تعد صناديق الثروة السيادية أحد أهم الأجهزة المؤسسية التي تدير الفوائض المالية للدول بقصد الاستثمار بغية تحقيق جملة من الأهداف المشتركة تتمثل في حماية وتحقيق الاستقرار في الموازنة والاقتصاد من التقلبات المفرطة في الإيرادات والصادرات وتنويع صادراتها من السلع الأساسية غير القابلة للتجديد وتحقيق عوائد أكبر من التركيز على احتياطيات العملات الأجنبية ومساعدة السلطات النقدية في إنفاق السيولة غير المرغوبة بها وأداء دور الاحتياط بالنسبة للدول المالكة لها بتحويل جزء من عوائدها لصالح الأجيال القادمة وتمويل تطوير التنمية المستدامة بمختلف أبعادها والمساهمة في تنمية الدول المستضيفة لاستثماراتها من خلال تمويل الهياكل القاعدية.

والصناديق السيادية ليست ظاهرة جديدة، بل يعود تاريخ بعضها إلى العام 1953، لكنها بدأت تنشط بشكل كبير في السنوات الأخيرة لا سيما بعد أن ضخت رؤوس أموال كبيرة في المصارف الأوروبية والأميركية، واستحوذت على حصص مؤسسات مالية جبارة فأصبحت هذه الصناديق تلعب دورا فاعلا في تحقيق استقرار الأسواق المالية العالمية.

وبحسب بعض الخبراء فأن الصناديق السيادية قد أصبحت اليوم محط اهتمام واسع لدى العديد من الشعوب خصوصا بعد تفاقم الأزمات والمشكلات الاقتصادية، يضاف إليها انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية التي أثرت بشكل سلبي على دول الخليج، التي جمعت مليارات الدولارات من الأرباح بيع النفط في السنوات السابقة والتي قد تسهم بتقليل أضرارها المالية والاقتصادية، خصوصا وإنها قد التي سعت بعد هذه الازمة وكما تنقل بعض المصادر الى الاعتماد على الصناديق السيادية باعتبارها أداة استثمارية مهمة ووسيلة من وسائل توسيع القاعدة الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل.

وفي السنوات الماضية أي في مرحلة ما بعد الطفرة خلال السنوات الماضية، تمكنت دول الخليج من تمويل الصناديق السيادية بفضل العوائد المالية المرتفعة، وهذه الصناديق نجحت في توسيع حجم استثماراتها في الداخل والخارج وحققت أربحاً طائلة بل حققت تواجداً خارجيا ومكاسب سياسية.

تلك المكاسب المهمة وكما يقول بعض المراقبين كانت ولاتزال غائبة عن العراق، الذي لم يخطط وبسبب السياسات الفاشلة للحكومات المتعاقبة، على الاستفادة من الأموال والأرباح الكبيرة التي حققها البلد من عائدات النفط وغيرها في إنشاء صندوق الثروة السيادية كان من الممكن ان يسهم بإنقاذ العراق من مشكلات وأزمات خطيرة.

الصناديق السيادية تستحوذ على الصفقات

في هذا الشأن فقد بلغ إجمالي ما أنفقته صناديق الثروة السيادية على عمليات الاستحواذ في الخارج 24.9 مليار دولار في الربع الثالث من 2015 وهو رقم يعادل تقريبا مثلي ما أنفقته الصناديق في الربع السابق إذ تسعى تلك الصناديق وراء الأصول عالية القيمة. وبحسب البيانات فإن صناديق الثروة السيادية التي تستثمر العائدات الاستثنائية التي تجمعها من صادرات النفط والسلع الأولية الأخرى للأجيال القادمة دخلت في 28 صفقة من يوليو تموز إلى سبتمبر أيلول أي أقل عشر صفقات عن الربع السابق.

لكن حجم الصفقات مازال بعيدا عن مستوى 30.6 مليار دولار الذي يعد الأعلى والذي جرى تسجيله في الربع الأخير من العام الماضي عندما كانت الصناديق السيادية تشتري الأصول بأعلى وتيرة منذ الأزمة المالية العالمية. إلا ان المستوى الجديد يمثل انتعاشة قوية مقارنة بالربع الأول عندما تراجع الحجم إلى 5.4 مليار دولار من خلال 32 صفقة. ويرجع ارتفاع حجم الصفقات جزئيا إلى العدد المحدود من فرص الاستثمار وبخاصة في البنية التحتية حيث صارعت بعض الصناديق من أجل بلوغ حجم الاستثمارات المستهدفة.

في المقابل سعى آخرون وراء "الأصول عالية القيمة" في القطاع العقاري لكن المنافسة محتدمة على هذه الفئة الأولى. وقال جو فالينتي رئيس الأبحاث العقارية الأوروبية لدى جيه.بي مورجان لإدارة الأصول "توجد رؤوس أموال كبيرة في السوق." وأضاف "غالبا ما تكون هذه الأصول مسعرة بأعلى سعر لكن هذا لا يعني أن المستثمرين سيتوقفون عن شرائها." وظل القطاع العقاري يحظى بإقبال شديد حيث اشترى الصندوق السيادي النرويجي حصة في مقر شركة اير بي.ان.بي في سان فرانسيسكو بينما استحوذت كتارا للضيافة القطرية على فندق ويستن إكسلسيور في روما.

وظلت صناديق الثروة السيادية نشطة على الرغم من التوقعات بأن تجبرها أسعار السلع الأولية الآخذة في التراجع على تقليص الاستحواذات في الخارج. وأثير جدل واسع بخصوص خسارة جهاز قطر للاستثمار في أوراق مالية جراء هبوط أسهم فولكسفاجن وجلينكور. لكن منذ بداية العام حتى الآن يظل مستوى إجمالي الإنفاق مستقرا دون تغير يذكر مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي عند نحو 43.4 مليار دولار. إلا ان مصدري النفط مازالوا يميلون لاستخدام احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي لسد العجز في ميزانياتهم بدلا من الضغط على صناديق الثروة السيادية التابعة لهم في حين قررت السعودية أن تصدر سندات محلية.

من جهة اخرى حقق صندوق الثروة السيادي النرويجي الأكبر من نوعه في العالم أعلى عائدات له على الإطلاق في الأشهر الثلاثة الأولى من العام بفضل ضعف الكرونة وصعود الأسهم الأوروبية. وقال الصندوق الذي تبلغ قيمته 900 مليار دولار إنه حقق عائدات قدرها 401 مليار كرونة (52.6 مليار دولار) في الربع الأول وساهم ضعف العملة النرويجية بمبلغ 175 مليار كرونة من العائدات. وبالنسبة المئوية بلغ عائد الصندوق 5.3 بالمئة في هذا الربع. بحسب رويترز.

وقال الرئيس التنفيذي للصندوق انجفي شلينجستا "شهدت الأسواق الأوروبية تحركات سعرية كبيرة... وبعد تحقيق عائد ضعيف بفعل الأسهم الأوروبية في العام الماضي صعدت السوق في الربع الأول." وقلص الصندوق حصة استثماراته في أدوات الدخل الثابت إلى 35.3 بالمئة من محفظته نزولا من 36.5 بالمئة في الأشهر الثلاثة السابقة بينما زاد حصة استثماراته في الأسهم إلى 62.5 بالمئة من 61.3 بالمئة. وارتفعت حيازات الصندوق من العقارات إلى 2.3 بالمئة من 2.2 بالمئة.

اسعار النفط وازمة الصناديق الخليجية

الى جانب ذلك أصبحت إدارة صناديق الثروة السيادية في الخليج عملا صعبا في ظل النفط الرخيص حيث يواجه المديرون ضغوطا متنامية من الساسة والرأي العام كي يثبتوا أنهم يستثمرون الاحتياطيات الوطنية بطريقة رشيدة. وعندما كانت أسعار النفط مرتفعة لم تتعرض الصناديق الخليجية -وبعضها من اضخم صناديق الثروة السيادية في العالم- لتدقيق عام يذكر. وكانت خزائن الحكومات تفيض بإيرادات الطاقة وبدا المستقبل المالي لدول الخليج العربية آمنا.

لكن في ظل السعر الحالي لخام برنت الذي لا يزيد كثيرا على نصف مستواه في يونيو حزيران الماضي فربما ان الدول بصدد حقبة مالية هي الأشد صعوبة منذ التسعينيات وهذا احدث تغييرا في المناخ السياسي. فالحكومات تريد تحقيق أقصى عائد على أموالها. والرأي العام يصبح في مواجهة احتمال تباطؤ نمو الإنفاق الاجتماعي أشد حساسية لفكرة أن بعض الموارد الوطنية ربما تتعرض للهدر.

وفي ظل عدم إعلان معظم الصناديق معلومات تذكر عن حساباتها ينقب المشرعون في بعض الدول عن اداء ضعيف أو ربما مخالفات. ويحقق البرلمان الكويتي وهو الأكثر استقلالية في الخليج في أنشطة مكتب لندن للهيئة العامة للاستثمار. وبحسب معهد صناديق الثروة السيادية في الولايات المتحدة الذي يتابع القطاع فإن هيئة الاستثمار الكويتية تدير اصولا قيمتها 548 مليار دولار. وقال فيصل الشايع رئيس لجنة الشؤون المالية بالبرلمان الكويتي "تشكلت لجنة تحقيق قبل عدة أشهر للنظر في حالات تتعلق بمخالفات لهيئة الاستثمار مثل بيع عقارات بسعر غير مناسب أو القيام باستثمارات رديئة." وقال الشايع إن اللجنة ستتوجه إلى لندن لفحص طريقة تنفيذ الاستثمارات وما إذا كانت تخضع لإشراف رسمي كاف. ولم ترد هيئة الاستثمار على طلب للتعقيب.

وفي وقت سابق هذا العام بدأ برلمان البحرين تحقيقا بشأن صندوق البلاد للثروة السيادية (ممتلكات) الذي تقدر قيمة الأصول تحت إدارته بحوالي 11 مليار دولار. وقال عيسى الكوهجي عضو البرلمان إن التحقيق ينظر في مزاعم بخصوص مخالفات "إدارية" في الصندوق بعد أن كشف تقرير لمراجعة الحسابات عن سلسلة مخالفات في شركات بحرينية مملوكة للدولة. ومن غير الواضح ما إذا كانت التحقيقيات ستكشف عن مخالفات خطيرة لكنها قد تشجع على الأقل الصناديق في أنحاء الخليج على توخي المزيد من الحذر والعمل بشكل أكثر تحفظا لبعض الوقت.

وقد يتقرر إرجاء بعض الخطوات المثيرة للجدل مثل صفقات الاستحواذ الضخمة وقد يزيد التركيز على تحسين العوائد في الأجل القصير وعلى خفض التكاليف. وقال ماكيل مادويل رئيس معهد صناديق الثروة السيادية "يمكن افتراض أن البرلمانات الخليجية تضغط على أداء مثل تلك النوافذ السيادية مع تباطؤ قطار الأموال.. إذا ظلت أسعار النفط متدنية والأداء الاستثماري ضعيفا إلى سلبيا فأتوقع مزيدا من التحقيقات البرلمانية." وأضاف أن الضغوط قد تكون على أشدها في الكويت والبحرين لكنها قد تزيد أيضا في السعودية ودول الخليج الأخرى.

ويعمل معظم الصناديق السيادية في العادة في سرية كبيرة وقد تعمل الحكومات الخليجية الحريصة على تجنب الدعاية السلبية على حماية ذلك الوضع. وشكك مادويل في أن تكشف التحقيقات عن الكثير. وقال "بعضها مسرحيات سياسية فالسلطة الحقيقية بيد الأسر الحاكمة." وفي العام الماضي شكا الملياردير السعودي الوليد بن طلال أحد أكبر مستثمري المملكة في الخارج من أن البنك المركزي لا يحقق عائدات كبيرة على احتياطياته لتعويض تراجع أسعار النفط.

وحث على إنشاء صندوق جديد لإدارة الاحتياطيات التي تبلغ حاليا نحو 690 مليار دولار بشكل أكثر نشاطا. وبحث مسؤولون من مجلس الشورى مقترحا من هذا القبيل. لكن في ديسمبر كانون الأول أعلن وزير المالية إبرهيم العساف أنه لا حاجة الى مثل هذا التغيير ومنذ ذلك الحين توقف النقاش العام للفكرة. غير أن حكومات المنطقة لا تتجاهل الرأي العام. لذا إذا ظلت أسعار النفط منخفضة لسنوات فقد يتزايد الضغط لإحداث تغيير في الصناديق مثل زيادة الشفافية.

ويمس الأمر وترا في الكويت بسبب الاستياء العام الذي ثار أوائل التسعينيات بشأن استثمارات في مجموعة جروبو توراس الاسبانية. ففي الفترة بين 1986 و1992 ضخ صندوق لندن التابع للهيئة العامة للاستثمار حوالي خمسة مليارات دولار في توراس التي وضعت تحت الحراسة. وأدت الفضيحة إلى إجراءات قضائية في بضع دول وأدانت محكمة كويتية شخصين بتهمة الاختلاس وتم اقرار قانون يفرض تدقيقا برلمانيا لقرارات الاستثمار. بحسب رويترز.

وحتى في الدول التي لا يوجد بها ضغط شعبي واضح على صناديق الثروة السيادية فيبدو أن مزاجا أشد حرصا بدأ يترسخ. وقال مصرفي يعمل عن كثب مع جهاز قطر للاستثمار الذي يدير ما يقدر بنحو 256 مليار دولار إن الصندوق أصبح أكثر تحفظا في الاشهر الأخيرة. وأصبح الصندوق أكثر تركيزا على الأصول الناضحة التي يمكن أن تحقق إيرادات فورية بدلا من المشاريع التي قد تستغرق وقتا طويلا لكي تؤتي ثمارها. ولم يعلن صندوق مبادلة التابع لحكومة أبوظبي وتقدر قيمة أصوله بنحو 66 مليار دولار أي استثمارات كبيرة جديدة منذ نحو ثمانية أشهر. وقال عاملون بالصندوق إنه طلب منهم في الأشهر القليلة الماضية إبقاء التكاليف منخفضة. ولم يرد جهاز قطر للاستثمار ولا مبادلة على طلبات للتعقيب.

الصندوق الليبي

من جانب اخر قال رئيس مجلس إدارة المؤسسة الليبية للاستثمار إن المؤسسة راضية عن استثماراتها الايطالية وتنوي الاحتفاظ بحصصها في شركات قيادية مثل أوني كريديت وإيني دون تغيير. وقال حسن بوهادي "نحن راضون عن محفظتنا الايطالية." والتقي بوهادي الذي يرأس مجلس إدارة المؤسسة منذ أكتوبر تشرين الأول الماضي مع وزير الاقتصاد الايطالي بيير كارلو بادوان لبحث التعاون بين البلدين.

وتملك المؤسسة نحو 1.25 بالمئة في أوني كريديت أكبر بنوك ايطاليا من حيث الأصول وتحوز حصصا أقل من اثنين بالمئة في شركة النفط العملاقة إيني وفي إينل للمرافق ومجموعة فينميكانيكا لصناعة السلاح وفيات كرايسلر لصناعة السيارات. وردا على سؤال عما إذا كانت المؤسسة مستعدة لزيادة في رأس المال قد يقبل عليها أوني كريديت في المستقبل قال أحمد عموش مدير الاستثمار إن المؤسسة ستكون مستعدة لأي زيادة في رأس المال.

وفي مايو أيار الماضي استأنف البنك علاقاته مع حملة الأسهم الليبيين التي واجهت صعوبات بعد التجميد المؤقت للأصول الليبية في ايطاليا. وفي يونيو حزيران قال فيديريكو جيتسوتي رئيس مجلس إدارة أوني كريديت إن أربعة بالمئة تقريبا يملكها مستثمرون ليبيون بينهم المؤسسة الليبية للاستثمار "مجمدة في الواقع". وأنشئت المؤسسة في 2006 لادارة الفائض المتزايد من إيرادات النفط الليبية وهي أكبر صندوق ثروة سيادي في أفريقيا. بحسب رويترز.

لكن بعد أربع سنوات على سقوط معمر القذافي تعاني ليبيا من الصراع بين حكومتين متنافستين. ويبلغ حجم أصول المؤسسة 67 مليار دولار وتبلغ قيمة محفظتها من الأسهم 8.6 مليار دولار. وتشكل الاستثمارات الايطالية نحو 30 بالمئة من هذه المحفظة وبما يعادل 2.46 مليار دولار.

أصول سائلة

من جهة اخرى وفي ظل العاصفة التي تتعرض لها الأسواق الناشئة قد تقرر بعض الدول الغنية بالموارد الطبيعية إبقاء نسبة أكبر من ثروتها في صورة أصول سائلة حتى تتمكن من استخدامها لدعم الاقتصاد بدلا من وضعها في استثمارات استراتيجية من أجل الأجيال القادمة. وتؤدي خطوات كالتي اتخذتها قازاخستان باستخدام أموال الصندوق الوطني لتقليص القروض المتعثرة لدى البنوك وما عزمت عليه روسيا من استخدام صندوق الثروة الوطني لإنقاذ أوكرانيا إلى تقليل المبالغ المتاحة للاستثمار في مشروعات كبرى مثل البنية التحتية.

ويثير ذلك أيضا خشية من استمرار تأثر السياسة الاستثمارية لتلك الصناديق بالتدخل السياسي. وأمر رئيس قازاخستان نور سلطان نزارباييف المسؤولين باستخدام 5.4 مليار دولار من الصندوق الوطني الذي يحتوي على ثروة البلاد من أموال النفط لمساعدة البنوك. وقالت روسيا إنها ستستخدم عشرة مليارات دولار من صندوق الرفاه الوطني الذي يدعم نظام المعاشات المحلي لتمويل برنامج مساعدات لأوكرانيا قيمته الإجمالية 15 مليار دولار.

ولم تكن أوكرانيا حتى على قائمة الدول المسموح للصندوق بالاستثمار فيها لأن ديونها مصنفة بأقل من المستوى المطلوب. لكن الحكومة سارعت بتعديل القواعد للسماح بتحويل المساعدات إلى كييف. وقال باترك شينا الرئيس المشارك لشبكة الثروة السيادية ورأس المال العالمي في كلية فلتشر بجامعة تافتس "بعض هذه المخاوف بدأت تثار مع خروج رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة. بالطبع هناك ضغوط سياسية كبيرة لاستخدام أموال الصناديق في الداخل." وأضاف "إذا تعرض الصندوق لضغط سياسي لاستثمار جزء من أصوله في تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتوفير تمويل إضافي فإن إدارة الصندوق قد تأخذ قرارا تكتيكيا برصد مخصصات أكبر للسندات بدلا من العقارات على سبيل المثال."

وحين تتعرض الدولة لضغوط شديدة على العملة وخطر نزوح رؤوس الأموال بشكل مفاجئ يتولى البنك المركزي الدفاع عن العملة إما برفع أسعار الفائدة أو بالتدخل بالاحتياطيات. لكن في ظل الأزمات قد تلجأ الحكومة إلى الجمع بين خزينة البنك المركزي وأموال الصندوق السيادي لتعظيم قدرتها المالية. وعندئذ قد يجد الصندوق صعوبة في رصد جزء كبير من أصوله للمشروعات غير السائلة.

وبحسب بيانات من شركة بريكين بلغت نسبة أصول صناديق الثروة السيادية العالمية المستثمرة في البنية التحتية 57 بالمئة في 2013 بارتفاع طفيف عن 2012. واستأثرت مشروعات البنية التحتية الاجتماعية مثل المستشفيات والمدارس بنسبة 44 بالمئة. ويعول كثير من المستثمرين المحتملين والحكومات على الصناديق السيادية للمساهمة في سد الفجوة التمويلية في تلك المشروعات التي تمتد لعدة سنوات. وتسيطر صناديق الثروة السيادية في أنحاء العالم على أصول تزيد قيمتها على خمسة تريليونات دولار. ومهما كانت النوايا خالصة فإن تلك الصناديق تمثل إغراء شديدا للحكومات.

فقد استخدمت أيرلندا صندوق الثروة السيادي الذي تبلغ قيمته 24 مليار يورو (33 مليار دولار) والمخصص أصلا لدعم نظام الرعاية الاجتماعية والمعاشات في 2009 لإعادة رسملة البنوك. وفي 2010 استخدمت دبلن الصندوق مرة أخرة للمساهمة في برنامج إنقاذ دولي لاقتصادها. وفي الكويت أنفق صندوق الثروة السيادي ما لا يقل عن 1.5 مليون دينار (5.3 مليون دولار) في أواخر عام 2008 لوقف هبوط البورصة المحلية ولمساعدة البنوك على جمع رؤوس أموال جديدة في 2009.

واستخدمت روسيا أيضا أموال الصندوق الوطني لشراء أسهم محلية ووجهت قازاخستان تسعة مليارات دولار لإنقاذ القطاع المالي المحلي خلال أزمة الائتمان العالمية. وقال أندرو أنج مستشار صندوق الثروة السيادي النرويجي والأستاذ في كلية كولومبيا لإدارة الأعمال إن الصناديق التي ليس لها تفويض محدد قد تستخدم كأداة سياسية. وأضاف "حين تجنب الأموال في صندوق واحد كبير يمثل ذلك إغراء شديدا للسياسيين لاستخدامها في أي غرض يريدونه وهذا ما حدث." بحسب رويترز.

وتابع "أسوأ شيء ... أن تتخذ قرارات خاصة وتغير استراتيجيات الاستثمار في منتصف الطريق. وغالبا ما يحدث ذلك وسط حالة هلع أو مبالغة في رد الفعل وهو ما يؤدي إلى سياسات استثمارية سيئة." وقال أنج إنه يجب أن تكون للصناديق مسؤوليات محددة بوضوح أو أهداف استثمارية سواء كانت احتياطيا لإنقاذ البلاد في الظروف الصعبة أو ادخارا من أجل الأجيال القادمة مع إمكانية تقسيم الصندوق إلى عدة وحدات.

الشفافية والحوكمة

في السياق ذاته أظهر تقرير نشرته مجموعة جيو إيكونوميكا لأبحاث المخاطر السياسية أن الغالبية بين أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم تفتقر إلى الشفافية والحوكمة الملائمة وأن مستويات الشفافية لدى الخليجية منها كانت منخفضة بدرجة كبيرة. وقيمت جيو إيكونوميكا وهي شركة ابحاث مستقلة مقرها جنيف أداء 31 صندوق ثروة سياديا يبلغ إجمالي أصولها أربعة تريليونات دولار لتحديد مدى التزامها بمبادى سانتياجو وهي ميثاق عمل طوعي بخصوص الحوكمة والشفافية.

وقالت جيو إيكونوميكس في مؤشرها للامتثال لمبادئ سانتياجو التي تنشره سنويا منذ ثلاث سنوات "ينبغي للعديد من الصناديق لا سيما من منطقة الخليج إدخال تحسينات كبيرة على سياسات الإفصاح المالي والتحلي بمزيد من الشفافية بخصوص ترتيبات الحوكمة." ووجدت الدراسة أن تسعة صناديق اعتبرت ممتثلة تماما للمبادئ في حين كانت تسعة أخرى ممتثلة بوجه عام. لكن ثمانية أخرى أوفت بجزء فقط من التزاماتها وتفتقر إلى المعلومات المالية القوية مثل البيانات المدققة والميزانيات العمومية أو المؤشرات القياسية للأداء.

وتشكل الصناديق السيادية في الصين والكويت وأبوظبي إلى جانب شركة جي.آي.سي برايفت في سنغافورة أربعة من بين أكبر خمسة صناديق في العالم وجرى تصنيفها باعتبارها تمتثل للمباديء جزئيا. وقالت جيو إيكونوميكا إن صندوق معاشات التقاعد الحكومي النرويجي وهو أكبر الصناديق السيادية في العالم يمتثل تماما لمبادئ سانتياجو. واعتبرت الدراسة أن جهاز قطر للاستثمار -وهو سادس أكبر صندوق سيادي في العالم- هو الصندوق الوحيد غير الممتثل للمبادئ ويفتقر إلى أغلبها. ورفض الصندوق التعليق على النتائج. ويدير جهاز قطر للاستثمار أصولا بقيمة 304 مليارات دولار ويمتلك من خلال شركة قطر القابضة التابعة له حصصا في شركة إدارة المتاجر الكبيرة الصينية لايف ستايل انترناشونال هولدنجز وتيفاني آند كو ومجموعة هارودز في لندن. وتعذر تصنيف أربعة صناديق أخرى نظرا لخضوعها لتغييرات واسعة وافتقارها إلى اتجاه يحدد سياستها.

وقال سفين بيرنت العضو المنتدب لجيو إيكونوميكا إن الافتقار للشفافية والحوكمة يحدث غموضا كبيرا لدى المستفيدين فضلا عن المستثمرين الآخرين. وقال "نتحدث عن مبالغ مالية ضخمة والمشكلة هي أننا لا ندري المنطق الذي تعمل بناء عليه. "إذا لم يمتثلوا (لمبادئ الشفافية والحوكمة) فلن يبنوا الثقة في أنهم يستثمرون في أنحاء النظام المالي العالمي لأسباب اقتصادية ومالية فقط .. وليس لأسباب سياسية". بحسب رويترز.

وأعدت مبادئ سانتياجو في العام 2008 وسط قلق من تزايد نفوذ الصناديق في الأسواق المالية ومخاوف من قيام بعضها باستثمارات لأغراض سياسية لا لأغراض تجارية بحتة. وصناديق الثروة السيادية هي كيانات مرتبطة بالدولة جاءت أموالها عادة من عوائد الموارد الطبيعية عقب طفرة في السلع الأولية والطاقة كما هو الحال في النرويج. وقد تنشأ الصناديق نتيجة تراكم إيرادات صادرات الصناعات التحويلية كما هو الحال مع الصين.

اضف تعليق