بعد اكتمال سداد التعويضات، وحل لجنتها وإغلاق الصندوق وإعادة متبقياته إلى العراق، هل يُعقل أن فسحة الحكومة للتحكم بإيرادات النفط والبنك المركزي في فتح الحسابات والتحويلات تصبح أقل مما كانت عليه !!؟. يبدو أن عقبات سيكو – سياسية تمنع رؤية الوقائع كما هي، ويصل الأمر حد النفور...

أشرت في مقالي السابق إلى أهمية تمييز استلام إيرادات النفط عن التصرف بها. إذ من المعروف أن الموازنة المالية العامة للعراق هي كافة الإيرادات وتخصيصها بين مختلف الاستخدامات. ومنذ تشكيل حكومة الدكتور أياد علاوي، والتي كانت لها صلاحية تشريعية أيضا، تصرفت السلطات العراقية بجميع إيرادات النفط، عدا حصة صندوق التعويضات، بكامل الحرية المعهودة في دولة مستقلة ذات سيادة.

واسأل هل كان مجلس الأمن يُقيّد الحكومة بتعليمات لتخصيص الموارد بين القطاعات، مثلا، أو هل يعرض مجلس النواب الموازنة على مجلس الأمن للموافقة عليها قبل إقرارها. هل لدى وزارة المالية دليل على تدخل لجنة المشورة والمراقبة، التي عينها مجلس الأمن عند استحداث الصندوق العراقي للتنمية DFI، في القرار المالي، لا أبدا. وهذا ما قصدته بأن استلام إيرادات النفط في مكان محدد وحيد بعد عودة الحكم الوطني لا يعني مصادرة حق العراق في إدارة أمواله. ولا يعقل أن تلك الممارسات كانت بخلاف قرارات مجلس الأمن تحت الفصل السابع، ونحن استغفلناهم.

نأتي الآن إلى أرصدة البنك المركزي، وقد راجعتُ مع القراء الكرام الميزانيات العمومية للبنك المركزي، والتي بَيّنت ودائعه في البنوك الوطنية لمنطقة اليورو، فرنسا وهولندا وإيطاليا؛ وفي حيازته، حسب التقارير الرسمية المنشورة، أدوات دين حكومي من تلك المنطقة؛ وكذلك كانت له ودائع في بريطانيا والإمارات العربية، خلال سنوات الصندوق العراقي للتنمية، وبعدها اتسعت قائمة الدول بغض النظر عن المبالغ، لأن المسألة حرية البنك المركزي في إدارة احتياطاته خارج البنك المركزي الأمريكي، الاحتياطي الفدرالي، والتي كانت، ولم تزل، مضمونة.

يعني أن البنك المركزي ينقل أرصدته خارج الولايات المتحدة إلى بنوك مركزية أخرى وغيرها استنادا إلى تلك الوثائق الرسمية، دون المعلومات الشخصية والتي أتجنبها إذ لا يستطيع القارئ التأكد منها. وهذه مسلمات يفترض الاتفاق تلقائيا عليها دون الحاجة إلى إثبات الواضح، وهو منهك ويصيب الإنسان بالإحباط.

والآن، بعد اكتمال سداد التعويضات، وحل لجنتها وإغلاق الصندوق وإعادة متبقياته إلى العراق، هل يُعقل أن فسحة الحكومة للتحكم بإيرادات النفط والبنك المركزي في فتح الحسابات والتحويلات تصبح أقل مما كانت عليه !!؟. يبدو أن عقبات سيكو – سياسية تمنع رؤية الوقائع كما هي، ويصل الأمر حد النفور من الحقيقة، وهي من مخلفات سنوات الحصار والاحتلال.

بلغني تصور بعص القراء أن أموال العراق في الاحتياطي الفدرالي محمية بالأمر التنفيذي للرئيس الأمريكي، ولذلك بقاء استلام إيرادات النفط هناك أفضل. المقالة تطرح عدم التقيد باستلام إيرادات النفط في مكان واحد دون مناقشة مبدأ التعامل مع الاحتياطي الفدرالي؛ كما أن منح الحصانة لأموال العراق بالأمر التنفيذي للرئيس الأمريكي قد توقف العمل به منذ عام 2014، فلم تعد هذه الميزة متاحة.

ولأن الإحالة إلى المصادر لا تؤدي الغرض، نقتبس عنوان الأمر التنفيذي للرئيس الأمريكي رقم 13668 في 27 مايس 2014 لإنهاء الحصانة الممنوحة لأموال العراق في الاحتياطي الفدرالي، وبعد العنوان نص الأمر:

Executive Order 13668 of May 27, 2014 Ending Immunities Granted to the Development Fund for Iraq and Certain Other Iraqi Property and Interests in Property Pursuant to Executive Order 13303, as Amended

I hereby order:

Section 1. The prohibitions set forth in section 1 of Executive Order 13303 of May 22, 2003, as amended by Executive Order 13364 of November 29, 2004, are hereby terminated.

ونعود إلى عنوان المقال "العراق لم يعد مُلزَما باستلام إيرادات النفط في الاحتياطي الفدرالي الأمريكي / والمنشور في شبكة الاقتصاديين العراقيين" هذا مؤكد في قرار مجلس الأمن 1956 صراحة وليس تأويلا مني لمضمون القرار، ولذا اثرت اقتباس النصوص ذات العلاقة من قرار مجلس الأمن الدولي 1956 الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته ٦٤٥٠ المعقودة في ١٥/كانون الأول ديسمبر ٢٠١٠ وهو منشور باللغة العربية:

“يقـــــرر أن ينـــــهي في ٣٠ / حزيـــــران يونيـــــه ٢٠١١ الترتيبـــــات المحـــــددة في الفقــرة ٢٠ مــن القــرار ١٤٨٣) لسنة ٢٠٠٣ (بــشأن إيــداع العائــدات المتأتيــة مــن مبيعــات صادرات النفط والمنتجات النفطية والغاز الطبيعي في صندوق تنمية العراق. والترتيبات المـشار إليهـا في الفقـرة ١٢ مـن القـرار ١٤٨٣) ٢٠٠٣ (والفقـرة ٢٤ مـن القـرار ١٥٤٦) ٢٠٠٤ (بشأن قيام المجلس الدولي للمـشورة والمراقبـة برصـد صـندوق تنميـة العـراق. ويقـرر كـذلك أن تظــل أحكــام الفقــرة ٢٢ مــن القــرار ١٤٨٣) ٢٠٠٣ (ســارية حــتى ذلــك التــاريخ، رهنــا بالاستثناء المنصوص عليـه في الفقـرة ٢٧ مـن القـرار ١٥٤٦) ٢٠٠٤،(بمـا في ذلـك مـا يتعلـق بالأموال والأصول المالية والموارد الاقتصادية الوارد بيانها في الفقرة ٢٣ من ذلك القرار؛”يرحـب بقـرار حكومـة العـراق ألا تطلـب أي تمديـد آخـر لترتيبـات صـندوق تنمية العراق، ويؤكد على ذلك؛ ويقرر كذلك أن هذا التمديد هو التمديـد الأخـير لترتيبـات صندوق تنمية العراق” و" يقــرر أن يتوقــف بعــد تــاريخ ٣٠/حزيــران يونيــه ٢٠١١ تطبيــق مقتــضيات الفقرة ٢٠ من قرار مجلس الأمن ١٤٨٣) ٢٠٠٣ (الـتي تـنص علـى أن تـودع جميـع العائـدات الآتية من مبيعات صادرات العراق مـن الـنفط والمنتجـات النفطيـة والغـاز الطبيعـي في صـندوق تنمية العراق، ويؤكد استمرار تطبيق مقتضيات الفقرة ٢١ من القرار المذكور الـتي تـنص علـى أن تودع نسبة ٥ في المائة من العائدات الآتية من مبيعات صـادرات الـنفط والمنتجـات النفطيـة والغاز الطبيعي في صندوق التعويضات المنشأ وفقا للقرار( ٦٨٧) ١٩٩١ والقـرارات اللاحقـة ذات الصلة، ويقرر كذلك أن تودع في صندوق التعويضات نـسبة ٥ في المائـة مـن قيمـة جميـع المــدفوعات غــير النقديــة للــنفط والمنتجــات النفطيــة والغــاز الطبيعــي المــسددة إلى مقــدمي الخدمات، وأن تكـون المتطلبـات المـذكورة أعـلاه ملزمـة لحكومـة العـراق مـا لم تقـرر حكومـة العراق ومجلس إدارة صندوق الأمم المتحدة للتعويضات خلاف ذلك، في إطار ممارسـة سـلطته على طرق كفالة تسديد المدفوعات في صندوق التعويضات".

الأصل أن العراق دولة مستقلة تامة السيادة وهذا مؤكد في قرارات مجلس الأمن حتى زمن سريان قرارات تحت الفصل السابع. العراق لا يحتاج موافقة مجلس الأمن او غيره للتصرف الحر بموارده. القرارات من مجلس الأمن مُلزمة، وهي قيود بهذا المعنى، وعندما تنتهي حاكميتها تعود الأمور إلى وضعها الطبيعي. ما أن ينتهي القرار لم تعد لمجلس الأمن ولاية على الشأن موضوع القرار، ولهذا لا نعود إليه للترخيص أو السؤال.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2023
www.fcdrs.com

اضف تعليق