مفاوضات الملف النووي واحتمال رفع العقوبات، باتت من الصعوبة بمكان بحيث انها يمكن أن تهدد عودة ايران بقوة الى الاسواق النفطية.
فقد هبطت اسعار النفط بحدة، مع الآمال الكبيرة على عودة ايران للسوق الدولية، وهذا الانخفاض الحاد في اسعار النفط بدد الكثير من آمال المسؤولين الايرانيين فضلا عن الشعب الايراني بالتعويض عن سنوات الحرمان والابعاد عن بيع النفط بحرية بسبب العقوبات التي كانت مفروضة على ايران في هذا المجال.
وقد اتهمت ايران السعودية على انها اغرقت السوق بالنفط لكي تلحق الاذى بايران بعد ان تعود للاسواق حيث اتهمت إيران منافستها الاقليمية السعودية وأعضاء آخرين في أوبك بالعمل معا لخفض أسعار النفط بهدف تقويض اقتصادها الذي أضعفته العقوبات الدولية، وهي تنظر بعين الريبة والشك نحو الاصرار السعودي على ضخ كميات هائلة من النفط للاسواق العالمية على الرغم من ان فائض المعروض كبير جدا لدرجة هبط بسعر البرميل من 100 دولار امريكي الى 30 دولارا تقريبا.
من جهته اعتبر صندوق النقد الدولي ان معاناة الاقتصاد الايراني ستستمر حتى رفع العقوبات واستئناف الصادرات النفطية في شكل تام، وذلك في تقريره السنوي عن ايران. وقال الصندوق ان "التراجع الكبير في اسعار النفط والوضع المالي الصعب للشركات والمصارف والتأخير في استثمارات الافراد والشركات في انتظار رفع العقوبات تسببت الى حد بعيد بابطاء النشاط الاقتصادي" في ايران منذ العام الفائت.
وهذا يعني ان ايران ستواجه صعوبات واضحة في المجال الاقتصادي حتى بعد رفع العقوبات الدولية عنها، وقد شكا مسؤولون ايرانيون من ان الوضع الراهن لاسعار النفط وما يُحاك في الخفاء والعلن يستهدف الاقتصاد الايراني ويسعى لتقويض مساعي ايران للعودة القوية الى السوق النفطية لتحسين اقتصادها اكثر وزيادة القدرة الشرائية لمواطنيها الذين عانوا كثيرا بسبب العقوبات التي انعكست بصورة مباشرة على اوضاعهم المعيشية.
ولذلك سعت ايران منذ الآن لايجاد موارد اضافية بطرق متعدد، منها على سبيل المثال بيع النفط بأسعار تشجيعية لبعض الدول، خاصة ان المخزون النفطي الايراني كبير، وهي تسعى لمضاعفة انتاجها من النفط اكثرث فأكثر، حتى لو كان المعروض النفطي في الاسواق العالمية كبير وفائض عن الحاجة.
فقد قالت مصادر إن إيران وافقت على دراسة طلبات هندية لتقديم تخفيضات كبيرة على أسعار النفط وحوافز أخرى للشراء متشجعة باحتمال إنهاء العقوبات الغربية المفروضة علي طهران في الوقت الذي تعمل فيه لإعادة بناء الحصة السوقية في سوق متخمة بالخام.
على الرغم من ان عودة ايران الى السوق النفطية سوف تضاعف من فائض المعروض منه، ويقول خبراء مختصون أن عودة إيران إلى السوق سوف تزيد من تخمة المعروض في الأسواق العالمية التي تسببت في هبوط أسعار خام برنت القياسي بمقدار الثلثين منذ العام الماضي لينزل عن الأسعار المتدنية التي بلغها إبان الأزمة المالية العالمية في 2008 ويصل إلى مستويات هي الأدنى منذ 2004.
وقالت المصادر لرويترز إن محسن قمصري مدير الشؤون الدولية في شركة النفط الوطنية الإيرانية التقى بمسؤولي شركات التكرير الهندية الأسبوع الماضي بما في ذلك الشركات التي أوقفت وارداتها من طهران بسبب العقوبات.
ومن الواضح أن ايران ترى انها صاحبة حق في هذا المجال، لاسيما انها أبعدت قسرا عن السوق النفطية بسبب العقوبات، والان بعد عودتها تريد أن تعوض ما خسرته آنذاك، وهو حق مششروع كما يرى المعنيون، كذلك هناك سعي كبير وتخطيط متواصل لحكومة روحاني من اجل خفض التضخم في السنوات القادمة.
وهناك نية بتطوير حقول الغاز ومضاعفة تصدير ايران من هذه المادة لمضاعفة مواردها كما اعلن ذلك وزير النفط الايراني بأن بلاده تأمل باجتذاب 25 مليار دولار من الاستثمارات في قطاعي النفط والغاز بفضل نوع جديد من العقود وذلك في حال رفعت عنها العقوبات الدولية في كانون الثاني/يناير.
لاشك أن هناك معاناة كبيرة تعيشها ايران الآن، ولكن من الواضح أن هناك سعي للدخول الى الاسوق العالمية بقوة، واستعادة الموقع القديم قبل العقوبات، وهو حق تسعى اليه ايران، في ظل سياسة اغراق السوق بالنفط التي تقوم بها السعودية بحسب قول مسؤولين من ايران، وفي كل الاحوال يرى الخبراء ان هناك آفقا واسعة مفتوحة امام الاقتصاد الايران يتيح له العودة بقوة الى سابق عهده، خاصة اذا استثمر المسؤولون الظروف والاوضاع الراهنة بصورة صحيحة ومدروسة.
معاناة كبيرة قبل رفع العقوبات
في هذا السياق اعتبر صندوق النقد الدولي ان معاناة الاقتصاد الايراني ستستمر حتى رفع العقوبات واستئناف الصادرات النفطية في شكل تام، وذلك في تقريره السنوي عن ايران. وقال الصندوق ان "التراجع الكبير في اسعار النفط والوضع المالي الصعب للشركات والمصارف والتأخير في استثمارات الافراد والشركات في انتظار رفع العقوبات تسببت الى حد بعيد بابطاء النشاط الاقتصادي" في ايران منذ العام الفائت.
وبناء على ذلك، توقع الصندوق ان يتراجع النمو من ثلاثة في المئة في 2014-2015 الى نحو صفر في 2015-2016، مع تضخم يناهز 14 في المئة. واذ تحدث عن "آفاق افضل لفترة 2016-2017 بسبب امكان رفع العقوبات الاقتصادية"، اوضح ان "من شان انتاج نفطي اكبر وكلفة اقل للتبادل التجاري والمالي والوصول مجددا الى الاموال في الخارج ان يرفع نمو اجمالي الناتج المحلي الى ما بين 4,5 و5,5 في المئة". كذلك، فان زيادة الانتاج النفطي مقترنة باستئناف الصادرات ستوفر دعما للاقتصاد في مجمله، ومن شان جهود السلطات لتقليص الموازنة ان تجعل التضخم دون عشرة في المئة. غير ان الصندوق اوصى السلطات الايرانية بان تطبق بدقة الرزمة الاخيرة من اجراءات تحفيز النمو وان تحدد سقفا رسميا للتضخم لفترة 2016-2017 بحسب فرانس بريس.
ربما يصل سعر النفط 50 دولارا
من ناحيته توقع مندوب إيران لدى أوبك بأن أسعار النفط في عام 2016 ستتراوح بين 35 و 50 دولارا للبرميل ولكنها لن تتجاوز مستوى 60 دولارا خلال السنوات الأربع المقبلة. ووضعت إيران مشروع ميزانيتها في السنة المالية المقبلة التي تبدأ في 20 مارس آذار على أساس سعر يتراوح بين 35 و40 دولارا لبرميل النفط. ونقل موقع وزارة النفط الإيرانية على الانترنت (شانا) عن مهدي عسلي قوله "ستتراوح أسعار النفط العام المقبل (2016) بين 35 و 50 دولارا ولذا فان إيران لا تخشى انخفاض ايراداتها النفطية." واتهمت إيران منافستها الاقليمية السعودية وأعضاء آخرين في أوبك بالعمل معا لخفض أسعار النفط بهدف تقويض اقتصادها الذي أضعفته العقوبات الدولية.
وقال عسلي "يجب على أعضاء أوبك التوصل إلى حل (لانخفاض أسعار النفط) إذ أن هذا الوضع ليس من مصلحتهم من الناحية الاقتصادية، من جهتها تقول السعودية إنها لن تخفض انتاجها النفطي إلا إذا فعلت إيران والعراق وروسيا." ورغم ضعف أسعار النفط تعهدت إيران بزيادة انتاجها واستعادة حصتها من الصادرات بعد فترة قصيرة من رفع العقوبات الاقتصادية المتوقع في يناير كانون الثاني 2016. وقد ترتفع صادرات إيران بنصف مليون برميل يوميا خلال ستة إلى 12 شهرا بمجرد رفع العقوبات. كما توقع عسلي أن يتجاوز الطلب العالمي على الخام 94 مليون برميل يوميا في 2016 وألا تتخطى الأسعار مستوى 60 دولارا للبرميل قبل 2020 بحسب رويترز.
استعداد ايراني لمواجهة انخفاض الاسعار
في السياق نفسه قال وزير المالية الإيراني علي طيب نيا إن طهران مستعدة للتعامل مع التأثير الاقتصادي لأسعار النفط حتى وإن انخفضت إلى 30 دولارا للبرميل وذلك مع هبوط خام القياس العالمي مزيج برنت لأدنى مستوياته في 11 عاما ليزيد قليلا عن 36 دولارا للبرميل.
وكثيرا ما ألقت إيران باللوم على منافستها الإقليمية السعودية متهمة إياها بالسعي لدفع أسعار النفط للهبوط كوسيلة لتقويض الاقتصاد الإيراني الذي يرزح تحت العقوبات. وتظهر تعليقات الوزير تحديا جريئا بأن إيران ستظل صامدة حتى إذا شهدت أسعار النفط مزيدا من التراجع.
ونقل تليفزيون برس تي.في عن طيب نيا قوله إن النظام الضريبي في إيران قد يساعد على خفض الاعتماد على إيرادات النفط. وأضاف أن إيران وضعت مسودة ميزانية للسنة المالية القادمة التي تبدأ في 20 مارس آذار بناء على سعر للنفط يتراوح بين 35 و40 دولارا للبرميل. وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني اليوم إن ميزانية العام القادم أقل اعتمادا على إيرادات النفط عن ذي قبل. وقال روحاني في بث مباشر للتلفزيون الحكومي "يشكل دخل النفط 25 في المئة فقط من ميزانية العام القادم."
ورغم هبوط أسعار النفط تعهدت إيران بزيادة إنتاجها من الخام واستعادة حصتها من الصادرات في السوق فور رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها في يناير كانون الثاني 2016. وربما ترتفع صادرات إيران من النفط الخام بمقدار نصف مليون برميل يوميا في فترة تتراوح بين ستة أشهر و12 شهرا من رفع العقوبات عنها بحسب رويترز.
إجراءات مالية مدروسة
من جهتها خفضت إيران مسودة ميزانية السنة المالية القادمة بنسبة 2.6 بالمئة مقارنة بخطة السنة الحالية مع تعرض المالية العامة للدولة لضغوط بفعل هبوط أسعار النفط. ونقلت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء عن محمد باقر نوبخت المتحدث باسم الحكومة قوله إن ميزانية السنة التي تبدأ في 20 مارس آذار قد تحددت بشكل أولي عند 2.670 تريليون ريال. وبالمقارنة تبلغ الخطة الأصلية لهذا العام 2.740 تريليون ريال غير شاملة المؤسسات المملوكة للدولة. وتتطلب الميزانية تصديق البرلمان وقد تتغير الأرقام في الأشهر الثلاثة قبل دخولها حيز التنفيذ.
وقال نوبخت إن الميزانية قائمة على سعر صرف رسمي يبلغ 29 ألفا و970 ريالا للدولار لتبلغ قيمتها 89.1 مليار دولار. ويهدد تراجع خام برنت إلى أدنى مستوى له في 11 عاما فوق 36 دولارا للبرميل هذا الأسبوع بإلحاق مزيد من الضرر بالدخل من الصادرات الإيرانية الذي تأثر سلبا لعقود من جراء العقوبات الدولية المرتبطة بالبرنامج النووي لطهران. ولم تذكر الوكالة الرسمية توقعات لإجمالي الإيرادات العامة وعجز ميزانية السنة القادمة لكن إيرادات النفط قدرت بنحو 22 مليار دولار. وتكافح حكومة الرئيس حسن روحاني الذي تولى منصبه في 2013 لكبح عجز الميزانية عن طريق تقييد الإنفاق، بحسب رويترز.
وتوقع صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع أن يبلغ عجز الميزانية الإيرانية 2.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد تخفض حكومة روحاني ميزانية العام الحالي لاحتواء التضخم. ومن المتوقع رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران أوائل العام القادم بما سيؤدي إلى تدفق مليارات الدولارات على البلاد. ونسبت وكالة الجمهورية الإسلامية إلى نوبخت قوله "وفقا لتوقعاتنا سيتراجع معدل التضخم إلى أقل من 11 بالمئة في السنة القادمة وسيبلغ النمو الاقتصادي ما بين خمسة وستة بالمئة." والتضخم الحالي يقارب 15 بالمئة والنمو عند أدنى مستوياته.
إيران مستعدة للدخول بمنظمة التجارة العالمية
في حين أبلغ وزير الصناعة الايراني محمد رضا نعمت زاده الاجتماع الوزاري لمنظمة التجارة العالمية المنعقد في العاصمة الكينية نيروبي أن إيران مستعدة للتفاوض على الانضمام إلى المنظمة. وقال نعمت زاده أمام وزراء التجارة من الدول الأعضاء بالمنظمة وعددها 162 دولة "أنا هنا برسالة مهمة." "الآن بعد أن أزالت أخيرا سنوات من المفاوضات المكثفة جميع أوجه سوء الفهم بشان أنشطة إيران النووية .. نحن بصدد اتخاذ الخطوة التالية صوب الاندماج بشكل أكثر عمقا في الاقتصاد العالمي." وإيران هي أكبر اقتصاد مازال خارج منظمة التجارة العالمية.
والانضمام إلى المنظمة سيتطلب مفاوضات طويلة وشاقة لكن نعمت زاده قال إن إيران عمدت بالفعل إلى انفتاح في تجارتها ونظامها الاستثماري وتسعى إلى تكامل ثنائي وإقليمي مع شركائها التجاريين. لكنه أضاف أن التكامل الإقليمي ليس بديلا عن النظام العالمي. "لذلك فإن عضوية منظمة التجارة العالمية أولوية للحكومة الإيرانية. باعتبارنا أكبر اقتصاد في العالم غير عضو (بالمنظمة) فان عضويتنا الكاملة ستكون ذات فائدة متبادلة للجميع وخطوة مهمة نحو ايجاد منظمة عالمية بحق."
وعلى الرغم من امتلاكها بعضا من أكبر الاحتياطيات العالمية من النفط والغاز فإن النمو الاقتصادي لإيران تعرقله العقوبات وانخفاض أسعار الطاقة وارتفاع أسعار الفائدة. وكانت ايران قد تقدمت بطلب لعضوية منظمة التجارة في يوليو تموز 1996 لكن المنظمة لم تبدأ النظر في طلبها إلا في عام 2005 وقدمت ايران ملفا يتضمن تفاصيل قوانينها ولوائحها التنظيمية ذات الصلة بعد ذلك بأربع سنوات بحسب رويترز.
وقال نعمت زاده إن إيران قامت الآن بتحديث هذا الملف وهي جاهزة لتقديمه إلى منظمة التجارة وإنها للمرة الأولى مستعدة للدخول في محادثات حول خفض التعريفات الجمركية وغيرها من الحواجز أمام التجارة في السلع والخدمات. ويجب على الدول الساعية للإنضمام إلى منظمة التجارة أن تجعل قوانينها متماشية مع قواعد المنظمة لكن لكي تنجح في مسيرتها عليها أيضا أن تدخل في مفاوضات مع الاعضاء الحاليين الذين يمكنهم أن يطلبوا تنازلات في القطاعات التي تهمهم. والانضمام إلى المنظمة سيفرض قيودا على التعريفات الجمركية في إيران ويلزمها بالشفافية بشأن نطاق عريض من السياسات التي تؤثر على التجارة مثل الدعم والقواعد الزراعية وقواعد استيراد وتصدير السلع. والاقتصادات الكبيرة الأخرى التي لم تنضم حتى الآن إلى المنظمة هي اثيوبيا وروسيا البيضاء والجزائر وأوزبكستان والعراق.
آفاق وأسواق جديدة لبيع النفط الايراني
من ناحية اخرى قالت مصادر مشاركة في محادثات بخصوص عقود النفط الإيرانية إن طهران تأخذ خطوات لزيادة صادراتها قبل رفع العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة حيث مددت عقود توريد الخام مع أكبر مشترين صينيين إلى 2016 وبدأت محادثات مع مشترين محتملين آخرين هناك. وترغب إيران التي كانت يوما ثاني أكبر مصدر في أوبك إلى استعادة الحصة السوقية التي فقدتها أثناء العقوبات الأمريكية والأوروبية المتعلقة ببرنامجها النووي وتستهدف زيادة إنتاج النفط 500 ألف برميل يوميا - بما يعادل نحو 50 بالمئة من الصادرات الحالية - في أوائل 2016.
وقالت المصادر إن سينوبك أكبر شركة تكرير آسيوية وشركة التجارة الحكومية الصينية تشوهاي تشنرونغ ستشتريان معا حوالي 505 آلاف برميل يوميا من الخام الإيراني في 2016 أي دون تغيير عن العام الحالي عندما اشترت الشركتان نحو نصف إجمالي صادرات طهران من النفط.
واشترت الصين 536 ألفا و500 برميل يوميا من النفط الإيراني في الأشهر العشرة لنهاية أكتوبر تشرين الأول بانخفاض 1.9 بالمئة عنها قبل عام مع توقف مشتريات عميل ثالث منتظم هو شركة دراجون للعطريات بسبب إجراءات التحقق من السلامة بعد حريق في ابريل نيسان. وتوقعا لإنهاء العقوبات في مستهل 2016 عرضت طهران الأسبوع الماضي نحو 50 مشروعا للنفط والغاز على المستثمرين الأجانب وكشفت مطلع الأسبوع عن تعديلات طال انتظارها على عقودها بهدف جذب المستثمرين.
وستثير زيادة الصادرات الإيرانية حساسيات سياسية لأنها تهدد إيرادات النفط لمصدرين كبار آخرين مثل السعودية وروسيا لكن نبرة التصريجات الصادرة من واشنطن وأوروبا في الفترة الأخيرة تشير إلى تخفيف القيود التجارية أوائل 2016. والتقى مسؤولون إيرانيون بقطاع النفط في الشهرين الأخيرين مع المتعاملين في بترو تشاينا ثاني أكبر شركة تكرير حكومية صينية وفي شركة سنوك التي تديرها الدولة وتشغل مجمع بتروكيماويات مع رويال داتش شل حسبما ذكرت ثلاثة مصادر.
وقال مسؤول تنفيذي "تنتظر الشركات أنباء مؤكدة عن رفع العقوبات قبل تقديم أي التزامات." وأكد متحدث باسم تشوهاي تشنرونغ اتفاق 2016 مع إيران في حين أحجمت سينوبك عن التعليق. ولم ترد شركة النفط الوطنية الإيرانية على الفور على طلبات للتعقيب بحسب رويترز.
استثمار الغاز بقيمة 25 مليار دولار
من جهته اعلن وزير النفط الايراني السبت ان بلاده تأمل باجتذاب 25 مليار دولار من الاستثمارات في قطاعي النفط والغاز بفضل نوع جديد من العقود وذلك في حال رفعت عنها العقوبات الدولية في كانون الثاني/يناير. وقال الوزير بيجان نمدر زنقانه في مؤتمر دولي "في تقديري انه اذا اجتذبنا 25 مليار (دولار) من الاستثمارات الاجنبية عبر عقود آي بي سي (ايران بتروليوم كونترا) فسيكون ذلك نجاحا".
وحضر ممثلو 152 شركة اجنبية في مقدمها شل البريطانية الهولندية وتوتال الفرنسية وايني الايطالية وبتروناس الماليزية ولوك اويل الروسية وسي ان بي سي الصينية، الى طهران في اطار هذا المؤتمر اضافة الى 183 شركة ايرانية. لكن اي شركة اميركية لم تحضر بسبب العقوبات الاميركية على ايران والتي لن ترفع في شكل تام رغم توقيع الاتفاق النووي في تموز/يوليو بين طهران والقوى الكبرى. وهذا العقد الجديد الذي سيطرح ايضا في لندن في 22 و24 شباط/فبراير سيتيح للشركات الاجنبية ان تكون طرفا اساسيا في مرحلة الانتاج بحيث لا ينحصر دورها في التنقيب بحسب فرانس بريس.
وفي النظام السابق المعروف ب"باي باك"، كانت الشركة الاجنبية تطور حقلا نفطيا او غازيا ثم تترك المكان لشركة ايرانية تتولى مرحلة الانتاج. ويقضي النظام الجديد بان يكون للشركة الاجنبية شريك ايراني بنسبة 51 في المئة. وفي مرحلة التنقيب، تقوم الشركة الاجنبية بالاستثمار على ان يكون موظفوها وتجهيزاتها ايرانيين بنسبة لا تقل عن 51 في المئة. وخلال مرحلة الانتاج، تبقى الشركة الاجنبية شريكة للشركة المحلية لكن اكثر من تسعين في المئة من التجهيزات والموظفين ينبغي ان تكون ايرانية. وهي تلتزم ايضا نقل التكنولوجيا الى الشريك المحلي. ويبلغ انتاج ايران من النفط راهنا 2,8 مليون برميل يوميا. وفي حال رفعت العقوبات في موعدها المقرر في كانون الثاني/يناير فان قدرتها ستزيد بمعدل مليون برميل يوميا مع نهاية 2016. وتصدر ايران حاليا نحو مليون برميل يوميا من النفط الخام. الى ذلك، تستخرج ايران 600 مليون متر مكعب من الغاز يوميا تستخدمها للاستهلاك المحلي.
هبوط واردات آسيا من النفط الإيراني
في السياق نفسه هبطت واردات آسيا من النفط الإيراني الى أدنى مستوى في عامين في اكتوبر تشرين الأول اذ عزف أكبر مشتري الخام الإيراني عن زيادة مشترياتهم بعد اتفاق تاريخي بشأن برنامج طهران النووي تم التوصل إليه في يوليو تموز. وأظهرت بيانات حكومية وبيانات تتبع حركة الناقلات أن واردات أكبر أربعة مشترين من ايران وهم الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية بلغت 803 الاف و674 برميلا يوميا الشهر الماضي وهو أدنى مستوى منذ اكتوبر تشرين الأول 2013 بما يقل بنسبة 8.5 في المئة عما كانت عليه قبل عام.
وهبط إجمالي واردات اكبر أربعة مشترين في آسيا هذا العام منذ بلغت ذروتها حين وصلت الى 1.205 مليون برميل يوميا في مايو ايار وظلت ثابتة عند نحو 1.2 مليون برميل يوميا منذ يوليو تموز. وتسابق طهران الزمن لتحقيق هدف الرئيس حسن روحاني وهو رفع العقوبات بحلول نهاية العام. ويحرص روحاني على استرداد حصة طهران من سوق النفط التي فقدتها في ظل العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كما يسعى جاهدا لتعزيز اقتصاد البلاد الهش بعد أن فاز بانتخابات الرئاسة متعهدا باستعادة العلاقات مع الغرب وإنعاش الاقتصاد من خلال رفع العقوبات.
وقال عضو وفد التفاوض في المحادثات النووية الإيرانية عباس عراقجي الأسبوع الماضي إن طهران تتوقع تطبيق الاتفاق في بداية العام القادم وهو ما يمهد لرفع العقوبات. وفي الأشهر التسعة الأولى من عام 2015 استورد المشترون الآسيويون مليون برميل يوميا تقريبا في انخفاض بنسبة 6.3 في المئة عن مستواها قبل عام. وأظهرت بيانات من وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة يوم الاثنين أن واردات اليابان من النفط الإيراني انخفضت ستة بالمئة في اكتوبر تشرين الأول عن مستواها قبل عام لتصل إلى 152 ألفا و851 برميلا يوميا بحسب رويترز.
في حين هبطت واردات آسيا من النفط الإيراني بأعلى وتيرة في تسعة أشهر في نوفمبر تشرين الثاني إذ خفضت الهند وكوريا الجنوبية وارداتهما حيث أمسك الزبائن عن زيادة مشترياتهم بعد الاتفاق التاريخي بشأن برنامج طهران النووي في يوليو تموز. وبلغ حجم واردات أكبر أربعة مشترين للنفط الإيراني وهم الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية 894 ألفا و685 برميلا يوميا الشهر الماضي انخفاضا بنسبة 16.2 بالمئة عن الشهر نفسه من العام الماضي لتسجل الواردات بذلك أكبر تراجع منذ فبراير شباط بحسب ما تظهره بيانات حكومية وبيانات تتبع الناقلات. غير أن الواردات زادت 11.3 بالمئة عن أكتوبر تشرين الأول.
ويتماشي التراجع إلى حد كبير مع بيانات التحميل في الموانئ الإيرانية الخاصة بشهر الوصول. ومن المتوقع ارتفاع حجم الصادرات إلى آسيا أكثر يزيد عن مليون برميل يوميا هذا الشهر. وقادت الهند وكوريا الجنوبية هبوط الواردات القادمة من إيران حيث انخفضت واردات الهند 44.9 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي إلى 138 ألفا ومائة برميل يوميا وهو أدنى مستوى منذ مارس أذار في حين هبطت واردات كوريا الجنوبية 28.8 بالمئة إلى 97 ألفا ومائتي برميل يوميا وهو أدنى مستوى منذ يوليو تموز بحسب رويترز.
وزادت واردات اليابان النفطية من إيران 3.1 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي إلى 168 ألفا و285 برميلا يوميا بحسب ما أظهرته بيانات وزارة التجارة يوم الإثنين.
وأظهرت البيانات أن متوسط إجمالي واردات أكبر أربعة مشترين في آسيا هبط 7.1 بالمئة إلى 1.03 مليون برميل يوميا في أول 11 شهرا من العام. فيما أظهرت بيانات الجمارك الرسمية أن واردات الصين من النفط الخام الإيراني قفزت بما يقارب النصف في نوفمبر تشرين الثاني من أدنى مستوى في 14 شهرا كانت قد سجلته في أكتوبر تشرين الأول.
واستوردت الصين أكبر زبائن النفط الإيراني 2.02 مليون طن من الخام من طهران الشهر الماضي أو ما يعادل 491 ألفا ومئة برميل يوميا بزيادة 45.2 بالمئة عن الشهر السابق لكن بما يقل بنسبة 5.1 بالمئة على أساس سنوي بحسب بيانات الإدارة العامة للجمارك في الصين.
ويزيد هذا عن تقديرات تومسون رويترز أويل ريسيرش أند فوركاستس لواردات الصين من الخام الإيراني في نوفمبر تشرين الثاني والتي بلغت 444 ألفا ومئة برميل يوميا. وتتوقع المجموعة البحثية أن يصل حجم الواردات من إيران إلى 533 ألفا و400 برميل يوميا في ديسمبر كانون الأول. واشترت الصين خلال أول 11 شهرا من هذا العام على ما يقارب 24.4 مليون طن من الخام الإيراني أو نحو 532 ألفا و400 برميل يوميا بانخفاض بنسبة 2.1 بالمئة عن الفترة ذاتها من العام الماضي بحسب بيانات الجمارك.
ويقل حجم الواردات منذ بداية هذا العام إلى الآن عن الحجم المتعاقد عليه والذي يتجاوز 600 ألف برميل يوميا بقليل لعدة أسباب أهمها حقيقة أن شركة دراجون أروماتيكس المستقلة المنتجة للبتروكيماويات -وهي مشتر معتاد للمكثفات الإيرانية- مغلقة منذ نشوب حريق في أبريل نيسان.
وتعد إدارة الجمارك الصينية المكثفات ضمن النفط الخام. وانتزعت روسيا لثالث شهر هذا العام لقب أكبر مورد للصين من المملكة العربية السعودية في نوفمبر تشرين الثاني.
وتأمل إيران التي كانت في يوم من الأيام ثاني أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بعد المملكة العربية السعودية في زيادة صادراتها من الخام بما يصل إلى مليون برميل يوميا خلال أشهر حالما ترفع عنها العقوبات التي كانت مفروضة عليها بسبب برنامجها النووي.
وتبنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبوع الماضي قرارا ينهي تحقيقا استمر على مدار 12 عاما حول شكوك بوجود "ابعاد عسكرية محتملة" في نشاط إيران النووي بعد أن توصلت ست قوى عالمية لاتفاق في يوليو تموز مع الجمهورية الإسلامية بشأن برنامجها النووي بحسب رويترز.
إغراء الشركات الهندية
من جهة اخرى قالت مصادر إن إيران وافقت على دراسة طلبات هندية لتقديم تخفيضات كبيرة على أسعار النفط وحوافز أخرى للشراء متشجعة باحتمال إنهاء العقوبات الغربية المفروضة علي طهران في الوقت الذي تعمل فيه لإعادة بناء الحصة السوقية في سوق متخمة بالخام. وستزيد عودة إيران إلى السوق تخمة المعروض في الأسواق العالمية التي تسببت في هبوط أسعار خام برنت القياسي بمقدار الثلثين منذ العام الماضي لينزل عن الأسعار المتدنية التي بلغها إبان الأزمة المالية العالمية في 2008 ويصل إلى مستويات هي الأدنى منذ 2004.
وقالت المصادر لرويترز إن محسن قمصري مدير الشؤون الدولية في شركة النفط الوطنية الإيرانية التقى بمسؤولي شركات التكرير الهندية الأسبوع الماضي بما في ذلك الشركات التي أوقفت وارداتها من طهران بسبب العقوبات.
وقالت مصادر على صلة بالمفاوضات إن الوفد الإيراني بدلا من أن يحدد شروطه وأسعاره فعل شيئا نادر الحدوث عندما طلب من شركات التكرير مقترحات تجعل إمدادت طهران أكثر تنافسية. وقال مصدر من شركات التكرير التقى قمصري "لم أرهم قط أكثر مرونة مما كانوا عليه خلال الاجتماع الأخير... طلبوا إفادتنا إياهم بكيفية جعل سعر خامهم تنافسيا." وقالت أربعة مصادر هندية على معرفة مباشرة بالمباحثات إن قمصري يرغب في بحث شروط بيع وأسعار أفضل لتعزيز الحصة السوقية.
وقال مصدر من شركة تكرير هندية لا تشتري النفط الإيراني "بطبيعة الحال سنرى ما إذا كان النفط الإيراني يناسب نموذجنا. إذا كان اقتصاديا فعند ذلك فقط سنتجه إليه." وتقدم إيران حاليا ائتمانا لمدة 90 يوميا وشحنا مجانيا وبعض الخصومات على أسعار النفط الخام للمشترين في الهند. والهند ثاني أكبر زبائن النفط الإيراني ورابع أكبر مستهلك للنفط في العالم بنحو أربعة ملايين برميل يوميا وتستورد 80 بالمئة من حاجاتها ومن المنتظر زيادة حجم الطلب منها إذ ينمو اقتصادها أكثر من سبعة بالمئة سنويا. وقال مكتب قمصري في طهران إنه لم يكن متاحا للتعليق. وتأتي التحركات الإيرانية في الهند بعد اتفاقات لزيادة مبيعات النفط مع أكبر عميلين صينيين في 2016.
اضف تعليق