منذ ثورة يناير 2011 التي اطاحت بالرئيس محمد حسني مبارك، وما أعقبها من تطورات وازمات سياسية في مصر، عانى الاقتصاد المصري من مشكلات كبيرة أسهمت وبحسب بعض المصادر، بانهيار قطاع السياحة وتوقف سوق العقارات، وإحجام الاستثمار الأجنبي عن الدخول في السوق المصرية نتيجة لتضارب الوضع الاقتصادي وهو ما اثر بشكل سلبي على حياة المواطن الفقير، خصوصا بعد ان سعت الحكومة المصرية الحالية الى تنفيذ سلسلة إجراءات شديدة القسوة لاجل اصلاح الواقع الحالي، حيث عمدت الى رفع الدعم جزئياً عن الوقود، وتعويم الجنيه المصري أمام الدولار، وهو ما اسهم بحدوث حالة من الاحتقان في الشارع المصري، الذي اصبح اليوم رهينة بيد البنك الدولي والمؤسسات المالية الاخرى، من جانب اخر يرى بعض الخبراء ان ما تعاني منه مصر وهو امر طبيعي بسبب تفاقم الأزمات والمشكلات الداخلية والخارجية، لذا فان تحركات الحكومة المصرية وخططها الحالية وعلى الرغم من قساوتها، تعد تحركات مهمة وضرورية لاجل انقاذ البلاد التي ستشهد في السنوات المقبلة تطور كبير ستسهم في تقوية الاقتصاد المصري.
وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف قال صندوق النقد الدولي في بيان إن مصر توصلت إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع الصندوق بشأن دفعة تبلغ قيمتها حوالي ملياري دولار ضمن برنامج قرض بقيمة 12 مليار دولار على ثلاث سنوات. وستصل الدفعة الجديدة بإجمالي المبالغ المنصرفة في إطار البرنامج إلى نحو ستة مليارات دولار. ويخضع صرف الدفعة الجديدة لموافقة المجلس التنفيذي للصندوق.
وتمضي مصر قدما في تنفيذ حزمة إصلاحات اقتصادية طموحة في إطار اتفاق القرض. وفي إطار المراجعة الثانية قال الصندوق إن الإصلاحات الواسعة التي تضمنت تحرير سعر صرف الجنيه المصري ”بدأت تؤتي ثمارها المرجوة من حيث استقرار الاقتصاد الكلي وعودة الثقة“. وقال الصندوق في البيان ”بينما تطلبت عملية الإصلاح بعض التضحيات على المدى القصير، فإن اغتنام الفرصة السانحة لتحويل مصر إلى اقتصاد ديناميكي حديث وسريع النمو سيؤدي إلى تحسين مستويات المعيشة وزيادة الرخاء“.
وأشار صندوق النقد إلى أن معدل النمو في السنة المالية 2016-2017 بلغ 4.2 بالمئة مقارنة مع نمو متوقع نسبته 3.5 بالمئة، بينما تقلص عجز ميزان المعاملات الجارية بالدولار الأمريكي وزادت استثمارات المحافظ والاستثمار الأجنبي المباشر. والآفاق الاقتصادية مهمة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي يتوجب عليه أن يوازن بين الإجراءات التقشفية المرتبطة بالاتفاق مع صندوق النقد لإصلاح الاقتصاد المصري والحد من تأثيرها على المصريين الأكثر فقرا في وقت من المحتمل أن يترشح فيه لفترة رئاسية جديدة في الانتخابات التي تجرى العام القادم.
الجنيه المصري
من جانب اخر يقول خبراء اقتصاديون إن مصر في حاجة إلى تدفقات قوية من الاستثمار الأجنبي المباشر وزيادة الصادرات وعودة السياحة لتقوية عملتها، لكن ارتفاع قيمة الجنيه بشكل تدريجي ومستدام أمر ضروري. وبعد عام من تعويمه ما زال الجنيه فاقدا نصف قيمته، على الرغم من قفزة في الاحتياطيات الأجنبية وتوقعات إيجابية من صندوق النقد الدولي الذي وافق على إقراض مصر 12 مليار دولار بعد قرار التعويم بوقت قصير.
وألغى البنك المركزي ربط العملة عند 8.8 جنيه مقابل الدولار في الثالث من نوفمبر تشرين الثاني العام الماضي، آملا في عودة العملة الأجنبية إلى النظام المصرفي الرسمي بعد شح نتج عن سوق سوداء متضخمة. ويجري تداول الجنيه حاليا عند حوالي 17.6 مقابل الدولار، ارتفاعا من 20 جنيها تقريبا بعد التعويم مباشرة. وقالت رضوى السويفي رئيسة البحوث لدى فاروس القابضة للأوراق المالية ”كان هناك طلب كبير متراكم على الدولارات لبعض الوقت، ومؤخرا فقط، أستطيع أن أقول قبل ثلاثة إلى خمسة أشهر، بدأت أرى توازنا بين العرض والطلب“.
وارتفعت الاحتياطيات الأجنبية إلى أكثر من 36 مليار دولار في يوليو تموز، مسجلة أعلى مستوياتها منذ انتفاضة 2011 التي أبعدت المستثمرين الأجانب والسياح، ونحو مثلي مستواها في أواخر 2016. وشكلت الزيادة الكبيرة في شراء أدوات الدين المحلي نظرا لارتفاع أسعار الفائدة، بالإضافة إلى المنح والقروض، جزءا كبيرا من القفزة التي شهدتها الاحتياطيات، على النقيض من الاستثمار الأجنبي المباشر أو الصادرات أو السياحة.
وقال هاني فرحات كبير الخبراء الاقتصاديين لدى سي.آي كابيتال إن ارتفاعا تدريجيا لقيمة الجنيه ضروري أيضا لضمان استدامة عودة العملة الأجنبية إلى القنوات الرسمية. وتابع قائلا ”تلقى النظام المصرفي الرسمي ما يزيد عن 30 مليار دولار منذ التعويم. وأيضا فإن الجنيه عند أقل من قيمته الحقيقية هو المحفز الطبيعي للاقتصاد في الفترة التي تلت التعويم“. وساهم انخفاض قيمة الجنيه بعد تعويمه في تعزيز الصادرات المصرية، وهو أدى إلى انخفاض العجز في الميزان التجاري لبلد يعتمد على الواردات، بنسبة 37 بالمئة وسط قيود أكثر صرامة على الاستيراد، لكن ضعف التصنيع يعني أن الصادرات غير الزراعية لا تزال منخفضة. بحسب رويترز.
وقال خبراء اقتصاديون إن ارتفاعا مفاجئا وقصير الأمد في قيمة الجنيه قد يدفع الاستثمار الأجنبي للخروج من أدوات الدين المحلي. وتوقعوا ارتفاع قيمة العملة المصرية في العام القادم مع عودة السياحة، التي بدأت تظهر علامات على التعافي، وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر الذي تعمل الحكومة على تشجيعه من خلال قانون جديد يهدف إلى إجتذاب المستثمرين للعودة إلى مصر.
100 مليار جنيه
من جانب اخر قالت ثلاثة مصادر حكومية مطلعة إن الحكومة المصرية تسعى لموافقة مجلس النواب على مشروع قانون الحساب الختامي لموازنة 2016-2017 والذي يتضمن الموافقة على اعتماد إضافي للمصروفات بالموازنة بأكثر من 100 مليار جنيه (5.65 مليار دولار) بعد تحرير سعر الصرف. وكانت الحكومة تستهدف وصول المصروفات إلى نحو 974.794 مليار جنيه في السنة المالية الماضية 2016-2017 قبل أن ترفعها في مارس آذار إلى 994.906 مليار جنيه. وتبدأ السنة المالية المصرية في الأول من يوليو تموز وتنتهي في 30 يونيو حزيران.
وقال أحد المصادر، وهو مسؤول حكومي رفيع المستوى، طالبا عدم نشر اسمه ”الحكومة طلبت موافقة مجلس النواب على اعتماد إضافي بأكثر من 100 مليار جنيه بسبب زيادة المصروفات نتيجة ارتفاع تكلفة دعم المواد البترولية وشراء القمح ومصروفات الفوائد بالموازنة... المصروفات ارتفعت عما كان مقدر لها بسبب تحرير سعر الصرف“.
وكان وزير البترول المصري طارق الملا قال في أغسطس آب إن تكلفة دعم المواد البترولية في البلاد قفزت إلى نحو 120 مليار جنيه في 2016-2017. وكان دعم الوقود في 2015-2016 بلغ 51 مليار جنيه. وقال وزير المالية المصري عمرو الجارحي في أكتوبر تشرين الأول إن موازنة السنة المالية الحالية 2017-2018 التي بدأت في الأول من يوليو تموز ستتأثر برفع أسعار الفائدة. بحسب رويترز.
وقال مصدر ثان إن تحرير سعر الصرف كان له آثار إيجابية وظهر ذلك بوضوح في ارتفاع ”الإيرادات الضريبية وخاصة من قطاع البترول وزيادة إيرادات قناة السويس عما كان مستهدفا فى موازنة السنة المالية الماضية“. وتنفذ الحكومة المصرية إصلاحات اقتصادية منذ نهاية 2015 سعيا لإنعاش الاقتصاد شملت زيادة أسعار الطاقة والدواء وتحرير سعر الصرف وإقرار قوانين جديدة للاستثمار والخدمة المدنية وتعديلات على قانون ضريبة الدخل وإقرار قانون ضريبة القيمة المضافة والموافقة مبدئيا على قانون الإفلاس.
سندات دولية
في السياق ذاته قال مصدران مطلعان في وزارة المالية المصرية إن الوزارة طلبت من مجلس الوزراء المصري الموافقة على طرح سندات دولارية بقيمة تدور بين أربعة وثمانية مليارات دولار في 2018. وأضاف أحد المصدرين “طلبنا من مجلس الوزراء المصري الموافقة على طرح سندات دولارية بقيمة تتراوح بين 4 و8 مليارات دولار في 2018. ”كما طلبنا الموافقة على طرح سندات باليورو بقيمة تتراوح بين مليار وملياري يورو قبل نهاية 2017“.
وباعت مصر في يناير كانون الثاني سندات دولية بأربعة مليارات دولار على ثلاث شرائح. وفي أبريل نيسان وافقت الحكومة على زيادة سقف إصدار السندات الدولية ليصل إلى سبعة مليارات دولار. وباعت مصر ما قيمته ثلاثة مليارات دولار أخرى في مايو أيار الماضي. وكانت مصر باعت سندات دولية بقيمة 1.5 مليار دولار في يونيو حزيران 2015 وذلك للمرة الأولى منذ انتفاضة يناير كانون الثاني 2011.
وقال المصدر الآخر ”طرح السندات باليورو هدفه تنويع محفظة السندات وفئات المستثمرين في الإصدارات المصرية“. وتوقع محمد أبو باشا محلل الاقتصاد الكلي بالمجموعة المالية هيرميس أن يكون جزء من السندات المستهدفة ”لتغطية عجز الموازنة والجزء الآخر لسداد ديون مستحقة على مصر خلال الفترة المقبلة... لعل وزارة المالية تفضل إصدار السندات الدولية لانخفاض تكلفتها عن الاستدانة المحلية“.بحسب رويترز.
وجذبت أدوات الدين المحلية في مصر استثمارات أجنبية بأكثر من 15 مليار دولار منذ تحرير سعر الصرف في نوفمبر تشرين الثاني. وقال عمرو الجارحي وزير المالية المصري في تصريحات إن مصر تخطط لطرح برنامج سندات دولية جديد بقيمة عشرة مليارات دولار لكنه لم يذكر إطارا زمنيا.
اضف تعليق