q
بعد أشهر من الانتظار والتصويب على أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية، أطلق الملياردير والرئيس التنفيذي لشركات «تسلا» و«سبايس إكس» وغيرهما مشروعاً جديداً في هذا المجال. تهدف الشركة الوليدة إلى بناء ذكاء اصطناعي لن يكون مدرباً على القيم الليبرالية ويسعى إلى «فهم الكون» من خلال فريق يتألّف من مهندسين سابقين من شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى مثل «غوغل» و«مايكروسوفت»...

بعد أشهر من الانتظار والتصويب على أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية، أطلق الملياردير والرئيس التنفيذي لشركات «تسلا» و«سبايس إكس» وغيرهما مشروعاً جديداً في هذا المجال. تهدف الشركة الوليدة إلى بناء ذكاء اصطناعي لن يكون مدرباً على القيم الليبرالية ويسعى إلى «فهم الكون» من خلال فريق يتألّف من مهندسين سابقين من شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى مثل «غوغل» و«مايكروسوفت». وهكذا، يدخل الـ AI فعلياً عالم السياسة والخصومة الثقافية والأيديولوجية.

أعلن إيلون ماسك، أول من أمس الأربعاء، إطلاق شركة X.AI المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي، التي تهدف إلى مساعدة البشر في فهم «الطبيعة الحقيقية للكون». في التوقيت، يعيد هذا الإطلاق بعضاً من ماء الوجه لمالك تويتر، الذي آلمه إطلاق منصة «ثريدز» المنافسة من «ميتا» في الأسبوع الماضي. وهو إعلان يكشف الهدف الحقيقي من محاولة الملياردير إيقاف صناعة الذكاء الاصطناعي لمدة ستة أشهر سابقاً، بحجة الخوف من انفلات تلك الأنظمة من سيطرة البشر. لكن فعلياً أراد الرجل جزءاً من الكعكة.

منذ إطلاق ChatGPT في أواخر العام الماضي من قبل شركة OpenAI، جُنّ جنون الكوكب دهشةً وإثارة، ما عدا ملياردير جنوب أفريقي، بدا كأنّه مطعون في ظهره، ولم يترك فرصة إلا وحاول إظهار عيوب هذه الأنظمة، محذّراً من «أبوكاليبس» قادم. مشكلة ماسك أنّه كان مساهماً في تكوين OpenAI التي رصد لها مبلغ 100 مليون دولار عند تأسيسها عام 2015. إلا أنّه ما لبث أن انفصل عنها عام 2018 بسبب «اختلاف في وجهات النظر والمصالح». وعند إطلاق الشركة منتجها ChatGPT في ظلّ زخم أحاط هذه الصناعة، شعر ماسك بالإرباك وأراد أن يكون جزءاً منها.

هجومه حصل على جبهات عدّة. أوّلاً، عاب ماسك قِيم ChatGPT الليبرالية، معتبراً أنّه ذكاء اصطناعي يساري ليبرالي تم تدريبه على ثقافة اليقظة (wokeness) التي يصدّرها الجناح التقدّمي في الحزب الديموقراطي الأميركي، علماً أنّ التعليقات المهلّلة لفكرة أنّ X.AI هو ذكاء اصطناعي في مواجهة القيم الليبرالية لم تهدأ منذ الأمس. حتى إنّ ماسك شارك فيها! وفي مقابلة له مع شبكة «فوكس نيوز»، صرّح ماسك بأنّه بينما يركز ChatGPT و«بارد» على الصوابيّة السياسية، فإنّه شخصياً سيبني «ذكاءً اصطناعياً يبحث عن الحقيقة». والجدير ذكره هنا أنّ قلق إيلون ماسك من اليقظة أعمق من كونها مسألة ثقافية. هو يعتبر أنّ «تدريب الذكاء الاصطناعي على أن يكون مخادعاً، أمر بإمكانه تدمير الحضارة». ثانياً، أثار مخاوف تُعدّ منطقية لكن بشكل بدا كأنّ الآلة على وشك السيطرة على البشر. ثالثاً، اعتبر أنّ هناك حاجة لذكاء اصطناعي مغاير في الشكل والأهداف عن ChatGPT، ومن خارج سباق المنافسة بين الشركات الكبرى. فكان X.AI. والهدف منه أن يصبح TruthGPT، نموذج ذكاء اصطناعي عام (Artificial General Intelligence) يتحدّث بناءً على الحقائق ويتجنّب التحيّزات السياسية.

في سبيل هذه الغاية، وظّف إيلون مهندسين من ذوي الخبرة في أفضل شركات التكنولوجيا، بما في ذلك OpenAI و«غوغل سيرتش» و«مايكروسوفت» و«تسلا» و«جامعة تورونتو». كما جلب دان هندريكس، وهو باحث يقود حالياً «مركز أمان الذكاء الاصطناعي»، وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى «تقليل المخاطر المجتمعية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي».

في هذا الصدد، يقول بعض المعلقين إنّه سيتمّ تدريب X.AI على محتوى التغريدات من تويتر وبيانات من «تسلا». هنا، نذكر أنّ ماسك أوقف دخول OpenAI إلى محتوى تويتر منذ أشهر، بعد علمه بأنّ الشركة درّبت ChatGPT على كل محتوى تويتر حتى عام 2021. أما بخصوص «تسلا»، فقد صرّح ماسك غير مرّة، بأنّها عملياً شركة برمجيات أكثر من شركة سيارات كهربائية، إذ إنّ كمية البيانات التي تأخذها سيارات «تسلا» من المستخدمين هائلة، والشركة استعملت تلك البيانات لتدريب أنظمة السيارات على التعامل مع السائقين. لكن عملياً، محتوى بيانات تويتر هو منجم بيانات لا ينضب، ومن أفضل الطرق لتدريب ذكاء اصطناعي على كيفية المحادثة مع البشر. كذلك، من الممكن أن يدمج إيلون ماسك X.AI بـ«تسلا» وتويتر، وربّما حتى «سبايس إكس» أو في «نيورالينك». وهذه الأخيرة شركة أسّسها ماسك وتحاول وضع شرائح إلكترونية في الأدمغة البشرية تسمح لها بالتحكّم بالحواسيب بمجرد التفكير، لتدمج في نهاية المطاف، حسب قوله، الإنسان بالذكاء الاصطناعي من أجل «حماية البشر منه». عملياً، يقدّم ماسك المشكلة والحلّ. عقل رقمي واحد يعمل في شركاته المتعدّدة.

على الهامش، إيلون ماسك مولع بالحرف X. فأوّل شركة ناشئة له كان اسمها كذلك قبل تحويلها إلى PayPal. كما أنّ شركة تويتر باتت جزءاً من شركة أشمل تدعى Xcorp، حتى إنّه يمتلك موقع x.com ولديه ابن اسمه X Æ A-12. فعلاً!

بالعودة إلى X.AI، أوضح إيلون ماسك عبر تويتر أنّ هذا الذكاء الاصطناعي هدفه «فهم الواقع». وأعلن موقع الشركة عقد جلسة أسئلة وأجوبة اليوم الجمعة، عبر تويتر، لمناقشة أهدافها وتفاصيل مرتبطة بها. وكان الملياردير قد أقرّ قبل أشهر عدّة بأنّه اشترى كمية كبيرة من بطاقات الرسوم GPU الضرورية لابتكار برامج الذكاء الاصطناعي، من دون أن يوضح ماذا ينوي أن يفعل بها. ويقول مسؤولون من الشركة عبر الموقع: «نحن شركة منفصلة عن «إكس كورب» التي تدير تويتر، لكنّنا سنعمل عن كثب مع «إكس كورب» و«تسلا» وشركات أخرى لإحراز تقدّم في عملنا».

أخيراً، من الناحية الاستراتيجية، لدى ماسك أفضلية في هذا القطاع كونه يملك تويتر و«تسلا» و«نيورالينك». حتى إنّه هو نفسه عبارة عن آلة دعاية متنقلة. مع ذلك، المنافسة في عالم التكنولوجيا لا ترحم، ولكي يبرز X.AI بحقّ، عليه أن يعيد خلق لحظة الدهشة الحقيقية التي واكبت كشف النقاب عن ChatGPT.

اضف تعليق