q
ان الخطر على بتكوين يأتي من أصحاب المحافظ الكبيرة، أو حيتان الكريبتو إن جاز التعبير، إذ لديهم إمكانية التلاعب بالسوق عن طريق شراء أو بيع كميات كبيرة من العملة المشفرة للتأثير على سعرها. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى عدم الاستقرار والتقلب في السوق، مما يمكن أن يصعّب على المستثمرين اتخاذ قرارات في ضوء الأحداث...

دخل سوق العملات المشفرة منذ بداية 2022 مرحلة عدم يقين وتعاظمَ خوف المستثمرين بعد انهيار عملات مشفرة بارزة، مثل «تيرّا-لونا» و«سيلسيوس». لكن السقوط الأكبر والأكثر صخبًا كان من نصيب شركة FTX لتداول العملات المشفرة. ارتدادات هذا الزلزال الرقمي لم تنحصر بالشركة فقط، إذ بدأت شركات مماثلة تترنح وتتهيأ للسقوط أيضًا، فيما يشبه تساقط أحجار الدومينو. وفي حين يدور السؤال اليوم عن مصير هذه العملات التي ولدت بين الأصفار والآحاد، فتحت الأزمة الأخيرة شهية المشرّع الغربي وتحديدًا الأميركي -الذي رأى في البتكوين تهديدًا واضحًا للدولار- من أجل تطويق هذه التكنولوجيا عبر قوننتها بشكل يضيق الخناق عليها أولًا، وعبر خلق دولار رقمي يمكن لواشنطن إدارته والتحكم فيه مثل الدولار الورقي ثانيًا.

في تشرين الأول من عام 2008، أي بعد عدة أشهر على الأزمة المالية العالمية، ظهرت على الإنترنت تقنية ثورية اسمها بلوكتشاين أو سلسلة الكُتل، تسمح بنقل الأصول عبر الإنترنت دون الحاجة إلى طرف ثالث، مثل المصرف. وجل ما علمه الناس عن المؤسس، هو أن اسمه ساتوشي ناكاموتو، ومن غير الواضح إن كان شخصًا واحدًا أم مجموعة. ثم أطلق عملة «بتكوين» المشفرة في العام التالي، ومذاك تغيّر كل شيء.

الـ«بلوكتشاين» أشبه بنظام اتصالات داخلي، حيث يقوم المستخدم بتنصيب برنامج النظام على حاسوب قوي أو جهاز تعدين. بعدها، يجلب برنامج النظام كل سجلات الشبكة منذ بداية تشغيلها عبر الإنترنت. فيصبح حاسوب المستخدم متزامنًا مع الشبكة، وبالتالي، يصبح بدوره نقطة لتلك الشبكة (مثل فرع لأحد المصارف، يملك المعلومات ذاتها الموجودة في الأفرع الأخرى). الآن، عندما يقوم شخصٌ ما بعملية تحويل «بتكوين» إلى شخص آخر، تطلب البلوكتشاين، من جميع النقاط (أي المستخدمين)، أن يخلقوا كتلة أو بلوك جديد، بداخله معلومات تفيد بانتقال العملة من حساب لآخر. وأول حاسوب يقوم بهذه المهمة، تكافئه الشبكة بإعطائه عملات بتكوين؛ هذا ما يطلق عليه التعدين. كذلك، عندما يُخلق بلوك جديد من قبل أحد المستخدمين يندمج مع البلوكتشاين، ثم تتزامن كل الأجهزة حول العالم والموصولة بالشبكة مع التحديث الجديد. من هنا، فهي عملة مشفرة لامركزية بحق، ولهذا من شبه المستحيل قرصنة بلوكتشاين وسرقة عملات «بتكوين»، ذلك أن القرصان سيحتاج إلى قرصنة أقله 51% من كل أجهزة الشبكة في وقت واحد، وهذا غير ممكن. كما أنه لا يمكن لأي جهة أن تتحكم بها.

خلال السنوات الـ13 الماضية، انتشر مفهوم البلوكتشاين والبتكوين بشكل كبير. ومع تضاعف سعر العملة آلاف المرات، أصاب الحزن من فاته شراؤها وهي بخسة الثمن، فيما سمي بـ«FOMO» اختصارًا لـFear Of Missing Out، أي الخوف من حصول الأمر دون المشاركة فيه. استغل كثر هذا الشعور عند المستثمرين والمستخدمين، وظهرت آلاف العملات المشفرة الجديدة والتي تعد الناس بأن سعرها مثل بتكوين، سيصل إلى القمر. وبالتوازي حصل أمران مهمّان: أولهما، ظهور منصات تداول العملات المشفرة سهلة الاستخدام، وثانيهما، ظهور عملات مشفرة مستقرة.

أول منصة تداول للعملات المشفرة انطلقت عام 2010، وكانت عبارة عن موقع إلكتروني اسمه «بتكوين ماركت» لم يعد فعالًا اليوم، ومن ثم أتت منصة «باينانس» عام 2017، وهي الأشهر على الإطلاق حاليًا. ثم دخلت منصة FTX إلى الساحة عام 2019، وباتت ثاني أكبر منصات التداول. لاقت تلك المنصات شهرة واستحسانًا كبيرين، حيث إن المستثمر بات يستطيع شراء عملات مشفرة عبر دولارات حقيقية. كما لم يكن بحاجة للتواصل مع موظف أو مكتب لإدارة أصوله، على غرار مكاتب البورصة. لكن بقيت مشكلة؛ فالعملات المشفرة أسعارها متقلبة، وما قد يدفع ثمنه المستثمر ألف دولار اليوم، قد تصبح قيمته 800 دولار غدًا. لذا، كانت هناك حاجة لإيجاد عملة مشفرة مستقرة، أي أن سعرها ثابت لا يتغير، وتعمل كوسيط يلجأ إليه المستثمر بعد تحقيق أرباح أو لإيقاف خسائره. كانت أول عملة من هذا النوع هي «BitUSD»، وصدرت عام 2014. ثم تتالى صدور العملات المشفرة المستقرة، وأشهرها اليوم «USDT» و«USDC»، وهذه عملات مشفرة يبلغ سعر العملة الواحدة منها دائمًا دولارًا واحدًا.

لا شك أنه أمرٌ مؤلم أن يرى المستثمر العملات المشفرة التي كان موعودًا بها تبخرت، إلا أن الانهيار قد يكون أمرًا صحيًا. ففورة خلق عملات بديلة عن بتكوين يجب أن ينتهي.

هناك نوعان من منصات تداول العملات المشفرة: مركزية مثل «باينانس» و«كوين بايس»، ولامركزية مثل «يونيسواب» و«بانكيك سواب». تعمل المنصات المركزية كوسيط بين المشتري والبائع، وتجني الأموال من خلال العمولات ورسوم المعاملات. ويمكن استخدام هذه المنصات لإجراء عمليات تبديل العملات الورقية (النقود الحقيقية) إلى عملات مشفرة (أو العكس). ويمكن استخدامها أيضًا لإجراء عمليات تداول بين عملتين مشفرتين مختلفتين. في حين أن منصات تداول العملة المشفرة اللامركزية، لا تعمل كوسيط بين البائع والمشتري، وهي مكوّنة من برامج تسمى «عقود ذكية»، وتؤدي عمليات التبادل بمفهوم من نظير إلى نظير (peer to peer)، أي أنها لا تخزن أي عملات مشفرة لديها. وعلى عكس المنصات المركزية، لا تسمح بتبديل المال الحقيقي إلى عملات مشفرة، وإنما تجري فقط عمليات تبديل بين عملات مشفرة وأخرى. ويُنظر إلى هذه المنصات غالبًا على أنها بيئة «غير موثوقة»، كما أنها أصعب في الاستخدام بالنسبة للمستثمر العادي.

مع تفشي وباء كورونا حول العالم، وإجراءات الإغلاق التي فرضت، صرفت بعض الحكومات مبالغ مالية شهرية لإعانة المواطنين. خلقت المصارف المركزية هذا النقد من الهواء، فعلى سبيل المثال، خلق البنك الفيدرالي الأميركي 5 تريليون دولار خلال فترة الجائحة. وبسبب الإغلاقات وتوقف الاقتصادات، وجدت هذه الكتلة الهائلة من المال طريقها إلى الأسهم وعالم الكريبتو، بالتوازي مع الشهرة الكبيرة التي تلقتها عملة «دوج كوين» بسبب تغريد الملياردير المثير للجدل، إيلون ماسك، عنها. هنا، جن جنون الكوكب، وباتت آلاف العملات المشفرة تخلق كل يوم. أواخر عام 2021، تخطى حجم سوق العملات المشفرة ثلاثة تريليونات دولار، والجميع أراد المشاركة فيه خوفًا من ضياع فرصة أن يصبحوا أغنياء.

بدأت الجائحة تنحسر مع بداية 2022، ومع تبدد الغيوم، انفجر التضخم في الغرب بشكل كبير، بالتوازي مع ظهور بوادر أزمات طاقة وغذاء عالمية. في الأنظمة النيوليبرالية، تعالج الحكومات التضخم بالأدوات التقليدية، أي عبر رفع سعر الفائدة. حاول البنك الفيدرالي الأميركي طيلة العام الماضي، ولعدة مرات، تجفيف الكتلة النقدية للدولار عبر رفع سعر الفائدة، سعيًا إلى أن يضع المستثمرون أموالهم في المصارف كون الفائدة عليها باتت أعلى، وبالتالي، تسييل ما يملكونه من أسهم أو عملات مشفرة، بغية وضعها بشكل نقد حقيقي في المصارف. هنا، بدأ الانتفاخ الذي أصاب العملات المشفرة يضمحل شيئًا فشيئًا، واستقر حجم السوق الكلي للعملات المشفرة على نحو 855 مليار دولار حاليًا، أي تبخّر أكثر من تريليوني دولار.

يمكن القول إن توقيت دخول منصة FTX إلى سوق العملات المشفرة كان صائبًا. اشتهرت الشركة بشكل كبير تحديدًا فيما قدمته من خدمات تحليل للمؤشرات، لذا أحب المستثمرون FTX، وجرى تقديم مؤسسها، سام بنكمان فريد، على أنه الفتى المعجزة، خاصة وأن الشركة كانت تملك صندوق تحوط (Hedge Fund)، يدعى «ألميدا»، وكانت الأخيرة محرك السوق بالنسبة لـFTX. دعمت هذه المنصة أكثر من 300 عملة مشفرة، في حين أن عدد العملات المدعومة على «باينانس» أكثر من 600 عملة. وكلما ازداد عدد العملات المشفرة التي يمكن التداول بها على منصة ما، استطاعت تلك الأخيرة جذب عدد أكبر من المستثمرين. ومثلما أن لمنصة «باينانس» عملة مشفرة خاصة بها تدعى «BNB»، كان لدى FTX عملة خاصة بها أيضًا وتدعى FTT. كانت FTX غريمة «باينانس» إذا جاز التعبير، وأرادت الأخيرة شراءها أو دفنها.

في الثاني من تشرين الثاني الماضي، كشف موقع «كوين دسك» أنه حصل على أوراق مالية داخلية لـFTX، وتبين أن جزءًا كبيرًا من الأصول التي تملكها «ألميدا»، هي عبارة عن عملات FTT التي تنتجها FTX، ليتبين لاحقًا أن FTX دعمت «ألميدا» بهذه الطريقة بعد خسارة «ألميدا» للأموال مع انهيار عملة «تيرّا-لونا». بكلمات أخرى، موّلت شركة FTX خسائر شركتها الأخرى «ألميدا»، عبر طباعة عملة هي تمتلكها. يشبه الأمر قيام أحد المصارف المركزية بطباعة المزيد من عملة بلادها من أجل تمويل خسائره، دون وجود ما يقابلها من ذهب أو عملات صعبة.

ورغم ذلك، بقيت تلك المعلومات في خانة غير المؤكد، وحاول بنكمان فريد التخفيف من وقع ما حصل عبر تهدئة المستثمرين وطمأنتهم. كما أن «باينانس» كانت في طريقها إلى شراء FTX، وأرسى هذا الأمر نوعًا من الأمل لدى المستثمرين. ثم تفاجأ السوق بإعلان «باينانس» بأنها ستقوم بتصفية ما تملكه من عملات FTT، وما لبث أن دب الذعر بين حاملي هذه العملة، وهرع المستثمرون في كل أصقاع الكوكب إلى تسييل أموالهم خارج FTX. بالتالي، فقدت عملة FTT المشفرة 80% من قيمتها في ساعات قليلة، ليختفي بذلك أكثر من ملياري دولار في أقل من يوم.

حاول بنكمان فريد، مجددًا، التخفيف من حدة ما حصل، لكن المصائب كعادتها، لا تأتي فُرادى. إذ اكتشف المسؤولون التنفيذيون في «باينانس» (الذين اطلعوا على مالية FTX كونهم أرادوا شراء الشركة)، وجود فجوة مالية بين التزامات FTX والأصول التي يجب أن تملكها تصل إلى أكثر من ستة مليارات دولار. على إثر ذلك، انسحبت «باينانس» من الصفقة، وعمّت حالة من الهلع بين المستثمرين حول العالم. ليتبخّر نحو 240 مليار دولار من سوق الكريبتو خلال 48 ساعة. ومن ثم قدمت FTX طلبًا للإفلاس في الولايات المتحدة، وتلاشت ثروة مؤسسها من 26 مليار دولار إلى 100 ألف دولار بحسب موقع «أكسيوس».

وفي أحدث تبعات هذه الأزمة، قدمت شركة «BlockFi» طلبًا للإفلاس في الولايات المتحدة، وأشارت إلى ضياع 355 مليون دولار من أصولها في FTX. كما طلب بنك الإقراض الرقمي «Genesis» قرضًا بقيمة مليار دولار. وفي أول ظهور له بعد الانهيار، متحدثًا من جزر الباهاما، نفى بنكمان فريد، ارتكابه أي عملية احتيال، وقال إنه يأسف لعدم تمكن العديد من المستثمرين من سحب أموالهم من FTX. لكن عند سؤاله من قبل صحافي «نيويورك تايمز» عن شركة «ألميدا» كانت أجوبته غامضة. ووفقًا لدعوى قضائية قدّمت في وقت سابق من الشهر الماضي، تدين FTX حاليًا لأكبر 50 مقرضٍ لها بنحو 3.1 مليار دولار.

أتى رد واشنطن كما كان متوقعًا، إذ قال البيت الأبيض، عبر المتحدثة الرسمية باسمه، إن إدارة بايدن ستدفع وتضغط من أجل قوننة مجال العملات المشفرة بشكل يحمي المستثمرين. وبالتوازي، أعلن البنك الفيدرالي الأميركي، عن بدء تجريبي «لاختبار استخدام عدد من البنوك الكبرى لعملة الدولار الرقمية». وسيشارك في التجربة عدد من البنوك المركزية والبنوك التجارية و«البنوك غير المنظمة»، بما في ذلك «BNY Mellon» و«Citi» و«PNC Bank» و«Swift» و«TD Bank» و«Truist» و«US Bank». ووفقًا لبيان المجموعة المشاركة، سيستخدم الدولار الرقمي تقنية البلوكتشاين. وسيشمل المشروع إطارًا تنظيميًا يتماشى مع اللوائح الحالية مثل «اعرف عميلك» ومتطلبات مكافحة غسيل الأموال.

من غير الدقيق المقارنة بين بتكوين وبقية العملات المشفرة، التي هي في غالبيتها احتيالية. البتكوين عملة مشفرة لامركزية مماثلة في الكفاءة لخدمات المصرف عبر الإنترنت، ولا يستطيع أحدٌ في هذا العالم أن يطبع المزيد منها.

شهدت الأسابيع الأخيرة تطورات سريعة في قضية FTX، إذ كان من المقرر أن يشهد بنكمان فريد أمام لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب الأميركي في الـ13 من كانون الأول الماضي. لكن في الليلة التي سبقتها، تسرب مضمون بريد إلكتروني من بنكمان فريد إلى المدعي العام في الباهاما، يحاول فيه طمأنته بأن أموال مواطني الباهاما موجودة ويمكن لهم سحبها من الشركة. كان الأمر عبارة عن رشوة ليحمي نفسه داخل البلاد التي لجأ إليها. ثم، بعد حوالي أربع ساعات من تسريب الرسالة، اعتقلت السلطات المحلية في الباهاما بنكمان فريد، وجاء في بيان صادر عن حكومة جزر الباهاما أن بنكمان فريد اعتقل بعد أن وجه المدعون العامون في الولايات المتحدة اتهامات جنائية ضده. ليغرد بعدها المدعي العام الأمريكي للمنطقة الجنوبية لنيويورك، داميان ويليامز، حول اعتقال الملياردير السابق البالغ من العمر 30 عامًا في تغريدة من الحساب الرسمي لمكتبه. المضحك في الأمر أن بنكمان فريد كان يشارك وقتها في «سبايس» على منصة «تويتر»، وأعلم المستمعين أنه مضطر إلى المغادرة بسبب اجتماع. المهم، إن اعتقال بنكمان فريد، الذي صوّر للناس على أنه الفتى العبقري في عالم الكريبتو، أزاح ما كان سيُكشف في جلسة الاستماع في الكونغرس معه، من أنه موّل حملات انتخابية عابرة لكلا الحزبين في البلاد.

إذا ما أردنا جمع القيل والقال الذي انتشر على الإنترنت، نجد أن البعض اتهم مؤسس «باينانس» بذبح FTX، فيما رأى آخرون أنه سقوط مدبر لتوجيه الناس نحو عملات رقمية تصنعها البنوك المركزية (CBDC) تحت عنوان حماية المستثمر من اللاعبين السيئين. كما يقارن آخرون سقوط FTX بمصرف «ليمان براذرز»، الذي كان لإفلاسه غداة الأزمة المالية عام 2008 تداعيات على أسواق العالم بأسره. لكن، ماذا عن بتكوين؟ وماذا عن بقية منصات التداول والعملات المشفرة؟

لا شك أنه أمرٌ مؤلم أن يرى المستثمر العملات المشفرة التي كان موعودًا بها تبخرت، إلا أن الانهيار قد يكون أمرًا صحيًا. ففورة خلق عملات بديلة عن بتكوين (أو ما يعرف بـAltCoins اختصارًا لـAlternative to Bitcoin) يجب أن ينتهي. هذه العملات هي عملات مشفرة يتحكم بها مطورو البرامج التي صنعوها، ويوجد الآلاف منها، وهدفها، بالإضافة إلى تحقيق الثروة لمطوريها، هو صرف الناس عن العملة المشفرة الحقيقية الوحيدة؛ بتكوين. لا يمكن لمنصات التداول التي دخلت لعبة تمويل نفسها عبر خلق عملات مشفرة خاصة بها أن تستمر، ولن يكون هناك حكومات تنقذ تلك المنصات على غرار ما حصل مع المصارف عام 2008-2009 في الولايات المتحدة. والخوف كل الخوف، أن تتفشى الأزمة نحو العملات المشفرة المستقرة، على شاكلة «تيرا-لونا»، والتي تساوي كل عملة واحدة منها دولارًا واحدًا دون أن يقابله دولار حقيقي. لكن، ورغم ذلك كله، فالبعض يحب الرهانات والربح السريع، وسيبقى هناك عملات مشفرة تنتج كل يوم، وإن ليس بالوتيرة السابقة. غير أن المختلف هذه المرة هو أن الثقة اهتزت بالـ«AltCoins»، ولن يكون لانهيارها في المستقبل تداعيات على عدد كبير من الناس كالذي حصل خلال العام الماضي.

أخيرًا، من غير الدقيق المقارنة بين بتكوين وبقية العملات المشفرة، التي هي في غالبيتها احتيالية. البتكوين هي رؤية ساتوشي ناكاموتو لعملة مشفرة لامركزية مماثلة في الكفاءة لخدمات المصرف عبر الإنترنت، ولا يستطيع أحدٌ في هذا العالم أن يطبع المزيد منها. سيكون هناك 21 مليون عملة بتكوين فقط دائمًا، ومن هذه الندرة تأتي قيمتها. ما جرى مع FTX قد يحصل في المستقبل مع أي «لاعب سيء» آخر. وصحيح أن الخطر على بتكوين يأتي من أصحاب المحافظ الكبيرة، أو حيتان الكريبتو إن جاز التعبير، إذ لديهم إمكانية التلاعب بالسوق عن طريق شراء أو بيع كميات كبيرة من العملة المشفرة للتأثير على سعرها. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى عدم الاستقرار والتقلب في السوق، مما يمكن أن يصعّب على المستثمرين اتخاذ قرارات في ضوء الأحداث. لكن ذلك لن يكون له أي تأثير كبير على شبكة بتكوين نفسها. فحتى لو تدمرت أجهزة التعدين، نظريًا، ستبقى الشبكة إن بقي فيها كمبيوتر واحد يعمل.

اضف تعليق