في حين يبدو أن إدارة ترمب عاقدة العزم على تكرار أخطاء ثلاثينيات القرن العشرين، فلا يزال بإمكان بقية العالم تجنبها. ولأن الواردات الأميركية تمثل أقل من سدس الإجمالي العالمي، والصادرات الأميركية أقل من ذلك، فإن ما يهم حقا هو أن تظل التجارة بين بقية دول العالم حرة. بدلا...
بقلم: دانييل جروس

بروكسل ــ في الثاني من أبريل/نيسان، اقترح الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض رسوم جمركية شاملة على كل شركاء أميركا التجاريين تقريبا، ليتسبب بذلك في محو أكثر من 5 تريليون دولار من قيمة أسواق الأسهم العالمية، وتأجيج المخاوف من الركود.

 في مواجهة الانهيار المالي الوشيك، جرى آنذاك "إيقاف" الرسوم الجمركية "المتبادلة" مؤقتا لمدة تسعين يوما، ولكن استمر الانتقام المتبادل مع الصين، والذي أدى إلى معدلات سخيفة تجاوزت 100% من كلا الجانبين. سوف يُـفضي الإيقاف المؤقت لبقية تعريفات ترمب التي أعلنها في "يوم التحرير" إلى ثلاثة أشهر من المفاوضات المحمومة.

 ولكن إذا استجابت بقية دول العالم بحكمة، فسوف يكون من الممكن حصر الضرر بالكامل في الولايات المتحدة وربما حتى مع جرعة صغيرة من التحرير بالنسبة للجميع. وسوف يكون الاتحاد الأوروبي اللاعب الرئيسي القادر على جعل هذه النتيجة الحميدة في حكم الممكن.

هذه ليست المرة الأولى التي تتبنى فيها الولايات المتحدة تدابير الحماية على نحو مفاجئ. في عام 1930، أقر الكونجرس الأميركي قانون "سموت-هاولي"، السيء السمعة الآن، والذي زاد معدلات التعريفة الجمركية على قسم كبير من الواردات الأميركية بنسبة 40-60%. وفي حين وصلت معدلات البطالة إلى خانة العشرات في أعقاب انهيار وال ستريت في عام 1929، فلم تكن المنافسة الأجنبية هي السبب: فعلى النقيض من الحال اليوم، كانت الولايات المتحدة تدير فائضا تجاريا (والذي ما كانت الرسوم الجمركية لتفعل شيئا لتوسيعه). لكن قطاع الزراعة في الولايات المتحدة، الذي كان مبتلى بفائض الإنتاج كان يطالب بالحماية، وكذا كانت حال بعض القطاعات الصناعية، على الرغم من بروز أميركا كقوة صناعية. وأثبتت التعريفات الجديدة كونها شديدة الإضرار بالاقتصاد العالمي والنظام التجاري العالمي، ليس بسبب تأثيرها المباشر ــ حيث كانت التجارة تمثل أقل من 5% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي في ذلك الوقت ــ بل بسبب ردة الفعل من جانب بقية العالم.

في حين لم يكن بوسع الدول الأصغر حجما الاحتجاج إلا عبر القنوات الدبلوماسية، فإن عددا كبيرا من الاقتصادات الأكبر حجما فرضت تعريفات جمركية انتقامية ضد الولايات المتحدة. رفعت بعض البلدان ــ مثل فرنسا والمملكة المتحدة ــ التعريفات الجمركية على كل الواردات، وكان ذلك راجعا في جزء منه إلى حقيقة مفادها أن معاهداتها التجارية الثنائية القائمة مع الولايات المتحدة تضمنت في عموم الأمر بند "الدولة الأولى بالرعاية"، والذي منعها من فرض تعريفات جمركية على السلع الأميركية فقط. (لم ينتهك قانون سموت-هاولي هذه المعاهدات، لأن التعريفات الجمركية كانت واحدة على جميع البلدان، مع تفاوتها حسب الـمُـنتَـج). علاوة على ذلك، مع بداية الكساد العظيم، كانت الدول تبحث عن طرق لحماية اقتصاداتها، ومَـنَـحها الانتقام من الولايات المتحدة الغطاء السياسي اللازم لتحقيق هذه الغاية على وجه التحديد.

لم تستمر تعريفات سموت-هاولي لفترة طويلة. فقد أُبـطِـلَت فعليا عبر سلسلة من تدابير تحرير التجارة، بدءا من قانون اتفاقيات التجارة المتبادلة لعام 1934. لكن الضرر كان وقع بالفعل: فقد سجلت التجارة العالمية انكماشا حادا، وساء المناخ الجيوسياسي العالمي بدرجة كبيرة، الأمر الذي أدى إلى تعقيد تخفيضات التعريفة الجمركية المتبادلة.

اليوم، أصبحت التجارة أكثر أهمية للاقتصاد العالمي مما كانت عليه في ثلاثينيات القرن العشرين. فالواردات تعادل نحو 14% من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، وحوالي 18% من الناتج المحلي الإجمالي في الصين، وأكثر من 48% في الاتحاد الأوروبي. أما عن الصادرات، فتبلغ هذه الحصص نحو 11%، و20%، و52% على التوالي. وعلى هذا فإن التداعيات الاقتصادية المترتبة على حرب الرسوم الجمركية العالمية قد تكون أكبر كثيرا مما كانت عليه في ثلاثينيات القرن الماضي.

لم يُـسـفِـر التوقف المؤقت الذي أُعـلِـن في التاسع من أبريل/نيسان إلا عن تأجيل المشكلة. ونتيجة المفاوضات الثنائية العديدة غير مؤكدة إلى حد كبير لأن إدارة ترمب تتوقع بوضوح نتيجة غير متكافئة. إذ ينبغي لشركائها التجاريين فتح أسواقهم، لكن الولايات المتحدة لن تقدم لهم سوى تعريفات جمركية أقل إلى حد ما.

لكن قبول هذا التباين أمر صعب من الناحية السياسية، والانتقام في غياب اتفاق أمر مغر من الناحية السياسية، خاصة في نظر الدول الأكبر حجما التي ترغب في استعراض عضلاتها الجيوسياسية. لهذا السبب جاء انتقام الصين من الولايات المتحدة فوريا. ولكن لا فائدة اقتصادية تُـرجى من هذا النهج، وينبغي للاتحاد الأوروبي أن يقبل باتفاق غير متكافئ (أو على الأقل اتفاق يستطيع ترمب تقديمه على أنه انتصار).

قد يرد المرء بأنه في حين قد تشعر الاقتصادات الصغيرة بأنها مضطرة إلى الاستسلام للولايات المتحدة ــ فيتنام، على سبيل المثال، عرضت إلغاء الرسوم الجمركية على كل الواردات الأميركية ــ فإن قوة اقتصادية كبرى مثل الاتحاد الأوروبي يجب أن تقف في وجهها. لكن البرجماتية، وليس الغرور، هي التي يجب أن توجه استجابة أوروبا. ففي نهاية المطاف، لن يؤدي "الوقوف في وجه المتنمر" إلى زيادة نفوذ أوروبا الجيوسياسي، ومن غير المرجح أن تتأثر إدارة ترمب بالاستعراضات المثيرة من جانب أوروبا. في الوقت ذاته، سيدفع المستهلكون الأوروبيون الثمن.

يتعين على صناع السياسات الأوروبيين أيضا مقاومة إغراء الرد على "طوفان" السلع الصينية الرخيصة المحولة من السوق الأميركية إلى أوروبا. في ثلاثينيات القرن العشرين، ساعدت الجهود المبذولة لوقف تدفق الواردات المحولة من الولايات المتحدة ــ والتي تجسدت في قانون الواردات غير الطبيعية في المملكة المتحدة لعام 1931 ــ على تحويل تدابير الحماية الأميركية إلى حرب تجارية عالمية. وأي جهد من جانب الاتحاد الأوروبي للحد من الواردات الصينية سيكون غير مناسب بدرجة أكبر اليوم، لأن المصدرين الأوروبيين سيتمتعون بميزة جمركية هائلة على منافسيهم الصينيين في السوق الأميركية، بما يتجاوز في المجمل 80 نقطة مئوية. بالنظر إلى هذا، قد تعمل زيادة صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، إلى جانب زيادة الأرباح من المصانع الأوروبية هناك، على التعويض عن التأثير المترتب على ارتفاع الواردات الصينية.

الخبر السار هو أنه في حين يبدو أن إدارة ترمب عاقدة العزم على تكرار أخطاء ثلاثينيات القرن العشرين، فلا يزال بإمكان بقية العالم تجنبها. ولأن الواردات الأميركية تمثل أقل من سدس الإجمالي العالمي، والصادرات الأميركية أقل من ذلك، فإن ما يهم حقا هو أن تظل التجارة بين بقية دول العالم حرة.

بدلا من اتخاذ خطوات قصيرة النظر لحماية سوقه المحلية أو ممارسة ألعاب القوة الـهَـدّامة مع الولايات المتحدة، ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يعمل على حشد تحالف من الدول المماثلة له في الفِـكر لدعم النظام التجاري العالمي المفتوح القائم على القواعد الذي نبذته الولايات المتحدة. هذه هي الزعامة العالمية الحقيقية.

* دانييل جروس، مدير معهد صنع السياسات الأوروبية في جامعة بوكوني.

https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق