إن الأزمات الاقتصادية خلال ازمة كورونا قد دفعت حكومات بعض الدول التي تعاني حاليا من مشكلات مالية، اللجوء إلى صناديق الثروة السيادية التابعة لها لسد عجز التدفقات النقدية ودعم اقتصادها المحلي، وقد اشارت تقارير اقتصادية الى ان هذه الصناديق حول العالم قد تشهد تغييرات عميقة...
اسهمت الصناديق السيادية التي تملكها العديد من الدول، وخلال الفترة الماضية التي شهدت اضرار وخسائر الاقتصادية كبيرة بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد وهبوط اسعار النفط في الاسواق العالمي، في انقاذ بعض الدول من ازمات ومشكلات مالية واقتصادية كبيرة. وصناديق الثروة السيادية كما نقلت بعض المصادر، هي صناديق استثمارية مملوك من قبل دولة يتكون من أصول مثل الأراضي، أو الأسهم، أو السندات أو أجهزة استثمارية أخرى. من الممكن وصف هذه الصناديق ككيانات تدير فوائض دولة من أجل الاستثمار. هي مجموعة من الأموال تعد بمليارات الدولارات تستثمرها الدول في الأسهم والسندات.
وقال تقرير حديث إن الأزمات الاقتصادية خلال ازمة كورونا قد دفعت حكومات بعض الدول التي تعاني حاليا من مشكلات مالية، اللجوء إلى صناديق الثروة السيادية التابعة لها لسد عجز التدفقات النقدية ودعم اقتصادها المحلي. وأشار تقرير لأكاديميين بجامعتي بوكوني ونيويورك وكلية لندن للاقتصاد، ان هذه الصناديق حول العالم قد تشهد تغييرات عميقة، حيث تواجه الاقتصادات المعتمدة على النفط أشد صدمة في تاريخها، إذ تشهد أكبر انخفاض في الطلب منذ زمن بعيد، وهو ما يعصف بإيرادات تلك الدول، وفي الوقت نفسه، تجبرها جائحة «كوفيد-19» على تكثيف برامج التحفيز المالي.
ونتيجة لذلك، اتجهت صناديق الثروة في الدول الغنية بالنفط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لبيع نحو 225 مليار دولار من حيازاتها في أسواق الأسهم، وفق تقديرات محللي جي بي مورجان، والتي نشرت في وقت سابق من العام الماضي، فيما توقع معهد التمويل الدولي أن تفقد الصناديق السيادية الخليجية نحو 80 مليار دولار من حيازاتها بسبب الجائحة، واضاف التقرير، ان الكثير من الأموال ستخرج من الصناديق، حيث شهدت الصناديق السيادية في النرويج وإيران والكويت ونيجيريا عمليات سحب لتمويل الحكومات، بينما أنفقت حكومات سنغافورة وماليزيا وتركيا من أصول صناديقها السيادية لإنقاذ الشركات المحلية المتعثرة بسبب الجائحة.
وبينما سيبقى هناك بعض اللاعبين الأقوياء بين الصناديق السيادية، فإن الوباء والانكماش الاقتصادي يشكلان تحديا جوهريا لتلك الصناديق. ويقول التقرير إن التغييرات الجذرية التي تحدثها الأزمات الحالية لن يسلم منها بلد أو صندوق سيادي. وسيدفع ذلك المستثمرين السياديين جميعا إلى إعادة تقييم استراتيجيتهم الاستثمارية، إذ ينبغي أن تدخل التزامات القطاع العام في الدولة ضمن حسابات صندوقها السيادي. واشار التقرير، قد تكون صناديق الثروة السيادية «أكثر فعالية» بعد الجائحة، لكن أقل تركيزا على الربحية، حيث تركز على الاستثمارات المحلية بدلا من البحث عن العائدات في الخارج، ويعني هذا أن تلك الصناديق، التي تمتلك مجتمعة أصولا تزيد قيمتها عن 6 تريليونات دولار، ستخسر عوائدها المالية لأنها «ستركز على التأثير الاقتصادي والاجتماعي الأوسع»،
أوقات عصيبة
في الوقت الذي تتعامل فيه مع أزمة فيروس كورونا وانهيار في أسعار السلع الأساسية، تلجأ دول لصناديق الثروة السيادية لتدبير أكثر من 100 مليار دولار، وهو رقم مرشح للزيادة في ظل تنامي ضغوط الميزانية لدى بعض الاقتصادات الناشئة. وتعكف حكومات من أنجولا إلى تيمور الشرقية على بناء مدخرات للأوقات العصيبة للمساعدة في تحقيق الاستقرار لاقتصاداتها ودعم مواطنيها في حال حدوث صدمات. وتبلغ قيمة بعض الصناديق، وخصوصا تلك المستمدة من ثروات السلع الأساسية، أضعاف الناتج الاقتصادي.
وقالت مؤسسة صناديق الثروة السيادية العالمية إن من المرجح أن تستنزف الضربة المزدوجة الناتجة عن انهيار أسعار السلع الأساسية والجائحة، التي أوقفت معظم النشاط الاقتصادي لشهور، صناديق الاستقرار في دول مثل بيرو وكولومبيا. وأضافت أنه يجري على الأرجح إنفاق مبالغ كبيرة من صناديق مماثلة في غانا ونيجيريا، في حين أدت 24 عملية سحب قيمتها الاجمالية حوالي 137 مليار دولار إلى خفض كبير للمدخرات أو صناديق للتنمية في البحرين والكويت وإيران وأنجولا.
ولا يزال ذلك ضئيلا إلى حد ما مقارنة بإجمالي أصول بنحو تسعة تريليونات دولار تجري إدارتها في مختلف الصناديق. وتفضل بعض الحكومات خفض الإنفاق عن اللجوء إلى صناديقها السيادية ولا تتمكن حكومات أخرى من فعل ذلك بسبب قواعد تنظيمية. لكن حجم الأزمة يعني أن من المرجح أن يكون هناك ضغط من أجل المزيد من السحب، حتى مع تنامي التساؤلات حول كيفية وتوقيت إعادة ملء مثل تلك الصناديق.
وقال آندرو باور المستشار لدى معهد إدارة الموارد الطبيعية “حيز الأموال العامة آخذ في النفاد في بعض الدول، لا سيما الأسواق الناشئة الغنية بالنفط والمعادن والدول منخفضة الدخل. “حيز الأموال العامة ينفد في منغوليا وغانا... لذا في بلدان مثل تلك، لا يوجد فعلا شيء آخر يمكنهم السحب منه”. وقال سيتي في مذكرة بحثية مؤخرا إن منغوليا لديها فجوة تمويلية خارجية حجمها 840 مليون دولار هذا العام، في حين تتوقع غانا عجزا في الميزانية 11.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقال باور إنه في الوقت الذي لا تجني فيه بعض الصناديق السيادية من استثماراتها سوى عوائد في خانة الآحاد، فإنه قد يكون من المنطقي أكثر بالنسبة للحكومات التي تواجه تكاليف اقتراض مرتفعة أن تعتمد على مدخراتها بدلا من جمع ديون.
أما الحكومات الأعلى تصنيفا مثل قطر، التي باعت سندات بعشرة مليارات دولار في ذرة الجائحة في أبريل نيسان ويبلغ حجم صندوق الثروة السيادية لديها 300 مليار دولار، فإن حاجتها للسحب من صناديق الثروة السيادية أقل. والأوضاع المالية في النرويج وسنغافورة آمنة على الرغم من خطط لسحب ما مجموعه 73 مليار دولار تقريبا من اثنين من صناديقهما، وهو ما يمثل نسبتين مئويتين في خانة الآحاد من إجمالي أصولهما.
وقال رود رينجرو رئيس قطاع المؤسسات الرسمية لدى إنفيسكو لإدارة الأصول “دخل عدد من الصناديق السيادية العام وهو لديه مصدات، في ضوء ما كان يعتبر آنذاك أسواق أسهم تبدو باهظة التكلفة، لذا فقد كانت لديها مصادر سائلة لتلبية طلبات عاجلة للتمويل من حكومة كل منها”. وأشارت روسيا إلى أنها قد تسحب ما يصل إلى الثلث من صندوقها الوطني للثروة البالغ 130 مليار دولار هذا العام، في حين عمدت قازاخستان، وهي مصًدر كبير آخر للنفط، إلى تسييل أصول بقيمة 1.1 مليار دولار من صندوقها البالغ حجمه 60 مليار دولار. ولا تنشر صناديق أخرى، مثل هيئة الاستثمار في بروناي ومؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية وجهاز أبوظبي للاستثمار، بيانات السحب.
وقال باور إن بعض الدول لم يعد في صناديقها السيادية سوى القليل جدا بعد أن أفرطت في الاقتراض منها، مشيرا إلى الجزائر ونيجيريا وفنزويلا. ولا تلجأ جميع الحكومات للسحب، حتى مع تعرض المالية العامة للضغط. فقد توقفت الكويت، التي قلصت ثلاثة مليارات دولار من ميزانيتها الأسبوع الماضي، عن السحب من صندوق الأجيال القادمة البالغ حجمه 530 مليار دولار بسبب قيود قانونية.
وقال المدير بمؤسسة صناديق الثروة السيادية العالمية دييجو لوبيز إنه في الوقت نفسه، تكون عمليات السحب محدودة بالقدر الذي يحقق الاستقرار لبعض الصناديق، مثل هيئة الاستثمار السيادي في نيجيريا التي لا تزال مدخراتها وصناديقها للبنية التحتية تتلقى مدفوعات. وأشار إلى أن غانا استخدمت أموالا من صندوقها البترولي لكنها أبقت على صندوقها للأجيال القادمة كما هو. وقال باور إن غانا ونيجيريا يمكنهما سحب المزيد باستخدام “الشروط الواقية” لمواصلة الإنفاق أو الحد من تراكم الديون، أو من خلال تعديل قواعد الصندوق.
ومن الأسئلة الملحة، كيف ستجري إعادة ملء الصناديق، لاسيما مع استمرار الاحتياجات الحالية إليها. وقال رينجرو إنه قد تكون هناك ضرورة لتغييرات تشريعية في بعض البلدان إذا تباطأت أو تقلصت التدفقات المرصودة للصناديق السيادية لما يتجاوز الأجل القصير. وقال رينجرو “اللعبة تغيرت الآن للجميع، لكن بالتركيز على الصناديق، فمن المبكر جدا التكهن بما إذا كان ذلك تحولا انتقاليا أم سيدوم لفترة أطول”. بحسب رويترز.
وقالت داناي كيرياكوبولو كبيرة الاقتصاديين بمنتدى المؤسسات النقدية والمالية الرسمية، وهو مؤسسة بحثية، إن الاستخدام الحالي والمستقبلي يعتمد بشكل كبير على نظرة الدول لصناديقها السيادية، فالقليل منها هو من لديه تاريخ طويل. وأضافت قائلة “هي من ناحية صناديق للأجيال القادمة، لذا فإنها يجري ادخارها للمستقبل من أجل الحفاظ على تلك الثروة. “لكن من الناحية الأخرى، فهي صناديق للأوقات العصيبة، وإذا لم تستخدمها الآن وأنت تواجه عاصفة، فمتى ستستخدمها؟”
توقعات واستنتاجات
من جانب اخر يتوقع أكثر من نصف صناديق الثروة السيادية المشاركة في مسح جديد أن يستغرق تعافي الاقتصاد العالمي من أزمة كوفيد-19 أكثر من ربعي سنة، ورجحت أن تكون الأسواق المتقدمة في وضع أفضل للتعافي. وتوقع 58.3 بالمئة من المشاركين في مسح المنتدي الدولي لصناديق الثروة السيادية وإنفسكو تعافيا على شكل حرف U، إذ بدا أن الأغلبية اتفقت على أنه ستأتي فترة أطول من النمو الأبطأ، مما يبرز مدى الضبابية التي تكتنف عوامل مثل موجات جديدة من الإصابات وحزم دعم حكومية.
وقال ما مجموعه 29.2 بالمئة من المشاركين إنهم يتوقعون تعافيا على شكل حرف W، وهو ما يشير إلى نزول مزدوج في النمو. وتوقعت نسبة 8.3 بالمئة فقط تعافيا على شكل حرف V، والذي يشير إلى تراجع في النمو متبوع بتعاف على نفس القدر من الحدة. ويعتقد أكثر من 60 بالمئة من المشاركين أن الأسواق المتقدمة في وضع أفضل للعودة لنمو بوتيرة ما قبل كوفيد-19 بعد الركود الناجم عن الجائحة. وتوقع أقل من النصف أن تكون وتيرة التعافي في الأسواق الناشئة أفضل.
وأيد المشاركون أن اقتصاد الصين في أفضل وضع للتعافي بين الاقتصادات الكبرى. وقال المنتدى وإنفسكو إن ذلك ربما يعكس توقعا بأن الصين أول من عانت من الجائحة وتعاملت معها على نحو أفضل بشكل عام، لذا فإن اقتصادها قد يكون أكثر استجابة لجهود التحفيز الحكومية. وتوقع نحو ثلث المشاركين أن يرفع اليوان الصيني حصته من احتياطيات النقد الأجنبي الرسمية العالمية/ وكذلك حصته في نشاط التجارة.
وتشعر نسبة 86 بالمئة من المشاركين في المسح أن الصين ستواصل فتح اقتصادها وإتاحة حرية أكبر للتجارة وفرص الاستثمار. لكن مستثمري الصناديق السيادية ظلوا على ثقتهم في الأصول بالدولار الأمريكي، إذ اتفق 71 بالمئة على أن الدولار يوفر أكثر الوجهات جذبا للاستثمار في الأسهم، ويعتقد 58 بالمئة أن السندات المقومة بالدولار ستكون أفضل أوراق الدين أداء.
الى جانب ذلك قال مسؤول بصندوق النقد الدولي إن صناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط يجب استخدامها لدعم النمو، إذ تعاني اقتصادات المنطقة من جائحة فيروس كورونا وأضرار شديدة ناتجة عن تهاوي أسعار النفط. وبحسب صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يشهد مصدرو النفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تراجعا في إيرادات تصدير النفط هذا العام بقيمة 226 مليار دولار.
وسيضغط هذا على الأرجح على ميزانياتهم، وهو ما يزيد العجز في الميزانية ومن المحتمل أن يحد من قدرة الحكومات على دعم النمو الاقتصادي. وبالنسبة لمصدري النفط الخليجيين، فهذه معضلة، إذ أن الإنفاق الحكومي محرك رئيسي لخطط التحول الاقتصادي التي أطلقت خلال السنوات القليلة الماضية لتنويع اقتصاداتهم بعيدا عن النفط. وقال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد، إن مصدري النفط في حاجة إلى إيجاد مجالات جديدة للنمو في ظل التباطؤ الحالي الناجم عن الهبوط الحاد في أسعار النفط وتفشي فيروس كورونا المستجد.
ودعا إلى تسريع الإصلاحات الرامية إلى تنويع الاقتصادات بالمنطقة. وقال ”هناك أعداد من المحظورات التي عاشت معنا لبعض الوقت، منها أن الاقتصادات المصدرة للنفط على سبيل المثال عليها أن تسير في دورات، وهذا شيء بإمكاننا كسره... أو أن الأدوات لا يمكن إعادة توجيهها وأن صناديق الثروة السيادية لا يمكن إعادة توجيهها لمساعدة الاقتصاد على النمو“.
أكبر صندوق سيادي
على صعيد متصل قال صندوق الثروة السيادي النرويجي، الأضخم في العالم وكما نقلت بعض المصادر، في إعلانه عن نتائج أعماله للعام بالكامل إنه حقق عائدا على الاستثمار بلغ 10.9 بالمئة في 2020 أو ما يعادل 1.07 تريليون كرونة نرويجية (122.7 مليار دولار). وقال أويستاين أولسن محافظ البنك المركزي النرويجي البالغ حجمه 1.3 مليار دولار في بيان "على الرغم من أن الجائحة أضفت بصمتها على 2020، فإنه كان عاما جيدا آخر للصندوق". وتدير وحدة من البنك المركزي الصندوق. وأضاف أولسن "لكن العائد المرتفع يذكرنا أيضا بأن القيمة السوقية للصندوق ربما تختلف كثيرا في المستقبل".
كما اشترى الصندوق السيادي النرويجي، البالغ قيمته 1.3 تريليون دولار، أسهماً في شركة “كيو إل إم” للتأمين، وهي أول شركة قطرية تُدرج في سوق الأسهم المحلية منذ عام 2019. فوفقاً لبيانات البورصة القطرية، اشترى البنك المركزي النرويجي، الذي يشرف على أكبر صندوق سيادي في العالم، حصة تناهز 5% من أسهم الشركة القطرية لتأمينات الحياة والتأمين الصحي في يناير، بما يعادل 17 مليون دولار بحسب القيمة السوقية الحالية لأسهم الشركة. وبهذا، أصبح المساهمون الأجانب يحوزون على 11.5% من “كيو إل إم” للتأمين.
وارتفع سهم الشركة بنسبة 22% خلال أقل من شهر من التداول بعد الطرح العام الأولي. وتُعدُّ قطر من بين دول الشرق الأوسط المستقطبة لاستثمارات الصندوق النرويجي، حيث زادت حيازاته بشكل ملحوظ قبل عام 2019، وهو العام الأخير الذي تتوفر عنه بيانات، والتي تشير إلى أن الصندوق لديه أسهم في شركات قطرية مدرجة بالبورصة بقيمة 84 مليون دولار تقريباً، بما في ذلك حوالي 35 مليون دولار في أسهم بنك قطر الوطني، أكبر بنك في الشرق الأوسط. وتجدر الإشارة إلى أن صندوق معاشات التقاعد الحكومي القطري هو مستثمر رئيسي في “كيو إل ام”. واقتصر شراء الأسهم عند طرحها للاكتتاب العام على المواطنين القطريين أو الشركات الاستثمارية المؤسسة في الدولة.
اضف تعليق