تواجه صناديق الثروة السيادية الأكبر في العالم احتمالات هبوط أرباحها هذا العام بالمقارنة مع أرباح وفيرة في العام الماضي، بسبب عوائد ضعيفة نتيجة لتنويع استثماراتها بالدخول إلى الاقتصادات الناشئة، فقد استثمرت الصناديق السيادية بكثافة في الأسواق الناشئة وبخاصة عن طريق أسواق الأسهم والسندات، حيث تكلفة الاستثمار زهيدة والحجم كبير بما يكفي لاستيعاب استثمارات ضخمة,، وذلك بدلا من الدخول في صفقات استثمار مباشر لعلها أعلى عائدا لكنها غالبا ما تكون صغيرة للغاية وتتطلب جهدا شاقا للاستفادة منها، وفي مايو/أيار ذكر جهاز أبو ظبي للاستثمار إنه سيخفض المستوى المستهدف لانكشافه على أسهم الأسواق المتقدمة وأبقى مستوى الانكشاف على الأسواق الناشئة بدون تغيير، ورفع صندوق النفط الأذربيجاني البالغة قيمته 34 مليار دولار وزن الأسواق الناشئة في محفظته إلى 13% في العام الماضي من 9.5%.
وعلى نحو مماثل ذكرت صناديق من سنغافورة وروسيا على مدى العام المنصرم إنها عززت استثماراتها بأصول الأسواق الناشئة على حساب استثمارات الاسواق المتقدمة، وبحسب البيانات يخصص أكبر 38 صندوقا سياديا في العالم -والتي تستثمر نحو 900 مليار دولار عالميا في أسهم مدرجة- أكثر من ثلث الإجمالي للأسواق الناشئة بواقع 383 مليار دولار, وبزيادة 18% عن منتصف 2012، وتستحوذ الأسواق الناشئة في آسيا والشرق الأوسط -حيث منشأ عدد كبير من تلك الصناديق- على الجانب الأكبر من الكعكة, وذلك بواقع 227 مليار دولار و140 مليار دولار على الترتيب، وساعدت تلك الأصول -التي استفادت بدورها من تدفق أموال رخيصة من الاقتصادات المتقدمة- صناديق سيادية كثيرة على تحقيق أرباح في خانة العشرات عام 2012.
الصناديق السيادية تطارد "الفرص النادرة" في وادي السيليكون
يضخ المستثمرون السياديون مزيدا من الأموال في شركات التكنولوجيا الجديدة ويفتحون مكاتب في وادي السيليكون أملا في اقتناص الفرصة النادرة لشركة خاصة جديدة تنمو بسرعة لتتجاوز قيمتها المليار دولار، وتأمل صناديق الثروة السيادية، التي تدير أصولا تزيد قيمتها على 6.59 تريليون دولار، في أن تدر تلك الاستثمارات، التي لا تزال في مراحلها المبكرة، عائدات ضخمة إذا حققت الشركات الجديدة نموا مذهلا، لكن مثل تلك المشروعات الجديدة قد تتيح أيضا أداة تحوط للصناديق السيادية إذا واجهت حيازاتها في القطاعات التقليدية تهديدا من الشركات الرقمية، وعلى سبيل المثال سلاسل الفنادق العالمية التي تأثرت أنشطتها سلبا من الشركات التي تتيح الحجز عبر الإنترنت مثل إيربنب وهي نفسها من فئة تلك الشركات المستهدفة، وأجرت الصناديق السيادية 12 استثمارا العام الماضي في شركات جديدة في الولايات المتحدة بقيمة 12.4 مليار دولار ارتفاعا من أربعة استثمارات في 2012 بقيمة 202 مليون دولار بحسب بيانات جمعتها بتش بوك للبحوث.
وعلى مستوى العالم شهد العام الماضي 42 صفقة بين صناديق الثروة السيادية والشركات الجديدة بلغت قيمتها نحو 16.2 مليار دولار بحسب مركز بحوث الثروة السيادية بكلية الأعمال في مدريد، ويأتي تأسيس صندوق "رؤية سوفت بنك"، الذي يركز على المشروعات التكونولوجية برأسمال قدره 100 مليار دولار وهو مشروع مشترك بين صندوق الاستثمارات العامة السعودي ومجموعة سوفت بنك اليابانية، ليشير إلى أن تلك الاستثمارات الجديدة ستشهد نموا وخاصة بعدما تفتحت شهية الصندوق السعودي عليها إثر استثمار 3.5 مليار دولار في أوبر، وفي العام الماضي، شملت الصفقات التي شاركت فيها صناديق سيادية ضخ مليارات الدولارات في شركات مثل تشاينا إنترنت بلس وآنت فايننشال سيرفيسيز وهي إحدى شركات علي بابا الصينية.
وتختلف الأساليب التي تتبعها صناديق الثروة السيادية لاقتناص الفرص، فبعض الصناديق تخصص لتلك المهمة وحدات لرأس المال المغامر مثل فيرتكس فنشرز لصندوق تيماسيك وإمبالس التابعة للكويت، لكن المزيد من الصناديق السيادية تفتح مكاتب في وادي السيليكون بسان فرانسيسكو، وهو مركز لشركات التكنولوجيا الجديدة، وجهاز قطر للاستثمار هو أحدث صندوق يعلن خططا في هذا الصدد، وفقا لمجلة فورشن، فقد كان لدى الولايات المتحدة 101 شركة من تلك الفئة في 2016 مقابل 36 في الصين وثماني شركات في بريطانيا وسبع في الهند.
ولدى صناديق الثروة السيادية في سنغافورة وماليزيا مكاتب بالفعل في سان فرانسيسكو بينما فتح تيماسيك مكتبا هناك في أواخر 2016 وأجرى في يناير كانون الثاني استثمارا بنحو 800 مليون دولار في شركة تكنولوجيا تعمل في مجال الرعاية الصحية، وتجتذب لندن أيضا بعض الصناديق حيث أنشأ صندوق الثروة السيادية الماليزي (خزانة) مكتبا في لندن في مايو أيار لاستهداف مشروعات التكنولوجيا الأوروبية، ولدى صندوق الثروة السيادية السنغافوري جي.آي.سي مكتبا في لندن وهو مساهم في ألايد مايندس البريطانية التي لها أنشطة في قطاعي التكنولوجيا والرعاية الصحية.
الصناديق السيادية تسحب 18.4 مليار دولار من الأسواق
أظهرت بيانات من إي.فستمنت للأبحاث أن صناديق الثروة السيادية سحبت 18.4 مليار دولار من أسواق الأسهم والسندات العالمية في الربع الأول من 2017 رغم المكاسب القوية للأسهم في تلك الفترة، وتتعرض صناديق الثروة السيادية المدعومة بالنفط لضغوط منذ تهاوي أسعار الخام عن مستويات الذروة لمنتصف 2014 عندما كانت عند 115 دولارا إلى حوالي 52 دولارا للبرميل مع قيام الحكومات بالسحب من الصناديق لسد عجز الميزانيات.
وأظهر تقرير لمؤسسة بريكن للبحوث أن أصول صناديق الثروة السيادية العالمية سجلت نموا طفيفا للغاية لتبلغ 6.59 تريليون دولار في عام حتى مارس آذار 2017 لعوامل من بينها ضعف الأسواق وهبوط أسعار النفط وتغير سياسات الحكومات، وبحسب بيانات من بريكين للأبحاث في ابريل نيسان فقد استقرت أصول الصناديق السيادية العالمية عند 6.59 تريليون دولار في الاثني عشر شهرا حتى مارس آذار 2017 بسبب مزيج من الأداء الضعيف للأسواق وأسعار النفط المنخفضة وتحولات السياسات الحكومية، وتفيد أحدث الأرقام الصادرة عن إي.فيستمنت، التي تجمع البيانات من حوالي 4400 شركة تدير الأموال لصالح المستثمرين من المؤسسات، أن مبيعات الصناديق السيادية تجددت في الربع الأول بعد صافي مشتريات متواضع بلغ 382.3 مليون دولار في الربع الأخير من 2016، وسحبت الصناديق نحو 16.9 مليار دولار من صناديق الأسهم وسط بيع كثيف للأسهم الأمريكية التي فقدت 9.5 مليار دولار في حين فقدت صناديق الأسهم العالمية 490.6 مليون دولار فقط واجتذبت صناديق الأسهم العالمية الخاملة 1.7 مليار دولار.
وسحبت الصناديق 1.6 مليار دولار من صناديق أدوات الدخل الثابتة مع تركز البيع في السندات الأمريكية التي شهدت نزوح 2.5 مليار دولار، وجذبت صناديق السندات العالمية نحو مليار دولار تدفقات صافية وصناديق ديون الأسواق الناشئة 123 مليون دولار بعد استردادات لثلاثة أرباع متتالية، لكن صناديق أسهم الأسواق الناشئة واصلت المعاناة حيث شهدت استردادات بنحو 2.1 مليار دولار في الربع الأول، وفي مؤشر جديد على التقشف، سحبت صناديق الثروة السيادية 37.8 مليار دولار من استثماراتها في أسواق الأسهم والسندات العالمية.
ومن هنا يبدو واضحاً أن اعتماد الصناديق السيادية في اغلبها هو على الايرادات المتحققة من النفط، وبماأن اسعار النفط شهدت تدهور منذ العام 2014 لحد الان وان كان هناك تحسن طفيف في مستوى الاسعار، الا انه مازال الامر يحتاج لوقت طويل، وان ذهب البعض الى ان اسعار النفط لن تتحسن أكثر من ذلك، وبالتالي ستتأثر سيولة وحجم الصناديق بهذا المستوى من الاسعار، مادفع العديد من الدول الى ايجاد منافذ جديدة لتمويل صناديقها السيادية، مثل الاستفادة من الايرادات المتحققة من قطاع التكنولوجيا والصناعات الرقمية وماشابه في تمويلها، الا ان هذا الخيار قد يكون غير متاح للدول العربية بسبب ضعف صادراتها في هذا المجال فضلاً عن محدودية نوعيتها وانتاجها، مما جعلها تتجه نحو اتباع نهج المشاركة في هذه الصناديق، وعلى الرغم من ايجابية ذلك الى أن ذلك لايعني خلوها من السلبيات، مثل ان حجم الصناديق لن يكون كبيراً وثانياً هو تبعية هذه الدول للدول الاخرى التكنولوجية، وبالتالي يجعلها فقط ممولة وليست صاحبة قرار في هذه الصناديق.
اضف تعليق